ضد الجميع: ملاحظات من وحى الحرب على "داعش"
الخميس 09/يناير/2014 - 03:40 م
محمد جمعة
فجأة، ومن دون أية مقدمات تصّدرت " داعش " أجندة الأحداث فى المنطقة، ليبدو الأمر وكأنه إعلان حرب عليها من قبل الفاعلين الدوليين والاقليميين، كى تجد "داعش" نفسها فى نهاية الأمر فى حرب ضد الجميع .
الإدارة الأمريكية هى أول المتصدرين لهذه الحرب، سواء أكان ذلك بشكل مباشر(من خلال تحركات سفيرها لدى سورية) أو من خلال الوكلاء الإقليميين، وها هى واشنطن تدعم حكومة المالكى فى العراق بالعتاد العسكرى لحثها على حسم تلك المواجهة مع داعش فى الأنبار ومناطق شمال غرب العراق.
السفير الأمريكى لدى سورية " روبرت فورد " هو من سعى للتحريض على داعش وحشد تنظيمات المعارضة لقتالها . وفى سياق سعيه هذا انطوى موقفه، وموقف الإدراة التى يمثلها، على بعض المفارقات، حين راح يفرق بين " داعش " و " الجبهة الاسلامية " رغم أن الأخيرة على علاقة تحالفية مع " جبهة النصرة" المدرجة من قبل الإدارة الامريكية ذاتها فى قوائم الإرهاب!
أما "جبهة النصرة" التى وإن اعترفت مؤخراً بأنها تشارك فى القتال ضد "داعش"، إلا أن هذا الاعتراف لا ينفى أنها فى حيرة من أمرها: فهى من ناحية تبدو مستفيدة باستلام مواقع داعش و"وراثتها" في بعض المناطق، لا سيما ريفي حلب وإدلب، ولكنها من ناحية أخرى تعيش هاجس المستقبل وأسئلة المصير، وتخشى فى الأمد القريب من أن تتحقق بشأنها مقولة " أكلت يوم أكل الثور الأسود " .
حكومة المالكي فى العراق بدأت تضرب قوات “داعش” متسلحة بالدعم الأمريكى (العسكرى والسياسي) المفتوح ، وكذلك الدعم الإيرانى الذى لا يقل أهمية ، ناهيك عن أنها(أى حكومة المالكى ) بدأت تجد من يستجيب لتحركاتها من شيوخ العشائر فى الأنبار . وفى سياق كهذا يمكن القول بأن الرمادى والفلوجة ستعودان لحضن الدولة العراقية خلال أيام قليلة . لتبقى بعد ذلك معسكرات " داعش" فى صحراء الأنبار، أهدافاً مكشوفة لمروحيات الجيش العراقى وللقصف المدفعى والصاروخى .
المقصد إذن، أن لحظة تسوية الحساب مع"داعش" قد أزفت، وأن القرار الدولي الإقليمي باجتثاثها قد اتخذ بالفعل، وهذا أمر يثير العديد من الملاحظات والتساؤلات الهامة التى قد لا يكون لبعضها إجابة قاطعة فى الوقت الراهن، من ذلك :
أولاً: أن إخراج "داعش" من الأنبار ليس معناه حسم الأمور أو تحقيق الاستقرار،لأن هذا التنظيم ليس هشاً إلى الحد الذي يمكن معه حسم الأمور بجولة أو عدة جولات في العراق أو سوريا. والأرجح أن تنفيذ القرار الدولي باجتثاثه، سيحتاج لشهور (وربما لسنوات) يتخللها العديد من المعارك والعمليات الانتحارية، والعربات المفخخة التى تحصد أرواح المئات من الضحايا . لكن، بالمقابل، تبدو التخوفات من سعى "داعش" لإنشاء دولة إسلامية على الحدود العراقية مع سورية، والتى تم الترويج لها فى سياق التبرير لشن تلك الحرب، ليس لها ما يبررها بسند من الواقع على الأرض ، بل إن أول من يدرك جيداً عدم قدرة " داعش " على تحقيق ذلك، هم ذات الأطراف التى سعت لإشاعة تلك المخاوف . فالمنطقة الجغرافية التي تتناولها التحذيرات تقع بين مدينة "نينوى" في شمال غرب العراق وبين محافظة "الحسكة" في شمال شرق سوريا. ومعروف أن نينوى قريبة جداً من الموصل ومن الإقليم الكردي ذي الحكم الذاتي، ويسكن في محافظة الحسكة السورية أكثر السكان الأكراد السوريين ، وقد تسلح الأكراد على جانبي الحدود بالكثير من السلاح والذخيرة فى مواجهة مقاتلى " داعش" ، فضلاً عن إمكانية تدخل قوات " الباشمركة" الكردية إلى جانب المواطنين فى أجزاء من منطقة نينوى العراقية . وعليه فإن إنشاء إمارة إسلامية مستقلة سيجعل المنظمة هدفاً مريحاً للهجوم عليها من قبل حكومة العراق، والقوات الكردية، أو هجمات من الجو كما يحدث في اليمن التي لم تنجح فيها "القاعدة" أيضاً برغم كون الحكم فيها أضعف مما هو في العراق، في إنشاء إمارة.
ثانياً: أن هناك، من بين العرب الذين لا يخفون امتعاضهم من السياسة الطائفية لحكومة المالكى، من يرون أن تلك الحكومة نجحت فى توظيف الرغبة الأمريكية فى مواجهة داعش، من أجل الحصول على الدعم العسكرى من إدارة أوباما، لكنهم مع ذلك امتنعوا عن انتقاد تلك الخطوة الأمريكية وابتلعوها لـــــــــــ "حاجة فى نفس يعقوب"، إذ أن هذه الحرب المفتوحة على " داعش" أٌريد لها أن تستبق مؤتمر" جنيف 2 " لتحقيق جملة من الأهداف أهمها.. نزع الوكالة الحصرية التى يدعيها نظام الأسد بمحاربة الإرهاب، من خلال" تظهير" قوى جديدة تقاتل" إرهاب داعش". وكذلك من أجل وضع شروط على مائدة المفاوضات، تنسجم مع اشتراطات بعض اللاعبين الإقليميين الداعمين للجبهة، والذين لم يظهروا يوماً رغبة في حل سياسي للأزمة السورية، ولطالما نظروا لـ "جنيف 2" على أنه تهديد لحساباتهم ومصالحهم ونفوذهم الإقليمى .
ثالثا: أن البدائل التي تُعدّ لـ "داعش" تتلامس معها أيديولوجياً، وليست بعيدة عنها على الإطلاق، بل إن معظمها يدور في فلكها، مع فارق واحد، أن لـ "داعش" أجندة أكثر طموحاً على المستوى الإقليمى من "النصرة" و"الجبهة الإسلامية" اللتين تحصران تفويضهما بـ "ولاية سوريا"، فى حين تمثل " داعش" تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام . مع ذلك ليس هناك من ضمانة بألا تسعى تلك المنظمات نفسها لتوسيع نطاق التفويض الذى تمنحه لنفسها ، وها هى"النصرة"،على سبيل المثال، تنقل جزءاً من عملياتها إلى الساحة اللبنانية، فى ظل مؤشرات على أن هذا الدور مرشح للتصعيد فى الأيام المقبلة . كذلك حاولت " النصرة"، مؤخراً، اختراق الساحة الأردنية، مثلما حاولت من قبل " قاعدة العراق" اختراق مدينة إربد الأردنية . والأهم من هذا وذاك، ليس من المستبعد أن تلتحق " النصرة " بخنادق "داعش" إن هى اقتنعت بأنها ستكون الهدف التالى للحرب الدولية – الإقليمية على الأخيرة .
رابعاً: قد يبدو للوهلة الأولى أن نظام الأسد هو المستفيد الأول من حروب معارضيه ومعاركهم، غير أنه قد يواجه، في حال إحراز "الجبهة" وجيشها الإسلامي و"جيش المجاهدين" اختراقاً على جبهات القتال، بقوة ضاربة، مدعومة إقليمياً وغير مغضوب عليها دولياً، وعندها ستكون المنازلة العسكرية والسياسية مع هؤلاء الخصوم الجدد / القدامى، أكثر تحدياً وأشد صعوبة.
خامساً: إن هذه الحرب " الدولية – الاقليمية " على "داعش" ستنتهي بتكريس نفوذ "الجبهة الإسلامية" كممثل شرعي وحيد للمعارضة المسلحة، وسيكون لها القول الفصل في تقرير موقف المعارضة ، وفى ذات الوقت ستنهي آخر الهوامش التي تتحرك فيها المعارضات المسلحة غير الإسلامية، والتي تتدثر برداء الائتلاف والجيش الحر. وعليه فإن التساؤل الذى يتعين على الأطراف المعنية بحل سياسى للأزمة السورية ومصائر مؤتمر جنيف، تقديم إجابات واقعية بشأنه، يتمحور حول ما إذا كانت "الجبهة" ستقبل بالشعارات المُؤّسِسّةِ للثورة السورية، وهي التي نشأت في مواجهتها وبالضد منها، والشاهد على ذلك أن مراجعة ميثاق " الجبهة" وأدبياتها، لا تظهر أية فروق جوهرية بينها وبين أدبيات " داعش " و " النصرة ". !!
خبير بمركز الدراسات الاستراتيجية بالاهرام