المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

مواجهة محتملة .. الخلاف الروسي التركي في سوريا وتداعياته على علاقاتهما

الأربعاء 26/فبراير/2020 - 06:26 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

شهدت روسيا وتركيا مباحثات في يومي 17 و 18 فبراير 2020 بشأن التصعيد التركي السوري في منطقة إدلب على خلفية نجاح الجيش العربي السوري في السيطرة على مدينة حلب وغيرها من المدن في إدلب وتراجع القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها، ويذكر أن هذه المباحثات جاءت بعدما لم تستطع أنقرة وموسكو التوصل لاتفاق بعد اتصال بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين وأيضًا بعد اجتماع عقده وزيرا خارجية البلدين، وضمن نفس السياق فإن البلدين كانا قد توصلا إلى اتفاق بينهما في سبتمبر 2018 يسمح لهما بالتعاون والتنسيق؛ حيث توصل الرئيسان الروسي والتركي  إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب، لتجنب الحرب في تلك المحافظة التي يبلغ عدد سكانها في الوقت الراهن ثلاثة ملايين نسمة.

اختلاف التوجهات

تحاول تركيا أن تحقق العديد من المكاسب على الساحة السورية، وذلك من خلال منطقتي شرق الفرات وإدلب لضمان استمرارية نفوذها بالمعادلة السورية في مواجهة النفوذ الروسي والإيراني، كما أن عدم تمكن أنقرة من إقامة المنطقة الآمنة في شرق الفرات وانتقاد تدخلاتها العسكرية في هذه المنطقة دفع بها إلى الانخراط بصورة مباشرة في دعم الفصائل والجماعات الإرهابية المسلحة للضغط على سوريا وروسيا، كما أن اتفاق سوتشي الذي أُبرم بين الجانبين التركي والروسي للمراقبة المتبادلة على الأوضاع في إدلب، والذي سمح لأنقرة بنشر 12 نقطة للمراقبة لم يقف في وجه التحركات السورية بمساعدة الجانب الروسي التي ساهمت في المساعدة على الدخول إلى مناطق إدلب وتحريرها من الجماعات المسلحة المدعومة تركيا، وهو ما يمثل تهديدًا للنفوذ التركي هناك، وهنا يجب الإشارة إلى مجموعة من العوامل التي يمكن أن تساهم في زيادة التوترات الروسية التركية من أهمها:

1) النفوذ الروسي في سوريا

تدخلت روسيا في الأزمة السورية منذ عام 2015 لدعم بقاء النظام السوري في مواجهة الجماعات المسلحة وهو الهدف الذي لا ترغب به تركيا التي تهدف إلى إسقاط النظام السوري، وهذا الأمر يمثل واحدًا من صور الخلاف بينهما، ومن ثم انعكست على طبيعة العلاقات في سوريا وإن كان الطرفان حاولا أن يتجنبا المواجهة المباشرة هناك أو أن تمتد تداعيات ذلك على العلاقات الاقتصادية بينهما.

2) العلاقات مع الغرب

تمثل العلاقات التركية الأمريكية المتوترة فرصة كبيرة لروسيا لتحقيق التقارب مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلنطي(الناتو)، والتي تمثل أهمية كبيرة في الاستراتيجية الغربية لمواجهة النفوذ المتصاعد لروسيا في المنطقة والمجتمع الدولي، ولكن هنا يجب الإشارة إلى هذا العامل برغم أنه حقق بعض التقارب بين الجانبين إلا أنه في نفس الوقت يمثل عاملًا للتوتر بينهما خاصة في حال اتجاه تركيا إلى زيادة تعاونها مع الولايات المتحدة ومن ثم تدرك روسيا بمساحة المناورة التركية في هذا الأمر وأنها ما تزال جزء من الاستراتيجية الأمنية الغربية برغم التقارب بينهما في الكثير من الملفات الاقتصادية والعسكرية، وفي النهاية يمكن الإشارة إلى أن تركيا تعتمد على مقاربتين بفعل تأثير تقاربها وتباعدها مع الولايات المتحدة، وعلى العكس من الجانب الأول فعندما تتجه علاقات تركيا  مع الغرب فإنها تجد في روسيا حليف أقرب من الغرب.

3) الصراع الإمبراطوري

منذ تاريخ بعيد وترغب تركيا في مواجهة النفوذ الروسي سواء لاعتبارات مصالحها الخاصة أو كونها جزء من الاستراتيجية الغربية وهو الأمر الذي كان في مرحلة الخلافة العثمانية أو فيما يتعلق بالتصاعيد الأمريكي الروسي في أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، ومن ثم تهدف إلى عدم تصاعد النفوذ الروسي في جوارها الجغرافي أو في المناطق الاستراتيجية كما هو الحال في الشمال الإفريقي ومنطقة شرق المتوسط وذلك لما له من تأثير على نطاق النفوذ التركي، وعلى الرغم من التوافق بين تركيا وروسيا في الفترة الأخيرة إلا أن غير معتاد تاريخيًا وجيوسياسيًا ولن يستمر على الأرجح إلى الأبد.

4) تباين السياسة الخارجية

ثمة اختلافات كبيرة في السياسة الخارجية لكليهما تجاه دول المنطقة وقضاياها فروسيا تدعم النظام السوري وقوات المشير خليفة حفتر، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى النقيض من ذلك، فإن تركيا تعارض النظام السوري ورئيسه الأسد، وتدعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودعمت حركة حماس، ومناصرة القوى الإسلامية. وابتداءً من الخلاف حول مستقبل محافظة إدلب في سوريا، فإن العديد من القضايا الجيوسياسية الشائكة ستقود البلدان إلى توترات في علاقاتهما ببعضها البعض.

5) الموارد الاقتصادية

برغم التعاون بن الجانبين في مشروع الطاقة(السيل الشمالي) إلا أن المصالح الاقتصادية بينهما غير متوازنة خاصة وأن روسيا تعتبر من أكبر الدول في العالم مصدرة للطاقة على عكس تركيا التي تفتقر لمثل هذه الموارد وفي الوقت ذاته، فإن تركيا تعتمد بصورة كبيرة على استيراد موارد الطاقة ومن ثم تهدف إلى انخفاض أسعارها، مقارنة بالنظر إلى العجز الهائل في الميزان التجاري، والذي يرجع جزئيًا إلى زيادة احتياجاتها من الطاقة.

6) القيادة الكاريزمية

بالرغم من التقارب الروسي التركي في بعض الملفات والتي لعبت فيها عوامل القيادة في كل منهما دورًا كبيرًا في تحقيق هذا، إلا أن  متغير القيادة ليس كافيًا لتحقيق مثل هذه العلاقات حيث لا تزال هناك روابط مؤسسية بين الدول لدعم هذا الشكل من العلاقات.

 إدلب واختلاف المصالح

هناك الكثير من الملفات الخلافية بين الجانبين الروسي والتركي فيما يتعلق بدخول الجيش العربي السوري إلى هذه المنطقة التي تعول عليها تركيا كثيرًا في ضمان استمرار نفوذها في الداخل السوري، ومن المحتمل أن تفرز المباحثات الكثير من المخرجات المتعلقة بالمنطقة وإن كانت سوف تضع الكثير من الآليات من أهمها الحفاظ على النجاحات التي حققها الجيش العربي السوري في حلب وغيرها من مناطق إدلب، والتأكيد على تراجع النفوذ التركي لفقدان المسلحين مواقعهم، وأن استمرار الدعم التركي للجماعات المسلحة يهدد الأمن الروسي في منطقة القوقاز وأسيا خاصة في ظل ارتباط بعد الجماعات المسلحة ببعض الجماعات الإرهابية في جوار روسيا، وهو ما يشكل نقطة خلاف كبيرة بين الجانبين.

من ناحية أخرى فإن هناك إمكانية لمنح الوقت للجيش العربي السوري للدخول للكثير من المناطق في إدلب وفرض السيطرة عليها، وذلك بالتعاون مع الجانب الروسي الذي يهدف في النهاية إلى خروج القوات التركية من إدلب والقضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة، وأن ذلك قد يتطور في المحادثات بين الجانبين، حتى يتم الوصول إلى لقاء على مستوى القمة بين كل من بوتين وأردوغان، وإلى أن يتم ذلك، فإن سوريا وروسيا مستمرتان في تنفيذ هذه العمليات، وضمن السياق ذاته أعلن وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو عن عن لقاء محتمل بين بوتين وأردوغان حال فشل مباحثات موسكو حول إدلب.

من ناحية سوريا فقد تقدم الجيش العربي السوري في 28 قرية في حلب منها جمعية الزهراء، وقرى كفر داعل وتل شويحنة في ريف حلب الغربي ومنطقة الناصرة، والراشدين، وحريتان وكفر حمرة بيانون وكفر داعل، وياقد العدس، وكفربسين، وبابيص، والهادي والهوتة ومعرة الأرتيق وحيان والليرمون والشيخ عقيل وعينجارة وخاض معارك قرب دارة عزة والأتارب اللتين تحتضنان نقطتي مراقبة تركية، ويسعى كذلك للتقدم باتجاه سرمدا التي قام بتنفيذ تمهيد ناري ضدها للسيطرة عليها ليفصل كامل حلب عن إدلب، وهو ما يؤشر على اعتزامه التخلص من الجماعات الإرهابية المتواجدة هناك ومن ثم مواجهة النفوذ التركي في هذه المنطقة.

ومن خلال تحليل السياسة التركية في إدلب فإنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع روسيا حول المنطقة فإنها ستتجه بسياستها إلى طلب الدعم من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة واللتان تشهد علاقاتهما معها تصعيد متبادل من الخلاف في ظل اقتناعهما بأن تركيا تنتهج سياسات من شأنها أن تؤدي إلى تهديد مصالحها سواء في سوريا أو في الدول العربية الأخرى.

ختامًا: نظرًا لمصالحهم المتضاربة إلى حد كبير في منطقة المنطقة العربية يواجه التعاون الروسي والتركي تحديات حقيقية. ومن بين الخلافات مستقبل محافظة إدلب السورية. فلكل من تركيا والغرب مصلحة في منع أي هجوم عسكري روسي واسع النطاق في هذه المنطقة لما لها من تأثير من  أن تؤدي مثل هذه العملية إلى تدفقات كبيرة من اللاجئين نحو حدود تركيا، وأن الاتفاق الجديد يعني خسارة جزئية لبعض المناطق التي كانت تتمركز بها نقاط المراقبة التركية.

المراجع

1)           Turkey versus Russia and the U.S.: decoding the conundrum, at:

 https://ahvalnews.com/turkey-russia-us/turkey-versus-russia-and-us-decoding-conundrum

2) تركيا تعزز انتشارها في إدلب... وتتفادى استفزاز روسيا، على الرابط:

 https://0i.is/pv6h

2)      القوات السورية تستعيد معظم حلب قبل محادثات بين تركيا وروسيا، على الرابط:

 https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=17022020&id=aa9cc11c-7ab9-453c-8811-36e5f45b2614

3)      هل تخوض تركيا "مغامرة عسكرية" مع روسيا على الأرض السورية؟، على الرابط:

 https://0i.is/N6PF


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟