عن العلاقات السعودية ـ المصرية أتكلم، من أجل تشكيل ركيزة قوية للتحكم فى السيولة العربية المدمرة.
السعودية ليست قوة بترولية فقط، بل هى أيضا الدولة العربية الوحيدة التى تتمتع بعضوية مجموعة العشرين التى تخطط مستقبل العالم الاقتصادي. عندما بدأت مع الصديق على الدين هلال كتابنا عن السياسات الخارجية للدول العربية الذى ظهرت طبعته الإنجليزية الأولى منذ أكثر من ربع قرن، كان من نصيبى أن أكتب الفصل الخاص بالسياسة الخارجية السعودية: محدداتها، تطورها، صناعة القرار فيها، ثم آفاق هذه السياسة على المستويين العالمى والإقليمي، ما لفت نظرى فى هذه الآونة هو القوة الناعمة التى تتمتع بها هذه الدولة، فهى منشأ الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم حارسة المدينتين المقدستين مكة والمدينة، أى القبلة التى يتوجه إليها أتقياء المسلمين فى صلواتهم خمس مرات فى اليوم أينما يكونوا، ويدعو الله كل منهم أن يزور هذا البلد ولو مرة واحدة فى حياته من أجل الحج والتوبة إلى الله، ولا شك أن معظمنا يرى هذه القوة الناعمة فى الترحال من إفريقيا إلى آسيا إلى أوروبا والأمريكتين.
مصر لديها عناصر قوة مادية وناعمة أيضا ولكن مختلفة. فالحديث السائد حاليا عن توسيع قناة السويس يذكرنا بأهمية موقع مصر الاستراتيجى فى وسط المنطقة العربية وبوابة للقارة الافريقية.
وعلى الرغم من متاعبها الاقتصادية، فلاتزال مصر قوة اقليمية، اقتصاديا وسياسيا، ثم أن مواردها البشرية الخلاقة واسهاماتهم الفنية والأدبية تعطى لهذا البلد قوة ناعمة عالمية: من أحمد زويل إلى عمر الشريف.
السعودية ومصر إذن دولتان محوريتان، والدليل على ذلك أنهما يحددان مسيرة المنطقة، سلبيا إلى مزيد من المشكلات، أو ايجابيا إلى مواجهة التحدى بنجاح ولنتذكر المواجهة العسكرية غير المباشرة بينهما فى أثناء حرب اليمن فى الستينيات وتوابعها مثل هزيمة حرب سنة 1967، ونقارن هذا بالتنسيق السياسى والاقتصادى بينهما فى بداية السبعينيات وما أداه استخدام سلاح البترول والدعم العسكرى فى حرب أكتوبر سنة 1973.
الاستخلاص الأساسى لهذه المحورية المزدوجة للدولتين هو أن علاقتهما استراتيجية وليست عارضة ليس لهما فقط ولكن للمنطقة ككل، والاستخلاص الثانى أن هذه العلاقات الاستراتيجية لكى تكون متينة الأساس يجب أن تناقش بنود الاختلاف قبل ـ أو على الأقل مع ـ بنود الاتفاق فالاختلاف لا يعنى بالمرة عداوة أو قطيعة، فهو دائم الحدوث بين الزوجين وبين الأشقاء الحميمين داخل الأسرة الواحدة، كما يعرف كل منا من تجربته الشخصية، وعلى المستوى السياسى العالمى مثلا، لفت نظرى فى أوائل التسعينيات أنه فى اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، كان عدد الصفحات المختص بتسوية الخلافات ـ بما فيها اللجوء للمحاكم ـ يتساوى تقريبا مع عدد الصفحات التى تعالج بنود التكامل والفائدة المشتركة.
ولما توجهت بالسؤال إلى من قرروا الصياغة عن هذا الاهتمام المتزايد ـ فى رأيى بالتركيز على الخلافات المحتملة »واحنا لسة على البر«، كان الرد جاهزا: مادام أن التكامل واضحا، فالتحدى يكمن فى تصور الاختلافات بوضوح من أجل الاستعداد لمواجهتها حتى نضمن نجاح المسيرة.
الاختلافات المحتملة بين السعودية ومصر قد تكون فى الرؤى وقد تكون فقط فى الأسلوب، وقد تعكس بدرجات مختلفة تنوع التشكيلة الاجتماعية أو تكوين النخب السياسية فى كل منهما ـ ولكن هناك عدة قضايا يجب التركيز عليها، بسبب أهميتها ليس فقط لكل منهما ولكن للمنطقة ككل، مثلا:
1 ـ المأساة السورية: بحوالى ربع مليون قتيل، وأكثر منهم مصاب أو معاق، بالإضافة إلى ما يربو على 35% من السكان لاجئين خارجيا أو داخليا، بينما العالم العربى غائب عن أى مبادرة.
2 ـ العلاقات مع قطر أو تركيا: وهى دول لها تأثيرها على التفاعلات السياسية فى المنطقة، ولا يمكن تجاهلها فى سياسات الدولتين، وبالتالى أصبح التنسيق لا مفر منه.
3 ـ ما بعد الاتفاق النووى الإيراني: فقد يكون الاحساس بالتهديد مختلفا بين البلدين، ولكن الاتفاق له نتائج أبعد من هذا جدا، ففى حالة نجاحه قد نكون أمام نظام اقليمى مختلف. ما هو شكله؟ بل فى حالة السيولة السائدة، كيف تسهم الدولتان فى تشكيله؟ وكيفية إدارة العلاقات مع إسرائيل فى هذه التشكيلة الجديدة.
4 ـ دور الإسلام السياسى فى المنطقة، سواء كتيار داخل المجتمع أو كحركة عنيفة مثل القاعدة أو داعش. والأهم كيف تحافظ الدولة على فاعليتها فى هذه المواجهة؟
هذه بالطبع أمثلة لرءوس موضوعات، تتفاوت فى حدتها والوقت اللازم لمواجهتها ولكن لا يمكن الفرار منها، أو الارتجال فى مواجهتها. نقلا عن الأهرام