المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

قبل أيام أصدر الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور تعديلات تشريعية جديدة على قانوني القضاء العسكري واللجان القضائية الخاصة بضباط القوات المسلحة، وذلك بناء على مشروع مقدم من القوات المسلحة

تعديل قانون القضاء العسكري: حلقة جديدة في جدل مستمر

الخميس 13/فبراير/2014 - 03:28 م
الدستور والقضاء العسكري
الدستور والقضاء العسكري
د. مروة نظير

مقـدمـة:

قبل أيام أصدر الرئيس المصري المؤقت المستشار عدلي منصور تعديلات تشريعية جديدة على قانوني القضاء العسكري واللجان القضائية الخاصة بضباط القوات المسلحة، وذلك بناء على مشروع مقدم من القوات المسلحة، وبعد موافقة مجلس الوزراء، ومراجعتهما في قسم التشريع بمجلس الدولة، ويتضمن القانون تنظيمًا للطعن والاستئناف على أحكام المحاكم العسكرية، وينقل تقسيم وتسلسل محاكم القضاء العادي إلى مجال القضاء العسكري.[1]

وقد تباينت ردود

الأفعال إزاء هذه التعديلات المدخلة على المنظومة التشريعية المتعلقة بالقضاء العسكري بين فريق يثمن هذه الخطوة، وآخر يدحض أهميتها. ويأتي ذلك الجدل اتساقاً مع تكثف الاهتمام بهذه المسألة بشكل خاص في أعقاب ثورة يناير، وهو ما يمكن تفسيره في ظل ارتفاع سقف التطلعات بسيادة  قدر أكبر من الديمقراطية والعدل، وفي هذا السياق دارت رحى العملية العدلية في مناخ عام يسيطر عليه بشكل أساسي جدلية أو ثنائية أساسية هي القضاء الطبيعي في مواجهة القضاء الاستثنائي، لاسيما فيما يتعلق بمحاكمة المواطنين المدنيين أمام المحاكم العسكرية. ويمكن في هذا الصدد ملاحظة رفض القوى الثورية والديمقراطية إحالة المدنيين أمام القضاء العسكري، باعتبارها شكلاً من أشكال الاعتداء الدستوري والتشريعي على استقلال السلطة القضائية وعصفاً بالمبادئ الدستورية العامة التي استقر عليها التقليد الدستوري العالمي والمصري من التلازم بين الدولة القانونية والمساواة أمام القانون، والقضاء الطبيعي بكل مقوماته وأركانه والتي تعني، وبوضوح، أن تتم إحالة المواطنين المدنيين إلى قاضيهم الطبيعي ولا يحاكمون أمام القضاء العسكري أو أمن الدولة بدرجاته.[2]

وقد تزايدت المطالبات والآمال بأن يتضمن الدستور المصري الجديد بنوداً تضمن حماية المواطنين المدنيين من التعرض للمحاكمات العسكرية، ومن ثم تكررت المطالب بأن تتضمن الوثيقة الدستورية بعد الثورة نصوصاً قطعية تمنع إحالة المدنيين لأي أنظمة قضائية استثنائية خاصة القضاء العسكري.

 وقد تجلى ذلك الجدل عند صياغة دستور عام 2012 إلا أن النص الذي تم اعتماده في هذا السياق جاء مخيباً لآمال كثيرين من المعنيين بمسألة إحالة المدنيين للقضاء العسكري، فقد نصت المادة رقم 198 من مسودة الدستور الخاصة بإحالة المدنيين للقضاء العسكري والتى تنص على أنه: "لا يجوز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة"، فقد اعتبر كثيرون أنه قد تم ترك الجزء الثاني من نص هذه المادة مبهما عن عمد، مما يترك الباب مفتوحاً أمام التفسيرات المختلفة والتي تسمح في نهاية الأمر بتحويل المدنيين في أي من الحالات التي يُرى أنها تشكل ضرراً بالقوات المسلحة، ولتظل المحاكمات الاستثنائية سلاح قمع متاحاً تلجأ له السلطة وقتما شاءت. [3]

كما تجدد الجدل حول هذه الضمانات بعد أحداث 30 يونيو وما ترتب عليها من استحقاقات شملت المسار الدستوري الجديد الذي انتهى بوضع وإقرار دستور 2014. وقد ارتبط الجدل في هذا السياق بالمادة 204 التي تنص على أن "القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها، ومن في حكمهم ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداء مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها وأفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى. وأعضاء القضاء العسكري مستقلون، غير قابلين للعزل، ويكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء الجهات القضائية".

لقد رفض كثيرون هذه المادة  معتبرين أنها تشكل ذريعة لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، مؤكدين أنه لا يجب بأي حال أن تتم محاكمة المدنيين عسكريًا، حتى في حالة الاعتداء على المؤسسات العسكرية، خاصة أن القضاء الطبيعي كفيل بالعقاب، وأنه لا يجوز بحال إخضاع المدنيين للقضاء العسكري حتى لو لم تسمح الظروف للمحاكم المدنية بفتح أبوابها.[4] مؤكدين كذلك على أن النص الأمثل في هذا السياق يجب أن ينص على عدم جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري،  دون أن تتم إضافة أي استثناءات أو فتح الباب لأي استدراكات.

فيما يرى مؤيدو هذه المادة أنها تحمل تخفيفاً من خطورة المحاكمات العسكرية للمدنيين أمام القضاء العسكري، حيث حددت الحالات التى يحاكم فيها المدنيون عسكريًا، بعد أن كان الأمر غير محدد في الدستور السابق. مع التأكيد على أنه في سياق الاعتداءات الحالية على القوات المسلحة التي تتعرض لعمليات استهداف بشكل ممنهج وتريد أن تحمي أبناءها فإن الصياغة الحالية التي وضعت المحاكمات العسكرية للمدنيين في أضيق حدود هي الأكثر ارضاءً للأطراف المعنية. [5]

ملامح التعديلات التشريعية الرئاسية:

شملت التعديلات التشريعية  التي أصدرها الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور قراراً بقانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 232 لسنة 1959 والقانون رقم 71 لسنة 1975، بتنظيم وتحديد اختصاصات اللجان القضائية لضباط القوات المسلحة، فيما اعتبر إعمالاً لحكم المادة 202 من الدستور المعدَّل الصادر عام 2014، الذى يقضى بأن ينظم القانون قواعد وإجراءات الطعن فى قرارات اللجان القضائية لضباط وأفراد القوات المسلحة.

وتنص التعديلات على إنشاء لجنة قضائية عليا لضباط القوات المسلحة و5 لجان قضائية لضباط الجيش، والقوات البحرية، والقوات الجوية، وقوات الدفاع الجوى، وقوات حرس الحدود. وتشكل اللجنة القضائية العليا برئاسة وزير الدفاع وعضوية كل من رئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ومدير إدارة شئون ضباط القوات المسلحة، ورئيس هيئة القضاء العسكرى، و3 من أعضاء هيئة القضاء العسكرى، وبحضور رئيس فرع الطعون. بينما تشكل اللجنة القضائية لضباط الجيش برئاسة رئيس الأركان وعضوية مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ومدير إدارة شئون الضباط، وعضوين من هيئة القضاء العسكرى، وبحضور رئيس فرع الطعون، وتشكل اللجان الأربع الأخرى برئاسة قائد القوات المختص، وعضوية كل من مدير إدارة شئون الضباط أو من يمثله، ومساعد مدير المخابرات الحربية، وعضوين من القضاء العسكرى، وبحضور رئيس فرع القضاء المختص. وتختص هذه اللجان الخمس بالفصل، دون غيرها، فى جميع المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط القوة، وطلبة الكليات والمعاهد العسكرية التابعين لها، والمنازعات الإدارية المتعلقة بقرارات مكتب تنسيق القبول بالكليات والمعاهد العسكرية. [6]

ويحدد القانون لتقديم الطعن فترة 60 يوماً من تاريخ إبلاغ صاحب الشأن بالقرار أو نشره، وفترة 30 يوماً فقط بالنسبة لقرارات لجان الضباط أو مجالس الكليات والمعاهد العسكرية أو مكتب تنسيق القبول فيها. ويحظر القانون على من كان عضواً فى إحدى اللجان الخمس السابق ذكرها، الاشتراك فى نظر الطعون التى تختص بنظرها حصرياً اللجنة القضائية العليا.ويجوز للطاعن وللجهة العسكرية المختصة الطعن فى قرارات اللجان الخمس أمام اللجنة العليا خلال 30 يوماً من تاريخ إبلاغ صاحب الشأن أو نشره، مع ضرورة أن يبنى الطعن على سبب أو أكثر من 3 أسباب هى عدم اختصاص جهة صدور القرار، أو أن تكون الإجراءات قد شابها خلل جوهرى ترتب عليه إجحاف بحقوق الطاعن، أو أن يكون القرار مخالفاً للقانون أو أخطأ فى تطبيقه. وتنص المادتان 15 مكرراً (2 و3) على أن مجرد الطعن لا يوقف تنفيذ قرار اللجنة القضائية، إلا إذا أمرت اللجنة العليا بذلك، ويجوز للجنة العليا إلغاء القرار المطعون فيه أو تعديله أو استبداله أو تأييده، مع وجوب تسبيب جميع القرارات وذكر ما قد تجريه اللجنة من تحريات، مع حظر الطعن فى قرارات اللجنة العليا أو المطالبة بإلغائها بأى وجه أو أمام أى هيئة أخرى، أى أنها تكون باتة ونافذة. [7]

 

كما أصدر الرئيس عدلى منصور قراراً بقانون بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكرى الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، بما يضمن إنشاء درجة ثانية للتقاضي باسم "اللجنة القضائية العليا"، تجيز الطعن على قرارات اللجان القضائية للقوات المسلحة أمامها، إلى جانب، ضرورة أخذ رأي المفتي في الأحكام الصادرة بالإعدام كضمانة للمحكوم عليهم، وتطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية بشأن الأحكام الغيابية، وتعديل مسمى المحاكم العسكرية ليتماشى مع مسميات المحاكم في القضاء العادي، التي وردت بقانون السلطة القضائية،[8]بحيث يكون هناك 4 أنواع للمحاكم العسكرية، هي المحكمة العسكرية العليا للطعون، والمحكمة العسكرية للجنايات، والمحكمة العسكرية للجنح المستأنفة، والمحكمة العسكرية للجنح، وتختص كل منها، دون غيرها، بنظر الدعوى والمنازعات التي ترفع إليها طبقاً للقانون. وسيحل هذا النظام بالكامل بدلاً من النظام القائم حالياً، الذي يتضمن محاكم عسكرية مركزية ومحاكم عسكرية مركزية ذات سلطة عليا، وينتهي بالمحكمة العليا للطعون العسكرية. وتشكل المحكمة العسكرية العليا للطعون بذات التشكيل الخاص بالمحكمة العليا للطعون العسكرية السابقة من دائرة واحدة مقرها القاهرة مؤلفة من رئيس هيئة القضاء العسكري برتبة عقيد على الأقل، وتختص دون غيرها بنظر الطعون المقدمة من النيابة العسكرية أو المحكوم عليهم في جميع جرائم القانون العام. كما تشكل المحكمة العسكرية للجنايات من عدة دوائر، وتؤلف كل دائرة من 3 قضاة عسكريين برئاسة أقدمهم ولا تقل رتبته عن عقيد، وممثل للنيابة العسكرية وتختص بنظر قضايا الجنايات، بينما تشكل المحكمة العسكرية للجنح من عدة دوائر، وتؤلف كل منها على قاض واحد لا تقل رتبته عن رائد، وممثل للنيابة العسكرية وتختص بقضايا الجنح والمخالفات. وتشكل محكمة الطعن عليها والمسماة بـ”المحكمة العسكرية للجنح المستأنفة” من عدة دوائر، وتؤلف كل دائرة من 3 قضاة عسكريين برئاسة، أقدمهم على ألا تقل رتبته عن مقدم، وممثل للنيابة العسكرية أو المحكوم عليهم في الأحكام النهائية الصادرة من المحكمة العسكرية للجنح. وتنص المادة 80 المعدلة من القانون على أنه لا يجوز للمحكمة العسكرية للجنايات أن تصدر حكماً بالإعدام إلا بإجماع آراء أعضائها، ويجب عليها، قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأي مفتي الجمهورية، ويجب إرسال أوراق القضية إليه، فإذا لم يصل رأيه إلى المحكمة خلال الأيام العشرة التالية لإرسال الأوراق إليه، يجوز للمحكمة الحكم في الدعوى. [9]

ومن ثم يمكن إجمال التعديلات الجوهرية فيما يلي:[10]

-         تقرير حق الطعن في الأحكام الصادرة في الجنح، لتكون على درجتين بدلًا من درجة واحدة.

-         ضرورة أخذ رأي المفتى في الأحكام الصادرة بالإعدام كضمانة للمحكوم عليهم ولتحقيق التماثل مع ما يتم في القضاء العادي.

-         تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية بشأن الأحكام الغيابية.

-         تعديل مسمى المحاكم العسكرية لتتماشى مع مسميات المحاكم في القضاء العادي التي وردت بقانون السلطة القضائية.

الرؤى الرافضة للتعديلات

أبدى عدد كبير من الفقهاء والحقوقيين ودعاة حقوق الإنسان عدم رضاهم عن التعديلات التشريعية المتعلقة بالقضاء العسكري، وشملت اعتراضاتهم في هذا السياق التقليل من أهمية التعديلات  من ناحية، والآثار المترتبة عليها من ناحية أخرى. فقد اعتبر البعض أن هذه التعديلات سطحية، وأن الغرض من سرعة إصدارها هو تهدئة روع الغرب ومنظمات المجتمع المدني الدولية وتجميل الوجهة القانونية المصرية بالخارج، وكان من باب أولى أن يتركها الرئيس للبرلمان المقبل، لأن قانون القضاء العسكري ليس من القضايا المدرجة في المرحلة الانتقالية سواء الواردة في الإعلان الدستوري أو التعديلات الدستورية.[11]

مع التأكيد على أن أول ما يلاحظ على هذه التعديلات هو مخالفتها للدستور وتحديداً للمادة 156 منه والتى حددت سلطة رئيس الجمهورية فى إصدار قوانين فى غيبة مجلس النواب فقط فى حالة "حدوث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير"، وبالتالي فإصدارها فى غيبة ممثلي الشعب هو عدوان على حق الشعب المصري فى النظر فيها ومناقشتها.[12]

أما عن آثار التعديلات، فانتقد البعض حقيقة أن هذه التعديلات لن تفيد المعتقلين الذين تم الحكم عليهم من قبل ويقضون العقوبة ولكنها من الممكن أن تفيد المعتقلين الجدد. وما يجري ما هو إلا محاولة لتجميل القضاء العسكري الذي سيظل قضاء استثنائياً للعسكرين فقط وليس للمدنيين.مؤكدين أن هذه التعديلات “شكلية” ولكنها لن تلغي محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، لأنها ستظل موجودة بفضل الدستور الجديد.[13]

وفيما يخص أخذ رأي المفتي في أحكام الإعدام فهذه ليست بضمانة، لا أمام القضاء العسكري أو العادي، لأن رأي المفتي غير ملزم على الإطلاق ولا يغير من الحكم الصادر شيئاً، أما القول بأن التقاضي أصبح على درجتين فيما يتعلق بالجنح، فالجنح مادياً وعقابياً أخف وطأة من الجنايات وحيث أتت التعديلات الدستورية بجواز الطعن في أحكام الجنايات أمام القضاء العادي، وطالما تصدى رئيس الجمهورية لعمل تعديلات على قانون القضاء العسكري فكان عليه أن يعمم الحكم على الجنح والجنايات".[14]

كما قلل البعض من أهمية هذه التعديلات  على اعتبار أنها لن تعطي ميزة جديدة، فالقضاء العسكري كان يتيح التظلم والنظر في هذا التظلم، ما يعني أن هناك، في كل الأحوال، درجتين للتقاضي[15]
وقد بلور البيان الصادر عن مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" أبرز الانتقادات الموجهة لهذه التعديلات، إذ اعتبر أن إقدام السلطة على إدخال تعديلات جديدة على قانون القضاء العسكري تحت ادعاء أنها تتسق مع مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية هو اعتراف من الدولة بأن المحاكمات العسكرية التى سبقت هذه التعديلات كانت محاكمات تتنافي مع هذه المبادئ. كما أكدت المجموعة أن مضمون هذه التعديلات لا يتناول المشاكل الرئيسية بالمحاكم العسكرية، وأنه اهتم بأمور شكلية تتعلق بإجراءات المحاكمة، لم تتطرق لحرمان المجني عليه في القضايا العسكرية من توكيل محامين للدفاع عنه، كما لم تتطرق للحالات التي يجوز فيها محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية،وكذلك لم تتناول نص المادة 48 من القضاء العسكري والتي تعطي المحاكم العسكرية وحدها تحديد اختصاصها. وفي السياق ذاته ذكر البيان بأن المادة الأولي من القضاء العسكري مازالت تنص على أن القضاء العسكري هيئة تابعة لوزارة الدفاع، والقضاة العسكريين خاضعون لأنظمة القوات المسلحة كونهم من ضباطها، ولا يزال نظام التصديق على الأحكام بالمحاكم العسكرية موجوداً،وهو النظام الذي يبيح لضابط من غير أعضاء المحكمة العسكرية إلغاء الأحكام القضائية أو تعديلها.[16]

وعموماً، يطرح أنصار هذا الاتجاه تساؤلات مفادها.. إذا كان القضاء العسكري مستقلاً، بحق، فلماذا لا نطبق سائر أحكام قانون الإجراءات الجنائية أمامه؟ ولماذا لا نلغي رقابة وتصديق القائد العام للقوات المسلحة على الأحكام؟.[17]

فيما جدد آخرون التساؤل عن جدوى عرض المدنيين على القضاء العسكري في المقام الأول.

 

الآراء الداعمة للتعديلات:

على جانب آخر ثمن قطاع عريض من الخبراء والمحللين هذه التعديلات التشريعية التي تم إجراؤها على المنظومة القانونية المتعلقة بالقضاء العسكري، معتبرين أنها بمثابة خطوة لتحقيق الشرعية الدستورية، والمبادئ العامة الصحيحة بالبلاد، كما تعد نقلة نوعية في القضاء العسكري، والتزاماً من الدولة بتعديل قانون المحاكمات العسكرية، كما وعدت، حفاظًا على العلاقة بين كل القوى والحركات الثورية في الشارع.[18] وهذا ما جعل البعض يعتبر أنها خطوة إلى الأمام نحو دولة ديمقراطية وبناء الدولة على أساس متين من العدالة، لاسيما وأن هذه التعديلات جاءت، لكي تتوافق مع حكم الدستور الجديد الذي نص على ضرورة توفير كافة الضمانات الخاصة بالقضاء العادي أمام القضاء العسكري. [19]

تنطلق الآراء الداعمة لهذه التعديلات من أن القضاء العسكري عانى على مدار سنوات من أوجه قصور عدة، ومن ثم فإن هذه التعديلات تصب في صالح المواطن المصري،  لأنها جعلت القضاء العسكرى فى مرتبة القضاء المدنى فيما يتعلق بإنشاء محكمة للجنح المستأنفة، وكذلك أخذ رأى المفتى بأحكام الإعدام، وسقوط الأحكام الغيابية التى تصدر فى الجنايات بمجرد القبض على المتهم أو مثوله للتنفيذ. [20]  كما أن التقاضى على درجتين، يمثل ضمانة هامة للمتهم فى نطاق اختصاص القضاء العسكري، وهو اتجاه محمود، لأنه يؤدى إلى اطمئنان المتقاضى والمتهم الذى تتم محاكمته أمام القضاء العسكري، فالتعديلات التي أدخلها رئيس الجمهورية على أحكام وقوانين القضاء العسكري, تضيف مميزات للمتهم وترسخ حقوق الإنسان والدفاع عن المتهم بطريقة صحيحة؛ إذ تعطي فرصة أخرى للمتهمين غيابيًا، بأن تعاد محاكمتهم بمجرد القبض عليهم، كما هو معمول به في إجراءات القضاء المدني.[21]

فضلاً عن أنه بإنشاء محكمة الجنح المستأنفة أصبح أي حكم نهائياً وباتاً مثل محكمة النقض غير قابل للنقض بأي إجراء آخر، وبالتالي لا يحتاج إلى تصديق أي من القيادات العسكرية.[22]

ودافع البعض عن هذه التعديلات مؤكدين أنها لا تتعارض مع المادة 156 من الدستور، التي حددت سلطة رئيس الجمهورية في "إصدار قوانين في غيبة مجلس النواب، فقط في حال حدوث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير"، مؤكدين أن هذه المادة تنطبق على الرئيس الدائم وليس المؤقت، حيث إننا في مرحلة انتقالية والرئيس هو صاحب السلطة الوحيدة في إصدار القوانين، ومن ثم لا تنطبق عليه اشتراط الضرورة. [23]

كما يفسرون هذه الخطوة بالرغبة في تحقيق العدالة الناجزة والسريعة التي لن تتحقق إلا بتعديلات سريعة، وأن المدة التي حددها الدستور بـ 10 سنوات كحد أقصى لإجراء هذا التعديل، تعد مدة طويلة نسبياً، مطالبين أن يتم التعديل في أقرب فرصة على غرار التعديلات التي أدخلت على القضاء العسكري.[24]

 

الهـوامـش

 



[1] محمد بصل، "«منصور» يصدر تعديلات قانون القضاء العسكري لجعل التقاضي به على درجتين"، الشروق، 2 فبراير 2014.

[2]  نبيل عبد الفتاح، "محاكمة المواطنين أمام قاضيهم الطبيعي‏:‏ فريضة دستورية وضرورة سياسية "، الأهرام، 08/09/2011

[3] د. مروة نظير، "المحاكمات العسكرية للمدنيين: مصر نموذجا"،موقع الجماعة العربية للديمقراطية، 24 ديسمبر 2012

متاح على الرابط التالي:

http://www.arabsfordemocracy.org/

[4] Robinson O. Evertt, “Military Jurisdiction Over Civilians”, Duke Law Journal, Vol.366, 1960, pp 366-368

[5]  د. مروة نظير، وضع المؤسسة العسكرية في مسودة دستور 2013: بين متطلبات الوضع الراهن وما ينبغي أن  يكون"، موقع معهد العربية للدراسات - 22 ديسمبر2013.

[6] إيمان إبراهيم،" يتضمن 4 محاكم.. “منصور” يصدر تعديلات قانون القضاء العسكرى"، البديل، 5 فبراير 2014

متاح على الرابط التالي:   


http://elbadil.com/2014/02/04/%d9%8a%d8%aa%d8%b6%d9%85%d9%86-4-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%83%d9%85-%d9%85%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b1-%d9%8a%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%aa%d8%b9%d8%af%d9%8a%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86/#5grC1OXu3rvimQH5.99

[7] المرجع السابق.

[9] إيمان إبراهيم،" يتضمن 4 محاكم.. “منصور” يصدر تعديلات قانون القضاء العسكرى"، مرجع سبق ذكره.

[11] ريهام جمال، "جدل ما بين "أهمية" و"سطحية" تعديلات قانون القضاء العسكري"، الدستور ، 03 فبراير 2014

[12] تعديلات قانون القضاء العسكري: تجميل شكلي لمضمون مشوه، بيانمجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنين، 1/2/2014

متاح على الرابط التالي:

http://www.nomiltrials.com/2014/02/blog-post_2.html

[14] ريهام جمال، "المرجع السابق.

[15] محمد أحمد عبد الغنى، "قانونيون: تعديلات "القضاء العسكري" بلا مزايا إضافية"،موقع مصر العربية، 03 فبراير 2014

على الرابط التالي

http://masralarabia.com/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9/204547-%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A 

[16] مارينا ميلاد ، "لا للمحاكمات العسكرية" : تعديل قانون القضاء العسكري تجميل شكلي لمحتوى مشوّه، روز اليوسف، 3 فبراير 2014

[17] ريهام جمال، "المرجع السابق

[18] محمد أحمد عبد الغنى، المرجع السابق.

[19] نجوي يوسف، "خبير عسكري: تعديل قانون القضاء العسكري "منصف"

http://www.vetogate.com/844253،2/فبراير/2014 

[20] ريهام جمال، " المرجع السابق

[21] على عبدالعزيز، "قانونيون: تعديل القضاء العسكرى أضاف الحقوق للمتهمالوفد، 02 فبراير 2014  

[22] محمد كساب، "بالفيديو.. رئيس «القضاء العسكري»: تعديلات القانون جعلته مثل القضاء العادي"، المصري اليوم، 03-02-2014.  

[23] ريهام جمال، " المرجع السابق

[24] نجاة عطية الجبالي، "أبو شقة"يطالب بتعديل قوانين محاكم "الجنايات"على غرار "القضاء العسكري" لتحقيق العدالة الناجزة"، موقع قناة صدى البلد، 2 فبراير 2014.

 

 

 

  http://www.el-balad.com/803993#sthash.5Kj8reZf.dpuf

 

·      خبير العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- مصر

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟