محددات التدخل: لماذا اتجهت إسرائيل للتصعيد في الضفة الغربية؟
بموازاة الجبهات المشتعلة في غزة
ولبنان واليمن وارتفاع منسوب التوتر بمنطقة الشرق الأوسط، اتجه الجيش الإسرائيلي
إلى تعزيز عملياته العسكرية في الضفة الغربية؛ وقد شهدت الضفة الغربية جولات من
التصعيد كان آخرها عملية السور الواقي في 2002، في حين أطلق الجيش الإسرائيلي وفق
ما أعلنه عملية عسكرية واسعة لمكافحة الإرهاب في طولكرم وجنين ومخيم الفارعة في
الأغوار.
وتنفذ القوات الإسرائيلية عمليات
ومداهمات في مدن الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، كما تشهد مناطق
مختلفة بالضفة الغربية تصاعدًا في وتيرة أعمال العنف منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل
وحركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، وتعد هذه العملية الأكبر منذ بداية حرب
غزة، إذ تتم تحت غطاء جوي كامل خاصة المسيرات، وبمشاركة قوات من الشاباك وحرس
الحدود.
وقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه
بدأ في تنفيذ عملية عسكرية واسعة تستهدف مسلحين في جنين وطولكرم وطوباس شمال الضفة
الغربية المحتلة، في حين أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية تصديها للاقتحامات
وتنفيذ عمليات نوعية لمواجهة الجيش الإسرائيلي؛ حيث أدت لسقوط قتلى وجرحى
فلسطينيين.
الجدير بالذكر أن هذا التصعيد يتزامن
مع مجموعة من المتغيرات بالغة الدلالة، فهناك مفاوضات لوقف الحرب بشأن غزة، وجبهة
شمالية متوترة مع حزب الله اللبناني، وتهديدات إيرانية متواصلة بشأن الانتقام
لاغتيال زعيم حركة حماس السابق إسماعيل هنية. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن
العملية العسكرية واسعة النطاق التي بدأتها إسرائيل في الضفة الغربية تهدد بشكل
خطير بمفاقمة الوضع الكارثي، فيما فرضت واشنطن عقوبات على منظمة إسرائيلية وفرضت
الولايات المتحدة عقوبات على منظمة إسرائيلية غير ربحية ومسؤول يهودي عن الأمن في
مستوطنة بالضفة الغربية، في أحدث جهد من واشنطن لمعاقبة المستوطنين اليهود الذين
تتهمهم بالتطرف وممارسة العنف ضد الفلسطينيين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية
ماثيو ميلر إن منظمة هاشومير يوش غير الحكومية التي تقول إنها تساعد في حماية
المستوطنين قدمت دعمًا ملموسًا لبؤرة استيطانية مقامة دون تصريح في الضفة الغربية وتخضع
بالفعل لعقوبات.
مواقف متباينة
اتهم الجانب الإسرائيلي على لسان وزير
الخارجية يسرائيل كاتس إيران بالسعي لإنشاء جبهة ضد إسرائيل في الضفة الغربية، على
غرار غزة ولبنان، من خلال تمويل وتسليح المقاتلين، حسب تعبيره، مؤكدًا ضرورة أن
يتعامل الجيش مع التهديد بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع غزة بما في ذلك الإجلاء
المؤقت للسكان.
من جهتها، قال حركة حماس إن العملية
العسكرية الموسّعة للجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية هي محاولة عملية لتنفيذ مخططات
حكومة المتطرفين، وتوسيع الحرب القائمة في قطاع غزة. وأن هذا التصعيد جاء كنتيجة طبيعية للصمت الدولي عن انتهاكات إسرائيل
الصارخة لكافة القوانين الدولية، واستهدافها المتعمد للمدنيين العزل.
كما أعلنت السلطة الفلسطينية إن الحرب
الإسرائيلية المتصاعدة في الضفة الغربية، إلى جانب حرب الإبادة في قطاع غزة، ستؤدي
إلى نتائج وخيمة وخطيرة سيدفع ثمنها الجميع. تتحمل مسئوليته
سلطات الاحتلال والجانب الأميركي الذي يوفر الحماية والدعم لهذا الاحتلال.
وضمن السياق ذاته أعلنت مصر والأردن
إدانتهما لهذا التصعيد ورفضهما الكامل والمطلق لأي إجراءات إسرائيلية من شأنها أن
تفرض واقعًا مرتبطًا بأي هجرة أو تحرك للسكان خارج قطاع غزة وخارج الضفة الغربية
وخارج فلسطين المحتلة باتجاه دول المنطقة خاصة مصر والأردن.
ويذكر أن هذا التصعيد جاء بالتزامن مع انعقاد جولة من جولات
الوساطة للتوصل الى هدنة في قطاع غزة بعد أكثر من عشرة أشهر من الحرب؛ حيث لا يزال
الوسطاء بين إسرائيل وحماس يدفعون نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار يشمل
إطلاق سراح رهائن مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين تحتجزهم إسرائيل
.
أهداف إسرائيلية
يتمثل الهدف الرئيسي من تنفيذ هذه
العملية وفق ما أعلنه وزير الخارجية الإسرائيلي في مواجهة إيران التي تعمل في
الضفة الغربية من خلال تمويل وتسليح الإرهابيين وتهريب الأسلحة المتطورة عبر
الأردن، وأنه يجب التعامل مع هذا التهديد بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع
البنية التحتية للإرهاب في غزة، بما في ذلك الإخلاء المؤقت للسكان الفلسطينيين وتنفيذ
أي خطوة ضرورية أخرى.
وتستند العملية العسكرية الإسرائيلية
في الضفة على مزاعم وجود خلايا جديدة تابعة لإيران يتم تشكيلها في الضفة الغربية
من عناصر حركة حماس والجهاد الإسلامي، وأن طهران تسعى إلى تأسيس خلايا جديدة لتكون
على غرار حماس، في الضفة الغربية، وتزويدهم بالأموال والتكنولوجيا والمتفجرات
والأسلحة بعدما تصاعدت العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي خاصة في
شمال الضفة، كما أنهم سيطروا على المخيمات التي يتم من خلالها تنفيذ هجمات في
الضفة الغربية وإسرائيل، بالإضافة إلى ذلك وفي ضوء سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتانياهو لتقويض السلطة الفلسطينية والقضاء عليها، فلن تكون هذه العملية
الأخيرة في سلسلة التصعيد الإسرائيلي خاصة وأن ما يجري يهدف إلى إضعاف للسلطة
الفلسطينية وكسر هيبتها بجانب إخراج الفلسطينيين من المخيمات وبناء مستوطنات جديدة.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن الضفة الغربية تحتوي على عدة مخيمات
للاجئين، تؤوي عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين نزحوا من منازلهم التي كانت في
مناطق أصبحت اليوم ضمن المناطق الإسرائيلية؛ حيث تشهد هذه المخيمات مستويات مرتفعة
من الفقر والبطالة، خاصة بين الشباب. وقد أصبحت هذه المخيمات،
ومخيم جنين على وجه الخصوص وفق التصور الإسرائيلي قواعد للعديد من الجماعات
الفلسطينية المسلحة الجديدة. ووفق الاستراتيجية الإسرائيلية التي أقرها اليمين
المتطرف فإن تل أبيب تخطط لتصفية القضية الفلسطينية وفق ما يعرف بـــ"خطة
الحسم"، والتي تضم أربع مراحل تبدأ بإحداث فوضى في الضفة الغربية، ثم إسقاط
السلطة الفلسطينية، يليها تصفية الحركة القومية الفلسطينية، ثم المرحلة الرابعة
والمتمثلة في ترحيل الفلسطينيين. ومن ثم فإن ما يجري في الضفة الغربية ليس فقط من
تداعيات الحرب في غزة وإنما هو تنفيذ لإستراتيجية بدأتها إسرائيل قبل سنوات لإخلاء
الضفة من أهلها.
وتمثل هذه الأهداف وفق رؤية اليمين
المتطرف بالسعي نحو تطبيق نموذج غزة في الضفة، بما في ذلك إجلاء السكان عن
المخيمات لتدمير البنى التحتية، وهو ما يتقاطع مع دعوات وزراء اليمين، خاصة
سموتريتش وبن غفير، لإزالة كل مخيمات الضفة الغربية واستغلال الحرب على قطاع غزة
في تنفيذ خطتهم لتصفية القضية الفلسطينية. كما ترى أجهزة الأمن في إسرائيل إمكانية
قيام مسلحين بهجوم منظم ضد المستوطنات شمالي الضفة الغربية، وذهبت التقديرات
الإسرائيلية إلى أن الهجوم قد ينطلق من مدينة طولكرم.
في الختام: باتت إسرائيل تستخدم
استراتيجية جديدة تتمثل في تنفيذ ضربات استباقية في الجبهات التي من المحتمل أن
تشهد توترًا أمنيًا وعسكريًا، خاصة بعدما راهنت حماس في حربها مع إسرائيل كثيرًا
على جبهتي الضفة الغربية ولبنان لمواجهة إسرائيل، إلا أن العمليات العسكرية
الإسرائيلية وتوسيع نطاقها سيؤدي إلى عدم قدرة حماس للحصول على أي تنازلات من
إسرائيل وحكومتها في المفاوضات الجارية، كما أن العمليات العسكرية في الضفة ستمكن
نتنياهو من فرض شروطه لوقف الحرب في غزة؛ حيث تسعى إسرائيل إلى تأمين جميع الجبهات، بحيث يكون أي اتفاق مع حماس
سيرتكز على الدفع في اتجاه وقف نشاطاتها المسلحة في غزة والضفة الغربية، مقابل وقف
إسرائيل للعمليات العسكرية في المنطقتين، وهو الأمر الذي يمثل سابقة من نوعها في
تاريخ اتفاقيات التهدئة بين الجانبين.