المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ طه عبد العليم
د‏.‏ طه عبد العليم

بعد المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ

الأحد 29/مارس/2015 - 12:53 م
نجح ـ دون ريب ـ مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصرى، الذى عقد بمدينة شرم الشيخ. سياسيا؛ بمشاركة وفود نحو مائة دولة وعشرات من رؤساء الدول والحكومات؛ فكان اعترافا عالميا بانتصار ارادة الأمة المصرية وثورتها فى 30 يونيو لإسقاط حكم الفاشية التكفيرية والإرهابية. واقتصاديا: بمشاركة أكثر من 2500 شركة ومستثمر، بجانب 30 منظمة اقتصادية دولية وإقليمية، وتوقيع نحو 40 اتفاقية ومذكرة تفاهم للاستثمار، وتعهدات عربية خليجية بتقديم 12.5 مليار دولار تتضمن ودائع لدى البنك المركزى، وقدرت التدفقات المرتقبة بنحو 60 مليار دولار؛ تشمل استثمارات مباشرة ومشروعات ممولة وقروضا ميسرة.
ولكن- كما بعد أى نجاح- تذهب السُكرة وتجىء الفكرة. وهنا أسجل أولا، أن الحكومة المصرية قد استهدفت من المؤتمر جذب استثمارات أجنبية وعربية لدعم الاقتصاد المصرى، وبهدف تحفيز الاستثمار الخاص، أصدر الرئيس السيسى عشية المؤتمر تعديلات مهمة على قانون الاستثمار وفرت مزيدا من التيسيرات، وتعديلات على ضريبة الدخل خفضتها على شريحة الدخول الأعلى. وهى تعديلات أفاض فى تقديم قراءة موضوعية نقدية لها الزميل الأستاذ أحمد السيد النجار فى مقاله المهم (المؤتمر الاقتصادى وقانون الاستثمار واعتبارات التنمية والعدالة، الأهرام 16 مارس 2015)، وأكتفى بتأكيد أنه لا خلاف على أن المستثمر يسعى, وينبغى أن يسعى،الى تحقيق أقصى ربح ممكن, لأن هذا ما يميز مشروع الأعمال عن العمل الخيرى, ولأن تعظيم الربح هو حافز الاستثمار، أقصد الربح المُبَرَر للمستثمر المُبادِر والمُنظِم والمُخاطِر والمُبتكِر. لكنه المستثمر أن يلتزم بواجبات المسئولية المجتمعية، التى تعنى تحقيق ربحية المجتمع جنبا الى جنب مع ربحه الفردى، والنهوض بهذه المسئولية المجتمعية والتنموية والوطنية لا يكون بالمناشدة وإنما بفرض القانون.

وثانيا، أن أغلب الاتفاقيات الموقعة خلال المؤتمر أقرب إلى خطابات النيات وليست اتفاقيات قابلة للتنفيذ الفورى؛ وكان أهمها دون ريب مذكرة التفاهم لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، التى تباينت وجهة النظر بشأنها. وقد أبرز المعارضون دورها فى التوسع العمرانى لمواجهة النمو السكانى، ومواجهة ازدحام القاهرة وتدهور بنيتها الأساسية، وتنشيط قطاع التشييد وتوفير فرص عمل، مع تشديدهم على أن بناءها لن يحمل الدولة أعباء مالية إضافية. ورأى المعارضون أن العاصمة الإدارية الجديدة لن تستوعب الزيادة السكانية وتحل أزمة الإسكان، وأن أسعار الوحدات السكنية والخدمات الترفيهية فيها لن تتاح لغير الأثرياء، وأن العواصم عنوان للحضارة، ومنها القاهرة ـ مع كل أمراضها ـ تبرز كمجمع حضارات متراكمة، وتجسد الأصالة التاريخية للدولة المصرية. ويبقى النقد الأهم، وهو أن الاستثمارات الضخمة المتوقعة لبناء عاصمة جديدة من الأفضل أن توجه لبناء مدن صناعية جديدة. وفى هذا السياق، طرح الخبير الاقتصادى والمدير التنفيذى لمجموعة مالتى بلز للاستثمار تساؤلاً عن أولوية المشروعات التى طرحت فى المؤتمر، واتفق عليها مبدئيا، فى ظل غياب الاستثمارات الزراعية والصناعية، ذات التأثير الإيجابى على معدلات النمو وإيجاد فرص عمل مستمرة.

وثالثا، أن الحاجة ملحة دون ريب إلى مضاعفة إنتاج الطاقة اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مع ارتفاع استهلاك الطاقة للاستخدامات الإنتاجية والمنزلية والتجارية، وانخفاض إنتاجها مقارنة بالاحتياجات، وتحول مصر من مصدر صاف للطاقة إلى مستورد صاف لها، وهو ما انعكس فى انقطاعات متكررة للكهرباء عن المصانع والمنازل وغيرها. وكان ايجابية دون شك قيمة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بشأنها خلال المؤتمر، سواء فى مشروعات توليد الطاقة الكهرباء شاملة الطاقة الجديدة والمتجددة بجانب الفحم، أو انتاج الغاز الطبيعى. وقد أوفى الرئيس السيسى بوعده بشأن استثمار عبقرية موقع مصر بمشروع تطوير قناة السويس وتنمية محيطها، وبشأن التفاهم مبدئيا مع روسيا على اقامة محطة الضبعة للطاقة النووية، وهما أهم قرارين اقتصاديين استراتيجيين اتخذهما. وأتمنى أن يفى بوعد آخر فى خطاب تنصيبه، للتقدم صوب تصنيع مصر، بتأكيده ـ وبحق ـ أنه يتعين النهوض بقطاع الصناعة عصب الاقتصاد المصرى والسبيل الى إيجاد فرص العمل وتشغيل الشباب، وإصلاح المنظومة التشريعية لتحفيز قطاع الصناعة وتيسير حصول المستثمرين على الأراضى والتراخيص لإقامة المشروعات الصناعية، ووقف تصدير المواد الخام التى تتعين معالجتها وتصنيعها لزيادة القيمة المضافة، مع إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التى توفر مدخلات التصنيع وتنهض بالمناطق المهمشة والأكثر فقرا.

وأخيرا، إن هيمنة الاستثمار العقارى على الاستثمارات التى وقعت اتفاقيات ومذكرات تفاهم وفى اعلانات النوايا فى المؤتمر، تهدد باستمرار ابتلاع مدخرات الأمة فى الاستثمار العقارى، سواء المتاحة للدولة والتى سوف تستثمر فى توصيل المرافق إليها، أو المتاحة للأثرياء الذين سيتدافعون للاستثمار فيها، وهو ما يهدد بالانزلاق مجددا الى تجاهل أسبقية الاستثمار فى الانتاج الصناعى والزراعى فى مراكز صناعية تحيط بها مزارع حديثة، تستقطب الزيادة والكثافة السكانية، وتوفر فرص عمل عالية الانتاجية والدخل. ولننظر للعالم من حولنا وسندرك، من جهة، أن أى دولة لم تتمكن من تصفية فقر الدخل والقدرة، وتحقيق الأمن الاقتصادى، القومى والإنسانى، بغير التصنيع، وتوسع عمران مصر بغزو الصحراء لا غنى عنه، ولكن بالاستثمار الانتاجى ورافعته التصنيع، وليس بالانزلاق استنزاف الموارد المتاحة والمحتملة، فى مشروعات جدواها الاقتصادية غائبة أو آجلة. ومن جهة ثانية، أن كفاءة تخصيص الموارد الاقتصادية وعدالة توزيع الدخل القومى هما معيارا المفاضلة بين النظم الاقتصادية، وهو ما لم يحققه لا اقتصاد الأوامر البيروقراطى ولا اقتصاد السوق الحرة، ولن يتحقق بغير تكامل أدوار كل من الدولة والسوق، وقطاعى الأعمال العام والخاص، والموازنة بين الانفتاح الاقتصادى الخارجى وحماية السيادة الاقتصادية الوطنية. وأكرر ما كتبته فى مقالى نحو نظام اقتصادى اجتماعى جديد (الأهرام، الأحد 16 مارس 2014) أقول: إن مصر لن تشهد استقرارا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا؛ بغير إقامة نظام اقتصادى اجتماعى جديد، دعوت إليه وقدمت تصورى له، قبل وبعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟