المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ طه عبد العليم
د‏.‏ طه عبد العليم

القاهرة وموسكو.. شراكة فى عالم متغير

الأحد 15/مارس/2015 - 10:58 ص

بدوافع اقتصادية ووطنية للقاهرة ومنافع تجارية واستراتيجية لموسكو، أعادت حكومة الوفد العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي، حين تحالفت معه بريطانيا وتداعت ذريعة الخطر الشيوعى خلال الحرب العالمية الثانية. وتعاقب صعودٌ نوعى للعلاقات ارتقى الى مستوى التحالف فى عهد جمال عبد الناصر، ثم انكسارٌ مرير فى عهد السادات وإحياءٌ مُقيد فى عهد مبارك. وتشهد العلاقات ارتقاء نوعيا وشاملا بمسعى مشترك بقيادة السيسى وبوتين.

وأسجل أولا، أن مصر- وارتكازا الى ما أتاحته علاقات التعاون الاقتصادى والتقنى والسياسى والعسكرى مع الاتحاد السوفيتى السابق- حققت انتصارات كبرى فى معارك التحرر والتصنيع والتنمية. فبفضل السد العالي، الذى تم بناؤه بالتعاون مع موسكو، تمكنت مصر من الارتقاء بقاعدة الطاقة اللازمة للتصنيع والتنمية، بتوليد أقصى المتاح لإنتاج الكهرباء من المصادر المائية، وبناء أول وأحدث شبكة قومية لتوزيعها، وتمكنت- ولأول مرة- من كبح أهواء فيضان النيل وتقليص هدر مياهه فى البحر، وتعظيم فرص التنمية الزراعية الأفقية والرأسية. وكان إنذار موسكو ضد قوى العدوان الثلاثى على مصر عاملا حاسما لانتصارها فى معركة تأميم قناة السويس؛ فاستردت مصر حقا مغتصبا, وصفت قاعدة الاحتلال وذريعته بتأميم القناة، وفرضت سيادتها الوطنية على أرضها، ووفرت أهم مصدر تمويل وطنى للتصنيع والتنمية. وبفضل اتفاقيات التعاون الاقتصادى والفنى مع موسكو تمكنت مصر من تحقيق انجازات تاريخية فى مشروعها الوطنى للتصنيع المستقل، وضعتها بين أكثر خمسة بلدان تصنيعا فى العالم النامى مع نهاية عهد جمال عبد الناصر.

وثانيا، أن المتغيرات الجوهرية فى النظام العالمى القائم وفى النظامين الروسى والمصرى لن تسمج يقينا باستعادة علاقات التحالف الاستراتيجية التاريخية الفريدةً بين القاهرة؛ قائدة حركة التحرر الوطنى العالمية ورائدة التصنيع المستقل اشتراكى التوجه، وموسكو؛ مركز المنظومة الاشتراكية العالمية وزعيمة المعسكر المعادى للمنظومة الرأسمالية الاستعمارية. ورغم هذا، فإن ثمة دوافع كبرى وآفاقا واعدة لعلاقات الشراكة الجديدة بين القاهرة؛ قاعدة محاربة الفاشية الإرهابية والتكفيرية ومقاومة الفوضى الهدامة، وموسكو؛ وريثة القوة العظمى السوفيتية، والساعية لعالم متعدد الأقطاب. وفى مواجهة ضغوط أمريكية تستهدف تركيع الدولتين أو تفكيكهما إن أمكن!! جاء توجه روسيا للارتقاء بالتعاون مع مصر (الشريك القديم الموثوق به)، بتعبير بوتين، وتوجه مصر للارتقاء بالتعاون مع (صديق استراتيجى فى العلاقات الدولية المتوازنة)، بتعبير السيسي. وأما أهم اتجاهات علاقات التعاون والشراكة الجديدة والواعدة بين القاهرة وموسكو، فقد أوجزها الرئيسان فى كلمتيهما مع انتهاء زيارة بوتين الأخيرة الى القاهرة.

وثالثا، ووفقا لما نشرته روسيا اليوم وجريدة الأهرام، فقد أكد الرئيس بوتين أن روسيا ستبقى شريكا أمينا وصديقا موثوقا به لمصر، وأعلن أن موسكو مستعدة لإنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء فى مصر، مع تدريب الكوادر المصرية على تشغيلها وتطوير المؤسسات والبحوث العلمية؛ ليصبح لدى مصر مشروع متكامل. وبجانب الآفاق الواسعة للتعاون فى مجال الفضاء والسياحة الروسية والغاز الطبيعى والاستثمار المباشر وغيرها، فقد ركز البلدان على التعاون فى مشروعات البنية التحتية والنقل، بجانب التعاون- الأهم فى تقديري- فى مجال صناعة الآلات والصناعات الكيميائية. من جانبه أعلن الرئيس السيسى تمسك البلدين بثوابت العلاقات الاستراتيجية بين مصر وروسيا، والاستمرار فى تعزيز التعاون العسكرى خاصة فى ظل الظروف الراهنة، مؤكداً أن مصر تمد يدها بالصداقة لجميع الدول، التى ساندتها ومازالت تساندها، فى مسيرتها لتحقيق تطلعات شعبها. وأبرز أهمية التعاون فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية، الذى توليه مصر اهتماما خاصا دعما لعملية التنمية وتوفيرا لاحتياجاتها من الطاقة. ومؤكدا ضرورة دفع علاقات التعاون الاقتصادى الثنائى وتيسير التبادل التجاري، أشار الى التوجه لإقامة منطقة للتجارة الحرة بين مصر والاتحاد الجمركى الأوراسي، والبدء فى اقامة المنطقة الصناعية الروسية على محور قناة السويس.

ورابعا، أن روسيا ومصر قد اتفقتا على إنشاء محطة نووية مصرية لتوليد الكهرباء بمنطقة الضبعة، تضم أربعة مفاعلات؛ طاقة كل منها 1200 ميجاوات، وأعلنت روسيا استعدادها لتقديم قرض لتمويل إنشائها. وجاء هذا بعد اتفاق روسيا مع الهند على انشاء 10 مفاعلات نووية إضافية. ولا جدال أنه على مصر-شأن غيرها- تنويع مصادر الطاقة، لكنه يجدر تذكر أن حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، لم تتعد نحو واحد ونصف فى المائة من اجمالى امدادات الطاقة المستهلكة فى العالم، مقابل تضاعف نصيب الطاقة النووية بنحو ثمانى مرات لتصل الى نحو 10 %. وحاليا، فإن 29 دولة تستخدم الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وتوجد 441 محطة طاقة نووية تنتج 14% من الكهرباء فى العالم، و61 محطة جديدة للطاقة النووية قيد الإنشاء فى 15 دولة، وتصل نسبة الاعتماد على الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء الى 78 % فى فرنسا، 39 % فى كوريا الجنوبية، 30% فى اليابان، و 20% فى الولايات المتحدة الأمريكية. وقلت تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية عن ثلث تكلفة الإنتاج بالاعتماد على النفط.

وأسجل أخيرا- ودون ريب- أن ثانى أهم قرار اقتصادى استراتيجى اتخذه السيسى منذ رئاسته هو قرار إنشاء مفاعلات الطاقة النووية بالتعاون مع روسيا؛ بعد قرار تطوير قناة السويس استثمارًا لعبقرية الموقع.. ولكن لنتذكر أن مضاعفة عائد الاستثمار فى مشروعات البنية الأساسية؛ قناة السويس والطاقة النووية والطرق وغيرها، واكتمال نجاح مؤتمر شرم الشيخ لدعم الاقتصاد المصري، لن يتحقق بغير تصنيع مصر؛ سبيلها الي: إيجاد فرص عمل غير محدودة وعالية الانتاجية والدخل، وتعزيز الأمن الاقتصادى المصرى القومى والإنساني، وتصفية الاختلالات الاقتصادية المزمنة، والتنمية المستدامة والتقدم الشامل، والتحرر من التبعية والانكشاف.. وهنا بالذات يكمن وعد التعاون بين القاهرة وموسكو.

وتبقى العلاقات المصرية الروسية فى عالم متغير تستحق مزيدا من التناول. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟