تزايدت التكهنات بشأن المواقع الذي ستهدفها إيران أو وكلاؤها ردًا
على الاغتيالات الأخيرة التي قامت بها إسرائيل
لزعيم حماس إسماعيل هنية ونائب حزب الله فؤاد شكر. وبينما تتم مناقشة العديد من
السيناريوهات، إلا أن جميعها تظل في إطار الافتراضات. ومع ذلك، هناك احتمال معين
يستحق دراسة موسعة وهو توجيه ضربة
عسكرية في الشريط الفاصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفيما يتعلق باتجاهات المواجهة الإيرانية الإسرائيلية يمكن
القول إنه لا تقتصر هذه المواجهة بالنسبة لإيران في استهداف إسرائيل على إظهار
القوة على الرد فحسب، بل على ممارسة القوة وإلحاق قدر كبير من الألم والضرر
بالإسرائيليين. ومع ذلك، تواجه إيران مشكلة كبرى، ففي حين أنها قادرة على إلحاق
الضرر من الضربة الأولى، فإنها تفتقر إلى الوسائل العسكرية والقدرة على حماية
نفسها من الضربات الانتقامية من جانب إسرائيل، أو الولايات المتحدة، أو كليهما وبالإضافة
إلى إمكانية اشتراك حلفائهم. ولذلك، فإن السيناريو الأفضل بالنسبة لإيران ينطوي
على توجيه ضربة تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التي تشغل إسرائيل بحيث لا تتمكن من
شن هجوم مضاد فوري أو فعال.
ويمكن الإشارة هنا إلى أنه في 14 أبريل
الماضي، شنت إيران هجومًا محدودًا على إسرائيل ردًّا على قصف قنصليتها في دمشق،
إلا أنه كان دراميًا ودون التوقعات، بعدما اختارت إيران الرد على إسرائيل بشكل
مباشر، وليس عبر وكلائها، وفي ظل حرصها على عدم إشعال صراع إقليمي. وبالتالي يقع
على عاتق المجتمع الدولي إرغام إسرائيل على إنهاء المذابح في غزة، والتخفيف من حدة
ردها على إيران، للحؤول دون اندلاع نزاع إقليمي الذي يسير بخطى متسارعة، على الرغم
من أن جميع الأطراف (باستثناء الحكومة الإسرائيلية) عبروا عن رغبتهم في تجنبه. لا
يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تنفيذ وقف إطلاق النار على صعيد المنطقة ككل.
احتمالات عديدة
قد يكون أحد الأهداف المحددة هو الشريط الضيق من الأرض الواقع
بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وتفصل
هذه الأراضي الإسرائيلية، التي يبلغ طولها حوالي ثمانية وخمسين ميلًا، وتضم حوالي
2.7 مليون عربي في الضفة الغربية، وحوالي 1.8 مليون عربي في غزة؛ حيث يمتلك
الإسرائيليون قواعد عسكرية عديدة في هذه المنطقة لضمان حمايتهم. ومن خلال ضربة
جوية، يمكن لإيران أن تهدف إلى تدمير هذه القواعد العسكرية، على أمل أن يؤدي
الاستياء والغضب المتراكم في الضفة الغربية على مدى الأشهر الثمانية الماضية إلى
ثورة ضد الإسرائيليين. ومن المؤشرات على احتمال استهداف إيران لهذه المنطقة أنه في
قائمة الأهداف التي
نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية باعتبار أنه توجد أربع قواعد عسكرية من أصل سبع
قواعد عسكرية مستهدفة في هذه المنطقة.
تعتمد إيران على احتمال أن يتحول الغضب في الضفة الغربية، جنبًا
إلى جنب مع الصراع المستمر في غزة والتوترات مع حزب الله في الشمال، إلى وضع لا
يمكن السيطرة عليه بالنسبة للقدس. وفي هذا السياق، قد تعتبر إيران هذا الشريط من
الأرض بمثابة "كعب أخيل" لإسرائيل. ومن خلال ممارسة الضغط العسكري على
هذه المنطقة، قد تأمل إيران في خلق فرصة لحركة حماس والفضائل المقاومة في غزة
والفصائل في الضفة الغربية للتواصل أو على الأقل التسبب في المزيد من المشاكل
للجيش الإسرائيلي المنهك. ومن الممكن أن يؤدي هجوم كهذا أيضًا إلى تعريض وسائل
النقل والاتصالات البرية بين شمال وجنوب إسرائيل للخطر، وهو ما يخلق عقبات لوجستية
كبيرة.
ومن المهم أيضًا ملاحظة أن إيران تحاول تسليح الضفة الغربية
بعدما حاولوا تهريب الأسلحة من خلال مهربين أردنيين أو عبر طائرات بدون طيار
بمساعدة حزب الله ووكيله السوري، لواء الإمام الحسين، كما أن هناك احتمال أن تكون
إيران قد نجحت بالفعل في تهريب بعض الأسلحة إلى الضفة الغربية. وفي أعقاب الهجوم،
تأمل إيران أن يؤدي هذا الوضع إلى أعمال عنف واسعة النطاق داخل إسرائيل. ووفق
هذا السيناريو، فإن خطوة إيران التالية قد تكون ترك الفوضى التي ستترتب على ذلك
لحزب الله، وإبقاء إسرائيل مشتتة بينما تعيد إيران تجميع صفوفها أو تسعى لبدء
المفاوضات.
معضلة الاستجابة
على الرغم من إمكانية إلحاق إيران الضرر بإسرائيل وفق هذا
التصور، إلا أن المعضلة التي لا يزال الإيرانيون يواجهونها هي أنه لا يوجد ضمان
بأنه، في مثل هذا السيناريو، سيكون هناك تقسيم للعمل بين الولايات المتحدة
وإسرائيل. ومن خلال هذا التقسيم، ستواجه إسرائيل الاضطرابات في الضفة الغربية
وقطاع غزة والأراضي التابعة لها، في حين ستواجه الولايات المتحدة إيران بشكل
مباشر. وتشكل حالة عدم اليقين هذه تحديًا كبيرًا لإيران، خاصة في ظل الانتخابات
الأمريكية المقبلة باعتبار أن عدم الاستجابة أو الاستجابة الضعيفة في حماية حليف
رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد يكون مكلفًا لحزب الرئيس بايدن ومرشحة
حزبه كامالا هاريس.
وقد يكون الحل الذي تطرحه إيران لمثل هذا السيناريو هو إطلاق
العنان لوكلائها من الفصائل الشيعية لشن هجمات ضد القوات الأميركية في العراق
وسوريا والأردن، ويمكن
القول إن هذا الجزء من الانتقام قد بدأ بالفعل. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر
بمهاجمة القوات الأمريكية، قد يظهر وكلاء إيران في سوريا كلاعبين رئيسيين، حيث أن
القوات الأمريكية في التنف بمحافظة حمص السورية أكثر عرضة للخطر مقارنة بالقوات
الموجودة في العراق. وفي الوقت نفسه، يمكن للحوثيين مواصلة هجماتهم ضد إسرائيل، وضرب ميناء إيلات وتصعيد استهدافهم لحركة
المرور البحرية الدولية في البحر الأحمر، وهو ما قد يتسبب في ارتفاع تكاليف الشحن
وممارسة الضغوط الاقتصادية على الغرب.
ومع ذلك، في حين أن كل هذه الإجراءات يمكن أن تمارس ضغوطًا على
الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن استخدام الوكلاء لا يزال لا يحل مشكلة إيران
الرئيسية: عدم تكافؤ القوى بينها وبين الشراكة الإسرائيلية الأمريكية. وفي هذا
السياق، يجب على إيران أن تكون حذرة من إن أي توظيف متهور للوكلاء يمكن أن يؤدي
إلى رد فعل شديد يعرض شبكة الوكلاء التي أمضت أربعة عقود في بنائها للخطر
والاستهداف والإضعاف، وهذا الأمر لن يضر إيران فحسب، بل سيضر أيضًا بشركائها الدوليين
الرئيسيين الصين وروسيا. ومن شأن الصراع المستمر في البحر الأحمر أن يزيد من تكلفة
التجارة بالنسبة للصين، التي كانت تشكو بالفعل
إلى إيران. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الوكلاء في سوريا يمكن أن يؤدي إلى
توجيه ضربة كبيرة ضد نظام الأسد، مما يعرض جهود روسيا ومكاسبها في سوريا للخطر.
وقد يكون هذا أحد الأسباب وراء الزيارة المفاجئة التي قام بها أمين مجلس الأمن
القومي الروسي سيرغي شويغو إلى طهران. وفي
هذا السياق، من الآمن أن نقول إنه سواء كان القطاع الذي يبلغ طوله ثمانية وخمسين
ميلًا بين الضفة الغربية وغزة يمثل نقطة ضعف إسرائيل أم لا، فإن أي ضربة متهورة
يمكن أن تكشف ضعف إيران.
في الختام: تبنت إيران منذ نهاية الحرب
مع العراق عقيدة أمنية تقوم على تجنب المواجهة المباشرة مع خصومها الأقوياء،
خصوصًا الولايات المتحدة وإسرائيل، واستعاضت عن ذلك بإنشاء وكلاء وتمويلهم، في
إطار حرب وكالة تجنبها الصدام المباشر، على نحو تردع فيه خصومها عن مهاجمتها من
خلال وكلائها في الوقت نفسه، إلا أن ما تشهده المنطقة من تصعيد بين إيران وإسرائيل
يشير إلى أن حرب الظل تخرج إلى العلن وهو ما يعني المواجهة المباشرة وإن كانت
بقواعد اشتباك محددة إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود احتمالية لتصاعد هذه المواجهات
المحدودة إلى حرب إقليمية شاملة.