المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

هدوء حذر...لماذا تأخر الرد الإيراني على اغتيال هنية؟

الخميس 12/سبتمبر/2024 - 08:58 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

رغم التصريحات الهجومية للقادة الإيرانيين تجاه إسرائيل بشكل شبه يومي تقريباً، ومرور ما يقارب الشهر على اغتيال مدير المكتب السياسي لحركمة حماس إسماعيل هنية في طهران، وتأكيد هذه الأخيرة على حتمية ردها على إسرائيل، إلا إنه لم يأتي الرد الإيراني بعد. ولا تزال إسرائيل في حالة تأهب لمواجهة الرد الإيراني المرتقب وسط تحذيرات أمريكية متتالية من مخاطر اندلاع حرب إقليمية. فبينما تشير أدبيات العلوم السياسية الى أن تأخر الرد العسكري يفتح المزيد من الفرص للدبلوماسية، إلا إنه أعلن عدد لا بأس به من المسؤولين العسكريين أن الرد على إسرائيل سيكون مباغتاً وفي وقت غير متوقع.

ورغم التوقعات التي كانت تشير إلى أن إيران قد تدعم أذرعها للرد على تل أبيب، إلا إنه أعلنت طهران عقب قيام حزب الله بإطلاق نحو 210 صواريخ ونحو 20 طائرة بدون طيار من لبنان على شمال إسرائيل في 25 أغسطس 2024 أن ردها على إسرائيل سيكون منفصلاً ومستقلاً عن محور المقاومة. وتأسيساً على ذلك، سيتم العرض فيما يلي لأبرز الدوافع وراء تأخر الرد الإيراني على إسرائيل.

أولاً:  اعتماد استراتجية "الاستنزاف النفسي": تعول السلطات الإيرانية على الأثر السلبي الذى من الممكن أن يتركه تأخر ردها على الاقتصاد الإسرائيلي والخسائر التي من الممكن أن يتكبدها في هذا الإطار؛ حيث أشارت بعض التقديرات إلى أن الشيكل الإسرائيلي اتجه إلى أكبر موجة بيع على مدى 3 أيام في عامين، وهبطت السندات الحكومية مع قلق المتداولين من أن مقتل هنية على الأراضي الإيرانية قد يزيد من خطر اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط.

وخلال ما يقرب من 10 أشهر من الحرب بين إسرائيل وحماس، كان المستثمرون يأملون مراراً وتكراراً في العودة إلى السلام، مما أدى إلى مرونة متقطعة في الشيكل وكذلك أسواق الأسهم والسندات في البلاد. وبالتوازى مع ذلك اتخذت إسرائيل سياسات أخرى تمثل أبزرها في شروع الجيش الإسرائيلي في استدعاء جنود الاحتياط الذين تم إعفاؤهم من الخدمة، وذلك بناء على توجيه من وزير الدفاع الإسرائيلي، يواف غالانت.

ثانياً: الحصول على مزيد من التنازلات: تحاول إيران  من خلال تأخير ردها على إسرائيل ترقب رد الفعل الأمريكي والمكاسب التي يمكن أن تحصل عليها في مقابل عدم ردها على تل أبيب، وما يعزز ذلك هو الجدال الدائر في إيران حول هذا الموضوع والأصوات المطالبة بالتحلى بالحكمة في الرد على إسرائيل وعدم الانجرار وراء أهداف نتنياهو من اغتيال هنية في طهران بالدخول في حرب موسعة مع إيران بالشرق الأوسط، يمكنها أن تؤدى إلى تأخير وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بالتوازى مع امتداد الفترة التي سيوجد فيها كرئيس للحكومة في إسرائيل.

وما يعزز ذلك هو مطالب بعض الإصلاحيين بعدم الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل والمقايضة بدلاً من ذلك في أمرين، أولاً: الحصول على مزيد من التنازلات من واشنطن والقوى الغربية في الملف النووي أو بالأحرى رفع العقوبات، وذلك على خلفية الحالة المتدهورة التي يعاني منها الاقتصاد في إيران وارتفاع معدلات البطالة والفقر. وثانياً: ممارسة المزيد من الضغوط بإتجاه وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما يؤدى لتعزيز مكانة إيران الإقليمية والحد من الأوضاع الكارثية التي يعيش فيها سكان قطاع غزة، الأمر الذى يعد بمثابة انتصار جزئي للوكيل الإيراني في فلسطين حركة حماس.

وبالتوازى مع مساعى إيران للحصول على مزيد من التنازلات، ربما تبحث  إيران عن مخرج لتبرير رد مخفف، وأن نوعاً من وقف إطلاق النار في غزة يمكن أن يكون مجرد "انتصار دبلوماسي" تحتاجه للقيام بذلك. ولكن من غير المؤكد أن ذلك سيحدث على المدى القريب، ولاسيما بعد أن فشلت مفاوضات وقف إطلاق النار التي انغعقدت قبل أيام قليلة بالقاهرة؛ حيث لم توافق حماس ولا إسرائيل على العديد من الحلول التي قدمها الوسطاء.

ثالثاً: حسابات المخاطر المرتبطة بالهجوم: قد يأتي تأخر الرد الإيراني على تل أبيب بشأن اغتيال إسماعيل هنية في سياق  إدراك إيران جيداً أنها لن تدخل في حرب مباشرة مع إسرائيل فقط، ولكن حلفائها من القوى الكبرى في الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي، تعى إيران جيداً التباين التسيلحى التكنولوجي بينها وبين هذه القوى، وربما قد لا ترغب إيران في أن يحدث ردها على إسرائيل مزيداً من التقارب بين إسرائيل والقوى الغربية، ولاسيما في ظل الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن على إسرائيل لجهة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والعقوبات التي فرضتها بعض القو ى الغربية على المستوطنين في إسرائيل على خلفية تطرفهم في التعامل مع الفلسطنيين في الضفة الغربية.

وتواجه إيران معضلة أخرى تتمثل في حجم الرد والمواقع التي يمكن أن ترد علي إسرائيل فيها، ولاسيما بعد أن واجه ردها على ضرب إسرائيل لقنصليتها في دمشق في إبريل الفائت الكثير من الانتقادات لكونه رد رمزي أكثر منه حقيقي يهدف إلى إستعادة قواعد الردع مع إسرائيل. ومن العوامل الأخرى التي من المحتمل أن تؤثر على عملية صنع القرار في إيران  بشأن الرد على إسرائيل هو تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية وجودها العسكري في المنطقة أكثر مما كان عليه الأمر في أبريل الماضي قبل هجوم إيران غير المسبوق بطائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل.

 وفي هذا السياق، أثارت موجة المكالمات الهاتفية التي أجريت مع الرئيس الجديد مسعود بزشكيان ووزير الخارجية بالإنابة علي باقري كني تكهنات بأن محاولات الدبلوماسية ساعدت في تأخير الهجوم ويمكن أن تمنعه. ويمكن القول أن الدبلوماسية وحدها ليست كافية لتغيير الحسابات الإيرانية، وإن إيران ستفعل ما تشعر أنه في مصلحتها الأفضل، بغض النظر عن الدعوات والتصريحات التي تحث على ضبط النفس.

وختاماً: يمكن القول إنه من المتوقع أن تتبع إيران استراتيجية "شراء الوقت" للنظر في أفضل الحلول التي يمكن أن تحقق لها أكبر المكاسب وتجنبها المزيد من الخسائر، ولاسيما في ظل الأوضاع المتدهورة في الداخل الإيراني وخاصة على الصعيد الاقتصادي. وبالتالي ليس من مصلحة إيران في هذه المرحلة استعداء واشنطن والقوى الغربية وهي في أمس الحاجة لإصلاح العلاقات معهم من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟