المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات التصعيد: كيف ينعكس هجوم كورسك على مسار الحرب الروسية الأوكرانية؟

الخميس 12/سبتمبر/2024 - 09:23 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

في خطوة تصعيدية جديدة، دخلت كييف وموسكو على خَطي هجوم جديد في صراع يتجاوز الحدود التقليدية بعدما شنت أوكرانيا أول هجوم على الأراضي الروسية منذ بدء الحرب في عام 2022، من خلال آلاف الجنود الأوكرانيين الذين يشاركون في عملية التوغل في منطقة كورسك الروسية بهدف تشتيت قوات موسكو وزعزعة الوضع في روسيا ونقل الحرب داخل روسيا، استنزاف القوات الروسية وزعزعة استقرار البلاد بعد أشهر من التقدم الروسي البطيء عبر خط المواجهة. كما أن كييف ربما شنت الهجوم من أجل تخفيف الضغط على قواتها في أجزاء أخرى من خط المواجهة. إلا أن التوغل الاوكراني في روسيا لم يضعف حتى الآن الهجوم الروسي في شرق أوكرانيا؛ حيث تسيطر موسكو على مزيد من الأراضي منذ أشهر عدة.

وقد أعلن قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي أن قواته سيطرت على ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية، في وقت قالت السلطات الروسية إنها تقوم بإجلاء مزيد من سكان المنطقة. في حين اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا بالسعي إلى زرع الانقسام داخل المجتمع الروسي، وذلك مع استمرار توغل مسلح غير مسبوق في منطقة كورسك داخل الأراضي الروسية. ويبدو أنه بينما كانت روسيا تركز قواتها العسكرية على عدة نقاط رئيسية على خط المواجهة الرئيسي وسط استمرار القتال العنيف، قررت أوكرانيا الاستفادة من الحدود التي لا تخضع لحراسة كافية والعبور إلى الأراضي الروسية.

اتجاهات المواجهة

وفي السياق، ذكر موقع "ريبار" العسكري الروسي إن القوات الأوكرانية ما زالت تحاول توسيع محور تقدمها في مقاطعة كورسك باستخدام ما سماها مجموعات تخريب صغيرة العدد. وأشار الموقع الروسي إلى استمرار المعارك في مناطق حدودية من المقاطعة؛ حيث دفعت القوات الروسية بتعزيزات دون أن تتمكن بعد من تحقيق استقرار في خط المواجهة.

من جانب أوكرانيا، ورغم أن التوغل داخل الأراضي الروسية أدى إلى رفع المعنويات، إلا إنه تسبب أيضًا في قصف المناطق الحدودية من قِبل القوات الروسية التي أكدت تمركز جنود ومعدات هناك، مما دفع إلى إصدار أوامر بإجلاء نحو 20 ألف شخص.، وفي الجنوب الأوكراني، أفاد الحاكم العسكري لمقاطعة خيرسون بمقتل شخص وإصابة 11 جراء قصف صاروخي روسي استهدف بلدات عدة في المقاطعة. وفي الشمال، قالت خدمة الطوارئ الأوكرانية إن فرقها مستمرة في إجلاء سكان 5 مجمعات سكنية في مقاطعة سومي، مع ازدياد ما سمتها الأعمال العدائية للقوات الروسية في المنطقة. كما اعتبر الرئيس الروسي أن الهجوم الأوكراني محاولة من جانب كييف لوقف هجوم موسكو في منطقة دونباس، والحصول على نفوذ في محادثات السلام المستقبلية المحتملة.

وبالتالي؛ يظهر التوغل الأوكراني البري في كورسك أن الصراع قد دخل مرحلة جديدة؛ حيث أصبحت المدن البعيدة عن خطوط المواجهة هدفًا مباشرًا، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات أن تكون الهجمات بداية لتحولات أكبر في طبيعة النزاع خاصة أن اندلاع الحريق بمحطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها روسيا بجنوب أوكرانيا، أعاد إلى الأذهان المخاوف الواسعة من وقوع كارثة نووية كبرى، في خضم التصعيد الراهن بين موسكو وكييف.

ومن ثم، فإن التصعيد الراهن يعد بمثابة اختبارًا للخطوط الحمراء بين طرفي الصراع الممتد منذ فبراير 2022، خاصة مع شن القوات الأوكرانية توغلًا واسعًا في منطقة كورسك الروسية، هو الأكبر من نوعه منذ بدء الحرب، وهي خطوة مفاجئة أدخلت النزاع لمرحلة جديدة من أهمها إعادة النظر وإثارة المخاوف بشأن إمكانية حدوث الكارثة النووية، في حين قد يكون أحد أهم أهداف الوصول لهذه المحطة، هو المساومة على تلك المحطة للضغط على روسيا واستخدامها كورقة للتفاوض المستقبلي مع موسكو.

الرؤية الغربية للتسوية

تمكنت القوات الأوكرانية للمرة الأولى منذ بداية الحرب مع روسيا في فبراير 2022 من التوغل في الأراضي الروسية والسيطرة على نحو ألف كيلومتر مربع، وهذه العملية العسكرية أربكت موسكو التي لم تكن تتوقع مثل هذا الهجوم. ووفق الرؤية الغربية فإن نضال كييف، إذا نجح، قد يؤدي إلى إعادة إشعال شرارة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم والمساعدة في تسريع التحولات السياسية في الدول الأخرى. وأنه على الرغم من أن الحرب الروسية الأوكرانية ليست سوى عرض واحد من أعراض الاتجاهات الدولية المدمرة الأوسع نطاقًا، إلا أن نتائجها سوف تعمل على تحديد اتجاه ومستقبل النظام الدولي.

ومع ذلك، فإن مسار الحرب ونتائجها يمكن أن يؤدي إلى تسريع أو احتواء أو عكس اتجاه التدهور السياسي والاجتماعي والقانوني الأوسع في جميع أنحاء العالم على اعتبار إن انتصار موسكو الجزئي في أوكرانيا من شأنه أن يزعزع بشكل دائم القانون والنظام العالمي والتنظيم الدولي، وقد يثير صراعات مسلحة وسباقات تسلح في أماكن أخرى. وفي المقابل فإن الدفاع الناجح في أوكرانيا ضد التوسع العسكري الروسي من شأنه أن يولد تأثيرات إيجابية بعيدة المدى على الأمن والديمقراطية والرخاء في مختلف أنحاء العالم.

وامتدادًا لذلك، فإن النصر الأوكراني من شأنه أن يؤدي إلى استقرار نظام الأمم المتحدة القائم على القواعد والذي نشأ بعد عام 1945 وتعزز مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989، وأن هذا النصر سيؤدي إلى إحياء الديمقراطية الدولية، بجانب استقرار قواعد النظام الدولي وفق التصور الغربي له، باعتبار أن انتصار أوكرانيا على روسيا لن يكون مجرد حادثة محلية، بل حدث ذو أهمية أوسع بكثير. ويمكن أن يصبح عاملًا مهمًا في تجنب تكرار هذه المشكلات، وعلى العكس من ذلك فإن هزيمة أوكرانيا أو الوصول إلى صيغة السلام غير العادل بين روسيا وأوكرانيا من شأنه أن يعزز النزعة الاستعمارية المغامرة في مختلف أنحاء العالم.

وعلى هذا فإن كفاح أوكرانيا من أجل الاستقلال لا يشكل دفاعًا عن القانون والنظام الدوليين فحسب، بل إنه أيضًا معركة من أجل قضية الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. إن التنافس بين القوى المؤيدة للديمقراطية والمناهضة لها هو صراع عالمي، وقد اشتد بالفعل قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتوازي معها وبشكل مستقل عنها. وفي الوقت نفسه فإن المواجهة بين الاستبداد الروسي والديمقراطية الأوكرانية تعتبر مواجهة ملحمية بشكل خاص. وأنه في حال انتصرت أوكرانيا، فإن التحالف الدولي للديمقراطيات سوف يفوز، وسوف يخسر محور الأنظمة الاستبدادية حول روسيا. وفي هذا السيناريو، لن تصبح الديمقراطيات الأخرى أكثر أمنًا فحسب، بل من المرجح أيضًا أن تظهر المزيد من الديمقراطيات - وفي المقام الأول في عالم ما بعد الشيوعية من أوروبا الشرقية إلى آسيا الوسطى. ومن الممكن أيضًا أن يؤدي الانتشار أو تأثيرات الدومينو إلى إحداث عمليات جديدة أو إعادة الديمقراطية في دول أخرى.

في الختام: يبدو أن أوكرانيا حريصة على أن تظهر لحلفائها من قوى الغرب، خاصةً الولايات المتحدة، أن قواتها قادرة على مواصلة القتال وبما يؤدي إلى تعزيز قوة كييف التفاوضية ولو بصفة مؤقتة، وبالتالي تحتاج إلى مساعدات عسكرية ومالية أكثر لمواصلة الحرب والفوز بها خاصة أن الحرب ستدخل مرحلة جديدة. لكن الأكيد أن هذا الاختراق ساهم بتوسيع الجبهة القتالية، الأمر الذي سيؤدي إلى استنزاف أكثر للقدرات العسكرية للطرفين باعتبار أنه في السابق كانت وحدات قتالية تنفذ عمليات عسكرية مؤقتة ثم تنسحب، لكن هذه المرة هي أول عملية اختراق كبيرة وحقيقية للأراضي الروسية وتسيطر ميدانيًا على هذه الأراضي

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟