المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

محفزات العودة واستراتيجيات المواجهة: قراءة في تطورات الأوضاع السورية

السبت 11/يناير/2025 - 09:39 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

شنت فصائل المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية أكبر هجوم لها ضد الحكومة السورية منذ سنوات، واستولت على مساحة واسعة من الأراضي شمال غرب سوريا، بما في ذلك معظم مساحة مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، بعد سحب الجيش السوري لقواته، وقد أدت المكاسب العسكرية المفاجئة التي حققتها هيئة تحرير الشام في شمال سوريا، بما في ذلك حلب ــ ثاني أكبر مدينة في سوريا ــ إلى إعادة تسليط الضوء على الحرب الأهلية الكامنة في البلاد، وعلى الرغم من أن هذه التطورات قد ظهرت بصورة سريعة ومفاجئة، إلا أنها متوقعة منذ فترة طويلة باعتبار أن الحكومة السورية أكثر عُرضة لمثل هذه الاضطرابات لسنوات.

وقبل هجوم قوات المعارضة، كان ينظر إلى الأزمة في سوريا كما لو أن الحرب قد انتهت فعليًا بعد استعادة الحكومة السورية السيطرة على المدن بمساعدة روسيا وإيران وقوات مدعومة منها، ومع ذلك، لا تزال أجزاء كبيرة من البلاد خارج سيطرة الحكومة المباشرة. وتشمل هذه الأجزاء مناطق شمالية وشرقية يسيطر عليها تحالف جماعات مسلحة بقيادة الأكراد يحظى بدعم الولايات المتحدة. كما يقع آخر معقل للمعارضة المسلحة في محافظتي حلب وإدلب في الشمال الغربي، والتي تقع على الحدود مع تركيا ويقطنها أكثر من أربعة ملايين شخص. وتسيطر جماعة هيئة تحرير الشام الإرهابية المسلحة على الشمال الغربي، كما يسيطر الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على أراض هناك بدعم من القوات التركية.

أسباب عديدة

يمكن إرجاع أسباب تصاعد التوترات في هذه المنطقة إلى مجموعة من العوامل؛ حيث يتمثل العامل الأول في أنه منذ أكثر من عقد من الزمان، كافح الجيش السوري للحصول على السيطرة الميدانية في الحرب الدائرة هناك، وهذه العملية الاستنزافية أدت إلى تراجع قدراته العسكرية ومعنوياته. وعلى الرغم من استقرار الوضع بشكل ملحوظ لصالح الحكومة السورية منذ عام 2018، إلا أن الجيش السوري لم يحصل على فرصة للتعافي وإعادة ترتيب صفوفه بعد أن كان ينظر إليه باعتباره واحدًا من أكبر جيوش المنطقة، إلا أن تحول الأوضاع الداخلية في السنوات الأخيرة ساهم في إيجاد خليط مجزأ من الفصائل والميليشيات المتأثرة بشدة بالقوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك إيران وروسيا وتركيا.

ومن ناحية أخرى، فمن المحتمل أن يكون تنامي نشاط القوى الخارجية، وإنشاء القواعد وفرض السيطرة في جميع أنحاء البلاد، قد أثر على معنويات الجيش السوري خاصة بعدما تعرضت البنية التحتية للجيش السوري ومراكز القيادة والقواعد لاستهداف مستمر من قبل الغارات الجوية الإسرائيلية على مدى العقد الماضي. وقد أدت مئات من هذه الضربات إلى إضعاف قدرته العملياتية بشكل خطير. وقد وجهت هذه الضغوط الخارجية، إلى جانب تراجع الجيش وتراجع معنوياته، ضربة خطيرة للفعالية الإجمالية للجيش السوري.

من ناحية أخرى يتمثل العامل الثاني وراء التطورات الحالية في سوريا فيما يسمى الإرهاق الأوكراني لروسيا الذي تعاني منه بعد تنامي الدعم الأمريكي والغربي، أو بالأحرى الإجهاد الناجم عن حربها المطولة في أوكرانيا،  ففي عام 2015، عندما أعلنت دعمها للحكومة السورية، لعبت روسيا دورًا محوريًا في استعادة قدرة النظام على التأثير الميداني في مجريات المعارك الدائرة، كما كانت الضربات الجوية الروسية حاسمة في تحويل ميزان المعارك الميدانية، وهو ما سمح للحكومة السورية بدعم من القوات الإيرانية المتحالفة معها بالحصول على اليد العليا في التأثير.

ولكن الوضع اليوم مختلف بصورة جذرية بعدما تحول تركيز روسيا بالكامل تقريبًا إلى المجهود الحربي في أوكرانيا، مع قلة القدرة على توفيرها. ورغم أن روسيا لا تزال تحتفظ بوجود عسكري في سوريا، وأنها شنت المزيد من الضربات الجوية ضد المتمردين، فإن أولوياتها تكمن في الصراع في أوروبا. ويتم توجيه الذخيرة والموارد المحدودة نحو الجبهة الأوكرانية، كما أعيد نشر الكثير من أفراد النخبة العسكرية الروسية، وخاصة القوات الجوية. ولقد أدى هذا التحول في الموارد والتركيز الروسي على أوكرانيا إلى إضعاف قدرة روسيا على دعم الحكومة السورية بنفس الفعالية التي كانت عليها من قبل. ونتيجة لهذا، أدى هذا التحول إلى المزيد من تآكل الروح المعنوية للقوات المسلحة السورية وتشجيع الفصائل المتمردة، التي اغتنمت الفرصة لاستغلال تراجع التركيز الروسي على سوريا.

ويتمثل العامل الثالث في تراجع الدعم الإيراني وتوجيهه ناحية لبنان لمواجهة التصعيد الإسرائيلي؛ حيث عانت سوريا من تراجع دعمها الأساسي والمتمثل في محور المقاومة، يضاف إلى ذلك قد يكون التغيرات التي طرأت على مجريات وديناميكيات هذا التحالف خلال تطورات الأزمة السورية، وقد كان هذا التحالف مكون من شبكة من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران من العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان واليمن ضروريًا لمساعدة الحكومة السورية ودفع تقدمه العسكري. ومع ذلك، في العام الماضي، تغيرت الديناميكيات داخل هذا التحالف بشكل كبير. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، تصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله إلى مستويات غير مسبوقة. وخلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، وجهت إسرائيل ضربات شديدة للقدرات العسكرية لحزب الله. وقُتل ما يقرب من 4000 من مقاتلي حزب الله ونخبته العسكرية والسياسية مثل زعيم حزب الله حسن نصر الله وشخصيات بارزة أخرى، كما تضررت بنية قيادة الجماعة، وعلى الرغم من تعيين قادة جدد، فإن التغيير القيادي ترك بلا شك الميليشيات في حالة شبه مشلولة.

وعلاوة على ذلك، فقد أجبر الصراع المتصاعد مع إسرائيل حزب الله على إعادة توجيه قدر كبير من اهتمامه وموارده نحو لبنان، الأمر الذي أدى إلى تقليل مشاركته الداعمة في سوريا بشكل كبير. وقد أدى هذا التحول إلى خلق فجوة في شبكة دعم نظام الأسد. كما أدى انخفاض الدعم من حزب الله وغيره من العناصر المتحالفة مع إيران إلى تقويض قدرة النظام على الحفاظ على السيطرة ومعالجة التحديات التي يواجهها بشكل فعال.

ويتمثل العامل الرابع في الحالة الداخلية لسوريا، وخاصة داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة، فمنذ عام 2018، تمكن نظام الأسد من استعادة السيطرة على ما يقرب من 70 في المائة من البلاد. ومع ذلك، فقد كافح للحفاظ على السيطرة على المناطق النائية، في حين لا تزال سوريا تواجه تحديات اقتصادية شديدة، ولم تتمكن الحكومة من توفير حتى الخدمات الأساسية مثل إمدادات الطاقة، وهو ما أدى إلى زيادة معاناة العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة منذ سنوات دون وصول موثوق إلى الكهرباء، مما أدى إلى زيادة استياء المواطنين. وقد ساهم هذا الوضع في تصاعد شرارة الاحتجاجات في المناطق التي كانت تعتبر تقليديًا معاقل لدعم الحكومة السورية، كما تكشف هذه المظاهرات عن الفجوة المتزايدة بين المناطق التي كانت تدعم الحكومة السورية. ولم تؤد هذه الأحداث إلى تراجع نفوذ الجيش السوري فقط، بل أدت أيضًا إلى تقويض الاستقرار المؤسسي للنظام وخلق فرص لجماعات المعارضة، بما في ذلك المتمردون وحركة هيئة تحرير الشام، لتعزيز مواقعها.

 

 

اتجاهات عديدة

لا يمكن النظر إلى ما تشهده الساحة السورية بأنها انتهاء لمصير الحكومة السورية فما زالت لديها سبل ومقومات البقاء، ولكي يتمكن من الصمود، يتعين على الحكومة السورية أولًا وقبل كل شيء أن يحافظ الرئيس السوري بشار الأسد على سيطرته على المؤسسة السياسية في دمشق. وأي انقلاب أو تمرد داخلي، وخاصة في الوقت الذي يواجه فيه تهديدًا كبيرًا من المتمردين في الشمال الذي من شأنه في حالة تطوره أن يؤدي إلى انهيار الحكومة بالكامل. ومن ثم فإن الحفاظ على الوحدة الداخلية يشكل أهمية بالغة.

كما يتعين على الحكومة السورية أن يعمل على إبطاء تقدم المتمردين في الأمد القريب من خلال مجموعة من الإجراءات مثل تثبيت خطوط المواجهة مؤقتًا لتعزيز قدرته على حشد الجهود وتعبئة ونشر قواته والحصول على دعم حلفائه لدعم الجيش السوري. فضلاً عن ذلك، قد يسمح ذلك لروسيا بإعادة تقييم موقفها وربما إعادة توجيه المزيد من الموارد إلى سوريا ولو بصورة مؤقتة لمواجهة التهديد الذي يشكله المتمردون. وقد تكون مثل هذه التعزيزات حاسمة بالنسبة للحكومة السورية للحفاظ على الاستقرار الداخلي.

وفي الختام: هناك مجموعة من الأسباب التي يمكن من خلالها وضع تصور حول اتجاهات بقاء الدولة السورية الآن وأكثر من أي وقت مضى، وهو ما يتطلب مزيدًا من التنسيق والتفاهم المتبادل بين إيران وروسيا وتركيا، ومحاولة الوصول إلى تفاهمات داخلية وإقليمية ودولية من شأنها إيجاد عقد جديد بين المكونات السورية الداخلية وبما يحفظ وحدة واستقرار أراضيها.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟