المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏بهجت قرني
د‏.‏بهجت قرني

وزارة الأمن القومى الحقيقية.. والمهمشة

الثلاثاء 01/يوليو/2014 - 11:22 ص

أتكلم عن جيل الشباب.. الذى أصبح عبئا بدلا من أن يكون رصيدا.

مع بداية هذا العام، خصص الاتحاد الأوروبى نحو 6.2 مليون يورو ـ أو ما يقارب عشرة ملايين دولار للبحث والدراسة عن الشباب ـ جيل الصحوة.. لم يقتصر هذا البحث والدراسة عن الشباب الأوروبي، ولكن أيضا الشباب العربى فى منطقة المتوسط، خاصة فى مصر، والجزائر، والمغرب، وتونس، ولبنان وفلسطين.

لفت نظرى هذا المبلغ الضخم وموافقة دافع الضرائب الأوروبى على هذا فى وقت يعانى فيه كثير من الدول الأوروبية من أزمات اقتصادية طاحنة، والإجابة الواحدة على سؤالى كانت: إنه الاستثمار ليس فقط فى الحاضر، ولكن فى المستقبل أساسا ـ جيل الصحوة وتجديد المجتمع.

قد يظن متشكك أن الاتحاد الأوروبى يحاول حماية نفسه فى مواجهة أفواج الشباب العربى التى تنجو من الموت فى قوارب متهالكة لتحط على شواطئه، وهو ما تشكو منه إيطاليا حاليا، خاصة مع تزايد عدد اللاجئات السوريات، ولكن ليس هذا هو السبب الأهم، لأن البحث والدراسة عن الشباب على المستوى العالمى بدأ قبل الربيع العربى بسنوات عديدة، وبواسطة باحثين عالميين ومنظمات دولية لا يتطرق إلى نواياها الشك.

ففى عام 2008 مثلا، ظهر مجلد رائد عن «جيل فى الانتظار»، قاده برؤية فاحصة الباحث الليبى د. طارق يوسف، وكان هذا استمرارا لبحث رصين من جانب البنك الدولى عن «الشباب ـ هذا الرصيد غير المستغل»، وفيما يتعلق بمصر أساسا، قامت أستاذة الاقتصاد المعروفة ـ د. هبة حندوسة ـ بقيادة فريق متميز ليخصص كل تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى عام 2010 عن مصر عن الشباب، وكان العنوان نفسه ذا مغزى ورسالة مهمة: «الشباب فى مصر: بناء المستقبل»، بل أستطيع أن أصل أبعد من هذا بسنوات عديدة لأذكر مثلا تقريرا عن لجنة العلوم السياسية للمجلس الأعلى للثقافة عن الثقافة السياسية للشباب، بناء على مناقشات مائدة مستديرة من خيرة عقول مصر فى هذا الوقت.

من الواضح إذن أنه على المستوى العالمى والمصرى لم يكن موضوع الشباب ـ ثروة الحاضر والمستقبل عن حق ـ غائبا، أين المشكلة إذن؟.. هناك مشكلتان على الأقل، وقد يضيف إليهما آخرون:

1 ـ تسييس فج: بمعنى محاولة المراقبة والسيطرة على الشباب دون مجهود مماثل لحل مشكلاتهم بطريقة جدية، ولا يقتصر هذا التسييس الفج على العمل الحكومى ووزارات الشباب المتعددة، ولكن على بعض جماعات المجتمع المدني، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين.

فأتذكر فى أيام الصبا، كان بعض زملائى من المدرسة أو «أبناء الحتة»، يذهبون إلى معسكرات صيفية، وعندما يعودون يرددون شعارات دينية دون ربط هذا بسلوك يومى أو مواجهة مشكلات إيجاد عمل صيفى لقتل وقت الفراغ المميت.

حاولت منظمات حكومية أيضا اتباع الأسلوب نفسه، من منظمة الاتحاد القومي، إلى الاتحاد الاشتراكي، وبالتعاون مع وزارة الشباب، وكان الهدف أساسا مواجهة العمل الإخواني، وقام أيضا جمال مبارك ورفاقه من «الفكر الجديد» بإنشاء «جمعية المستقبل»، وبتمويل مالى كبير، ولكن نحن فى حاجة إلى تقييم موضوعى وموثق عن هذا العمل الأخير، وكذلك بعض جماعات المجتمع المدنى التى اهتمت تحديدا بشئون المرأة، خاصة الشابات.

2 ـ المشكلة الثانية هى المشكلة التقليدية التى يعانى منها المجتمع المصرى والمجتمع العربي: التفاوت بين البحث والدراسة والتنفيذ، فالوزراء عادة لا يقرأون، وقد يعتقد بعضهم أن نتائج الدراسة والبحث ما هى إلا «عمل أكاديمي»، بمعنى أنه ـ كما يفهمون ـ «كلام نظري» لا يرتبط بالواقع، وبالتالى يمكن إهماله.

فى حين أن الكثير من القرارات الآن على المستوى العالمى تعتمد فى المقام الأول على تقارير الخبراء، على أساس أنها تقدم آخر المعلومات التى تؤسس للقرار السليم، وتوثق تجارب الآخرين لتجنب تكرار الهفوات والأخطاء، ولا يقتصر هذا على العاملين فى الطب أو الهندسة أو القانون أو الاقتصاد، بل يتعداه إلى علم النفس والاجتماع والعلوم السياسية.

يشكل الشباب رقميا الغالبية الكبرى فى مصر وفى البلاد العربية: نحو ثلثى السكان بالتحديد عندما نقتصر فى فئتهم العمرية على من هم بين الـ 15 و29 عاما، وهم فاتحة المجتمع وأساسه: حاضرا، خاصة فى المستقبل، إذا لم يتم تعليمهم وبكفاءة، فالمستقبل ينذرنا بمجتمع جاهل، وإذا لم نصلح النظام الصحي، فالمستقبل يعطينا مجتمعا عليلا، وإذا لم نصلح سياسة الإسكان، فالمستقبل يعطينا ليس فقط مجتمع العشوائيات، بل مجتمع «أولاد الشوارع»، كما ذكره قديما الممثل القدير يوسف وهبى منذ أكثر من ستين عاما، مجتمع أولاد الشوارع بما فيه من تحرش واغتصاب للصغار وإجرام وإدمان.

ألم أقل إن وزارة الشباب هى وزارة الأمن القومى الحقيقية؟ نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟