المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مريم عماد
مريم عماد

إفريقيا في قلب الأزمات المتعددة .. تشابك الانهيارات وصراع البقاء السياسي – دراسة حالة السودان

الأربعاء 28/مايو/2025 - 08:15 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

المقدمة

تعيش القارة الإفريقية لحظة فارقة في تاريخها السياسي والاجتماعي، إذ تواجه ما يُعرف بظاهرة "الأزمات المتعددة" أو "الأزمة المركبة " (Polycrisis)، وهي أزمات متزامنة ومتداخلة تشمل مختلف القطاعات الحيوية، وتؤدي إلى تآكل بنية الدولة وتفكك المجتمع. يشمل هذا المفهوم الانهيارات السياسية، والاضطرابات الاقتصادية، والضغوط البيئية، والانفجارات الاجتماعية. ويُعد السودان من أبرز النماذج التي تجسد هذه الظاهرة، حيث أدى تراكم الأزمات إلى حالة من الانهيار الشامل. تسعى هذه الدراسة إلى تحليل مفهوم الأزمات المتعددة في إفريقيا من خلال تفكيك الحالة السودانية، وبيان التداخل البنيوي بين الأزمات وتأثيرها على الاستقرار السياسي والاجتماعي.

أولاً- الإطار النظري – مفهوم الأزمات المتعددة  (Polycrisis)

يشير مفهوم "الأزمات المتعددة" أو Polycrisisإلى تراكب عدد من الأزمات المختلفة والمتزامنة التي تؤثر على أنظمة متعددة، بحيث تتفاعل هذه الأزمات بطريقة تضاعف من آثار كل واحدة منها، وتنتج أزمة مركبة جديدة أكثر خطورة.

لا يمكن فهم أو معالجة كل أزمة على حدة لأن الترابط بينها يُنتج واقعًا مركبًا يتجاوز قدرة أدوات التحليل والسياسات التقليدية.

وقد استخدم هذا المفهوم لأول مرة في السياق الأوروبي على لسان جان كلود يونكر، ثم تطور في الأدبيات السياسية ليشمل حالات عالم الجنوب، لا سيما في البيئات الهشة مثل إفريقيا.

السمات الرئيسية لـ Polycrisis

التزامن الزمني: الأزمات تحدث في الوقت نفسه وتضغط على أجهزة الدولة.

التداخل البنيوي: تتفاعل الأزمات فتنتج أزمات جديدة.

الطابع المعولم: تتجاوز الأزمات حدود الدولة إلى الجوار الإقليمي والدولي.

تشويش صنع القرار: تصعّب قدرة النخب على إدارة الدولة وتحديد الأولويات.

ثانيًا- تجليات الأزمات المتعددة في إفريقيا

سياسيًا:

·      تراجع الشرعية السياسية وصعود الانقلابات.

·      ضعف الدولة المركزية وفقدان السيطرة على الأطراف.

اقتصاديًا:

·      ارتفاع معدلات الفقر والتضخم.

·      أزمة ديون خارجية وتآكل القطاعات الإنتاجية.

اجتماعيًا:

·      بطالة مرتفعة، وتضاؤل فرص التعليم والخدمات.

·      تنامي الهجرة الداخلية والخارجية.

بيئيًا:

·      التصحر والجفاف وتغير أنماط الأمطار.

·      النزاعات على الموارد الطبيعية.

أمنيًا:

·      تمدد الجماعات المسلحة.

·      ضعف الجيوش الوطنية وعسكرة المجتمع.

ثالثًا- السودان كنموذج للأزمات المتعددة  (Polycrisis)

1.     الخلفية السياسية:

بعد عقود من حكم عمر البشير، اندلعت ثورة شعبية في ديسمبر 2018.

أعقبها تشكيل مجلس سيادي من المدنيين والعسكريين، قبل أن يُطيح العسكر بشركائهم في أكتوبر 2021.

ثم انفجرت الحرب في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، مما أدخل البلاد في نزاع مسلح شامل.

2.     تداخل الأزمات:

سياسيًا:

·      غياب سلطة مركزية شرعية.

·      صراع بين مؤسسات الدولة وانقسام عمودي في السلطة.

اقتصاديًا:

·      انهيار العملة، وتوقف القطاعات الإنتاجية.

·      أزمة في الغذاء والوقود، وتضخم تجاوز 300% في بعض الفترات.

اجتماعيًا:

·      نزوح داخلي تجاوز 8 ملايين شخص.

·      انهيار المؤسسات التعليمية والصحية.

بيئيًا:

·      مواسم جفاف حادة، فيضانات مدمرة، وانعدام القدرة على الاستجابة.

أمنيًا:

·      حرب أهلية شاملة، غياب الأمن، انفلات السلاح.

3.     التفاعل المتسلسل للأزمات في ضوء مفهوم  Polycrisis

Ø   الحرب المسلحة أدت إلى نزوح جماعي، مما زاد الضغط على الموارد.

Ø   النزوح والفقر عززا من فرص التجنيد في الميليشيات.

Ø   انهيار الاقتصاد أدى إلى تفكك العقد الاجتماعي.

Ø   تفاعل هذه الأزمات أدى إلى فقدان الدولة قدرتها على الوجود في عدة مناطق، مما يجعل من السودان نموذجًا حيًا للأزمة المركبة.

رابعًا- التفاعل الدولي والإقليمي مع الأزمة السودانية

الدور الدولي:

Ø   انقسام المواقف الدولية بين دعم الانتقال الديمقراطي أو دعم أطراف الصراع.

Ø   عجز الأمم المتحدة عن فرض حل شامل بسبب تضارب المصالح بين الأعضاء الدائمين.

الدور الاقليمي:

Ø   تدخلات من بعض الدول الخليجية ومصر وإثيوبيا، تُغذي الصراع أحيانًا وتُعيق التسوية.

Ø   ضعف الاتحاد الإفريقي وفقدان آليات فاعلة للوساطة.

خامسًا- النتائج

·      السودان يُظهر كيف يؤدي التراكم غير المعالج للأزمات إلى تفكك الدولة.

·      السياسات الدولية القائمة على إدارة الأزمات (بدلاً من حلّها جذريًا) تزيد الوضع سوءًا.

·      الحاجة إلى استراتيجية شاملة تربط بين: الأمن – التنمية – الحكم الرشيد – العدالة الاجتماعية.

·      يجب التعامل مع الأزمات وفق منطق الأزمة المركبة (Polycrisis) وليس الفصل بين أبعادها.

الخاتمة

إن الأزمات المتعددة التي تعصف بإفريقيا، والسودان تحديدًا، تُحتّم إعادة النظر في آليات فهم وإدارة الأزمات على المستويين المحلي والدولي.

فبدلاً من المقاربات المجزأة، يجب اعتماد رؤية تكاملية تُدرك الترابط البنيوي بين مختلف الأزمات، وتُركّز على بناء دولة قادرة على الصمود، لا فقط البقاء المؤقت.

لا يمكن لأي مشروع سياسي أن ينجح دون معالجة اقتصادية عادلة، وعدالة بيئية، ومصالحة اجتماعية شاملة.

إن مفهوم Polycrisis يقدم إطارًا نظريًا ضروريًا لفهم طبيعة الأزمة السودانية وأمثالها، ويُحتم مقاربة شاملة تتجاوز المعالجات التقليدية المجزأة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟