حرب الفتاوى: شهادات استثمار قناة السويس بين التحليل والتحريم
لازال هناك من يستغل مساحة التدين المتجذرة في الشعب المصري الذي عُرف بتديُنِه منذ فجر التاريخ حتى قبل ظهور الأديان؛ فإخناتون اكتشف بحسه المصري الفرعوني المتدين أنه لا يوجد لهذا الكون سوى إلهٌ واحد رغم كل ما كان يُحيط به من آلهةٍ ومعابدَ في مصرَ الفرعونية.
ولأن البعض، وخاصةً ممن ابتُليت بهم مصر تحت مُسمى الإسلام السياسي الذين أدمنوا الإتجارَ بالدين بُغيةَ الوصول إلى الدنيا، أزعجهم كثيراً هذا الإقبال الشعبي غير المسبوق من قِبل المصريين على شراء شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة، والتي تمثل استفتاءً شعبياً على الرئيس عبد الفتاح السيسي، فلم يجدوا سبياً لمحاولة عرقلة هذا المشروع العملاق إلا بإقحام الدين في الاقتصاد، ومن هنا بدأت "حرب الفتاوى" حتى قبل أن يتم فتح الباب أمام المواطنين لشراء شهادات استثمار مشروع القناة.
أولاً: الربا يلاحق مشروع قناة السويس
بدأت الحرب بحشد الإسلاميين مدفعيتهم الثقيلة لاستغلال الدين في "تخريب" الدنيا بُغية إفساد أمورٍ كثيرة أولها: النيل من شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي لدى المصريين الذين طالما مثَّلوا ظهيراً شعبياً للرئيس في مواجهة حركات الإسلام السياسي المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان، ولاشك أنهم لو نجحوا في هذا، فإن ذلك سوف يمكِّنهم من مواجهة النظام الجديد بعد فقدانه الظهير الشعبي الذي يحميه، وثانيها تعويق خطط الرئيس ومشروعاته الطموح من أجل غدٍ أفضل لكل المصريين الذين لم يهنأوا بطيب العيش منذ ما يقرب من أربع سنوات، بل لم يكونوا يجرؤون على الحديث عن المستقبل، وبالتالي كان الإسلاميون يهدفون إلى قتل الأمل في نفوس المصريين بالمشاركة في هذا المشروع الذي يضمن مستقبلاً أفضل لهم ولأولادهم، وثالثها أن الإسلاميين لم يريدوا أن يقارن المصريون بين نجاحات السيسي وفشل ما أطلقوا عليه كذباً وبُهتاناً "المشروع الإسلامي"، حيث لم يعايش المصريون سوى "المشروع الإخواني" الذي سعى فقط لتمكين الإخوان والمتاجرة بحدود الوطن وترابه الذي روته دماء المصريين عبر العصور في مواجهات سطرَها التاريخ منذ الهكسوس مروراً بالتتار والمغول والفرنسيين والصليبيين وانتهاءً بالإنجليز واليهود.
والغريب أن عدداً كبيراً من دُعاةِ السلفية أجمعوا على تحريم شهادات استثمار قناة السويس، معتبرين أنها نوعٌ من أنواع "الربا الفاحش"، ومستنكرين موقف الأزهر ودار الإفتاء المصرية، حيث ذكر الشيخ أبو إسحاق الحوينى في تصريحٍ له، إن الرأي الشرعي في شهادات استثمار قناة السويس: "هى ربا محرمة، ولا فرق بينها وبين شهادات الإستثمار العادية". ويضيف يحيى اسماعيل، رئيس جبهة علماء الأزهر، والأستاذ بجامعة الأزهر، إن "شهادات الاستثمار- كما جاء في قرار مجمع البحوث اﻹسلامية عام 1962- كان مجمعًا بحق هى "قرض جر نفعًا بأنواعها الثلاثة أ، ب، ج"، ومن ثم فهي ربا. ومن الملاحَظ أن رئيس جبهة علماء الأزهر يستند في كلامه إلى فتوى عمرها أكثر من نصف قرن، مما يدل على أن بعض رجال الدين قد تجمدوا أُسارى لفتاوى قديمة بالية دون أن يدركوا متغيرات العصر الذي نعيش فيه، ولم يجددوا في فتاواهم بما يناسب هذا العصر.
ثانياً: حزب النور يلاعب السيسي بورقة الدين
ومن جانبه أفتى حزب "النور" السلفي بتحريم شراء شهادات الاستثمار لمشروع قناة السويس الجديدة، قائلاً: "حرام شرعًا"، معتبرًا الاستثمار فيها بمثابة "رباً فاحش"، متفقًا مع ما أعلنته "الدعوة السلفية" بهذا الشأن، مستنكرًا موقف الأزهر ودار الإفتاء المصرية وصمتهما عن تحريم ذلك.
وقال علاء شحتو، القيادي بحزب "النور"، إن طرح شهادات استثمار قناة السويس ذات فائدة، بمثابة "رباً فاحش" نظرًا لعائد الربح الذي يصل إلى 12% في الثلاثة أشهر، وأضاف أن الأصل في المعاملات المكسب والخسارة، أما المعاملات التي تجني أرباحًا فقط فتدخل تحت الربا الذي نهى الشرع عنه، وهو ما ينطبق على شهادات استثمار قناة السويس الجديدة"، بحسب قوله. وندد شحتو بـ "مباركة" الأزهر والأوقاف لهذه الشهادات، مستنكرًا فتوى الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، والتي حث فيها المصريين على الإقبال على شهادات الاستثمار بالرغم من علمه بمخالفتها للشريعة.
من جهته، قال أكرم كساب، عضو "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، إن الشهادات بفوائد سنوية معلومة مسبقاً، هو عين الربا، ومعلوم حرمة الربا على مستوى الأفراد والمؤسسات، والله تعالى يقول في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {279}.
ومن الواضح أن حزب النور يستخدم ورقة الدين ويُشهرها في وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي أملاً في الحصول على مكاسب سياسية في الفترة القادمة، ومن هنا فقد جيَّش دعاة الدعوة السلفية لكي يملأوا الدنيا ضجيجاً بحُرمة هذه الشهادات أملاً في استخدام ذلك كورقة ضغط على الرئيس، مثلما حاول من قبل رجال الأعمال في استخدام ورقة المال للضغط على الرئيس في الحصول على مكاسب، وهو ما لم يُذعن له الرئيس السيسي، الذي كثيراً ما يُذَكِر كل من له عقلٌ يعي بأنه ليس لديه فواتير يسددها لأحد، وأننا جميعاً يجب أن نعمل سوياً لمصلحة هذا الوطن.
الغريب في الأمر أن حزب النور نفسه صدَّع رؤوسنا كثيراً بأنه حزبٌ سياسي، ومن هنا نطرح سؤالاً مهماً على الهيئة العليا للحزب: ما علاقة الحزب السياسي بالفتاوى الدينية؟ وإذا كنتم حزباً دينياً مهمته إصدار الفتاوى في أمور الدنيا والآخرة، فاعلموا أن دستور 2014 "يُحَرِم" إقامة الأحزاب الدينية. لقد سأم الشعب المصري الأحزاب السياسية التي تخلط الدين بالسياسة، وتلعب بورقة الدين بغية تحقيق أهدافٍ سياسية، وعرف الشعب المصري جيداً أن خلط الدين بالسياسة ليس سوى "خلطةٍ مسمومة" لن يطعمها ثانيةً بعد أن ذاق طعمها الفاسد في سنة حُكم الإخوان.
ثالثاً: الجبهة السلفية تحرم شهادات القناة
وقد نَحَتْ "الجبهةُ السلفية" منحى حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية، إذ أوضح أحمد يحيي شريف، القيادي بالجبهة أن أغلب الشعوب العربية تحبُّ الأرباح السهلة المضمونة التي تأتي بلا تعب أو عناء حتى لو كانت زهيدة أو مُحرمة شرعًا. وقال إن "نسبةً كبيرة جدًا من المصريين يضعون أموالهم في البنوك التجارية من أجل فائدة سنوية زهيدة تتراوح من 8% إلى 12% - تختلف باختلاف البنك وقيمة وفترة الوديعة - ويُعرِضُ أغلبُ الناس عن التجارة التي أحلها الله تعالى في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - من أجل أن فيها نسبة مُخاطرة وربما تعرض رأس المال للتلف".
وتابع مستنكراً: "هذا الرّجل الذي يضع 100 ألف جنيه في بنك ويحصل آخر العام على 10 آلاف، لو فكَّر في أمره جيدًا وقرر الدُّخول في تجارةٍ يُحسنها ويُجيدها لربما كانت أرباحه آخر العام 30 أو 40 ألفاً من الجنيهات وربما أكثر، لكن الشيطان يُخوفُ الناس من الحلال ويرغّبهم في الحرام ويخوفهم من الخسارة المُحتملة ويزين إليهم المكاسب المحرمة الضئيلة".
ومضي بقوله: "للأسف، أغلب الناس يَسألون في أمور دنياهم التي فيها معاشهم، ولا يُقدموا على أمر من أمور الدنيا إلا بعد أن يقتلوه بحثاً كي يحققوا أفضل المكاسب بأقل التكاليف، فإذا أتوا على أمور الآخرة؛ لا تجدهم يُبالون بالحلال والحرام ويستعينون بالفتاوى الباطلة وأقوال الرّجال الشاذة كي تكون لهم طوق نجاة في الآخرة".
وتساءل: "كم مصريٌّ من الذين اشتروا شهادات قناة السويس اليوم سأل عالمًا شرعيًا - مشهودًا له بالعلم والكفاءة - عن حكم شراء هذه الشهادات وحكم الفوائد التي تترتب عليها"؟!، ومضي قائلاً: "أغلبهم اكتفى بمعرفة نسبة الربح على رأس المال -الذي حددته الحكومة- واكتفى بالزخم الإعلامي حول المشروع وكونه مشروعاً وطنياً يساعد في تنميةِ الاقتصاد.
وأكد أن شهادات قناة السويس التي أصدرتها الحكومة هي من جنس شهادات الاستثمار التي يُصدرها البنك الأهلي بفئاتها المُختلفة أ،ب،ج وهي شهاداتٌ مُحرمةٌ شرعاً وهي الربا الذي ذكره الله تعالى في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، حيث أن صاحب الشهادة يأخذ فائدة - ربا - على أصل المال لا على الربح أو الخسارة، وبالتالي لا يجوز شراء هذه الشهادات أو الانتفاع بالربا الخارج منها.
رابعاً: الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تُفتي بربوية الشهادات
قال عطية عدلان، عضو الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح: "إذا تأملنا شهادات استثمار قناة السويس، وبحثنا عن جوهرها وطبيعتها، وجدناها لا تخرج عن عقدِ القرض"، لافتًا إلى أنها لا تزيد على كونها صورة من ودائع البنوك، وهذا واقعٌ لا يُنكر.
وأكد أن القانون رقم 8 سنة 1965 ينص على أن الشهادات أ، ب قرض بفائدة، والبنك الأهلي المصري نفسه عندما يعلن عن أوعيته الإدخارية التي يتلقى بها الودائع يذكر في بعض إعلاناته شهادات الاستثمار ضمن هذه الأوعية.
وأوضح "عدلان"، في تصريحات صحفية، أن هذا التكييف واضحٌ جداً بالنسبة للمجموعتين أ، ب. أما المجموعة ج فهي التي حدث حولها شئٌ من الجدل، بسبب أن عائدها يوزع في صورة جوائز، وهذه الجوائز يأخذها بعض العملاء وما كان ينبغي أن يثور حولها الجـدل؛ لأن ما يجرى عليها لا ينقلها عن أصلها الربوي، بل يزيد على مصيبة الربا مصيبة أخرى وهي الميسر.
خامساً: دار الإفتاء تتصدى لحرب الفتاوى وتُفتي بشرعية الشهادات
أكدت دار الإفتاء المصرية جواز التعامل بشهادات الاستثمار لتمويل مشروع قناة السويس الجديدة، حيث إنها عقد تمويلٍ بين المشتركين والدولة، ولا تُعَدُّ بحالٍ من الأحوال قرضًا؛ موضحة أن عقود التمويل الاستثمارية بين البنوك أو الهيئات أو الجمعيات العامة من جهة وبين الأفراد أو المؤسسات والشركات مِن جهةٍ أخرى هى فى الحقيقة عقودٌ جديدةٌ تحقق مصالح أطرافها، والذى عليه الفتوى أنه يجوز إحداثُ عقودٍ جديدةٍ مِن غير المُسَمَّاة فى الفقه الموروث ما دامت خاليةً مِن الغرر والضرر، محققةً لمصالح أطرافها، كما رجحه المحققون من العلماء.
وأضافت دار الإفتاء فى بيان لها، أنه يجب أن نلفت نظر الناس أن الاعتراض على هذا العقد بأن فيه غررًا أو ضررًا أو ربًا ليس بصحيح؛ لأن الواقع المَعِيش قد تَغَيَّر بمجموعةٍ مِن العلوم الضابطة؛ كدراسات الجـدوى وبحوث العمليات والإحصاء والمحاسبة، التى يغلب على الظن دقتها والعمل على الابتعاد عن الغرر والضرر.
وأكدت الدارُ أن الشخصيةَ الاعتباريةَ المتمثلةَ فى الدولة والهيئات والجمعيات العامة لها مِن الأحكام ما يختلف عن أحكام الشخصية الطَّبَعِيَّة؛ حيث اعتبر الفقهاء أربع جهاتٍ لِتَغَيُّرِ الأحكام مِن بينها تغير الأحكام على قَدْرِ طبيعة الأشخاص؛ فأَقَرُّوا -على سبيل المثال- عدمَ استحقاق زكاة على مال الوقف والمسجد وبيت المال، وجوازَ استقراض الوقف بالربح عند الحاجة إلى ذلك.
وقالت دار الإفتاء إن الأرباحَ المقدمة على هذه الشهادات إنما هى لتشجيع الأفراد على الاكتتاب فيها؛ حتى يُمكِنَ للدولة مواجهةُ التحديات وحَلُّ الصعاب ودرء العقبات، ودفع عجلة التنمية المستدامة بأسلوبٍ حكيم.
وأوضحت دارُ الإفتاء أن الهدفَ من إصدار هذه الشهادات كما هو مقرر هو دعم الوعى الادخاري لدى جمهور المتعاملين، وتمويل خطة التنمية فى الدولة، وتقوية الاقتصاد المصرى فى منظومة تنهض بالمجتمع وتعزز أسباب التكافل والتعاون فيه، مع الحفاظ على هوية وأمن الوطن ضد أى مخاطر مستقبلية. وتابعت "عليه فإن هذه الشهادات عقودُ تمويلٍ جديدةٌ خاليةٌ مِن الغرر والضرر والربا تُحَقِّقُ مصالحَ أطرافها، ولذا فهى معاملاتٌ جائزةٌ ولا شيء فيها،ولا مانع مِن الاستثمار فيها شرعًا".
وناشدت دارُ الإفتاء أبناءَ الشعب المصرى الكريم أن يرجعوا إلى الجهات المتخصصة المشهود لها عبر العصور بالوسطية فى بيان الأحكام الشرعية، متمثلة فى الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، وألا يأخذوا فتاويهم من غير المتخصصين والذين لا يجدون أنفسهم إلا فى دائرة التحريم لكل شيء، وهم لا يدرون أنهم بذلك يصدون عن دينِ الله، ويجعلونه عرضةً للوصف بأنه غيرُ صالح.
وأكد وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة، أن قيامَ أحدِ الصناديق التابعة للعاملين بالأزهر الشريف باتخاذ قرار بشراء شهادات استثمار فى مشروع قناة السويس، بمبلغ 250 مليون جنيه، ثم قيامَ أحدِ الصناديق التابعة للعاملين بالأوقاف باتخاذ قرار بشراء شهادات أخرى فى المشروع بمبلغ 400 مليون جنيه، إنما هو بيانٌ وفتوى علمية وتطبيقية لمشروعيتها باعتبار ذلك مشروعًا قوميًا يعود نفعه على الوطن كله.
سادساً: مُحَرِمُو شراء شهادات استثمار قناة السويس يتاجرون بالدين
ومن عجبٍ أن يأتي الرد أيضاً على دعاوى تحريم شهادات استثمار مشروع قناة السويس التي أطلقتها الدعوة السلفية والجبهة السلفية والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح من قِبل داعيةٍ سلفي هو الدكتور أسامة القوصى، والذي انتقد التصريحات المنسوبة لبعض الإسلاميين والتى تُحرِم شراءَ شهاداتِ الاستثمار فى مشروع قناة السويس الجديدة.
وسخر "القوصى" من هذا الحديث قائلاً: "لو كان الأمر فى عهد جماعة الإخوان كانوا قالوا إنها مصاريف إدارية أما الآن يقولون ربا"، مؤكداً أن الحديث عن تحريم شهادات استثمار لا يرتقى بأن يكون فتوى، واصفاً هذا الحديث بأنه تجارةٌ بالدين، مضيفاً: "هؤلاء سَيُحَرِمُون الهواء".
ودعا "القوصى" جموعَ المصريين بشراءِ شهادات استثمار فى مشروع قناة السويس، قائلاً: "واجبٌ على المصريين رد الجميل لمصر والمساهمة فى بناء البلاد والمساهمة فى إعادة إعمارها".
كما أيد الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء، فتاوى دار الإفتاء المصرية الأخيرة، والتى تمثل أبرزها فى حُكمِ شراء شهادات الاستثمار بقناة السويس الجديدة، وأكد عمر هاشم أن شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة حلال شرعًا، لافتًا إلى أنها مساهمة في دعم الاقتصاد المصري والمسيرة الجديدة وليست فيها مخالفة للشرع.
وأوضح عمر هاشم أن مشروعَ قناة السويس لا مناصَ منه ولا خلافَ حول أنه يُسْتَثمر للصالح العام، منوهًا بأنه أُجريت حوله دراسة جدوى من عقول اقتصادية قبل أن يضعوا أول حفر لهذه القناة، وأشار إلى أنه مشروعٌ استثماري اقتصادي وليس كفوائدِ البنوك.
سابعاً: فتاوى تحريم الشهادات تودى بالجمعية الشرعية إلى ذمة التاريخ
ورداً على حرب الفتاوى التي أطلقتها الجمعية الشرعية في المساجد التي تسيطر عليها، قامت مديريات وزارة الأوقاف بالمحافظات بتنفيذ قرارات وزير الأوقاف الصادرة بتحريرِ المساجدِ من براثن الجمعية الشرعية التي استغلتها الجمعية في بثِ فكرِها الدعوي المتطرف المناوئ للدولة، وخاصةً بعد تورط أئمتها وتوظيف المنابر فى اتجاهٍ معين، وإصدارِ فتاوى تُحَرِم ما أَحَلتُه المؤسسةُ الدينية لمنع المواطنين من شراء شهادات استثمار بقناة السويس الجديدة، وهى الفتوى التى أرسلت الجمعية الشرعية إلى ذمة التاريخ بعد تلاشى وجودها بالمساجد.
وبدأت مديريةُ أوقاف القاهرة تنفيذَ قرارِ وزير الأوقاف بضمِ مساجد الجمعية الشرعية بالقاهرة إليها وتعيين خطباءٍ عليها تابعين للوزارة، يؤدون الصلوات، وقامت المديرية ، بتحرير محاضر ضم لمسجد خامس الخلفاء الراشدين بالمطرية.
وتشمل القرارات فى أول يوم ضم مساجد جزيرة دار السلام بمنطقة دار السلام، ومسجد عباد الرحمن بحارة اليهود بالموسكى ومسجد السنية بدرب السكة الحديد بالبساتين ومسجد على بن أبى طالب بالترولى بالمرج، ومسجد زهرة الإسلام بالمطرية. وتشمل القرارات أيضاً إغلاق الزوايا المخالفة والتابعة للجمعية الشرعية، منها زاوية الرحمة بحارة موسى وزاوية السلام بشارع المأذون.
وقال الشيخ جابر طايع وكيل وزارة الأوقاف بالقاهرة، إن المديريةَ بدأت بتفعيلِ قراراتِ الوزير فى ضم مساجد الجمعية الشرعية فورَ صدورِه، وفى اليوم الأول بضم عديدٍ من المساجد، مؤكداً أن القائمة مفتوحة على مدارِ الساعة لضمِ مساجدَ أخرى دعوياً وتعيينِ خطباءٍ عليها.
ومن جانبها، صادرت مديريةُ أوقاف الجيزة صناديقَ تبرعات عُثر عليها بداخل العديد من مساجد الجمعية الشرعية بالجيزة، خلال قيامها بمعاينة وضم المساجد دعوياً، تفعيلاً لقرار وزير الأوقاف بضم مساجد الجمعية الشرعية دعوياً، لتخطيها حدودِها إلى إصدارِ فتاوى تضرُ بالمصلحة العامة.
وقام الدكتور عبد الناصر نسيم وكيل أوقاف الجيزة بمعاينة وضم مساجد شهيرة بالجيزة على رأسها مسجد الاستقامة بميدان الجيزة ومسجد المنيرة بامبابة ومسجد الحرمين بوراق العرب دعوياً، وتعيينِ أئمةٍ تابعين للوزارة على المساجد وتحريز صناديق التبرعات ومصادرتها لصالح الوزارة فى مساجد هى الأبرز والأكبر بالجيزة، مع منع منتسبى الجمعية الشرعية من الخُطبِ والدروسِ والإمامة وجمع التبرعات بالمساجد.
وأكدت وزارةُ الأوقاف اعتزامَ وكيليها بالقاهرة والجيزة تنظيمَ حملةٍ موسعة لضم مساجدِ الجمعيةِ الشرعية بسبب عدم ضبط الجمعية خطباءَها وإفتاءِ أحدِهم بحُرْمَةِ شهادات الاستثمار وتحريض الجمهور على مقاطعةِ الشهادات كافة، ولاسيما شهادات استثمار قناة السويس.
وأضافت الوزارةُ فى بيانٍ رسمى أن الجمعية الشرعية وإن وفت شكلاً بالالتزام بموضوع الخُطبة الموحد، فإنها على أرض الواقع ليست جادة فى ضبط خطبائها ضبطًا كاملاً، ومازال كثيرٌ من لافتاتها لم يُرفع عن المساجد، حيث لم تَفِ الجمعيةُ الشرعية بالتزاماتها فى ذلك، مما جعل الوزارة توجه تعليماتها لوكلاء الوزارة ومديرى الإدارات والمفتشين بسرعة ضم مساجد الجمعية إلى الأوقاف ضمًا كاملاً.
وأشارت الوزارةُ إلى أن قرار الضم جاء تأكيدًا على منهجها بقصر الدعوة على المتخصصين، وخطورة اقتحام غير المتخصصين للدعوة والفتوى.وأفصحت الوزارة عن تجاوز أحد خطباء الجمعية الشرعية وهو الشيخ محمود حسين أحمد فى خطبة الجمعة الماضية بمسجد على بن أبى طالب بالمطرية مفتيًا بحُرْمَةِ شهادات الاستثمار وأنها ربا، مؤكدةً أن ذلك لم يكن موضوعًا للخُطبة أصلاً.
وأكد وزير الأوقاف، د. محمد مختار جمعة، أن قيام أحد الصناديق التابعة للعاملين بالأزهر الشريف باتخاذ قرارٍ بشراء شهادات استثمار فى مشروع قناة السويس، بمبلغ 250 مليون جنيه، ثم قيام أحد الصناديق التابعة للعاملين بالأوقاف باتخاذِ قرارٍ بشراء شهاداتٍ أخرى فى المشروع بمبلغ 400 مليون جنيه، إنما هو بيانٌ وفتوى عملية وتطبيقية لمشروعيتها باعتبار ذلك مشروعًا قوميًا يعود نفعه على الوطن كله، ويتجاوزه إلى ما فيه مصلحة الإنسانية".
وقال الوزير إن الإقدام على شراء الشهادات جاء بعد دعوة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر المصريين للإسهام فى شراء هذه الشهادات، وكذلك صدور بيانٍ واضح عن دار الإفتاء ووزارة الأوقاف بمشروعية شراء هذه الشهادات.
ثامناً: الشعب والدولة والرئيس ينتصرون في حرب الفتاوى
لاشك أن لكلِ حربِ عواقبها، وحين تضع الحربُ أوزارَها ، لا بُدَ من منتصرٍ ومهزومٍ، ورغم أن الحربَ غيرُ شريفة؛ حيث تم استدعاءُ الدين من قبل الإسلاميين لكي يواجهوا الدولة المصرية، ويقوضوا فرصة انطلاقها للأمام لاستشرافِ المستقبل خلفَ قائدٍ آمنت به بلا حدود، ومنحته ثقةً غير مسبوقة في انتخاباتٍ رئاسيةٍ حرة. لقد أرادها الإسلاميون حرباً ضد هذا القائد لتقويضِ مشروعِه الإصلاحي من أجل الوطن، لأنهم رأوْا فيه عدواً لمشروعهم "الإسلامي" المزعوم، رغم أن الشعبَ المصري رأى فيه بطلاً وزعيماً خَلَصَهُم من براثنِ جماعةٍ وحركاتٍ وتنظيماتٍ تنعت نفسها بالإسلامية والإسلامُ منها بَرَاء. وحتى الذين خرجوا أو انشقوا عن هذه الجماعات والحركات والتنظيمات ولحقوا ببيان الثالث من يوليو مثل حزبِ النور الذراعِ السياسية للدعوةِ السلفية، قام بالتحالف ضد الدولة والرئيس في حرب الفتاوى ليحارب الدولة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي بُغية الحصول على مكانةٍ ومزايا خاصة وأرضيةٍ جديدة في المشهد السياسي، رغم أنهم يجب أن يفهموا أنه بعدَ حكمِ الإخوان لا مكانَ للإسلام السياسي على الخريطة السياسية المصرية.
وهكذا.. ورغم تحالف كل هذه القوى التي تنعت نفسها بالإسلامية ضد الدولة والرئيس، ورغم تآمرها على مستقبل مصر ومشروعِها القومي المتمثل في قناة السويس الجديدة وما ستحققه لمصر وأبنائها من خيرٍ وفير في المستقبل، وما تبثه في نفوسهم من أملٍ وتفاؤلٍ افتقدوه طوال السنوات الماضية المضطربة وسط الأنواء والعواصف التي ضربت مصر، رغم ذلك كله فإنني أقول إن الدولة المصرية والشعب المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي والمؤسسة الدينية الرسمية المعتدلة قد حققوا نصراً غير مسبوق على الإسلاميين وذلك للأسباب التالية:
(1) أن الشعب المصري الواعي لم يُعر أدنى انتباهٍ لفتاوى الإسلاميين ضد شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة، وتدفقت الحشودُ بالآلاف على البنوك ومكاتب البريد لكى تبادر باقتناءِ هذه الشهادات ليس طمعاً في الفائدة العالية التي تحققها، ولكن رغبةً في الحصول على شهادةِ انتماءٍ لهذا الوطن، وشهادةِ حبٍ لقائدِه.
لقد كان ردُ فعلِ الشعبِ المصري مفاجئاً للجميع، سواءً للاقتصاديين أو الإعلاميين أو حتى مراكز الأبحاث الوطنية، لدرجةِ أن البعضَ قام بتقدير المدة التي سيتم تغطية مبلغ الـ 60 ملياراً قيمة الشهادات في ثلاثةِ أشهر على أقل تقدير، فإذا بالشعب المصري العظيم كعادته يصنع المفاجأة بتغطية هذه الشهادات بمبلغ 64 مليار جنيه في ثمانية أيام عمل.
والغريب أيضاً أن يتواكبَ فتحُ بابِ شراءِ شهادات استثمار مشروع القناة مع انقطاع الكهرباء في معظم أنحاء البلاد، وهو ما عُرف بالخميس المظلم، إلا أنه رغم ذلك لم ييأس المصريون ولم يقنطوا، بل تدافعوا على البنوك وكانت حصيلة ذلك اليوم 8.5 مليار جنيه، وهو مايمثل فاجعةً للإسلاميين بثقة الشعبِ في قائدِه على عكس ما كان عليه الحالُ أيامَ مرسي.
(2) إن عدمَ التفات الشعبِ المصري لفتاوى الإسلاميين يُجَسِدُ ثقةَ الشعبِ المصري في دولته التي تم استردادُها بعد أن سرقها الإخوانُ وحواريوها بعد ثورة 25 يناير، وثقةَ الشعبِ المصري في قائدِه ورئيسِه عبد الفتاح السيسي. لقد كان إقبالُ الشعبِ على شراءِ شهادات القناة، وتلبيةُ نداءِ القائد بالمشاركة في هذا المشروع من أجلِ مصر بمثابةِ استفتاءٍ على شعبيةِ الرجل التي يزعم الإسلاميون أنها قلت بعدَ رفعِ أسعار الوقود وارتفاع أسعار بعض السلع، رغم أنهم كان يجب أن يدركوا أن هذه مجرد أوهام، وإلا كانت بعض فئات الشعب قد انضمت لهم في مسيرات حركة "ضنك" الإخوانية التي تشكو من ارتفاع الأسعار بُغية المتاجرة بظروف المصريين الاقتصادية الصعبة. لقد آثر المصريون أن يتحملوا آلامَ الحاضر من أجل أن يستشرفوا آمالَ المستقبل، وهذا ما لا يفهمه الإسلاميون عن الشعب المصري الذي عاش منذ قديم ولايزال على ضفتي النيل وفي قلب الدلتا يغرس البذور وينتظر بعد شهور موسم الحصاد.
(3) انتصرت المؤسسةُ الدينية الرسمية المتمثلةُ في الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء على الإسلاميين في حربِ الفتاوى لأولِ مرةٍ على الأرجح منذ صعود هؤلاء الإسلاميين، ففتاوى الإسلاميين لم يتم السكوت عليها، بل إن التجاوب معها كان لحظياً بإصدار فتاوى مضادة تتسم بالوسطيةِ والعقلانيةِ والتجديد، وتُبينَ للناسِ ما أخفاه عليهم الإسلاميون من أمورِ دينهِم بغيةَ السعي لتخريبِ دُنياهم، وناشدت المواطنين استقاء الفتاوى من الجهات المنوطة بالفتوى، كما ساهم العاملون بالأزهر ووزارة الأوقاف في شراءِ حصةٍ من الشهادات ليقطعوا الطريقَ على من يُفتي بحُرْمَةِ هذه الشهادات، كما تم فرضُ سيطرة وزارة الأوقاف على بعض المساجد التي يسيطر عليها أصحابُ الفكرِ المتطرف.
(4) وفي النهاية يمكن القول إن الدولةَ المصرية قد انتصرت أيضاً في معركةٍ مهمةٍ مع الإسلاميين الذين تعودوا تحقيقَ الانتصار على الدولة بحُجَةِ أنهم هم القائمون على الدين وهم الذين يمثلون الإسلام، وهو أمرٌ نجحت الدولةُ في إثبات خطئه في أول مواجهة حقيقية من هذا النوع.
إن معركة فتاوى شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة ربما تكون معركةً لم يشعر بها كثيرون ولكنها معركةٌ مهمة ومواجهة نوعية قامت بها الدولة والشعب المصري والمؤسسة الدينية الرسمية وانتصروا فيها انتصاراً ساحقاً على الإسلاميين وفتاواهم المُغرضة، ولكن يجب أن نعلم جميعاً أن الانتصار في هذه المعركة لا يعني أننا كسبنا الحرب؛ فحربُ الفتاوى لا تزال مستمرة، وسيعاود الإسلاميون الكرةَ علينا في مواقعَ أخرى، ويجب أن نكون مستعدين لها.