المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ طه عبد العليم
د‏.‏ طه عبد العليم

التحدى الاقتصادى أمام الأمة المصرية

الأحد 03/أغسطس/2014 - 11:20 ص

ليس ابتعادا عما يجرى فى محيط مصر، وإنما استيعاب لحقيقة أن اسقاطها هو الجائزة الكبري، التى تترقبها وتدفع نحوها ذات القوي، التى تشعل الحرائق بجوارها، أواصل تناول التحدى الاقتصادى أمام الأمة المصرية. والأمر أنه بعد اسقاط حكم جماعة الإخوان، الذى هدد مصر: دولة ووطنا وهوية وأمة، تصاعدت جرائمها وغيرها من تنظيمات الفاشية التكفيرية والارهابية للتخريب الاقتصادي. كما تتواصل الضغوط الاقتصادية، وغير الاقتصادية، الأمريكية، فى محاولة خائبة لانقاذ مؤامرة تفكيك مصر مقابل تمكين الجماعة.

وأسجل أولا، أن المكاشفة بالتحديات الجسام التى تجابه الأمة المصرية، ورؤيته التى طرحها باستقامة لمواجهة هذه التحديات، كانت أهم ما اتسمت به كلمة الرئيس السيسى فى حفل تنصيبه. فقد سجل- وبحق- أن مصر تواجه تحديات: ظروف اقتصادية متردية، وعجز ضخم فى موازنة الدولة وديون داخلية وخارجية متراكمة، وسياحة متوقفة ونقص حاد فى موارد الدولة من العملات الصعبة ونزيف فى الاحتياط النقدي، ونقص حاد فى موارد الطاقة وتهديد لأمننا القومى يطال موردا أساسيا من موارد وجود الأمة المصرية، وبطالة متفشية بين أوساط الشباب وواقع اجتماعى لا يقل كارثية عن نظيريه السياسى والاقتصادي.

وفى مواجهة هذه التحديات أعلن- وبحق أيضا- أنه: يتعين النهوض بقطاع الصناعة عصب الاقتصاد المصرى والسبيل الى خلق فرص العمل وتشغيل الشباب، وإصلاح المنظومة التشريعية لتحفيز قطاع الصناعة وتيسير حصول المستثمرين على الأراضى والتراخيص لإقامة المشروعات الصناعية، ووقف تصدير المواد الخام التى تتعين معالجتها وتصنيعها لزيادة القيمة المضافة، وأولوية التنمية الصناعية والتنمية الزراعية.

وأوضح السيسى فى كلمته ذاتها: إن تحقيق التنمية الشاملة بمختلف صورها وشتى مناحيها يتطلب بيئة أمنية مواتية تطمئن رأس المال وتجذب السياحة والاستثمار وتؤمن للمشروعات الصناعية مناخها المناسب. وأضاف أننا سنعمل من خلال محورين أساسيين؛ أحدهما يدشن للمشروعات الوطنية العملاقة مثل مشروع تنمية محور قناة السويس، وإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية وتعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء (وهو ما أراه استيعابا لضرورات تعظيم القيمة المضافة لموقع مصر وبناء قاعدة الطاقة للتصنيع والتنمية). والآخر، إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التى توفر مدخلات عملية التصنيع بما يوفر العملات الصعبة وينهض بالمناطق المهمشة والأكثر فقرا. وانطلاقا من حتمية التعاون الدولى لتسريع التنمية والتصنيع، تعهد السيسى بالتعاون مع كل من أيد وسيؤيد ارادة الشعب المصري، وشدد على التعاون الذى استقر فى وجدان شعوبنا بمشروعات وطنية عملاقة وقاعدة للصناعات الثقيلة (وهو ما أظنه اشارة الى التعاون مع موسكو فى بناء السد العالى وتصنيع مصر).

وثانيا، أن الاختلالات التى يعانيها الاقتصاد المصرى موروثة وإن تفاقمت بعد الثورة المصرية، ولعل أهمها: اختلال هيكل الإنتاج بضعف النمو الصناعى والزراعي، وتشوه وتباطؤ وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، واختلال ميزان وتوزيع التجارة الخارجية وتركيب السلعي، واختلال ميزان المدفوعات، واختلال موازنة الدولة، وتضاعف حجم وعبء الدين العام، وضعف معدلات الإدخار والاستثمار، واختلال الائتمان المصرفي. أضف الى هذا ما تعانيه مصر من فجوات فى موارد: الطاقة والمياه والمعرفة والغذاء، وما تعانيه من مشكلات فائض السكان وتدهور خصائصهم جراء تردى التعليم والصحة والتدريب.

واستنادا الى بيانات البنك المركزى المصري، قبل وبعد الثورة، يلاحظ تفاقم اختلال هيكل الإنتاج، الذى يمثل أساس كل اختلالات الاقتصاد المصري، وهو ما يتضح من تدنى وتراجع مساهمة قطاعات الانتاج السلعي؛ شاملة الصناعة التحويلية والزراعة والكهرباء والبناء والتشييد (وباستبعاد صناعات استخراج البترول والغاز والتعدين وتكرير البترول)، حيث لم تتعد نحو ثلث الناتج المحلى الاجمالي. ويرجع تكريس هذا الاختلال الى تدنى الاستثمار القومى الإجمالي، وتعاظم الاستثمار العقارى على حساب الاستثمار فى الصناعة والزراعة.

وارتفعت قيمة ونسبة عجز الميزان التجارى الى الناتج المحلى الاجمالي. وفى عام 2012/2013، على سبيل المثال، زادت الصادرات من مجموعة المواد الخام بمعدل بلغ أكثر من 11 مثل الصادرات من السلع تامة الصنع، وزادت الصادرات من البترول الخام بأكثر من 25%، انخفضت الصادرات من المنتجات البترولية بنسبة 9%، وتحول فائض ميزان البترول الى عجز وتحولت مصر إلى مستورد صاف للمنتجات البترولية. وبجانب ما سبق، تراجعت قيمة متحصلات الصادرات الخدمية الى قيمة مدفوعات الواردات الخدمية، وتحول نسبة ميزان المعاملات الجارية الى الناتج المحلى الاجمالى من فائض الى عجز، وانخفاض قيمة صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر، واستمرار هزاله فى الصناعة التحويلية والزراعة مقارنة بقطاع البترول، وتدهورت إيرادات السياحة، وتحولت مصر لمستورد صاف للمنتجات البترولية. وفى المحصلة، كان منطقيا أن يتفاقم عجز ميزان المدفوعات، وتتراجع قيمة الجنيه المصري، وتتناقص الاحتياطيات الدولية بحيث صارت تغطى نحو ثلث ما كانت تغطيه من الواردات السلعية.

كما تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة ونسبته الى الناتج المحلى الاجمالي، جراء زيادة النفقات بمعدلات أكبر من الإيرادات. وقد استوعبت نفقات خدمة الدين والدعم والأجور أكثر من 80 % من إجمالى الإنفاق العام، ومثل دعم الطاقة أكثر من 70 % من إجمالى الدعم، بينما استمرت الضرائب المحصلة وعوائد الملكية من هيئة البترول وقناة السويس والبنك المركزى أهم ايرادات الموازنة. وقد تضخم الدين العام نتيجة تعاظم عجز موازنة الدولة، وزادت نسبة الديون الخارجية قصيرة الأجل ومرتفعة العبء لاجمالى الدين الخارجي. وبجانب اخفاقات السياسة الاقتصادية، استمرت العقبة الرئيسية أمام التصنيع والتنمية هى ضعف وتراجع معدلات الادخار والاستثمار، وهو ما تفاقم بتزايد حصة الحكومة من الائتمان المصرفى على حساب قطاع الأعمال.

ويبقى القول بأن مجابهة هذه الاختلالات تتطلب حشد طاقة الأمة المصرية، وهى قادرة- دون ريب- على الاستجابة الخلاقة لمهام مجابهته، وخاصة بتصنيع مصر، وهو ما يستحق تناولا لاحقا. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟