مصر وروسيا: ديبلوماسية السلاح والقمح .. والطاقة النووية
حنين روسيا إلى المياه الدافئة لم ينقطع طوال تاريخها ولم يقل على مر الزمن. وعلى الرغم من أن روسيا (الوريث الرئيسي للإتحاد السوفييتي) هي قوة برية وجوية وفضائية قاتلة، إلا أنها كانت دائما أقل قوة في بحار العالم. وربما تكون هذه عقدة تاريخية متوطنة في الإستراتيجية الروسية. وبسببها فإن صناع السياسة في موسكو يشعرون كثيرا بالضعف تجاه المياه الدافئة! ليس فقط في الإستراتيجية ولكن في كل نواحي الحياة تقريبا. وقد استخدمت روسيا كل الوسائل الممكنة لتأمين نافذة أو نوافذ مشمسة دافئة تطل منها على العالم وعلى شواطئ البحر المتوسط ومنطقة البلقان.
أولاً: محطات أساسية
على الرغم من سوء الحظ الذي حالف فلاديمير لينين في سعيه للتقارب مع العرب على حساب بريطانيا وفرنسا عندما نشر محاضر ووثائق سايكس – بيكو (مايو 1916) بعد قيام الثورة البلشفية، فإن محاولات روسيا لم تتوقف لمد يد الصداقة والتعاون مع الدول الجديدة التي قامت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية في الشرق. وقد استطاعت روسيا، التي كانت تتمتع بوجود تجاري فعلي في الإسكندرية وبورسعيد والقاهرة ضمن الجاليات الإجنبية التي تغللت في أرجاء الدولة العثمانية، أن تعقد اتفاقا تجاريا مع مصر في عام 1948 لمقايضة الأخشاب والحبوب الروسية بالقطن المصري، على أساس المقايضة العينية، وهو نمط من المعاملات التجارية سنراه قد غلب فيما بعد على المبادلات بين مصر والإتحاد السوفييتي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
لكن الخمسينات شهدت تحولا نوعيا في العلاقات المصرية السوفييتية، حيث لعبت ما يمكن أن نطلق عليها "ديبلوماسية السلاح" دور "المحرك" الذي يمنح القوة لهذه العلاقات على مدى ما يقرب من 20 عاما. كانت مصر بعد ثورة يوليو 1952 في حاجة لإعادة بناء قوتها العسكرية على أساس مستقل. وكانت روسيا تبحث عن التمدد والإنتصار في المباراة السلمية (الحرب الباردة). واغتنم الضباط الأحرار هذه الفرصة الفريدة التي أتاحتها الحرب الباردة للحصول على مكاسب عسكرية من الإتحاد السوفييتي، اتسع نطاقها بسرعة مع اتساع نطاق الحرب الباردة، لتغطي مجالات كثيرة في عمليات إعادة البناء والتنمية، شملت الصناعات الثقيلة والهندسية ومحطات وشبكات الكهرباء والزراعة واستصلاح الأراضي، كما شملت التعليم والبحث العلمي والبعثات الدراسية. وكان تسليح الجيش المصري وبناء السد العالي هما العنوانان الأوضح لهذه المرحلة التي امتدت حتى افتعل الرئيس المصري الراحل أنور السادات أزمة كبرى في هذه العلاقات بطرد الخبراء العسكريين الروس من مصر، بعد أشهر قليلة من وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. وبطرد الخبراء الروس ثم إلغاء معاهدة الصداقة والتعاون وقطع العلاقات الديبلوماسية مع الإتحاد السوفييتي، طويت مرحلة مهمة من تاريخ مصر.
وانتقلت مصر من "الفلك السوفييتي" بسرعة البرق إلى "الفلك الأمريكي"! وحل الترحيب بالرئيس الأمريكي نيكسون محل الترحيب بالزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، وأصبحت مصر تحتفي بوجبات ماكدونالد وكنتاكي الأمريكية السريعة أكثر مما كانت تحتفي بالكافيار الروسي. هكذا تغير وجه السياسة المصرية بسرعة. بل وراحت مصر تحرض ضد الروس في المنطقة (سورية والجزائر وليبيا والعراق) بغرض تقليل مكانة السوفييت في هذه الدول. كانت الحرب الباردة إذن هي البوابة التي دخل منها السوفييت (الروس) إلى مصر، وكانت المفارقة إنهم منها أيضا خرجوا!
لكن العالم تغير كثيرا منذ ذلك الوقت. سقط الإتحاد السوفييتي وتفكك، وانتهت الحرب الباردة، وتراجع كثيرا دور الدول، وزاد في مقابله دور الأقاليم والتجمعات الإقليمية ذات الطابع السياسي أو الإقتصادي أو العسكري. كما تغيرت خريطة المنطقة العربية حيث حلت الصراعات فيما بين الدول العربية وفي داخل كل دولة محل الصراع العربي- الإسرائيلي، ونشأت أقطاب معادية إقليمية وتحولت إلى مصادر للتهديد المباشر للعرب مثل إيران وتركيا.
ثانياً: ركائز انطلاقة جديدة
الآن وبعد أن تغيرت الدنيا، يعود الدفء إلى العلاقات المصرية – الروسية ثانية، تقريبا من البوابات نفسها التي شهدت استقبال كل طرف منهما للأخر من قبل: ديبلوماسية السلاح وديبلوماسية القمح.. وديبلوماسية الطاقة! روسيا ما تزال وستظل دائما في حاجة إلى المياه الدافئة. ومصر بظروفها الحالية ما تزال في حاجة إلى السلاح والقمح والطاقة، مصادر الأمن الرئيسية لها بجانب المياه.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى أي مدى يدرك كل من الطرفين تأثير التغيرات العالمية الراهنة على ديبلوماسية السلاح والقمح والطاقة؟ وإلى أي حد تدرك الإدارة السياسية سواء تلك في موسكو أو الأخرى في القاهرة أن صراعات الحرب الباردة لم تعد هي المحرك لتحالفات دولية أو إقليمية؟ إن الخطأ في إدراك طبيعة العلاقات المصرية- الروسية في الوقت الحاضر يمكن أن يؤدي إلى إرباك سياسات ومصالح كل من الدولتين، وربما إلى تعريض العلاقات نفسها لحالة من التأرجح تعكس تأرجح نظرة أي منهما أو كل منهما إلى العالم.
لقد اصطحب الرئيس عبد الفتاح السيسي ضيفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (مساء 9 فبراير 2015) إلى عشاء في الدور الأعلى من برج القاهرة الذي تم بناؤه بأموال أمريكية كانت مقدمة على سبيل الرشوة إلى جمال عبد الناصر لإقامة برج للتجسس في مصر، بعد حفل فني مبهج في دار الأوبرا المصرية التي بنيت بأموال يابانية، فهل قصد السيسي من الحفل الفني والعشاء أن يوجه رسالة إلى بوتين نفسه أم إنه قصد أن يوجه هذه الرسالة من على بعد إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما؟ كثير من الكتاب وصناع الرأي العام شدد على أن هذه كانت "رسالة شديدة اللهجة إلى واشنطن"! إذا صح هذا التقدير فنحن في ورطة حقيقية.
إن سياسة مصر الخارجية تعرضت في العقود الأخيرة لحالة من الفوضى والإرتباك بسبب قصر النظر في إعداد التقديرات، وبسبب نقل ملفات السياسة الخارجية إلى الأجهزة الأمنية التي يقوم العمل فيها على قاعدتي الطاعة والولاء. في هذا السياق خضعت السياسة الخارجية للأهواء الشخصية للقائمين على الملفات المختلفة، ولم يجمع بينها رابط. لأن الرابط الحقيقي هو المصلحة الوطنية. وطالما إن المصلحة الوطنية في العقود الماضية، على الأقل خلال حكم مبارك، كانت تخضع للمصالح الضيقة للشلة الحاكمة، فقد ضاعت أو تاهت أو اختفت وراء الضباب. ملف القضية الفلسطينية إنتقل إلى الراحل عمر سليمان وجهاز المخابرات العامة. ملفات ليبيا والسودان وأثيوبيا كانت على الأرجح بيد صفوت الشريف والأجهزة المعاونة له. أما ملف الخليج بما فيه ومن فيه، فقد اختص به الرئيس المخلوع نفسه! وترنحت ملفات أخرى مثل العراق وإيران ولبنان وسورية في مكاتب موظفين أو جنرالات بعيدين تمام البعد عن العالم الحقيقي، ويعملون بطريقة الفهلوي الشاطر الذي يقول ما يريد الرؤساء أن يسمعوه منه ويرضيهم. أما ملفات العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي فكان يتم ترتيبها وإدارة أولوياتها بواسطة الجانب الآخر!!
وتحتاج إدارة العلاقات المصرية – الروسية إلى قدر كبير من المهارة، وهو ما يتطلب أن يخلي أهل الفهلوة والنفاق مكانهم لكادر جديد يبني تقديراته على العلم والدراسة والفهم العميق النابع من التعامل مع العالم. يجب أن نتوقف تماما عن إدارة السياسة الخارجية بالفهلوة والنفاق.
ولكي نبدأ من النقطة الصحيحة علينا أن نحدد ما هي المصالح الوطنية المصرية في العلاقات مع الروس، وأن نسمع من الروس عن مصالحهم بشفافية، وأن نعرف ماذا يريدون منا. ونظرا لأن العلاقات المصرية – الروسية ليست جزيرة منعزلة في محيط العلاقات الدولية، فسوف يتعين علينا أيضا أن نحدد بدقة خطوط الإنطباق والتمايز والإفتراق بين مصالحنا وبين مصالح الروس، وأن نبني علاقاتنا مع الطرف الآخر بما يعظم المصالح المتبادلة، وما يقلل الأثار السلبية المحتملة لخطوط الإفتراق في المصالح بيننا وبينهم.
وفي هذا السياق سنجد أن موسكو تطور علاقات حميمة مع إيران، بينما مصر تقيم علاقات حميمة مع دول الخليج العربية التي ترى في إيران، خصوصا برنامجها النووي وسياستها لتصدير الثورة، الخطر الرئيسي الذي يهدد أمنها القومي. وفي هذا السياق أيضا سنجد أن روسيا بحاجة مؤكدة إلى تسهيلات بحرية في البحر المتوسط، لأن ما تبقى لها في شرق المتوسط وهو قاعدة طرطوس السورية، لم يعد آمنا ولا ملائما بالقدر الكافي لضمان المصالح الإستراتيجية الروسية في البحر المتوسط. كما سنجد أن سياسة روسيا في سورية هي الأقرب إلى سياسة إيران. وسنجد أن سياسات روسيا المالية والتجارية تخضع دائما لمواءمات ترتبط بحالة السوق الروسية وحالة السوق العالمية، وهي في صادراتها السلعية المهمة بالنسبة لنا، مثل القمح، قد تتعرض لاضطرابات في الإنتاج المحلي، بما يترك أثرا واسع النطاق على المستوردين.
وعلى الرغم من المزايا الضخمة التي أسفرت عنها زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر (9- 10 فبراير 2015) وظهرت في اتفاقات ومذكرات للتفاهم تتعلق ببناء أول محطة للطاقة النووية في مصر، واستخدام العملتين المحليتين، الجنيه والروبل، في تسوية المبادلات، وغير ذلك من مجالات السياسية والتجارة ووالسياحة والإستثمار، فإن الإدارة المصرية لا يجب أبدا أن تتصرف وكان العلاقات مع الروس هي البديل عن العلاقات مع الولايات المتحدة. فنحن نحتاج إلى كل منهما، وإلى الإعتماد على أنفسنا.
ما يزال الجيش المصري يستخدم معدات روسية الصنع تترواح بين 25% إلى 30% من العتاد العسكري في مصر. وما تزال الصناعة المصرية وعلى رأسها الصناعات الثقيلة والهندسية تعتمد على التكنولوجيا الروسية فيما يقرب من 100 مصنع على رأسها مصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم في نجع حمادي. وما تزال البنية الأساسية في مصر، خصوصا في قطاع الطاقة تعتمد على التكنولوجيا الروسية خصوصا في محطة كهرباء السد العالي وخطوط نقل الكهرباء فائقة القوة من أسوان إلى الإسكندرية. وفي قطاع الطاقة أيضا تقوم شركة روسية هي (لووك أويل) بتوفير ما يقرب من 12% من إمدادات النفط والغاز في مصر.
نحن إذن في حاجة إلى تعزيز العلاقات مع الروس لتجديد التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج في مصر، وهي العملية التي كانت قد انقطعت تقريبا لعشرات السنين، بسبب استخدام العلاقات مع الروس من جانب الرئيس الراحل أنور السادات كأداة من أدوات "المضاربة السياسة" وسعي خلفه المخلوع حسني مبارك إلى تعطيل أي نشاط روسي في مصر لإرضاء للولايات المتحدة. لقد ضحى كل من السادات ومبارك بالمصالح المصرية في العلاقات مع الروسية خلال فترة حكمهما، وهو ما أدى إلى جزء من المشاكل الإقتصادية التي نعاني منها حاليا، بما في ذلك المشاكل في قطاعي الطاقة والصناعة.
ونحن أيضا في حاجة إلى تعزيز هذه العلاقات للإستفادة من سوق تصديرية هائلة لصناعات مصرية إعتادت أن تصدر نسبة لا يسستهان بها من منتجاتها إلى روسيا ودول الإتحاد السوفييتي السابقة مثل منتجات صناعات الأخشاب والآثاث والجلود وفتح أسواق لصادرات تتمتع فيها مصر بمزايا تنافسية مثل صناعات مواد البناء والأجهزة المنزلية والممنتجات القطنية والمفروشات، إلى جانب صادرات الخضروات والفواكه المصرية التي اعتاد على شرائها المستهلك الروسي مثل البطاطس والموالح والبصل والثوم. كما نحتاج إلى تطوير العلاقات مع روسيا لخدمة السياحة المصرية حيث بلغت الإيرادات من السياحة الروسية خلال السنتين الأخيرتين ما يقرب من 30% من إجمالي الإيرادات السياحية لمصر.
وفوق كل ذلك، فإن مصر في حاجة لتعزيز علاقاتها مع روسيا لأسباب عسكرية واستراتيجية. وما تزال قوات مصرية رئيسية مثل قوات الدفاع الجوي تعتمد في تسليحها على الأسلحة الروسية. وقد تراجعت قوة سلاح الطيران المصري كثيرا جدا منذ تحولت مصر إلى الإعتماد على التسليح الأمريكي. ومن الضروري ألا تخضع مصر للمعايير الأمريكية في تطوير أسلحة الطيران والصواريخ. وهذا لن يتحقق إلا بتنويع مصادر السلاح. ولن يكون من الغريب إطلاقا أن يتكون أسطولنا الجوي من أسراب يتكون كل واحد منها من نوع أو طراز معين من الطائرات. وهذا سيحتاج إلى منظومة إدارة عسكرية أكثر كفاءة، وإلى إجراء تدريبات أو مناورات مشتركة مع عدد أكبر من الشركاء العسكريين.
ثالثاً: مستقبل العلاقات
إن مصر تقع استراتيجيا في منطقة أسميها منطقة "الإحتكاك الدفاعي" بين النظام الدفاعي الجديد لحلف الأطلنطي، وبين الأنظمة الدفاعية التقليدية التي لا تزال قائمة، وتزيد خطورة هذا الموقع نظرا لثلاثة أسباب رئيسية:
السبب الأول، هو للفراغ الأمني الذي تعيشه المنطقة، وعدم وجود نظام دفاعي مشترك حقيقي وفعال بين دولها، وذلك على الرغم من وجود أطر ورقية مثل معاهدة الدفاع العربي المشترك، أو أطر مشلولة أو ضعيفة دفاعيا مثل قوات درع الجزيرة والتعاون الخليجي الدفاعي المشترك.
والسبب الثاني، هو تزايد حدة الصراع والتنافس على السيطرة الإقليمية بين عدد من الأطراف، من بينها مصر التي لعبت وما تزال تلعب دورا محوريا في المنطقة، وإن يكن حاليا أقل فاعلية عما كان من قبل. لكن هذا التنافس وصل إلى درجة صارخة من العداء في السلوك الإيراني والتركي.
أما السبب الثالث، فهو توطن الإرهاب في المنطقة، وعجز الدول الفاشلة أو غير المستقرة سياسيا عن إقامة منظومة موحدة للحرب على الإرهاب، مما أدى إلى زيادة التدخل الخارجي، وفق أطر تحالفات دولية، في المنطقة.
وكما تقع مصر على خط "الإحتكاك الدفاعي" في منطقة الشرق الأوسط، فإن روسيا هي الأخرى تقع على الإمتداد الشمالي لهذا الخط في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. ويمتد خط "الصراع الإستراتيجي والدفاعي" في العالم حاليا من الحدود الأوكرانية شمالا إلى القرن الأفريقي جنوبا، بعد أن انتقل منذ نهاية الحرب الباردة من سور برلين إلى شرق أوروبا، ثم إلى منطقة البلقان خلال السنوات العشرين الأخيرة.
وربما يؤدي هذا التشابه في الموقع من خط الصراع الإستراتيجي في العالم إلى إغراء بعض صانعي السياسية في القاهرة أو في موسكو، لاتخاذ هذا الموقع بمثابة "ورقة مضاربة استراتيجية" ضد الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وهذا خطر يجب على صناع السياسة في مصر أن يتجنبوه. ومع ذلك فإنه من المفيد التعاون مع الروس دوليا وإقليميا لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
الهدف الأول: هو إعادة التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط، والحد من انفراد الولايات المتحدة بتقرير مصير المنطقة. ويشمل ذلك إقامة تحالف دولي حقيقي طويل المدى في الحرب على الإرهاب. ومن شأن تعديل التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط ومنح روسيا دورا في الحرب على الإرهاب أن يساعد على زيادة فرص السلام في المنطقة وتقليل روح العداء والصراعات فيها.
الهدف الثاني: هو التعاون مع روسيا من أجل لجم السلوك العدائي الذي تمارسه إيران في مواجهة الدول العربية. وهذا الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا بالتعاون مع الأطراف الإقليمية الأخرى هو دور بالغ الأهمية على ضوء حقيقة أن السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، إجتهدت خلال العقود الماضية في أن تصبح ممسكة بكل أطراف خيوط الصراعات وأن تكون على علاقة جيدة مع كل طرف من أطراف اللعبة الإقليمية، فهي على علاقة حميمة مع إسرائيل، وهي على علاقة جيدة مع تركيا، كما إنها أصبحت على علاقة أفضل مع إيران. ومن المرجح أن يزيد التقارب الأمريكي- الإيراني في السنوات المقبلة بمجرد إقرار الإتفاق النووي الذي يتم الآن التفاوض بشأنه (مفاوضات 5+1) وهو ما سيسفر عن إسقاط العقوبات الأمريكية المفروضة حاليا على إيران.
أما الهدف الثالث، فإنه يتمثل في تعزيز فرص التنمية والرخاء في المنطقة، وزيادة وتوسيع نطاق العلاقات بين مصر وروسيا إقتصاديا، وفتح الباب أمام روسيا، من بوابة مصرية، للدخول إلى الأسواق العربية وإلى أسواق القارة الأفريقية. إن روسيا التي ما يزال اقتصادها يعتمد إلى حد كبير على صادرات النفط والغاز والموارد الطبيعية تمتلك قدرات صناعية وتكنولوجية تجعلها قادرة على مساندة التنمية والسلام في هذه المنطقة من العالم.
إن مصر تستطيع أن تجعل من تطوير علاقاتها مع روسيا نافذة جديدة للعلاقات مع العالم كله، في إطار سياسة تقوم على اسس السلام و"التنافس التعاوني" وليس العدائي. وقد يصبح أمام مصر في وقت قريب الفرصة للإنضمام إلى تجمع الدول النامية الصاعدة (بريكس) الذي يضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهي جميعا تنتج نحو 25% من الإنتاج العالمي ويعيش فيها ما يقرب من 40% من سكان العالم. ويستطيع هذا التجمع أن ينمو ويزدهر في إطار سياسة تقوم على السلم والتعاون مع بقية أقاليم العالم وليس على اساس سياسة لتكريس انقسام العالم إلى معسكرات متعادية. وأظن أن علاقات مصر التاريخية مع روسيا والصين والهند تؤهلها معنويا للإنضمام إلى تجمع بريكس وإلى أن تلعب في داخله دورا مهما في العقود المقبلة. العلاقات المصرية الروسية بحر من الفرص لعلنا نستطيع أن نبحر فيه بعناية وفي الإتجاه الصحيح.