المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

السوق السوداء للدبلوماسية: عوالم القنوات الخلفية في السياسة الخارجية

الإثنين 16/سبتمبر/2024 - 12:32 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
وحدة الدراسات الاقليميىة

صدر حديثاً للدبلوماسي العراقي الدكتور ياسر عبد الحسين كتاب (السوق السوداء للدبلوماسية: عوالم القنوات الخلفية في السياسة الخارجية) عن دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت ٢٠٢٤.

ويتحدث الكتاب في فصوله المتعددة عن أدوار رجالات من غير الدبلوماسيين في العمل الدبلوماسي والوساطة في دراسة نادرة على مستوى المكتبة العربية والأجنبية.

يقدم الكتاب الأستاذ المتمرس في السياسة الخارجية بجامعة بغداد الدكتور أحمد نوري النعيمي والذي يقول في تقديمه: ( يعزى السبب في عدم اختيار الموضوع الأول إلى طبيعة الموضوع، لحداثته وعدم خوض الباحثين لكتابة هذا الموضوع لندرة من كتب عنه، بسبب صعوبة الموضوع وتعقيده، وأجزم في القول إن الباحثين في السياسة الخارجية كانوا بمنأى عن ذلك ليس على مستوى الدراسات في الجامعات العراقية أو الجامعات العربية بل على مستوى الجامعات الأوربية أو الأمريكية، ويمكننا القول في هذا الشأن أنه على مستوى الجامعات الأوربية والأمريكية لم يقدم أساتذة علم السياسة في كتابة ذلك لندرة المصادر، وحتى في كتاباتهم في السياسة الخارجية لم تكن إلا ما ندر في صفحات قليلة عن ذلك.

ويذكر السيد النعيمي بأنه عاد السيد المؤلف بعد أن انقطع عن هذا الموضوع لمدة غير قصيرة حيث غادر العراق إلى مملكة إسبانيا من خلال عمله الدبلوماسي، حيث يشغل حالياً درجة مستشار في وزارة الخارجية، وقد شرع في عملية جمع المعلومات عن موضوع القنوات الخلفية في السياسة الخارجية لمدة تربو على خمس سنوات حيث عاد، وشرع في كتابته بعد أن اطلع على كم هائل من المصادر والمراجع استطاع في نهاية الأمر أن ينهي كتابته.

ويصف البرفسور النعيمي (يعد هذا العمل منجزاً جديداً في حقل السياسة الخارجية يكون بهذا قد سد ثغرة كبيرة في مكتبات الجامعات العراقية والعربية، لا محيص من القول المؤلف قد بذل جهداً كبيراً في كتابة موضوعه، ويعد هذا الكتاب بمثابة مصدر جديد لطلبة السياسة الخارجية بعمله هذا استطاع فيه أن يدخل في فجوات مفردات السياسة الخارجية).

في مقدمة الكتاب يصف المؤلف الدبلوماسي بأنه مثل بقية البشر، كائن رمزي يخضع إلى أنماط جدل الهوية والانتماء، ويخطئ بالواقع والتجربة، ويدخل متاهات وتحديات، كحالة التمييز الطريف بين السياسي والدبلوماسي ربما يكون صحيحاً، إذ أن السياسي هو الشخص الذي يقرر على الفور، التحدث لساعات بشأن قضية ما، من دون حتى التفكير بها، بينما يفكر الدبلوماسي لساعات ليقرر عدم قول أي شيء.

وأمام تحديات العالم الجديد يقول الدبلوماسي العراقي بأنه مع نهاية العزلة والحواجز المجتمعية وأفول السيادة، كل هذه الأسباب تدفع العديد من دول العالم إلى إعادة تأسيس الفكرة القديمة (القنوات الخلفية) وتوظيفها في السياسة الخارجية، هذا العالم الذي ضم كل قنوات الاتصال الرسمية وغير الرسمية، وصعود أنماط القنوات الخلفية Back channels في العلاقات الدولية بشكل بارز، حيث تقوم فلسفة هذه الفكرة على إنشاء قناة اتصال مع حكومات أخرى أو مع ممثلين عن حكومة ما، ولا تمر عبر القنوات الرسمية للبرقيات الدبلوماسية، واستخدام السفراء أو رجال غير الدبلوماسية بعيداً عن الاساليب الرسمية للتواصل.

ويرى المؤلف أن مفاوضات القنوات الخلفية سواء تلك التي مارسها رجال الدبلوماسية المهنية أو تلك التي شغلها رجال الأعمال لإيجاد وساطات، وبدأ الحوار كانت الأداة الأفضل لحل المشكلات العالمية، في حين أصبحت الدبلوماسية السرية معيبة في عصر الدبلوماسية العالمية.

وقد تم صنع العديد من الاتفاقيات التاريخية والمفاوضات الدبلوماسية والتي منعت حروبا عالمية، وتجنب الأزمات من خلال ترتيبات القنوات الخلفية المصممة لتجاوز المؤسسات أو الاتصالات الدبلوماسية العادية التي تم إنشاؤها سابقًا عن قصد، وعن عمد من أجل الوصول إلى حلول تحقق مصلحة الأطراف وخصوصاً عند الوصول إلى مرحلة الانسداد السياسي والقطيعة الدبلوماسية.

رجال الدبلوماسيين الجدد

يتناول الكتاب أدوار رجال مهمين قد نسمع بهم لأول مرة مثل صحفي أمريكي في إنقاذ العالم من قيام حرب عالمية ثالثة، إنه جون سكالي John Sculley  هو فرد لكن له دور كبير في إيقاف الحرب العالمية الثالثة عن طريق دبلوماسية القناة الخلفية، هو صحفي أمريكي في قناة ABC  حيث طلب موظف مرموق في الاستخبارات السوفيتية، وسأل ما إذا أقدم الاتحاد السوفيتي على الانسحاب من جزيرة الخنازير، وهل سوف تقدم الولايات المتحدة الأمريكية على ذات الخطوة لإيقاف الحرب الوشيكة والبحث عن حل دبلوماسي مثلا إزالة أسلحة الاتحاد السوفييتي بإشراف أممي، أو منع كاسترو لاحقاً بعدم دخول هذه الأسلحة مرة أخرى مقابل إعلان أمريكي بأنهم لن يغزو كوبا، وبالتالي جون سكالي لم يكن دبلوماسياً، ولا سياسياً في مركز صناع القرار، وهكذا يمكن لفرد صحفي استطاع الحفاظ على حياة البشر من حرب عالمية جديدة عام 1962، وكذلك أسهمت الرسالة التي كتبها البابا يوحنا الثالث والعشرون تحت عنوان (السلام في الأرض) التي نشرت في الصحافة السوفيتية في إبعاد شبح الحرب، وقد وصف الرئيس ريتشارد نيكسون Richard Nixon أهمية هذه القنوات الخلفية بضرورة أن يقيم الرئيس الأمريكي قناة خلفية بعيدة عن الجهاز البيروقراطي للتفاوض خارج القنوات الرسمية وبعيداً عن عدسات كاميرات.

أو مثلاً شخصية سالم بن ناصر الإسماعيلي رئيس الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات في سلطنة عمان والمستشار المقرب من الراحل قابوس، الذي أسهم في فتح الحوار بين إيران والغرب والذي انتهى لتوقيع الاتفاق النووي في تموز 2015، حيث قام بكثير من الزيارات ملتقياً بالقيادات الإيرانية منذ عام 2009، فضلاً عن تواصل مع الخارجية الأمريكية، وتحديداً مع دنيس روس Dennis Ross ورغبة الإسماعيلي في السعي للتواصل المباشر التفاوضي، فضلاً عن لقاء مع الدبلوماسي جون كيري John Kerry الذي كان آنذاك رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وكانت مسقط بمثابة جنيف العرب لصناعة السلام عبر الاتفاق النووي، ويقال بخصوص مؤتمر أستانة حول الأزمة السورية، كان ورائه رجال أعمال، والتقارب بين روسيا وتركيا عن طريق تاجر تركي، ودور الأديب الكبير غابرييل غارثيا ماركيز Gabriel Garcia Marquez في التقارب بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية.

لماذا هي سوق سوداء؟

شدنا عنوان الكتاب، لماذا هي سوق سوداء؟ .. يجيب المؤلف بأنه قد يكون تعبير السوق السوداء Black market تعبيراً سيئاً في الاقتصاد، لكن قد لا يكون مشابه لذات المفهوم في السياسة الخارجية والعمل الدبلوماسي، ففي المفهوم الاقتصادي تمثل السوق السوداء بكونها السوق التي تتكون من كل التعاملات التجارية التي يتم فيها تجنب كل القوانين الضريبية والتشريعات التجارية وبالتالي التجاوز لكل القواعد التجارية المفروضة من قبل الدولة ولا تعتمد على ذات المعايير المنصوص عليها، لأن هدف المشاركين في هذه السوق هو التهرب من دفع الضرائب على المبيعات أو المشتريات، وفي كثير من الأحيان تكون هذه البضائع مهربة، أي بمعنى أنها دخلت السوق دون تسجليها لدى المؤسسات الرسمية مثل مديرية الجمارك، ولكن أحيانا تنشأ هذه الأسواق بسب عدم قدرة الإنتاج الوطني والاستيراد على تغطية الطلب الداخلي أي بالمفهوم الاقتصادي حصول حالة سوقية يزداد فيها الطلب إلى حد بعيد على العرض، وقد يتقارب هذا المعنى الأخير الحاجة لقيام سوق دبلوماسية سوداء، بالمقابل تفرض الدول عقوبات على المشاركين في أعمال ونشاطات السوق السوداء بسب الأضرار الاقتصادية الكبيرة على الاقتصاد الوطني، لكن في السوق السوداء للدبلوماسية قد تكون هناك مكافآت للمشاركين فيها على حد تعبير المؤلف.

محتويات الكتاب

حمل الفصل الأول في الكتاب موضوع (الكساد في سوق الدبلوماسية المهنية) يتنقد فيها مسارات الدبلوماسية المهنية عن تحقيق الأهداف الخاصة بالدولة، أما الموضوع الثاني فقد تناولها بتعبير (البضاعة الدبلوماسية: طلب دائم بصلاحية منتهية)، ثم يدرس الفصل الثالث مسارات العمل الدبلوماسي.

ثم يأخذ نماذج سياسية هامة، كما يتحدث في فصل (الدبلوماسية في حضرة المعبد)، عن الدور الذي تلعبه الدبلوماسية الدينية في القناة الخلفية، وكذلك لاحقاً عن دور الدبلوماسية الرياضية في القنوات الخلفية ودبلوماسية المناخ، ثم يتناول الكتاب مفهوم القناة الخلفية وكذلك التمييز بين الدبلوماسية السرية ودبلوماسية القنوات الخلفية، ويتناول لاحقاً مثال القناة الخلفية في عهد ويلسون، و أصناف القنوات الخلفية، ثم يتطرق إلى الدبلوماسية السرية في اتفاقية سايكس بيكو، ونماذج متعددة للقنوات الخلفية في أيرلندا، وإسبانيا، وسوريا، وكما يتحدث الكتاب عن مزايا دبلوماسية القنوات الخلفية مستشهداً بالقناة الخلفية في عهد روزفلت، وكذلك سلبيات دبلوماسية القنوات الخلفية، ثم يتناول موضوع كثير الجدل وهو المتعلق الأخلاق في السوق السوداء للدبلوماسية، ودارساً بالتفصيل حالة الصواريخ الكوبية التي وصفها بالدرس الحاسم في القنوات الخلفية، ويكشف عن دور الدبلوماسية الروائية وغابرئيل ماركيز، ولاحقاً تتناول الفصول الأخرى ما أسماه بثورة القنوات الخلفية (كيسنجر- نيكسون)، مفرداً فصلاً عن هنري كيسنجر ودوره في الصين، ثم يرسم فصل في الكتاب عن القنوات الخلفية في الشرق الأوسط، والقنوات الخلفية والمفاوضات النووية الإيرانية، وفي فصل منفرد حمل عنوان الدوحة عاصمة القنوات الخلفية، يتحدث فيه عن الدبلوماسية القطرية، وكذلك عن دور القنوات الخلفية في الصراع العربي- (الإسرائيلي)، وعن استخدام ترامب للقنوات الخلفية، وكذلك دور بنوك التفكير في القنوات الخلفية، وكذلك دبلوماسية بغداد الخلفية بين طهران والرياض.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟