إستراتيجية موحدة: التنسيق المصري– الجزائري لمواجهة الإرهاب في ليبيا
شكلت عملية اختطاف المصريين في ليبيا وذبحهم على أيدي متطرفي تنظيم داعش الإرهابي، العديد من علامات الاستفهام حول جدوى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة هذا التنظيم،مما يستوجب معه القول؛ إنه قد حانت اللحظة لكي تقود الدول العربية هذه المعركة بنفسها، وأن تسخر كل إمكاناتها لمواجهة هذا الخطر الداهم، وألا تنتظر لكي تُحل مشكلات المنطقة بأيدٍ خارجية.
ولا شك القول؛ إن التحدي الخطير الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هو كيفية تشكيل تحالف عربي لمواجهة الإرهاب على الرغم من وجود كل هذه الخلافات العالقة بين الدول العربية، وبالتالي من الممكن الاعتماد على آلية أخرى تتعلق بالتنسيق الثنائي والمشترك بين دول الجوار الليبي ( مصر والجزائر على الأخص)، مما يدفعنا إلى التساؤل عن الدوافع التي من الممكن أن تحرك تحالفًا مصريًا جزائريًا لمواجهة الإرهاب في ليبيا في ضوء البيئة الإقليمية المعقدة التي يشهدها عالمنا العربي.
أولا- دوافع مشتركة للتنسيق الموحد
هناك مجموعة من الدوافع المشتركة، والتي من الممكن أن تدفع باتجاه تشكيل تحالف مصري جزائري لمواجهة الإرهاب في ليبيا منها الآتي:
1- خطر الإرهاب المتجدد، وتهديده لدول الجوار الليبي: فقد أضحى الوضع في ليبيا بالغ الخطورة نتيجة لسيطرة الجماعات الجهادية على الأراضي الليبية، وتمدد تنظيم داعش الإرهابي هناك، مما خلف معه حالة من الفوضي، نتيجة لتناحر القوى السياسية الليبية وعدم القدرة على التوافق لإخراج البلاد مما تعانيه. هذا الوضع الحرج الذي تعانيه طرابلس أثر بصورة شديدة على دول الجوار، وقد اتخذ ذلك عددًا من الأساليب منها على سبيل المثال تغذية الإرهاب في الأراضي المصرية من خلال عمليات تسريب الأسلحة والعمل على نشر الفوضى، فضلًا عن تدفق اللاجئين الليبيين والجهاديين إلى دول الجوار، مما يشكل معه مزيدًا من الضغوط على اقتصاديات تلك الدول الضعيفة، إلى جانب التأثير على أوضاع العمالة الموجودة في ليبيا وترويعهم، كما حدث مع العمالة المصرية هناك، حيث تقوم السلطات المصرية حاليًا بعملية إجلاء واسعة لرعاياها الموجودين في ليبيا بسبب سوء الأوضاع الأمنية في المدن المختلفة وعلى الأخص في درنة وسرت، ومصراتة، والتي أصبحت مرتعًا لتنظيم داعش، حيث تسيطر ميلشيات التنظيم على هذه المدن بصورة شبه كاملة.
2- الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية ودعم استقرارها: وهو ما أكدت عليه دول الجوار في اجتماعات وزراء الخارجية لمناقشة الأزمة الليبية، حيث تم الاتفاق على تشكيل لجنة سياسية تقودها مصر من أجل التوصل لتفاهمات حول شكل العملية السياسية في الأراضي الليبية، مع تنبي مبدأ ضرورة الحفاظ على سيادة ليبيا ووحدتها واستقلال أراضيها، وبالتالي هذا هدف مشترك بين مصر والجزائر، يدفعه عدد من العوامل منها؛ العمل على الوقوف ضد محاولات التقسيم المتكررة للمنطقة العربية وإضعافها لصالح الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى الخوف من أن يقود تقسيم ليبيا إلى موجات عاتية وتناحر بين القوى المختلفة لتقسيم الدول العربية جميعها، كما أنه من شأن تحقيق الاستقرار في ليبيا، أن يقود ذلك إلى استقرار أوضاع دول الجوار.
3- الحاجة لإستراتيجية عربية لمواجهة الإرهاب: فقد أيقنت الدول العربية أن الولايات المتحدة الأمريكية غير جادة في محاربة الإرهاب، خاصة في ظل الحديث على أن داعش هي صناعة غربية، من أجل إيجاد مبرر للتدخل في الشئون الداخلية للدول العربية ونهب ثرواتها، فلم تفلح حتى الآن الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة تنظيم داعش، بل على العكس مازال هذا التنظيم يتوسع ويسيطر على الأراضي العربية ويهدد الدول ذات السيادة، فلا يستطيع أحد أن ينكر مطلقًا، أن الولايات المتحدة هي التي أسست القاعدة وموّلتها وتحالفت معها من أجل التخلص من الاتحاد السوفيتي بعدما فشلت في تحقيق ذلك عسكريًا، وما زالت هذه التجربة الناجحة من وجهة النظر الأمريكية، قابلة للتطبيق في منطقة الشرق الأوسط عبر خلق كيانات متطرفة لهدم وتفكيك بنية الدول العربية، وذلك من أجل الحفاظ على ثواب الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة بدءًا من حماية أمن إسرائيل ووصولًا إلى ضمان استمرار تدفق البترول العربي. ولذلك أضحت الدول العربية في حاجة إلى استراتيجية مشتركة لمواجهة الإرهاب بعيدًا عن تدخلات القوى الكبرى، هذه الإستراتيجية أو التفاهم العربي لن يُكتب له النجاح إلا من خلال طي خلافات الماضي والحرص على مستقبل الدول العربية جميعها.
ثانيا- آليات التنسيق المصري الجزائري
هناك عدد من الآليات التي من الممكن أن تعتمد عليها الدولتان في التنسيق بينهما لمواجهة خطر الإرهاب المتصاعد في ليبيا، وذلك بتسخير الأدوات التي تمتلكها كل من مصر والجزائر لهذا العمل كالتالي:
أ- : تنسيق أمني وعسكري بين الدولتين: وقد كان هذا البعد شديد الوضوح في زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الجزائر، لدعم التنسيق الأمني مع الجانب الجزائري فيما يتعلق بتأمين الحدود وتبادل المعلومات حول الأوضاع المتفجرة في الأراضي الليبية، وقد انعكس ذلك أيضًا في تصريحات المسئولين الجزائريين، حيث وسعت قيادة الجيش الجزائري تنسيقها الأمني والعسكري مع دول الجوار لمكافحة الإرهاب وضبط الحدود، لتشمل خمس دول جديدة وهي؛ مصر وتونس وتشاد ونيجيريا وبوركينافاسو،بعدما كان هذا التنسيق يشمل ثلاث دول فقط،وهي ما تسمى بدول الميدان وتضم موريتانيا ومالي والنيجر التي ترتبط معها باتفاقية أمنية تم توقيعها بمدينة تمنراست أقصى جنوب الجزائر في يوليو عام 2010. وبالتالي فإن هذا التنسيق سوف يفيد الجانبين كثيرًا في التعرف على بؤر الإرهاب ورصدها بدقة، وتحديد مدى قوتها، لوضع الإستراتيجية المناسبة للتعامل معها، فقد يشمل التنسيق بين الجانبين؛ غرفة عمليات عسكرية مشتركة، والتعاون العسكرى العام فى مجال التدريب والتموين والإمداد، ونقل المعلومات، خاصة بعد تردد المعلومات عن سعي داعش لتكوين فرع جديد في المغرب العربي باسم دامس، أي الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي، معتمدين على تدفق الجهاديين إلى دول تلك المنطقة واستغلال الوضع في ليبيا، من أجل التوغل في الجزائر ودول المغرب العربي.
ب- التحرك من خلال قوة عربية لمواجهة الإرهاب: وقد أصبحت تلك ضرورة ملحة كما أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي في خطابه يوم الأحد الموافق 22 فبراير 2015، وهو ما يقتضي مزيدا من التكاتف والتلاحم العربي والتأكيد على وحدة المصير المشترك. وهذا الهدف الإستراتيجي يتطلب تعاونًا مثمرًا من كل الدول العربية، وجهودًا مضنية من جامعة الدول العربية، فمثل هذا التوجه يتبناه أيضًا الأمين العام للجامعة، الدكتور نبيل العربي، حيث أكد على ضرورة تبني إستراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب، ضمن منظومة دفاعية وفق اتفاقية الدفاع العربي المشترك , وقد أعدت الجامعة دراسة للنظر فى إمكانية تشكيل قوة تدخل عربية مشتركة لدحر الإرهاب وذلك وفقًا لميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، التي تتضمن إيجاد نظام دفاع عربي مشترك مرن ومتكامل للدفاع الجماعي وحفظ السلم والأمن فى المنطقة وإنشاء قيادة عامة موحدة لقوات التدخل العسكرية وفقًا لمقتضيات المعاهدة أو أي صيغة أخرى يتم التوافق عليها.
ج- العمل على ضرورة النظر في أهداف التحالف الدولي القائم لمواجهة الإرهاب، من أجل توسيعها لتشمل كل التنظيمات الجهادية والإرهابية في المنطقة العربية: من خلال التنسيق الدبلوماسي المصري الجزائري لتعزيز ذلك التوجه، والاعتماد على البنود التي أعلنتها الدولة المصرية إبان تشكيل التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، حيث اشترطت مصر آنذاك ضرورة توسيع الحرب على الإرهاب بالمنطقة، لتضم التنظيمات المسلحة في ليبيا، وتوضيح أهداف هذه الحرب وتحديد جدول زمني لها، وضرورة تنسيق المواقف بين جميع الدول المشاركة في الحرب. كما أكد على ذلك الرئيس المصري خلال لقائه جان إيف لو دريان، وزير الدفاع الفرنسي، من أن التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب يجب ألا يقتصر على تنظيم بعينه أو القضاء على بؤرة إرهابية بذاتها، ولكن من الأهمية بمكان أن يمتد ذلك التعاون ليشمل جميع البؤر الإرهابية سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في إفريقيا، في إطار إستراتيجية شاملة.
ثالثًا- تحديات التنسيق والتعاون المصري الجزائري
لا جرم القول، إن التنسيق المصري الجزائري لمواجهة الإرهاب في ليبيا، قد يصطدم بعدد من التحديات المعرقلة لهذا التعاون، منها ما هو داخلي وما هو خارجي، كما يتضح:
1- العمالة المصرية والجزائرية في ليبيا: فأوضاع العمالة الموجودة هناك والقادمة من دول الجوار، صعبة للغاية، وذلك نتيجة لحالات الخطف والاحتجاز التي تحدث لهم على أيدي الجماعات المسلحة. وتشير التقديرات إلى أن حجم العمالة المصرية في ليبيا تزيد على المليون ونصف عامل، كما أن هناك أعداد كبيرة من العمالة الجزائرية في ليبيا. وبعد سقوط القذافي تدهورت أوضاع العمالة الأجنبية في ليبيا كثيرًا، وسقط عدد منهم قتلى لابتزازات من قبل تلك الجماعات المتطرفة وآخرها مقتل 21 مصريًا، وبعد أن قامت مصر بالرد على تلك العملية بضرب بعض مواقع تنظيم داعش في ليبيا، ازدادت أوضاع العمالة المصرية سوءًا بعد مطالبة ميلشيا فجر ليبيا للعمال المصريين مغادرة البلاد في 48 ساعة، فيما ترددت الأنباء عن خطف عدد آخر من العمال هناك، ولا يختلف الوضع بالنسبة للعمالة الجزائرية والتي تواجه أوضاعًا صعبة هي الأخرى؛ حيث سحبت شركة سوناطراك الجزائرية عمالها من ليبيا البالغ عددهم 50 جزائريا أغلبهم مهندسون يعملون في حقول النفط.
2- التحدي الاقتصادي: فتردي الأوضاع الاقتصادية في مصر والجزائر قد يقف عائقًا أمام التنسيق المصري الجزائري لمواجهة الإرهاب في ليبيا، نظرًا للتكلفة العالية لتوجيه ضربة موحدة بين البلدين للإرهاب في طرابلس، فمصر تعاني وضعًا اقتصاديًا صعبًا بعد ثورة 25 يناير، نتيجة لعدم استقرار الأوضاع الداخلية وتدهور الدخل القومي من السياحة، وضعف القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية، أما الجزائر فهي الأخرى تعاني من سوء الأوضاع الاقتصادية خاصة بعد الانخفاض المفاجئ لأسعار البترول العالمية، والذي تعتمد عليه البلاد بشكل أساسي ومباشر في تمويل الموازنة العامة للدولة، فضلًا عن الارتفاع الشديد للأسعار، وتدهور القوة الشرائية للمواطن الجزائري، وتراجع حضور الدولة في دعم الفئات الهشة.
3- الحظر الدولي المفروض على تسليح الجيش الليبي: من خلال القرار الذي اتخذه مجلس الأمن في ليبيا والمتعلق بفرض منطقة حظر جوي على الطيران الليبي، القرار 1973، والذي حظر أيضًا تدفق الأسلحة إلى الأراضي الليبية، وبالتالي ترك ليبيا تعاني من المتشددين والمتطرفين، ولذلك طالب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مجلس الأمن الدولي بحتمية رفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبي من خلال دعمه بالسلاح والآليات الكفيلة لمواجهة الجماعات الإرهابية من «داعش» وغيره، وهو نفس المطلب الذي تقدم به وزير الخارجية الليبي، محمد الدايري، أيضًا، في ذات الجلسة التي عُقدت حول الأوضاع في ليبيا في 18 فبراير 2015. وفرض هذا الحظر سيقود بالطبع إلى مشكلة صعبة تواجه التنسيق المصري الجزائري، إذا ما أرادا تغذية الجيش الليبي بالأسلحة المتنوعة وتدريبه عليها.
4- التحدي الإقليمي: والذي يتضح بالأساس في الموقف القطري والتركي مما يحدث في ليبيا، فقد اعترضت قطر على تسليح الجيش الليبي في الوقت الذي وافقت فيه جميع الدول العربية على رفع ذلك الحظر، كما تحفظت على الضربة الجوية المصرية، وعلى إثر ذلك اتهمتها القاهرة بدعم الإرهاب في ليبيا، حيث انتقد السفير طارق عادل، مندوب مصر الدائم لدى الجامعة العربية، قطر لتحفظها على الضربات الجوية المصرية في ليبيا واتهم الدوحة بدعم الإرهاب والخروج على التوافق العربي، مما دفع الدوحة إلى سحب سفيرها في القاهرة للتشاور، وعلى الجانب الآخر فإن تركيا هي الأخرى متورطة في دعم الجماعات المسلحة هناك، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الليبي، عبد اللـه الثني. ولذلك يرى بعض المحللين أن تحفظ قطر على الضربة الجوية المصرية، هو في نفس الوقت دعم للموقف التركي، فمن المعلوم أن تركيا تساند وبقوة جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
5- التحدي الدولي: والذي تجلت صورته في رفض تسليح الجيش الليبي والتمسك بالحل السياسي للأزمة خلال جلسة مجلس الأمن؛ حيث تمسكت تلك الدول وعلى رأسها، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بضرورة استكمال الحوار الوطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية. ولا شك أن مثل هذا المنحى من قبل المجتمع الدولي سوف يقوي شوكة الإرهاب في ليبيا في قابل إيامه، وسوف يؤثر بالطبع على التنسيق المصري الجزائري لمواجهة تلك الظاهرة، حيث ستقف واشنطن وحلفاؤها دومًا ضد أي تحرك خارج مجلس الأمن في ليبيا.
* مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.