التوجه شرقًا: قضايا مشتركة في العلاقات المصرية الصينية
تنبع زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الصين، بدعوة من الرئيس الصيني بالرئيس الصيني شي جين بينج، من التأكيد على سياسة التوجه شرقًا، وسعي مصر إلى تنويع البدائل المختلفة أمامها، خاصة في ظل اتجاه هيكل النظام الدولي إلى التغير، وظهور العديد من الأقطاب الفاعلة على الصعيد الدولي، أيضًا في ظل التوتر الذي شاب العلاقات المصرية الأمريكية بعد ثورة 30 يونيو، وإدراك القيادة السياسية المصرية خطورة الاعتماد على بديل واحد، قد يؤدي إلى الإضرار بالمصلحة القومية العليا.
وتعكس هذه الزيارة العديد من الدلالات المهمة منها؛ حاجة مصر إلى التواصل مع القوى الكبرى على الصعيد الدولي من أجل دعم ترشحها لمجلس الأمن (2016- 2017)، وحاجة مصر إلى التوصل لرؤية دولية لمكافحة الإرهاب، وكذلك تحضير مصر للمؤتمر الاقتصادي في شهر مارس القادم، فضلًا عن التطلع للتوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية.
أولا- موقف الصين من ثورة 30 يونيو
وقفت الصين إلى جانب مصر في ثورتها الثانية في 30 يونيو، وذلك عندما حاولت بعض الدول تدويل القضية المصرية ومناقشتها في مجلس الأمن الدولي، إلا أن الصين رفضت تلك المحاولات ودعّمت احترام الشأن الداخلي المصري. وقد أكد المبعوث الصيني للشرق الأوسط، "وو سي كه"، على دعم بلاده لإرادة الشعب المصري وخياراته المستقلة، ورؤية مصر لسياستها الخارجية بعد 30 يونيو القائمة على تنويع البدائل الخيارات أمام الدولة المصرية، والتي أعلن عنها وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، كما أكد على إيمان الصين بقدرة وحكمة الشعب المصري وقيادته في العمل على تحقيق الاستقرار والتنمية.
ونتيجة للموقف الصيني الداعم لإرادة الشعب المصري، قام وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي بزيارة الصين في 18 ديسمبر 2013، التقى هناك بنظيره الصيني، "وانج يي"، حيث أكد الوزير الصيني على اهتمام بلاده بتطوير علاقاتها مع مصر في مختلف المجالات باعتبارها دولة صديقة للصين، فضلًا عن دورها ومكانتها الإقليمية وكشريك إستراتيجي مهم، ورحب بعودة مصر لممارسة دورها الإقليمي الريادي في المحيطين العربي والأفريقي، موضحًا في الوقت نفسه بسعي بكين لتعزيز التشاور السياسي مع مصر حول العديد من القضايا الدولية والإقليمية مثل إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع العضوية في مجلس الأمن الدولي، وموضوعات نزع السلاح وحقوق الإنسان، وتوثيق العلاقات الصينية مع العالم العربي والقارة الأفريقية. وقد أشار وزير الخارجية المصري أثناء الزيارة إلى سعي مصر لتعظيم مصالحها القومية من خلال إقامة علاقات مع مختلف الأطراف الدولية، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين من خلال تسريع عملية تنفيذ مشروع إنشاء منطقة اقتصادية صينية في شمال غرب خليج السويس، وكذلك تعميق التعاون الثقافي المصري الصيني، واعتبار عام 2016 بمثابة عام الثقافة المشتركة المصرية- الصينية، وذلك بمناسبة مرور الذكرى الستين لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
واستمرارًا لهذا الدعم، قام وزير الخارجية الصيني بزيارة مصر في 3 أغسطس 2014، استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي بمقر رئاسة الجمهورية، حيث أكد على دعم بلاده لجهود مصر الرامية لتحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب، وقد وجه الدعوى للرئيس السيسي بزيارة الصين. وفي إطار هذه الزيارة عقدت جلسة للحوار الإستراتيجي بين وزير خارجية الصين ونظيره المصري، ووانج يي وسامح شكري، وبمشاركة وزراء التجارة والصناعة والكهرباء والتعاون الدولي والاستثمار، وقد أكد شكري خلال اللقاء احترام مصر لسياسة الصين الرامية إلى عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وأهمية تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، وعرض الوزراء المصريون خلال الجلسة رؤية لتطوير التعاون في مجالات الطاقة بما فيها الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، والتعاون في مجال إدارة المناطق الاقتصادية، وبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في قطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والنقل والسكك الحديدية، كما تم بحث سبل تشجيع الاستثمارات الصينية وزيادتها والعمل على تذليل المعوقات التي تواجه المستثمرين الصينيين.
ثانيا- قضايا مشتركة
هناك عدد من القضايا المشتركة التي سيتم التباحث بصددها يأتي في مقدمتها قضايا الإرهاب والموقف من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك القضية الفلسطينية والدعم الذي من الممكن أن تقدمه الصين في هذا الإطار، وأخيرًا حاجة مصر إلى دعم الصين لترشحها في مجلس الأمن.
1. الإرهاب: لا شك في أن مكافحة الإرهاب سوف تلقى الجانب الأكبر من المباحثات بين الرئيسين المصري والصيني، فتعتبر قضية مكافحة الإرهاب من القضايا الجوهرية التي حظيت باهتمام بالغ على مدار السنوات الثلاث الأخيرة على مستوى الجهود الدبلوماسية المصرية، حيث بعد ثورة 30 يونيو 2013، أصبحت مصر تواجه ظاهرة عدم الاستقرار، خاصة بعد تنامي خطر الإرهاب بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي بموجب قرارات 3 يوليو والمعروفة باسم "خارطة الطريق"، حيث قامت الجماعات الإرهابية بالعديد من العمليات ضد قوات الجيش والشرطة، في إطار موجة عنف غير مسبوقة تمارسها تلك التنظيمات، والتي أصبحت ناشطة بشكل كبير في سيناء مثل تنظيم أنصار بيت المقدس. فضلًا عن تأزم الوضع في ليبيا، وذلك في ضوء نمو الجماعات الإرهابية بشكل كبير، نتيجة لانتشار السلاح وغياب المؤسسات الأمنية، وحضور كل أشكال الجريمة المنظمة من الاتجار في البشر وتجارة المخدرات وغيرها، ولذلك فإن مصر في أعقاب تشكيل التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش، أوضحت موقفها من مواجهة الإرهاب في المنطقة، والذي كشف عنه السيسي خلال لقائه جان إيف لو دريان وزير الدفاع الفرنسي، من خلال التأكيد على التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وضرورة عدم اقتصار المواجهة على تنظيم بعينه أو القضاء على بؤرة إرهابية بذاتها، ولكن من الأهمية بمكان أن يمتد ذلك التعاون ليشمل جميع البؤر الإرهابية سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في أفريقيا، في إطار إستراتيجية شاملة.كما كشفت القاهرة في إطار جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لتشكيل التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب عن شروط أربعة لدراسة إمكانية الانضمام للتحالف منها؛ ضرورة توسيع الحرب على الإرهاب بالمنطقة، لتضم تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا، وتوضيح أهداف هذه الحرب وتحديد جدول زمني لها، وضرورة تنسيق المواقف بين جميع الدول المشاركة في الحرب، فضلًا عن وفاء واشنطن بالتزاماتها تجاه مصر ومنها تسلم 8 مروحيات أباتشي، وإنهاء تجميد معونات أمريكية تتجاوز 1.3 مليار دولار. ولا شك أن الصين لديها رؤيتها لمكافحة الإرهاب، وتتفق هذه الرؤية مع رؤى الدول النامية ومنها مصر من ضرورة وضع إستراتيجية دولية شاملة لمكافحة الإرهاب وضمان تحقيق الاستقرار في الدول التي تتهددها الأخطار الإرهابية وعدم التدخل في شئونها تحت دعاوى مكافحة الإرهاب.
2. القضية الفلسطينية: من المعروف أن مصر لعبت دورًا كبيرًا في وقف العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة من خلال إطلاق المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، والتي تبعها تواصل المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في القاهرة، ولعل من الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى الدعم الصيني للجهود المصرية الحثيثة التي بذلتها لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث أوضح وزير خارجية الصين خلال وجوده في القاهرة على دعم بلاده للمبادرة المصرية لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث أشار إلى أن الاستخدام المفرط للقوة أمر غير مقبول، مشددًا على ضرورة وقف جميع أعمال العنف والعنف المضاد.ومن الممكن أن تتطرق المباحثات أيضًا إلى الموقف من إقامة الدولة الفلسطينية، خاصة في ظل الجهود النشطة من الجانب الفلسطيني للحصول على اعتراف المجتمع الدولي، والذي نجم عنه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برفع مكانة فلسطين إلى دولة غير عضو مراقب، بعد أن نالت في التصويت 138 صوتًا مع امتناع 41 عن التصويت، في مقابل 9 أصوات معارضة من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل وكندا. وصفة المراقب هذه تمنح للدول غير الأعضاء، والمنظمات الإقليمية، وحركات التحرير الوطني، والمنظمات المتخصصة. وتسعى مصر للتوصل لحل عادل وسريع للقضية الفلسطينية وتعول مصر كثيرًا على الدور الصيني لما لها من ثقل في مجلس الأمن الدولي، فضلًا عن تعاطفها مع الشعب الفلسطيني وخيار إقامة الدولة.
3.دعم الصين لترشح مصر في مجلس الأمن الدولي (2016- 2017): حيث تسعى مصر للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي في الفترة من (2016- 2017)، من خلال الانتخابات التي تعقد في أكتوبر 2015، على هامش اجتماعات الدورة 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتثق القاهرة في قدرتها في الحصول عليه بسبب عدد من الأمور منها؛ امتلاك مصر لأكبر قوة عسكرية في أفريقيا، وبالتالي مساهمتها الكبيرة في بعثات المنظمة الأم في حفظ السلام، حيث أسهمت مصر في 17 عملية لحفظ السلام في أفريقيا وحدها، بالإضافة إلى امتلاك مصر لتمثيل دبلوماسي ضخم ينتشر في قارات العالم المختلفة، وكذلك دور مصر الريادي في دعم حركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا. ويبقى حصول مصر على مقعد العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، بمثابة الهدف السياسي الأهم لإدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي تحاول الانفتاح على العالم وبناء دور إقليمي ودولي جديد للقاهرة، من خلال بناء سياسات الأحلاف الإستراتيجية للتعامل مع القضايا الأمنية الملحة على الساحة الإقليمية، وتلقى القاهرة منافسة قوية من جنوب أفريقيا للحصول على ذلك المقعد، لذلك تحاول الدبلوماسية المصرية في الفترة الراهنة الانفتاح على كل دول العالم، للحصول على تأييدها في الانتخابات التي ستجري في أكتوبر القادم، ولما كانت الصين لها وزن قوي في مجلس الأمن والجمعية العامة، فإن دعمها لمصر قد يرجح كفتها.
4. التعاون الاقتصادي بين البلدين: حيث تسعى مصر إلى الحصول على دعم الصين لعدد من المشاريع المزمع البدء فيها، ومشاركتها في المؤتمر الاقتصادي المصري لدعم فرص الاستثمار في القاهرة، فمن المتوقع عقد عدة اتفاقات، في مقدمها وثيقة الشراكة الإستراتيجية الشاملة، واتفاق إطار للتعاون في مجال الطاقة، وآخر للتعاون في مجال الفضاء، واتفاقان لإقامة مشروعين لإنشاء محطة تحلية لمياه البحر وآخر لإقامة محطة للطاقة الشمسية، وعدد من الاتفاقات التجارية، حيث غلب على الوفد المرافق للسيسي الطابع الاقتصادي، فضم وزراء: الصناعة والتجارة منير فخري عبد النور، والنقل هاني ضاحي، والتعاون الدولي نجلاء الأهواني. وتمثل الصين شريكًا اقتصاديًا مهمًا لمصر، حيث وصل عدد مشاريع الاستثمار الصينية إلى 648 مشروعًا في قطاعات الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، وقطاع الإنشاء، والقطاع الخدمي، والقطاعات الزراعية والسياحية والصناعية. فهناك على سبيل المثال 7شركات صينية في مجال الإنشاء، وفي القطاع الخدمي هناك 110 مشاريع صينية، وفي مجال المشاريع الزراعية 3 مشاريع، ويشمل المجال الصناعي 495 مشروعًا، وهي 73 شركة هندسية و171 شركة غزل ونسيج، و154 شركة في قطاع الكيماويات، و49 شركة مواد بناء، و29 شركة في المجال الغذائي، و11 شركة معادن، و3 شركات أدوية، و4 شركات أخشاب وشركة تعدينية واحدة. كما تسعى مصر إلى توسيع التعاون الاقتصادي مع الصين في مشروعات قائمة ومشروعات مزمع إنشاؤها، مثل مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع القطار السريع الذي يربط الإسكندرية بأسوان، وغيرها من المشروعات الأخرى.
5. قضية سد النهضة: فقد اتخذت مصر الخيار التفاوضي بعد ثورة 30 يونيو، نظرًا لأن أزمة سد النهضة تشكل تهديدًا خطيرًا ليس فقط للأمن المائي المصري، بل للأمن القومي على وجه الشمول، لما سينتج عنه من أخطار كارثية، لذلك يعتبر ملف مياه حوض النيل من أخطر الملفات وأهمها للدبلوماسية المصرية، إذ توجد بعض الآراء التي تؤكد أن الحروب والصراعات القادمة ستكون صراعات حول المياه. وقد استمر نهج مصر التفاوضي مستندًا إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة، والتي تنم عن رغبة في توسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف مع التعبير في نفس الوقت عن المخاوف بشأن التأثيرات السلبية للسد على الأمن المائي، وتعتبر الصين من الدول المشاركة في تمويل السد، وقد أعربت في وقت سابق عن استعدادها لسحب تمويل السد إذا فشلت مفاوضات اللجنة الثلاثية والتأثير على حصة مصر المائية، وذلك عقب توقيع وزارة الري المصرية بروتوكول تعاون مع نظيرتها الصينية في مجالات أمان السدود واستخدام الأقمار الصناعية في إدارة المياه وتبادل الخبرات. ومن هنا فإن زيارة السيسي تهدف إلى نقل رؤية مصر للآثار الكارثية لهذا السد على الشعب المصري من أجل التوصل إلى صيغة مشتركة أو تفاهم مشترك حول آلية معينة لمعالجة الموضوع من خلال النهج التفاوضي.
وأخيرًا يمكننا القول إن العلاقات المصرية الصينية يجب ألا تكون علاقات مرحلية تظهر وتعضد في أوقات الأزمات وتختفي تدريجيًا بعد ذلك، فيجب أن تنفتح مصر على كل دول العالم لتحقيق المصلحة الوطنية العليا والتقدم الاقتصادي المنشود.
· مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.