دافعية متصاعدة: التحولات الجديدة للسياسة الخارجية المصرية
تسعى مصر منذ ثورة 30
يونيو 2013 في ظل قيادتها الجديدة إلى العودة لدورها الرئيسي في منطقة الشرق
الأوسط، بقضاياه المتعددة والملحة وعلى رأسها محاربة الإرهاب. وقد تجلى ذلك البعد
منذ ولادة الجمهورية الثالثة من خلال بروز توجهات جديدة في السياسة الخارجية
المصرية أفصحت عنها الزيارات الخارجية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدءًا بزيارته
لعدد من الدول الأفريقية مرورًا بزيارة المملكة العربية السعودية ثم روسيا
الاتحادية، وذلك بعد زيارة سابقة لها عندما كان وزيرًا للدفاع.
حيث تتجه مصر
إلى تنويع علاقاتها الخارجية مع القوى الدولية الصاعدة كروسيا والصين والهند
والبرازيل من أجل تعظيم الاستفادة وتحقيق المصالح المصرية، كما تسعى مصر إلى تحقيق
الاستقلالية في السياسة الخارجية واستعادة الدور المصري الريادي. فقد بادرت مصر
إلى لعب دور حاسم في وقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة من خلال إحياء المفاوضات
بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
لقد حاز التوجه الجديد للسياسة الخارجية المصرية نحو المزيد من الاهتمام على كل الأوساط السياسية والأكاديمية، وأثار مخاوف عديدة لدى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في أعقاب زيارة السيسي لروسيا، مع تصاعد الأزمة بين روسيا والدول الغربية بشأن ما يحدث في أوكرانيا حاليًا.
أولا: دوافع وأهداف
لقد كانت
التحولات الجديدة في السياسة الخارجية المصرية والدور النشط الذي لعبته
الدبلوماسية المصرية بعد 30 يونيو له عدد من الدوافع والأهداف، وكان على رأسها الدفاع
عن ثورة 30 يونيو والتصدي لمحاولة تدويل الأحداث الداخلية المصرية عقب فض اعتصامي
رابعة والنهضة، وذلك في ظل الدعم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين من الولايات
المتحدة الأمريكية، مما نتج عنه حالة من الجفاء والتوتر في العلاقات المصرية
الأمريكية بعد 30 يونيو، وذلك نتيجة لتردد الإدارة الأمريكية كثيرًا في مساندة ما
حدث في مصر وحربها ضد الإرهاب. وقد أعلنت الحكومة الأمريكية غير مرة أن عودة
العلاقات إلى مجراها الطبيعي مرهون بنجاح خارطة الطريق، ووقف أعمال العنف، وتحقيق
تحول ديمقراطي حقيقي.
فالموقف
الأمريكي مما حدث كان واضحًا أنه بجانب الجماعة، وقد أضحى ذلك الموقف من الأهمية
الشديدة بالنسبة لها للتمسك بشروطها لتحقيق المصالحة الوطنية والاندماج في العملية
السياسية مرة أخرى، وتصوير ما حدث في مصر على أنه انقلاب عسكري على الشرعية
السياسية والرئيس المنتخب، مما جعل الجماعة تماطل حتى الآن وتحاول زعزعة الاستقرار
السياسي في مصر.
هذه الأمور وضعت السياسة الخارجية المصرية أمام
تحد صعب من أجل الدفاع عن إرادة الشعب المصري في 30 يونيو، خاصة بعد تعليق عضويتها
في الاتحاد الأفريقي وسعي الولايات المتحدة الأمريكية في تضييق الخناق عليها من
خلال الضغط على مصر في المنظمات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية، وقد ظهر هذا
واضحًا في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش عن فض اعتصامي رابعة والنهضة والذي جاء
متجاهلًا لجهود الحكومة المصرية في فض الاعتصام بطريقة سليمة، وعمليات العنف التي
مارستها جماعة الإخوان المسلمين.
كما تمخضت
أهداف ودوافع التحولات الجديدة في السياسة الخارجية المصرية في الزيارات
الخارجية التي قائم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي بدأها بالقارة
الأفريقية، حيث زار على هامش اجتماعات القمة الأفريقية في مالابو ثلاث دول وهي
الجزائر وغينيا الاستوائية والسودان. فقد كانت هناك دوافع لهذه الزيارات لتلك
الدول، حيث كان الهدف من زيارة الجزائر بحث التحدي الذي يواجه دول الجوار من
الأحداث الداخلية في الأراضي الليبية، فمن الواضح أن الأزمة الليبية قد دخلت
منعطفًا خطيرًا بات مفتوحًا على كل الاحتمالات والسيناريوهات المختلفة، فمن الممكن
أن تشهد الأراضي الليبية حربًا أهلية على سبيل المثال، وأن تكون مرتعًا للجماعات
الجهادية والتكفيرية المتشددة، فقد يجد فيها تنظيم داعش بيئة خصبة تسمح بخلق فرع
جديد له يكون نقطة الانطلاق في شمال إفريقيا، وهذا التصور يدعمه عدة احتمالات
منها؛ غياب دولة مركزية قوية في ليبيا وانتشار السلاح بشكل كثيف فضلًا عن وجود كم
هائل من الشباب السلفي الجهادي المستعد للانخراط في هذه الجماعة.
ومما يرجح هذا السيناريو، أن أجهزة الأمن
في كل من مصر وتونس والجزائر بدأت في التحضير لهذا الأمر، وذلك بعد دراسة تقارير
أمنية غربية تحذر من انتقال داعش إلى ليبيا. ومن هنا فقد سعت مصر إلى التواصل مع دول الجوار وخاصة
الجزائر من أجل محاولة سد حالة الفراغ السياسي في ليبيا، وذلك بالعمل على التقريب
بين وجهات النظر للأطراف المختلفة، وتعزيز مسار التحول الديمقراطي والاتفاق على
شكل العملية السياسية والدولة.
كما عكست زيارة السيسي لغينيا الاستوائية
والسودان، حرص مصر على الحل الودِّي والتفاوضي لأزمة سد النهضة الأثيوبي، حيث عقد
الرئيس عبد الفتاح السيسي عددًا من اللقاءات على هامش اجتماعات القمة الأفريقية؛
كان أبرزها لقاءه برئيس الوزراء الإثيوبي هايليماريا مدسالين، من أجل التوصل
لتسوية مرضية لأزمة سد النهضة والتأكيد على حقوق الشعوب في مياه النيل وتحقيق
التنمية، وهذا ما اتضح أيضًا في زيارته للسودان من أجل التنسيق معها بخصوص أزمة سد
النهضة. هذه المحادثات قد تمخض عنها عودة المفاوضات من جديد في الخرطوم بخصوص تلك
الأزمة، وهو ما أكده الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري، بأن
المفاوضات جاءت مبشرة مع حدوث انفراجه في الأزمة بعد لقاء السيسي لرئيس الوزراء
الإثيوبي.
ونتيجة
للمساندة الكبيرة من المملكة العربية السعودية للنظام السياسي المصري الجديد، جعل
السيسي وجهته التالية لها، حيث التقى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز،
وقد هدفت تلك الزيارة عن النية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة
القضايا والتحديات التي تواجه الأمن القومي العربي وخصوصًا الجماعات الإرهابية في
الإقليم، كما كشفت تلك الزيارة عن سعى مصر إلى بناء شبكة من العلاقات القوية مع
دول الخليج تكون السعودية في القلب منها خاصة بعد تبنّيها الدعوة لمؤتمر أصدقاء
مصر.
ونظرًا للتوتر الذي ساد العلاقات المصرية الأمريكية بعد
ثورة 30 يونيو، أضحت الإدارة المصرية عازمة على إعادة هيكلة توجهاتها الخارجية، ولذلك
كان التوجه نحو روسيا الاتحادية، والذي كان مصحوبًا بعدد من الأسباب؛ يأتي على
رأسها أن موسكو أصبحت تمتلك نفوذًا في المنطقة يسمح لها بالتأثير في عدد من
القضايا الهامة والتي لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إدارتها منفردة في
الفترة السابقة، وقد ظهر ذلك بوضوح في ظل الأزمة السورية حيث لعبت موسكو دورًا
هامًا ومؤثرًا فيها، فضلًا عن المساندة الروسية لثورة 30 يونيو والتي أدت إلى فتح
المجال واسعًا أمام العودة الروسية وبقوة إلى منطقة الشرق الأوسط. ومن هنا فقد
كانت هذه الزيارة تحمل عدد من الدلالات على جميع المستويات:
·
على المستوى السياسي: حيث كانت تلك
الزيارة بمثابة إعلان مصر عن رغبتها في التخلص من التبعية والهيمنة الأمريكية، فهي
إشارة واضحة على إعادة التوجه شرقًا وإحياء العلاقات المصرية الروسية خاصة أنها
أول زيارة خارج المنطقة للسيسي. وفي هذا تأكيد واضح على أن روسيا أصبحت تلعب دورًا
فاعلًا في القضايا الإقليمية في المنطقة.
·
على المستوى الاقتصادي: من أجل فتح
مجالات جديدة للصادرات المصرية، حيث أعلنت روسيا أنها سوف تزيد من وارداتها
الزراعية من مصر بنسبة 30%، كما أعلن الرئيس السيسي أنه بحث مع بوتين فرص إنشاء
مركز صناعي روسي في مصر في إطار مشروع تطوير قناة السويس، وكذلك الاتفاق على أن
تمد روسيا مصر بالقمح اللازم.
·
على المستوى العسكري: حيث تسعى مصر
إلى تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا، وذلك على خلفية توتر علاقات القاهرة مع واشطن
والذي نتج عنه تعطيل الولايات المتحدة الأمريكية تسليم صفقة طائرات أباتشي لمصر
بعد عزل محمد مرسي. فقد أشار عدد من التقارير إلى أن مصر وروسيا اتفقتا على صفقة
أسلحة تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار، هذه الأسلحة مكونة من طائرات قتالية من طراز
ميج 29 وأنظمة دفاع مضادة للطيران ومروحيات (M A 35) وناقلات للجنود وغيرها من الأسلحة الأخرى.
ثانيا: محفّزات قوية
حريٌّ بنا القول؛ إن هذا التوجه الجديد للسياسة الخارجية
كان مصحوبًا بعدد من المحفزات، والتي دفعت مصر إلى التخلي عن نهجها التقليدي في
سياستها الخارجية منها؛
·
القيادة السياسية الجديدة: والمتمثلة في
الرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي يحاول أن يجد مساحة للحركة تجعله قادرًا على تلبية
طموحات الشعب المصري والمناورة من أجل استقلالية القرار الوطني. ومن هنا يسعى
السيسي لتقديم نموذج لزعيم مصري جديد على خطى جمال عبد الناصر، لذلك تبنّى
المشروعات القومية العملاقة مثل مشروع قناة السويس الجديدة ومشروعات الطرق بطول 3
آلاف كيلو متر لربط محافظات الجمهورية ببعضها بعضا. فضلًا عن تبنيه لمشروع التقسيم
الحضاري الجديد لمصر والذي أضاف ثلاث محافظات جددا، هي وسط سيناء والعلمين
والواحات. فالرئيس المصري يرمي إلى تحقيق الاستقلالية في صنع القرار المصري من
خلال تبني سياسة خارجية قادرة على التواصل مع كل دول العالم لتحقيق المصلحة
المصرية والتقدم الاقتصادي المنشود.
·
دعم دول الخليج: والمتمثل في إعلان المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين
تنظيمًا إرهابيًا، وتلويح بعض الدول العربية الأخرى بإمكانية اتخاذ نفس القرار مثل
الإمارات والبحرين، وهو ما جعل التنظيم الدولي للإخوان في موقف لا يحسد عليه، بعد
التضييق الإقليمي على الجماعة وشل حراكها جزئيًا، في نفس الوقت الذي كان فيه هذا
الإعلان من قبل المملكة بمثابة رسالة تهديد إلى قطر، التي وفرت الملاذ الأمن
لقيادات الجماعة، وقد كان ذلك جليًا بسحب السعودية والإمارات والبحرين لسفرائهم من
الدوحة. وكذلك الدعم المالي غير المسبوق لمصر من السعودية والإمارات العربية
المتحدة والكويت، فضلًا عن إمداد مصر باحتياجاتها من البترول والغاز من أجل التغلب
على أزمة انقطاع الكهرباء، ودعوة السعودية لعقد مؤتمر أصدقاء مصر من أجل حث
المستثمرين على العودة والاستثمار بالقاهرة.
·
المناخ الدولي المساعد: والمتمثل في الأزمة الأوكرانية حيث تعرضت العلاقات الأوربية الروسية لمزيد من التوتر، خوفًا من تعاظم
الوجود الروسي في البحر الأسود مما يهدد الأمن الأوربي بصفة مباشرة، ويعرضه للخطر،
لذلك فقد سارع كل من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية بفرض مجموعة من
العقوبات على روسيا بهدف الضغط السياسي عليها واستبعاد الخيار العسكري، مثل طرد
روسيا من مجموعة دول الثماني وذلك ردًا على قيامها بضم شبه جزيرة القرم، بالإضافة
إلى مجموعة من العقوبات الأخرى، وذلك نظرًا للتدخل الروسي في النزاعات الانفصالية
في شرق أوكرانيا. هذه الحالة العدائية بين الغرب وروسيا، أوجدت لمصر مجالًا للحركة
والمناورة من أجل الخروج بأكبر المكاسب الممكنة، وقد تحقق ذلك بالفعل من خلال زيارة
السيسي لروسيا، حيث في أعقابها أعلن الكونجرس الأمريكي عن زيادة المعونة العسكرية
المصرية لمليار ونصف المليار، فضلًا عن الإفراج عن صفقة طائرات الأباتشي الأمريكية
للقاهرة والتي عُلقت عقب عزل محمد مرسي.
ثالثا: التحديات التي تواجه تلك التحولات
وهي تنقسم إلى
تحديات داخلية وخارجية وإقليمية، كما يلي:
1. التحديات الداخلية
·
حالة الانفلات الأمني: والتي عانت منها مصر كثيرًا عقب 30 يونيو، حيث قامت
الجماعات الإرهابية بالعديد من العمليات ضد قوات الجيش والشرطة، في إطار موجة عنف
غير مسبوقة تمارسها تلك التنظيمات، والتي أصبحت ناشطة بشكل كبير في سيناء مثل
تنظيم أنصار بيت المقدس، والذي نفذ العديد من تلك العمليات الغادرة مثل؛ تفجير مبنى المخابرات الحربية بمدينة
رفح الحدودية في 11 سبتمبر 2013 بحي الإمام عليّ، الذي سقط على إثره 6 شهداء
و17 مصابًا، ويعتبر من أهم العمليات الانتحارية، التي قامت بها تلك الجماعة، تفجير
مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة في 24 ديسمبر 2013، وكذلك تفجير مديرية أمن
جنوب سيناء في 7 أكتوبر 2013، التي راح ضحيتها 5 جنود ونحو50 مصابًا. وإبان
احتفالات الذكرى الثالثة لثورة 25 من يناير، تبنت تلك الجماعة تفجير مديرية أمن
القاهرة في 24 يناير 2014 الماضي، والذي راح ضحيته 5 قتلى و74 مصابًا، كما تزامن
مع هذا التفجير، ثلاثة تفجيرات أخرى استهدفت مركبات الأمن المركزي قرب محطة مترو
البحوث في منطقة الدقي، ومركزًا للشرطة في منطقة الهرم. ثم أعقبها مؤخرًا حادث الفرافرة الإرهابي المروع والذي استشهد على
إثره 22 ضابطًا ومجندًا وإصابة خمسة آخرين. هذه الحالة الأمنية العثرة تعيق الجهود
المصرية بالفعل في إعادة رسم خريطة سياستها الخارجية.
·
التحدي الاقتصادي: حيث تواجه مصر مشكلة اقتصادية كبيرة منذ ثورة 25 يناير 2011، نظرًا لوجود عجز
في الموازنة العامة للدولة وارتفاع معدلات البطالة وأسعار المواد الغذائية، فضلًا
عن توقف عجلة الإنتاج وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي وتدهور قيمة الجنيه المصري.
كل هذه الأمور تكرس عقبات جمة أمام السياسة الخارجية المصرية، وذلك إذا نظرنا على
سبيل المثال إلى أنه إذا أردنا تدعيم العلاقات مع الدول الأفريقية وحل مشكلة سد
النهضة، فإنه يتعين على مصر أن تقوم ببناء المشروعات والمشاركة في عملية التنمية
في تلك الدول، وهو ما تعجز عنه مصر حاليًا نظرًا لتردي الأوضاع الاقتصادية، مما
يفوت عليها تحقيق عدد من الأهداف الهامة في هذا المضمار.
2. التحديات الإقليمية
·
الجماعات الإرهابية: وحالة الانفلات الأمني الموجودة في
المنطقة، والذي نتج عن عدم
الاستقرار في الحالتين الليبية والسورية بالأساس، بالإضافة إلى الحالة العراقية
التي لم تشهد استقرارًا منذ 2003، وهذا يعزَى بشكل كبير إلى نشاط الجماعات
الإرهابية في المنطقة، مما يتيح لها الأرضية الخصبة للتحرك من أجل تنفيذ عملياتها
الغادرة. ولا شك في أن تجارة السلاح، سواء القادم من ليبيا أو من الأنفاق مع غزة،
تشكل عنصرًا مهمًا في تلك المعادلة الصعبة. فقد دخلت كميات كبيرة من الأسلحة مصر،
أسهمت بشكل كبير في نشاط تلك الجماعات الإرهابية. فاليوم نمت على السطح تنظيمات
خطيرة في المنطقة مثل داعش وأنصار بيت المقدس وجماعة النصرة، وهذا الأمر يمثل
تحديًا خطيرًا على الأمن القومي المصري برمته، لأنه لا يتعلق بالداخل فقط، بل
أصبحت الجماعات الإرهابية تنشط في محيطنا الإقليمي، ناهيك عن الروابط والصلات التي
تجمع بين تلك التنظيمات وبعضها بعضا.
·
سد النهضة: لم يكن خبر بناء سد النهضة مفاجئًا
للمتابعين للملف المائي في مصر، وذلك نتيجة طبيعية لتدهور الدور المصري على الساحة
الإفريقية في العقود الثلاثة الأخيرة. ونظرًا لخطورة هذا السد فقد تم تشكيل لجنة ثلاثية لتقييمه وتحديد مدى تأثيره على حصة مصر
والسودان من مياه النيل جراء بنائه. وقد زاد الأمر تعقيدًا إذاعة حوار الرئيس الأسبق محمد
مرسي مع الأحزاب بشأن مناقشة الأزمة على الهواء مباشرة، وهو ما مثل كارثة محققة
لأزمة مياه النيل وللموقف المصري. فقد أدى هذا المؤتمر إلى توتر العلاقات وزيادة
العداء مع دول حوض النيل، بل وحصلت إثيوبيا على بعض المكاسب؛ من خلال حصولها على
المزيد من التأييد لبناء هذا السد؛ إذ أعلن الأمين العام للحركة الشعبية في جنوب
السودان (الحزب الحاكم) – باقان آموم– عن عزم بلاده الانضمام إلى الاتفاقية
الإطارية لتقسيم مياه النيل – اتفاقية عنتيبي– مؤكدًا دعم بلاده لبناء سد النهضة
الإثيوبي. وقد عزمت السياسة الخارجية المصرية في ظل الجمهورية الثالثة على التوصل
لحل ودي لتلك المشكلة، لذلك أتت الزيارة الأولى للدول الأفريقية والتي سبق الإشارة
إليها، ويمكن القول؛ إن هناك عددا من المؤشرات تدل على حدوث انفراجة في أزمة السد
حسب تصريحات وزير الموارد المائية والري المصري. وتعتبر أزمة سد النهضة من
المعضلات الحقيقية أمام صانع القرار المصري، لأنها تتعلق بأهم الموارد على الإطلاق
التي تعيش عليها مصر، لذلك فإن تحقيق تقدم حقيقي في هذا الاتجاه يصب بالدرجة
الأولى في صالح الدبلوماسية المصرية، ويعزز من الحضور المصري في القارة الأفريقية.
·
الأزمة الليبية: فنتيجة
للأوضاع الأمنية الحرجة في ليبيا ونشاط الجماعات الجهادية، فقد أدى ذلك إلى
التأثير على الأمن القومي لدول الجوار من خلال عمليات تهريب السلاح وانتقال
الجهاديين، وعلى إثر ذلك فقد ذكر المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والأمنية
والعسكرية في تونس أن 45 مليون قطعة سلاح تم تهريبها من ليبيا إلى عدد من دول
الجوار، وفي هذا الإطار فقد ألقت السلطات المصرية القبض أكثر من مرة على أسلحة
مهربة عبر الحدود مع ليبيا. كما نمت الجريمة المنظمة بشكل كبير، فبجانب تجارة
الأسلحة هناك تجارة المخدرات والاتجار في البشر وغيرها، مما شكل معه مصدرًا مهمًا
لتمويل الجماعات الإرهابية وتقوية شوكتها. وفي ضوء ذلك فقد تحولت المناطق المضطربة
في ليبيا إلى ملاذ للمتشددين من المنتمين للتيارات الإسلامية للسلطة المعارضة في
مصر بعد 30 يونيو، فعلى سبيل المثال تم القبض على القيادي الإخواني صفوت حجازي،
وهو في طريقه للهروب إلى ليبيا. أضف إلى ذلك تنامي خطر تنظيم القاعدة في طرابلس،
نتيجة لحضور الجماعات المسلحة وانتشار السلاح وغياب المؤسسات الأمنية. كل هذه
العوامل شكلت أرضية خصبة لتنامي قوة تنظيم القاعدة الذي يوجد حينما تصبح الدولة
فاشلة. وبالتالي فالوضع بات مخيفًا لدول الجوار وبالأخص مصر وذلك بدعوى انتقال
العدوى، خاصة في ظل التداخل الفكري والارتباط بين الجماعات المتشددة داخل أقاليم
دول الجوار وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. وهذا يشكل تحديًا جديدًا للسياسة
الخارجية المصرية.
·
العلاقة مع كل من تركيا وقطر: نتيجة الدعم الإقليمي
لجماعة الإخوان المسلمين من قبل قطر وتركيا من خلال المال واستضافة
قياداتها الذين لا يبرحون مهاجمة مصر ليلًا ونهارًا، وقد أدى ذلك إلي إثارة موجة
من الجفاء الدبلوماسي بين القاهرة وأنقرة والدوحة، فضلًا عن إعطاء الفرصة لجماعة
الإخوان المسلمين، التي أصبح لها ظهير يساندها، إلى المماطلة في الاعتراف بما حدث،
كما أكسبها نفسًا طويلًا في السباق السياسي للخروج بأكبر المكاسب التي من الممكن
أن تحققها. فأردوغان لم يتوان عن تسمية ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري على
الشرعية، وقد قدم دعمًا سياسيًا وماليًا للجماعة، وكذلك قطر التي خالفت بذلك مبادئ
مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، مما دفع
بكل من السعودية والإمارات والبحرين لسحب سفرائهم من الدوحة نتيجة للدعم القطري
للجماعة وتدخلها في الشأن المصري.
3. التحديات الدولية
·
العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية: إن ما آلت إليه العلاقات المصرية الأمريكية من فترات
التوتر يرجع إلى عدم إدراك الإدارة الأمريكية لحجم ودوافع 30 يونيو، والرغبة
العارمة من الشعب المصري في عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. لذلك جاءت ردود الفعل
الأمريكية مغايرة تمامًا لما يحدث على أرض الواقع من انتهاج الجماعة للعنف المنظم
ضد الشعب المصري، ومن هنا فقد ازدادت العلاقات توترًا إبان فض اعتصامي رابعة
والنهضة، حيث بدأ الموقف الأمريكي أكثر وضوحًا، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية
الأمريكي، جون كيري، في مؤتمر صحفي، عندما دعا إلى تعليق العمل بقانون الطوارئ في
مصر، وتفادي العنف بين المعتصمين والجيش المصري، واحترام إرادة الشعب، وقد دخلت تلك العلاقات مرحلة أخرى من التوتر؛ بعد
إصدار قانون التظاهر في مصر (نوفمبر 2013 )، حيث اعتبرت الولايات المتحدة
الأمريكية أن ذلك القانون لا يتلاءم مع المعايير الدولية، كما عبرت عن قلقها من
التداعيات المحتملة للقانون في المستقبل. لقد جعلت الدبلوماسية العدائية للولايات
المتحدة الأمريكية تجاه مصر عقب 30 يونيو، حالة من الغضب الشديد في الأوساط
السياسية المصرية، وهذا ما دفع الخارجية المصرية لإصدار بيان لاذع وشديد اللهجة عن
الأحداث في ولاية ميزوري الأمريكية، والذي طالبت فيه واشنطن بضبط النفس واحترام حق
التعبير السلمي للمتظاهرين. فقد جاء هذا البيان ردًا على المساندة الأمريكية
لجماعة الإخوان المسلمين، ولإيضاح أن العلاقات المصرية الأمريكية قائمة على الندية
واستقلالية القرار ودعم السيادة الوطنية.
وأخيرًا، يمكن القول؛ إن التحولات الجديدة في
السياسة الخارجية المصرية بكل دوافعها ومحفزاتها، يجب أن تنطلق من ترتيب الأوضاع
الداخلية ومعالجة المشكلة الاقتصادية، نظرًا لآثارها السلبية على عملية صنع
القرار، كما يجب أن تنطلق الدبلوماسية المصرية من إستراتيجية واضحة للتعامل مع كل
دول العالم، وذلك من أجل بناء سياسة خارجية ناجعة تحقق لمصر العودة مرة أخرى إلى
دورها الريادي في منطقة الشرق الأوسط.
* مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية
الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.