المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
أحمد مهدي
أحمد مهدي

مصر بين إيران وتركيا .. لعبة توازن مصيرية في قلب الشرق الأوسط

الأربعاء 04/يونيو/2025 - 04:15 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

في قلب منطقة الشرق الأوسط، حيث تتشابك المصالح السياسية والجيوستراتيجية، تبرز مصر كلاعب رئيسي لا يمكن إغفاله في معادلات القوى الإقليمية. العلاقات المصرية مع كل من إيران وتركيا ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تاريخ طويل من التوتر والتنافس، إلا أن التحولات الأخيرة تشير إلى وجود محاولات لإعادة رسم خطوط التفاهم والتفاعل، وهو ما يتطلب قراءة دقيقة ومتعمقة.

الثنائية الإيرانية التركية

لطالما شكلت إيران تحديًا استراتيجيًا لمصر، ليس فقط بسبب الاختلافات الطائفية والأيديولوجية، بل أيضًا لأن طهران لعبت دورًا فعالًا في دعم جماعات إقليمية تنشط في مناطق نفوذ مصر التقليدية، مثل لبنان وسوريا وليبيا. مع ذلك، فقد شهدنا في الآونة الأخيرة مؤشرات على رغبة إيرانية في تجاوز حالة العزلة السياسية والاقتصادية التي تعاني منها، ومحاولة بناء جسور دبلوماسية مع القاهرة. من وجهة نظر مصرية، يشكل هذا التقارب فرصة مهمة لإعادة ضبط التوازنات الإقليمية، واستغلال أي حوار محتمل لكبح التأثيرات السلبية التي تمارسها إيران في ملفات أمنية حساسة.

على الجانب الآخر، تمتلك تركيا طموحات إقليمية واضحة، وتجلى ذلك في سياساتها النشطة خلال العقد الماضي والتي أثارت توترات مع مصر في عدة ساحات إقليمية، خاصة في ليبيا وسوريا. غير أن الضغوط الاقتصادية والسياسية التي واجهتها أنقرة دفعتها نحو مراجعة بعض مواقفها، واتجهت إلى تبني سياسة أكثر براغماتية مع القاهرة. ترى مصر أن إقامة علاقة مستقرة نسبياً مع تركيا تحمل في طياتها فرصًا اقتصادية وأمنية، لا سيما فيما يتعلق بملفات شرق المتوسط والطاقة البحرية التي أصبحت محط أنظار إقليمية ودولية.

استثمار التناقضات

يبقى التحدي الأكبر في هذه العلاقة المركبة هو كيفية استثمار التناقضات بين إيران وتركيا لصالح مصر، دون أن تنجر القاهرة إلى صراعات قد تؤثر على استقرارها الداخلي ومصالحها الحيوية. فالمشهد الإقليمي ليس مسرحًا للصداقات الدائمة، وإنما شبكة علاقات متقلبة تحكمها المصالح المؤقتة. ولذلك، تعتمد مصر في تعاملها مع الملفين على مبدأ المرونة الحذرة، حيث تحرص على بناء قنوات تواصل مع الأطراف المختلفة، مع الحفاظ على علاقات قوية مع حلفائها التقليديين في الولايات المتحدة ودول الخليج.

حضور المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، في الاجتماع الثلاثي الذي جمع مصر وإيران يمثل مؤشراً استراتيجياً مهماً يعكس الأبعاد المتعددة للملف النووي الإيراني في سياق العلاقات الإقليمية. فمصر، بوصفها دولة ذات ثقل إقليمي وسياسي، تتبنى موقفاً حذراً ومتوازناً تجاه هذا الملف الحساس، حيث تسعى القاهرة إلى تعزيز استقرار المنطقة ومنع أي تصعيد محتمل قد ينعكس سلباً على الأمن الإقليمي.

الملف النووي الإيراني يشكل محوراً أساسياً في السياسة الدولية والإقليمية، ليس فقط بسبب المخاوف الأمنية من انتشار الأسلحة النووية، وإنما أيضاً لأن ملف الطاقة النووية السلمية يرتبط بحقوق الدول في تطوير تقنياتها، ما يجعل ملف إيران معقداً ويحتاج إلى حلول دبلوماسية متوازنة. مشاركة مصر في هذا الحوار، عبر اجتماعها مع إيران وبحضور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد تعكس رغبتها في لعب دور الوسيط البناء، الذي يساهم في دعم الحلول السلمية ويعزز من آليات الرقابة الدولية.

يمكن لمصر أن تستثمر هذه الفرصة لتؤكد على التزامها بمبادئ عدم الانتشار النووي، ودعمها للوكالة الدولية كهيئة رقابية، في الوقت الذي تعزز فيه مكانتها كطرف معتدل ومسؤول في المنطقة. دور القاهرة قد يتسع ليشمل المبادرة بحوارات إقليمية أكثر شمولاً تهدف إلى بناء الثقة وتقليل المخاطر المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، بما يخدم مصالح الأمن الجماعي ويمنع سباق تسلح نووي محتمل في الشرق الأوسط.

متطلبات التوازن

في هذا السياق، تبرز قضية البحر الأحمر كأحد أهم محاور التفاعل الجيوسياسي بين مصر وإيران. الاتفاق غير المعلن، أو التفاهمات المبدئية التي تسرّبت عن وجود نية للتنسيق الأمني والاقتصادي في هذا الممر المائي الحيوي، تعكس إدراكاً متبادلاً لحساسية الموقع وخطورته على الملاحة الدولية وعلى أمن الطاقة العالمي. بالنسبة لمصر، فإن البحر الأحمر ليس فقط بوابة قناة السويس، بل شريان حيوي لأمنها القومي، وهي لا يمكن أن تسمح بأي ترتيبات مريبة تهدد مصالحها فيه. أما بالنسبة لإيران، فإن وجود قدم لها في هذا الممر، ولو عبر حلفاء غير مباشرين، يشكل ورقة ضغط استراتيجية في مواجهة واشنطن وتل أبيب. من هنا، فإن أي تفاهم مصري-إيراني حول البحر الأحمر يجب أن يكون محسوباً بدقة، بحيث لا يُفسر على أنه تراجع من القاهرة، بل خطوة استباقية لحماية المجال الحيوي المصري وضمان التوازن الإقليمي في واحد من أكثر النقاط اشتعالاً في العالم.

هذا التوازن الدقيق يتطلب دبلوماسية ذكية وفعالة، قادرة على التقاط فرص التعاون وتقليل المخاطر من خلال حوار مستمر ومفاوضات مبنية على الثقة المتبادلة. مصر تدرك أن أي خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى تعقيد الأوضاع، لكنها في الوقت نفسه تدرك أهمية استثمار اللحظة الراهنة التي تشهد فيها المنطقة تغيرات جوهرية قد تفتح أبوابًا جديدة للتفاهم والتعاون.

في ظل هذا الواقع، يبرز الرهان الأكبر على قدرة القاهرة في تقديم نفسها كقوة إقليمية معتدلة وقادرة على لعب دور الوسيط الموثوق، الذي يسعى للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة تموج بالتحديات والصراعات. ولا يمكننا تجاهل أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد بشكل كبير على قدرة مصر على قراءة المشهد الدولي والإقليمي بشكل متوازن، والاحتفاظ بمرونة في التفاعل مع المتغيرات المستجدة، مع الحرص على عدم الانحياز الأعمى لطرف على حساب آخر.

في النهاية، تتجلى رؤية مصر في بناء علاقات قائمة على المصالح الواضحة والمتبادلة، مع إدارة دقيقة للتناقضات التي لا يمكن إلغاؤها. التحرك ضمن هذا الإطار يمنح القاهرة فرصة لتثبيت مكانتها كقوة استقرار في الشرق الأوسط، وتمكينها من لعب دور فاعل في إعادة صياغة مستقبل الإقليم بما يخدم مصالحها الوطنية ويعزز أمنها القومي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟