الجزائر فى مرحلة الشك: تداعيات ترشح بوتفليقة
الأربعاء 05/مارس/2014 - 03:47 م
كرم سعيد
تعيش الجزائر على صفيح ساخن منذ إعلان الرئيس بوتفليقة ترشحه لولاية رابعة، فقد أثار القرار موجةً انتقادات من أحزاب المعارضة وبعض الناشطين، الذين حاولوا التعبير عن رفضهم الترشيح سواء بالاعتصام في الشارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
والأرجح أن قرار بوتفليقة أربك حسابات عدد من أطراف المعادلة السياسية، خصوصاً التيارات الإسلامية التى ترى دون مواربة أن بوتفليقة، المريض، يحاول خداع شعبه فضلاً عن إعلانها مقاطعة الاستحقاق الرئاسي المقرر له 17 أبريل القادم، بعد رفض السلطة مقترحاً بضرورة إسناد مهمة الإشراف على الانتخابات، فى كل مراحلها، لهيئة مستقلة عن وزارتى الداخلية والعدل. لكن فى المقابل سارعت كبرى أحزاب الموالاة إلى الترحيب، واصفة القرار بأنه «الضامن الوحيد» لاستقرار البلاد.
أهمية الانتخابات:
تكتسب هذه الانتخابات أهمية كبيرة استناداً إلى عدة اعتبارات، أولها أنها أول انتخابات من نوعها تشهدها البلاد بعد موجة الربيع العربى. وثانيهما أن الاستحقاق الرئاسى يأتى وسط احتجاجات اجتماعية، وفى خضم جدل سياسي واسع النطاق بين الحكومة وقوى المعارضة السياسية.
خلف ما سبق فإن هذه الانتخابات تأتى فى إطار من التلاقى والتنسيق بين قوى المعارضة السياسية، وكان بارزاً،هنا، تأسيس ما يعرف بتكتل " أحزاب الذاكرة والسيادة" فى 2012، والذى ضم أكثر من 10 تشكيلات سياسية وتنظيمات جماهيرية مدنية بالإضافة إلى تكتل "الجزائر الخضراء" الذى ضم ثلاثة أحزاب إسلامية هى حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح.
وترتبط الأهمية الرابعة بتنامى الشكوك حول صحة بوتفليقة المصاب بجلطة دماغية، ومن ثم قدرته على أداء مهام المنصب الرئاسي، وأخيراً فإن رئاسيات 2014 تجرى وسط حراك شبابى غير مسبوق سواء على أرض الواقع أو فى الفضاء الالكترونى يدعو إلى ضرورة التغيير، وتجديد الوجوه السياسية.
جدل حامى الوطيس:
مع فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية تقدم نحو 15 مرشحاً إلى اللجنة المختصة بفحص الطلبات، والتى انتهت إلى إقرار ترشيحات ستة فقط منهم انطبقت عليهم الشروط التى نص عليها القانون الجزائرى المنظم للانتخابات.
غير أن بعض المرشحين مهد لانسحابه من العملية الانتخابية عقب إعلان ترشح بوتفليقة، وفى مقدمتهم رئيس حزب «جيل جديد» جيلالي سفيان، نظراً إلى قناعتهم باستحالة خسارة بوتفليقة.
في المقابل أعلنت القوى الإسلامية لأول مرة منذ أول انتخابات رئاسية تعددية جرت عام 1995 مقاطعة العملية الانتخابية، وأوضحت أن داء بوتفليقة يصعب الالتفاف عليه ناهيك عن أن لديها شكوكاً تتعلق بعمليات تزوير قد تحدث لصالح الرئيس بوتفليقة، الأمر الذى لا يمكنهم معه الاستمرار في المعركة الانتخابية.
لكن الموالين لبوتفليقة يقللون من تداعيات المرض، خصوصاً بعد نجاح جراحة الرئيس التى أجراها قبل عدة أشهر فى فرنسا، كما يشكك تيار الموالاه في قدرة الأحزاب الإسلامية فى التأثير على الناخب الجزائرى أو حتى على أعضائها وإقناعهم بجدوى المقاطعة، لاسيما وأن الهياكل الإسلامية على اختلاف اتجاهاتها تشهد توتراً داخلياً ناهيك عن أنها فقدت قدرة التأثير على توجهات الرأي العام الجزائرى.
والأرجح أن الاحتقان السياسى الذى تشهده الجزائر اليوم بعد ترشح بوتفليقة لم يكن هو الأول من نوعه، فقد سبقته سلسلة طويلة من الأزمات على مدار الأعوام الثلاثة التى خلت، تجلت ملامحها فى أمور عدة أولها إجماع الطبقة السياسية الجزائرية على ضرورة إنهاء حكم الفرد وترسيخ نظام ديمقراطى ينهى جمهورية دولة الحزب وحزب الدولة، وهو الأمر الذى أدخلها فى مناوشات مع نظام الحكم. وثانيها فشل الإصلاحات السياسية التي تبناها الرئيس بوتفليقة بفعل ضغوطات الربيع العربي فى تحقيق أهدافها ناهيك عن تنامى روائح الفساد وتباطؤ معدلات النمو.
خلف ما سبق يقف قمع السلطة للقوى السياسية المعارضة، وبالتالى ليس من الوارد من وجهة نظرها أن يشكل هذا الاستحقاق أية فرصة للإصلاح السياسى الذى تحول إلى طقس احتفالى منذ العام 2011.
وتجلت الأزمة مجدداً في تصاعد غضب قطاعات شعبية واسعة على النظام السياسي، وكان بارزاً،هنا، احتجاجات منطقة غرداية الجزائرية، التي تعيش على وقع العنف منذ أزيد من شهرين، ويعاني شبابها من البطالة والهشاشة، ويعتبرون أنفسهم ضحايا لممارسات جائرة للسلطات السياسية.
والواقع أن القمع الأمنى، وسوء معاملة المحتجين دفع قطاعاً كبيراً من الشباب إلى التكنولوجيا الحديثة والفضاء الإلكترونى لفضح ممارسات النظام، واستعارة هتافات الربيع العربى، والدعوة إلى بناء الجمهورية الثانية على أسس ديمقراطية.
دلالات المشهد:
على الرغم من أن ثمة اعتراضات لترشح بوتفليقة لا تخطئها عين، ولا حتى عين بوتفليقة نفسه، إلا أن أجواء العملية الانتخابية حفلت بالعديد من الدلالات، والتى سيكون لبعضها بلا شك آثارها القوية على مجريات عملية الاقتراع وعلى الخريطة السياسية الجزائرية، ومنها: إعلان ما يقرب من 26 حزباً عن دعمها لبوتفليقة رغم ظروف مرضه باعتباره الأكثر ملائمة للمرحلة.
وترتبط الدلالة الثانية بفك الارتباط القائم لأول مرة بين السلطة من جهة وقوى المعارضة التى طالما ارتبطت بها من جهة أخرى، وفى مقدمتها حركة مجتمع السلم الحليف الأول للرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم فى العام 1999 في إطار ما سُمى "التحالف الرئاسى" إلى جانب حزبى جبهة التحرير الوطنى الحاكم والتجمع الوطنى الديمقراطى. فقد وقع الطلاق بينهما مطلع العام 2012، إذ انتقلت إلى صفوف المعارضة احتجاجاً على مسار الإصلاحات التى أطلقها الرئيس بوتفليقة ناهيك عن رفض مطلبها المتعلق بإنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات.
فى المقابل كان مثيراً للدهشة والإعجاب، دخول الفن الجزائرى على خط الأزمة السياسية، وتجلى ذلك في أغنية الراب للفنان أنس تينا، والتى يدعو فيها بوتفليقة إلى عدم الترشح لولاية رابعة، ويلامس فيها القضايا المجتمعية والسياسية التى تؤرق جنبات المجتمع الجزائرى.
تبقى دلالة هامة تتعلق بدور الجيش في الحياة السياسية لهذا البلد. فمنذ عهد الرئيس الراحل هوارى بو مدين والجيش الجزائرى يلعب دوراً رئيسياً في تلك الحياة، وإن ظل غير مباشر وبعيداً عن الأضواء حتى انفجار الأزمة الكبرى مع الجولة الأولى للانتخابات التشريعية في ديسمبر 1991.
واليوم وبعد مرور أكثر من عقدين يبقى الجيش الجزائرى حجر الزاوية في المشهد الانتخابى، وتأكيد نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح أن المؤسسة العسكرية لن تتدخل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بل سيمارس أفراد الجيش حقهم الانتخابي كمواطنين عاديين من دون أي توجيهات من القيادة، ولعل هذا يفسر إعلان رئيس الوزراء عبدالله السلال عن ترشيح بوتفليقة كمستقل بعيداً عن الانتماءات الحزبية.
والأرجح أن ثمة اتساعاً للرتق بين الجيش وبوتفليقة هذه المرة، رغم أن الرئيس حاول استمالة المؤسسة العسكرية برفضه تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني ضد مديرية الاستخبارات والأمن، والتي دعاه فيها صراحة للاستقالة والتنحي، واعتبر بوتفليقة أن كلام سعدانى يأتي خارج السياق الطبيعى للأعراف والتقاليد الجزائرية التي تعلى من شأن المؤسسة العسكرية.
سيناريوات المشهد:
دخل المناخ الجزائرى مرحلة الشحن بعد دخول بوتفليقة السباق الانتخابى ، الأمر الذى يفتح الباب واسعاً أمام تساؤل رئيسي حول ما يمكن أن تسفر عنه العملية الانتخابية المقررة 17 أبريل القادم، ومستقبل الوضع السياسي فى الجزائر فى ظل حياد المؤسسة العسكرية، وتنامى نفوذ جبهة الممانعة لبقاء بوتفليقة على قمة السلطة؟
والأرجح أن ثمة سيناريوهات تلوح في الأفق: أولها نجاح بوتفليقة في العهدة الرابعة، مستنداً إلى البحبوحة المالية التي وفرتها الحكومة من عوائد النفط والاستثمارات، واستغلالها في مواجهة زيادة الأجور فضلاً عن إنفاق الحكومة مؤخراً المليارات على وكالات تشغيل الشباب وتمويل مشاريعهم ورفع منحة العاطلين عن العمل.
أما السيناريو الثانى، فهو أن يخسر بوتفليقة الاستحقاق الانتخابى مقابل نفاذ أحد منافسيه مثل على بن فليس أو أحمد بن بيتور أبرز المرشحين لقصر المرادية، الأمر الذى ربما يعيد هيكلة المشهد السياسى، وينهى في ذات الوقت السلطة الأبوية التى ظلت ركيزة بوتفليقة طوال العقود التى خلت.
خلف ما سبق يأتي السيناريو الثالث، ويتعلق بدعم الجيش من وراء ستار للمرشح مولود حمروش بتكوينه العسكرى إلى جانب تكوينه الأكاديمى فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية فضلاً عن التحاقه بثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسى عام 1958.
والواقع أن قطاعاً واسعاً من ألوان الطيف السياسى في الجزائر يعتقد أن الرجل هو أنسب شخص يضمن انتقالاً ديمقراطياً سلساً فى البلاد، لأنه يجمع بين صفتى الانتماء للنظام سابقاً وفكره الإصلاحى الذى سبق حتى موجة الربيع العربى بسنوات وبالتالى هو الأنسب لمواكبة هذه التحولات حالياً.
القصد أن الحراك السياسى غير المسبوق الذى تعيشه الجزائر طوال الفترة الماضية ناهيك عن إصرار بوتفليقة الذى يحكم البلاد منذ العام 1999 ، ربما يعيد صياغة المشهد السياسى فى البلاد، أو على الأقل إعادة تقسيم الخريطة السياسية بما يسمح بدور أكبر للقوى السياسية سواء القريبة من النظام أو تلك التي تحاول بناء الجمهورية الثانية على أسس ديمقراطية وبعيداً عن الصدام مع هياكل الدولة العتيقة ومؤسساتها الراسخة.