المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
منار عبد الغني
منار عبد الغني

عقلية ترامب .. هل تنجح استراتيجية "الرجل المجنون" في تحقيق أهدافه؟

الخميس 27/مارس/2025 - 09:33 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

عندما أعلن دونالد ترامب ترشحه للرئاسة الأمريكية عام 2016، برزت شخصيته المتسمة بحدة الطباع كسمة رئيسية في حملته. لم يتردد المرشح الجمهوري في استعراض مشاعر الغضب علانية، حيث صرح خلال مناظرة داخل الحزب عام 2016 أنه يتبنى "عباءة الغضب" بكل فخر، مبررًا ذلك بانتقاده لإدارة البلاد التي وصفها بأنها تعاني من "فوضى" وتسييرها من قبل كوادر غير مؤهلة. إلى جانب ذلك، روج ترامب لصورة الزعيم غير التقليدي من خلال التأكيد المتكرر على استعداده لتبني سلوك "مجنون" وغير متوقع، كما هاجم في خطابه الاستراتيجي الأول حول السياسة الخارجية خلال الحملة سياسات الرئيس أوباما، داعيًا إلى تبني نهج أكثر غموضًا في التعاملات الدولية.  وفي ولايته الثانية تم ربط قدرة ترامب على تنفيذ تهديداته إذا لم تتحقق مطالبه، بكونه "غير قابل للتنبؤ وغالبًا ما يستخدم ترامب عبارات مفادها "لنرى ما سيحل بهم إن لم يفعلوا ذلك"، و"ستفتح أبواب الجحيم"، و"الجميع سيرى ما سأفعله". ويترك ترامب نواياه غامضة. وبالتالي هل يبالغ ترامب في تهديداته؟ أم أنه متهور لدرجة أنه قد يقدم على تنفيذ ما يقوله دون تردد؟ ..... وتقدم هذه الدراسة نظرية المجنون في ضوء استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

أولاً- نظرية الرجل المجنون في السياسة الخارجية الأمريكية

صاغ دانييل إلسبيرج منطق نظرية الرجل المجنون لأول مرة في عام 1959 ثم صاغه توماس شيلينج في كتابيه الصادرين في عامي 1960 و1966(1). ويُعتبر هاري روبنز هالدمان، رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد نيكسون، من أوائل من استخدموا مصطلح "نظرية الرجل المجنون". وكشف في مذكراته "نهايات القوة" في عام 1978 أن نيكسون سعى لتعزيز قوته في المفاوضات الخارجية بتصوير نفسه كشخص غير متوقع ومتهور. وأضاف أن نيكسون أراد أن يظهر كرئيس غاضب ولا يمكن السيطرة عليه، وقد أعرب نيكسون عن اعتقاده بأنه تعلم من أيزنهاور جوهر “سياسة القسوة في الحرب”، وقال: "إذا أدرك عدوك أنك غير قابل للتنبؤ أو حتى متهور، فسيكون أكثر حذرًا في تعامله معك، وسيكون أقل عرضة لطرح مطالب مفرطة. ونتيجة لذلك، تزداد احتمالية استسلام خصمك، ويكون الرئيس غير القابل للتنبؤ في وضع أفضل إلى حد ما"، كما دافع نيكسون عن هذه الاستراتيجية، معتقدًا أن "عدم القابلية للتنبؤ" تجعل الخصوم أكثر حذرًا وأقل استعدادًا للضغط على الولايات المتحدة. وفي ذات السياق وصف هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي، هذه الاستراتيجية بأنها شبيهة بلعبة بوكر عالية المخاطر، حيث يهدف نيكسون إلى إقناع خصومه بأنه قد تجاوز الحدود.(2) وتضمنت استراتيجية الرجل المجنون لنيكسون وكيسنجر خلال حرب فيتنام تهديدات نووية مبطنة تهدف إلى ترهيب هانوي ورعاتها في موسكو. ومن خلال تلك الاستراتيجية سعى نيكسون وكيسنجر إلى إنهاء حرب فيتنام بأفضل الشروط الممكنة وفي أقصر فترة زمنية ممكنة(3)؛ حيث وجه نيكسون تعليماته لهنري كيسنجر باستخدام "لعبة الرجل المجنون" لإقناع قادة الدول الشيوعية بأن ردود فعله قد تكون غير عقلانية، خاصة تحت الضغط. والهدف كان إثارة خوف الخصوم من أن أي استفزاز قد يؤدي إلى رد فعل نووي، وكان نيكسون يأمل أن تخلق هذه الصورة ضغطًا على فيتنام الشمالية والاتحاد السوفيتي، مما يساهم في إنهاء حرب فيتنام لصالح الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، رفع الولايات المتحدة مستوى الإنذار النووي سراً في أكتوبر 1969، وأجرى الجيش تدريبات عسكرية في عدة مناطق، بما في ذلك الدوريات النووية في الأجواء السوفيتية. ومع ذلك، لم تؤدِ هذه الاستراتيجية إلى التأثير المتوقع، حيث بقي السوفييت غير مبالين بالتهديدات، ولم تحقق سياسة "الرجل المجنون" نتائج ملموسة في حرب فيتنام.(4)

وتقوم هذه النظرية على ثلاث فرضيات أساسية:

-      إذا كانت التهديدات تبدو غير قابلة للتنفيذ من قِبل زعماء يُنظر إليهم على أنهم مجانين، فيجب أن تكون أكثر فعالية من التهديدات المماثلة من زعماء يُنظر إليهم على أنهم أكثر عقلانية.

-      الجنون المتصور يمكن أن يكون ميزة في التفاوض القسري.

-      مشاكل الالتزام لا تستثني بالضرورة استراتيجية "الرجل المجنون" من تقديم فوائد دولية.(5)

وعلى الرغم من أن استراتيجية "الرجل المجنون" يمكن أن تعزز مصداقية التهديدات، خاصةً عندما يكون تنفيذها غير عقلاني من وجهة نظر التكلفة والفائدة، وبالتالي يمكن أن تكون استراتيجية "الرجل المجنون" فعالة فقط إذا تمكن القادة من إقناع خصومهم بأنهم ربما أو بالتأكيد مجانين. ومع ذلك، تعد هذه الاستراتيجية معقدة، ولا يكفي مجرد الظهور بمظهر المجنون. فبالإضافة إلى صعوبة إقناع الخصم بالجنون، هناك خطر من أن مشاكل الالتزام قد تضعف الموقف التفاوضي، ويُعتقد أن تبني استراتيجية "الرجل المجنون" يحمل تكاليف داخلية كبيرة، حيث يُنظر إلى الاستياء المحلي كعامل مؤثر في فشل هذه الاستراتيجية تاريخيًا، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية.

أولاً: الاستياء العام يقلل من حوافز القادة لاستخدام استراتيجية "الرجل المجنون" من الأساس، مما يفسر ندرة اعتمادها في السياسة الدولية.

ثانيًا: إذا تم اعتمادها، فإن الاستياء العام الكامن الأكبر يحفز القادة على إبقاء التهديدات والإجراءات المرتبطة بنظرية الرجل المجنون سرية عن مواطنيهم. على الرغم من أن هذا يساعد في عزل القادة عن العقاب المحلي، إلا أنه قد يقلل من مصداقية التهديد من خلال تقليص التكاليف المرتبطة بالعدول عن التهديد. من الناحية التجريبية، يقدم هذا المنطق تفسيرًا إضافيًا لسبب قيام نيكسون بالحفاظ على سرية عملية "الرمح العملاق" عن الشعب الأمريكي، رغم أن القيام بذلك قلل من مصداقية تهديده في عيون السوفييت.

أخيرًا: إذا اعتمد القادة استراتيجية "الرجل المجنون" علنًا، فإن الاستياء المحلي الأكبر قد يشير إلى الخصوم بأن القائد أقل احتمالًا لتنفيذ التهديد فعليًا.(6)

ثانيًا. نظرية " الرجل المجنون " كاستراتيجية لترامب لتحقيق أهدافه:

تميزت فترة ترامب الرئاسية الأولى بتصريحات وتفاعلات مفاجئة عبر تويتر، مثل تهديدات بـ “النار والغضب" تجاه كوريا الشمالية، أو الانسحاب المفاجئ من اتفاقيات دولية (مثل الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس للمناخ)، كما استخدم ترامب التهديدات بفرض رسوم جمركية عالية في الحرب التجارية مع الصين، كما أعاد التفاوض حول اتفاقية نافتا مع " كندا والمكسيك " وتحولت إلى” USMCA”(7)؛ حيث هدفت هذه التصرفات إلى إرباك الخصوم وإجبارهم على إعادة حساب ردود أفعالهم.

     وفي ولايته الثانية بدأ بسلسلة من التصريحات والاقتراحات الاستفزازية التي أثارت جدلًا دوليًا واسعًا، حيث تجسّدت فيها عناصر "نظرية الرجل المجنون" التي تعتمد على خلق حالة من الغموض وعدم القدرة على التنبؤ لتحقيق مكاسب سياسية. ففي خطوة مفاجئة، طالب ترامب بشراء جزيرة جرينلاند التابعة للدنمارك، مُلمحًا إلى إمكانية استخدام الخيار العسكري إذا لزم الأمر. هذه الخطوة لم تُستقبل من قِبل الدنمارك – الحليفة في الناتو – إلا كإهانة دبلوماسية فضلاً عن تصريحاته المستمرة لكندا لجعلها الولاية 51، كلها تكشف عن استخفاف ترامب بتحالفات الولايات المتحدة التقليدية.

من ناحية أخرى تجاوزت تصريحات دونالد ترامب بشأن قطاع غزة حدود الخطاب السياسي التقليدي، حيث اقترح تحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" وذلك بعد "تطهيرها" من سكانها الفلسطينيين، مُتجاهلًا بذلك الإبادة الجماعية التي تُمارسها إسرائيل ضدهم، كما مارس ضغطًا صريحًا على مصر والأردن لاستضافة سكان غزة المُهجَّرين، مُستندًا إلى منطق قائم على المساومات التجارية، إذ علّق على رفض البلدين بالقول "سيفعلون ذلك...نحن نفعل الكثير من أجلهم"، في إشارة إلى استخدام المعونات الأمريكية كأداة ابتزاز لفرض الامتثال. 

وفي علاقة الولايات المتحدة بحلف الناتو ؛ أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن شكوكه مجددًا في بند الدفاع المتبادل في معاهدة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مؤكدًا أنه "إذا لم تدفع الدول الأعضاء، فلن يدافع عنها"، كما هدد ترامب في فترته الأولى بالانسحاب من الحلف إذا لم تلتزم الدول الأعضاء بإنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع(8)، بالنسبة للحرب في أوكرانيا علّقت إدارة ترامب تسليم مساعدات عسكرية أميركية، وأوقفت تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا بعد تلاسن بين ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي،  كما صوتت الولايات المتحدة مع روسيا وضد حلفائها الأوروبيين في مجلس الأمن الدولي على قرار يدعو إلى إنهاء الحرب ولا يتطرق إلى وحدة أراضي أوكرانيا.(9)

وعلى عكس خطابه التصادمي مع الحلفاء أو نظرته للوضع في الشرق الأوسط، أظهر ترامب حذرًا لافتًا تجاه الصين، التي لم يوجه لها تهديدات مباشرة رغم اتهاماتها بالهيمنة على قناة بنما؛ هذه الازدواجية تكشف عن فهمه الواقعي لموازين القوى، حيث يتجنب الاصطدام المباشر مع منافسين قادرين على الرد بالمثل.

وبالتالي تُظهر محاولة شراء غرينلاند، واقتراح ضم كندا كـ “الولاية 51"، وإعلان السيطرة على قناة بنما (بدعوى منح الصين امتيازات)، موقفه من الناتو والحرب الروسية الأوكرانية فضلا عن قضية تهجير الفلسطينيين؛ كلها قضايا تبرز نمطًا متكررًا في سياسة ترامب القائمة على التصعيد اللفظي لتجريب ردود الفعل الدولية. هذه التصريحات تندرج ضمن "الغموض الاستراتيجي" الذي يهدف إلى إرباك الخصوم، لكنها تفتقر إلى خطة عملية واضحة، مما يعكس سعيه لتعزيز صورته كقائد غير تقليدي.

ثالثًا- التحديات التي تعترض ترامب في تطبيق استراتيجية "الرجل المجنون":

تُواجه محاولات ترامب لإحياء استراتيجية "الرجل المجنون" عدة تحديات فريدة في ولايته الثانية المحتملة، أهمها:

زيادة الاستقطاب الداخلي في الولايات المتحدة:

يقوم رجال إدارته، مثل “إيلون ماسك” بإعادة هيكلة جذرية لمؤسسات ونظام الدولة الأمريكية، وتنفيذ “إصلاحات” كبيرة تقضي على “الدولة العميقة” وتعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى على حسب  زعم ترامب، وقد رفعت النقابات التي تمثل موظفي الحكومة دعوى قضائية ضد إدارة ترامب لمنع إغلاق وكالة المساعدات الخارجية والتي تعد أحد أدوات القوة الناعمة للولايات المتحدة، وجاءت هذه الخطوة بعد هجوم واسع شنته إدارة الكفاءة الحكومية التابعة لإيلون ماسك على الوكالة، مما أدى إلى تعطيل الأنظمة الداخلية ووضع الآلاف في إجازة، كما قامت إدارة ترامب بتقليص عدد موظفي الوكالة من أكثر من 10,000 إلى أقل من 300 موظف. هذا الأمر أثار استياء الموظفين، فقام اتحاد موظفي الخدمة الخارجية الأميركية والاتحاد الأميركي لموظفي الحكومة برفع دعوى قضائية للمطالبة بإيقاف إجراءات إغلاق الوكالة فورًا(10)،  من ناحية أخرى استمرار القضايا القانونية المُلحَّة التي تُحيط بترامب، والتي قد تُشتت تركيزه أو تُحد من حريته في التحرك.

ب. تراجع مصداقيته لدى الحلفاء والخُصوم على حدٍّ سواء:  

تميزت إستراتيجية "الرجل المجنون" التي اعتمدها دونالد ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى بفعالية أكبر في التعامل مع حلفاء الولايات المتحدة مقارنةً بخصومها. فبفعل تهديداته المتكررة بالانسحاب من التحالفات العسكرية والاتفاقيات التجارية، أظهرت الدول الحليفة مظاهرَ من الولاء والامتثال علانيةً خوفاً من عواقب تلك التهديدات. على الجانب الآخر، سعى ترامب إلى التقارب مع قادة الصين وروسيا، لكنه فشل في تطبيق الأسلوب ذاته معهما، حيث تجنب السلوكيات الاندفاعية التي اتبعها مع الحلفاء. أما في حالة إيران، فقد اتسمت تحركاته بالتباين؛ فبينما أقر ضربةً جويةً أسفرت عن مقتل قاسم سليماني، امتنع عن الرد على هجمات إيرانية استهدفت السعودية. وفي إفادة لافتة، أكد ترامب حديثاً أنه تعامل بدرجة أكبر من الاتزان والروية إزاء هذه الملفات مقارنةً بمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون. لكن التحدي الرئيسي يكمن في أن العديد من القادة العالميين أضحوا على دراية بأساليبه، خاصةً بعد مرور أربع سنوات على تفاعلهم معه.

وتجدر الإشارة هنا إلى فشل إستراتيجية "الرجل المجنون" سابقاً مع ريتشارد نيكسون، حيث استطاع المسؤولون السوفييت -الذين أدركوا توقيته في التمثيل- كشف حيلته، كما لاحظ أحدهم: "كان نيكسون يُبالغ في تصوير نواياه بشكل منتظم". يُضاف إلى ذلك أن القاعدة الأساسية في هذه الإستراتيجية تقتضي عدم الإفصاح عن استخدامها، وهو ما يتناقض مع طبيعة ترامب الصاخبة والمتحدّثة علناً(11)، مما أدى إلى فقدانها جزءاً من فعاليتها نتيجة التكرار، وجعل الخصوم أكثر استعداداً لمواجهتها. هكذا تحوّلت تكتيكات "الرجل المجنون" من أداة مفاجئة إلى سلاحٍ محدود التأثير مع مرور الوقت.

ج. تعقيدات الأوضاع على الساحة الدولية:

قرر ترامب فرض رسوم جمركية كبيرة على كندا والمكسيك والصين مما أشعل حربًا تجارية مع هذه الدول. فبعد الإعلان عن فرض رسوم بنسبة 25% على الواردات المكسيكية والكندية، باستثناء واردات الطاقة الكندية التي ستفرض عليها رسوم بنسبة 10%، إضافة إلى 10% على السلع القادمة من الصين، ردت هذه الدول بسرعة.

المكسيك وكندا تعهدتا بفرض رسوم جمركية مضادة على السلع الأمريكية، بينما أعلنت الصين أنها ستطعن على القرار أمام منظمة التجارة العالمية وستتخذ تدابير مضادة. وأكد ترامب أن الرسوم ستظل سارية حتى يتم حل مشكلات عقار الفنتانيل والهجرة غير الشرعية. بالنسبة الصين عبرت عن رفضها للقرار الأمريكي، معتبرة إياه انتهاكًا لقواعد التجارة العالمية، ودعت إلى حل القضايا من خلال الحوار. من جهتها، ردت كندا بفرض رسوم على سلع أمريكية محذرة من زيادة تكاليف المواد الغذائية والبنزين في الولايات المتحدة. أما المكسيك، فقد نددت باتهام ترامب لها بالارتباط بتهريب المخدرات، وأكدت أنها ستتخذ إجراءات لحماية مصالحها.(12) وفي ظل التغيرات المتسارعة في المشهد الجيوسياسي، تواجه أوروبا تحديًا كبيرًا في التعامل مع سياسة الرئيس الأمريكي تجاه أوكرانيا. مع احتمال تراجع الدعم الأمريكي لأوكرانيا، تسعى أوروبا إلى تعزيز استقلالها الدفاعي وتوفير الدعم المستدام لأوكرانيا. الخيارات الأوروبية تتضمن زيادة الإنفاق العسكري، وتوسيع التمويل لأوكرانيا، وبناء تحالفات مع دول خارج الناتو مثل كندا وأستراليا واليابان، كما تسعى أوروبا لإعادة صياغة علاقاتها مع الناتو، وقد تدرس إنشاء ذراع عسكرية أوروبية مستقلة. بالإضافة إلى ذلك، تعمل على تسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وتعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية. كما يتم التحضير لإنشاء صندوق أوروبي لدعم أوكرانيا بديلاً عن المساعدات الأمريكية. أوروبا أيضًا تسعى لتعزيز تحالفاتها الداخلية لمواجهة الفراغ الأمني المحتمل، رغم تحديات التعامل مع نهج ترامب الذي ينظر إلى أوروبا من منظور "الصفقات" بدلاً من التحالفات.(13)

في النهاية، اعتماد ترامب على "الرجل المجنون" في ولايته الأولى جعله قادرًا على إحداث تغييرات سريعة في بعض الملفات منها إعادة التفاوض على اتفاقية نافتا والتي تحولت إلى USMCA قد تُعتبر نجاحًا ناتجًا عن ضغط غير تقليدي كذلك نجاحه في الاتفاقيات الإبراهيمية ونقل السفارة الإسرائيلية للقدس، لكن غياب التخطيط الاستراتيجي واعتماده على الصدمة بدلًا من الدبلوماسية الممنهجة حدّ من تحقيق أهدافه الكبرى. وبالتالي يبدو أن الولاية الرئاسية الثانية لترامب ستكون اختبارًا جديدًا لنظرية “الرجل المجنون؛ فقد تنجح النظرية في تحقيق مكاسب تكتيكية أو تفاوضية، خاصة إذا كان الخصم غير مستعد للمجازفة، ولكنها من ناحية أخرى قد تُضعف الموقف الأمريكي العالمي على المدى الطويل خاصة بعد تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها التقليدين وهو ما يضعف الثقة فيها.

 

الهوامش

 

1)        Roseanne W. McManus, “Madman Theory: The Causes and Effects of Reputations for Madness in International Politics”, Book Proposal, The Washington Post, 2017.

https://ndisc.nd.edu/assets/467565/mcmanus_madman_theory_book_proposal.pdf

2)     ___، " من نيكسون إلى ترامب.. تحليل تركي لأسرار نظرية "الرجل المجنون"، ترك برس، 6 مارس 2025.

https://www.turkpress.co/node/104828

3)        William Burr, Jeffrey P. Kimball, “The Movement and the “Madman”, The National Security Archive, The George Washington University, Mar 24, 2023.

https://nsarchive.gwu.edu/briefing-book/nuclear-vault-vietnam/2023-03-24/movement-and-madman

4)        Daniel W. Drezner,” Does the Madman Theory Actually Work?”, Foreign Policy, Jan 2025.

https://foreignpolicy.com/2025/01/07/madman-theory-international-relations-unpredictability/

5)        Joshua A. Schwartz, “Madman or Mad Genius? The International Benefits and Domestic Costs of the Madman Strategy”, Security Studies, Volume 32,  Issue 2, pp277-281.

6)        https://www.tandfonline.com/doi/epdf/10.1080/09636412.2023.2197619?needAccess=true

7)        Schwartz, Ibid, pp274-275.

8)        William Alan Reinsch and Jack Caporal, “From NAFTA to USMCA: What’s New and What’s Next?”، Center for Strategic & International Studies, October 3, 2018.

https://www.csis.org/analysis/nafta-usmca-whats-new-and-whats-next

9)     ________، “ترامب عن الدفاع المتبادل بالناتو: إذا لم يدفعوا فلن أدافع عنهم"، الجزيرة نت، مارس 2025.

https://2u.pw/hpWSImdy

10)  _____، ترامب يهدد روسيا بعقوبات جديدة .... ويحث موسكو وكييف على التفاوض "، العربية، مارس 2025.

11)  https://2u.pw/WongpQHG

12)  محمد البديوي، " أزمة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: ديمقراطيون يتحدون ترامب وماسك "، العربي الجديد، فبراير 2025.

https://2u.pw/OaCHydLV

13)  حسن قطامش،" ترامب واستراتيجية الرجل المجنون “، تبيان، مارس 2025.

https://tipyan.com/trumps-crazy-man-strategy

14)  ____، " "الحرب الجمركية" اندلعت.. هجوم دولي ثلاثي على قرارات ترامب"، سكاي نيوز، فبراير 2025.

https://2u.pw/S1kbP9xK

15)  نوار الصمد، " اليقظة المتأخرة: كيف ستتعامل أوروبا مع سياسة ترامب تجاه أوكرانيا "، انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، مارس 2025.                                                                                                                                           https://2u.pw/jcepjsc1l

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟