اتجاهات المواجهة: التصعيد الإسرائيلي مع حزب الله والتحول في مراكز الثقل
أعلنت السلطات الإسرائيلية، توسيع
أهداف الحرب الحالية في غزة، لتشمل عودة مواطني الشمال إلى منازلهم قرب الحدود مع
لبنان، في خطوة يمكن اعتبارها بمثابة مسار تمهيدي لاحتمال شن هجوم ضد حزب الله
اللبناني؛ حيث تأتي وتأتي هذه التوجهات وسط تصاعد الهجمات بين حزب الله وإسرائيل،
مما أدى إلى تزايد التوترات في المنطقة، والتي بدأت عقب هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر
الماضي.
وفي أحدث التطورات، شهدت مناطق لبنانية
عدة، خاصة الضاحية الجنوبية لبيروت، سلسلة من الحوادث المفاجئة، حين انفجرت بشكل
متزامن أجهزة اتصالات محمولة "بيجر" يستخدمها عناصر من حزب الله في البقاع
والنبطية والحوش وبنت جبيل وصور بالإضافة إلى عدد من المناطق السورية. وهو ما أدى
إلى سقوط قتلى ومئات الجرحى بجانب تعرض سفير إيران في بيروت مجتبى أماني للإصابة. ومن
جانبه، ألقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي باللوم على إسرائيل في التفجيرات،
واصفًا إياها بـدولة الإرهاب الإسرائيلي، وذلك في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية
اللبناني عبدالله بوحبيب، في حين تعهد حزب الله بمواصلة عملياته العسكرية ضد
إسرائيل إسنادًا لقطاع غزة" غداة انفجار أجهزة البيجر التي ساهمت في تعطيل نظام
القيادة والسيطرة العسكرية لحزب الله.
وعلى خلفية هذه الأحداث تحولت بوصلة
العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى مناطق الشمال بما يؤشر على تغير مركز الثقل
للجيش الإسرائيلي بعدما اقترب من إتمام مهامه في الحرب في غزة، وتحول وتيرة
الاستهداف إلى تغيرات في قواعد الاشتباك.
خطة إسرائيلية
يمارس قائد المنطقة الشمالية في الجيش
الإسرائيلي، أوري غوردين الضغوط على القادة من أجل الموافقة على تنفيذ هجوم بري
جنوبي لبنان بهدف إنشاء منطقة عازلة، وذلك بعدما نزح أكثر من 70 ألف في إسرائيل، وهو
ما يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نقل مراكز الثقل من غزة بعد إطلاق ما يعرف
بخطة الجنرالات فيما يتعلق بتمهيد الأوضاع لإدارة قطاع غزة؛ حيث تهدف إسرائيل من
وراء إنشاء منطقة عازلة إلى السعي لتفريغ القرى الحدودية من سكانها. لكن هذا الأمر
لا يحل المشكلة الإسرائيلية، إنما يحل جزءً منها، بحيث إنه يمنع خطر التسلل للحدود
الإسرائيلية. خاصة أن هذه الخطوة تهدف إزالة التهديد وإبعاد قوات حزب الله، حتى لا
تشكل تهديدًا على سكان الشمال، بالإضافة إلى تشكيل مساحة للضغط من أجل التوصل إلى
تسوية دائمة، وهذه الخطوة ستدفع حزب الله للتوصل إلى تسوية مقابل انسحاب الجيش من
المنطقة.
وفي ظل عدم قدرة إسرائيل على تكبُّد
التكلفة البشرية للاجتياح البري، فربما لا تتجه إلى أن انتهاج هذا المسار والقيام بعمليات
إنزال بري أو بحري بهدف قطع خطوط الإمداد لحزب الله من سوريا من ناحية الجولان،
ولكن بالنهاية كل هذه توقعات وكل الاحتمالات مفتوحة في يمكن أن يحدث على الجبهة
الداخلية الإسرائيلية.
من ناحية أخرى، تصاعدت التسريبات حول
وجود خلافات داخلية إسرائيلية حول هذه العملية؛ حيث ظهرت الخلافات بين نتنياهو وجالانت
بشأن احتمال شن حرب واسعة على لبنان وعدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق مع حركة حماس
لتبادل الأسرى ووقف إطلاق نار بقطاع غزة. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إقالة وزير
الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت رئيس وتعيين جدعون
ساعر رئيس حزب أمل جديد بدلًا من جالانت، باعتبار أن جالانت يؤيد استنفاد المساعي
الدبلوماسية لاحتواء الأزمة مع حزب الله، بينما يرغب نتنياهو في شن حملة عسكرية
واسعة النطاق. كما يرى أن أي عملية عسكرية في لبنان ستمس
باحتمال إعادة الأسرى الإسرائيليين بقطاع غزة؛ لأن الجيش سيضطر إلى نقل قوات من
قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان. فيمكن لهذه التغييرات في
القيادة العسكرية أن تؤثر سلبًا على جهود استعادة الرهائن كما أنها ستعزز من فرص
التصعيد الإقليمي وتوسيع دائرة العمليات العسكرية.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن الحديث عن إنشاء منطقة آمنة والحزام
الآمن يعيد إلى الواجهة القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006 الذي ينهي الحرب التي
شنتها إسرائيل آنذاك، وفيه دعا مجلس الأمن الدولي لبنان وإسرائيل إلى وقف دائم
لإطلاق النار استنادًا إلى عدد من المبادئ والعناصر التي تدعم الاحترام الكامل بالخط
الأزرق، واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء
منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة،
بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
اتجاهات متعددة
أعلنت إسرائيل عن توسيع أهداف حربها
المستمرة منذ قرابة العام، مع حركة حماس في غزة لتشمل الجبهة مع حزب الله، على طول
حدودها الشمالية مع لبنان، وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو
إنّ الحكومة الأمنية المصغّرة قرّرت في 17 سبتمبر الجاري، توسيع أهداف الحرب
الراهنة لتشمل إعادة سكان شمال إسرائيل، إلى بيوتهم بعدما نزحوا عنها، بسبب القصف
المتبادل مع حزب الله اللبناني.
على الجانب الآخر، حذرت الولايات
المتحدة، إسرائيل، من شن حرب ضد لبنان، وذلك على لسان مستشار الرئيس جو بايدن والمبعوث
الأميركي إلى لبنان، آموس هوكستين، خلال لقاء مع مسئولين بارزين في إسرائيل، خاصة
أن هناك اختلافات في وجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية في هذا الشأن، كما أن إسرائيل لم تبلغ واشنطن
قبل الهجوم على أجهزة الاتصال لحزب الله في لبنان ولم يكن لها أي دور في حدوث هذه
الانفجارات المتزامنة.
وتتخوف واشنطن من نشوب حرب إقليمية
خاصة أن هذا التصعيد وحدوث هذه الانفجارات جاءت بعض قيام الحوثيين بتنفيذ عملية
نوعية استهدفت موقعًا عسكريًا في يافا بالقرب من تل أبيب بصاروخ فرط صوتي، وهو ما
يؤشر على دخول المنطقة إلى حالة من عدم اليقين، ومن ثم تعثر الجهود الدبلوماسية
الأميركية لوقف هذه الحرب والعمل على منع حدوث رد إيراني كبير على اغتيال رئيس
المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أثناء زيارته لطهران بعدما حملت طهران مسئولية
الاغتيال لإسرائيل وتوعدتها بدفع الثمن.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن هناك إدراك
لاحتمالية التصعيد المتبادل خاصة وأن الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب قصوى، تحسبًا
لرد محتمل من حزب الله خاصة وأن الطرفين يتبادلان الهجمات عبر الحدود منذ بدء
الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، ومع ذلك، تشير التطورات إلى أن احتمال نشوب
حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله في الوقت الحالي ضعيفة؛ حيث تعمل الولايات
المتحدة على منع تصعيد الوضع، وهو ما ظهر خلال وزير الخارجية الأميركي أنتوني
بلينكن إلى مصر في مستهل الزيارة العاشرة له منذ بدء الحرب الإسرائيلية، لبحث آفاق
وقف إطلاق النار في غزة، هذا الاتفاق الذي قال عنه البيت الأبيض إن إبرامه يعني
التمهيد لاتفاق شامل في لبنان.
في الختام: تبقى التوازنات السياسية في
لبنان وإسرائيل، والضغط الدولي المتزايد، عوامل تؤثر على قرارات التصعيد أو
التهدئة. إلى جانب ذلك، يتنامى إدراك أن الصراع الممتد لن يكون في مصلحة أي من
الطرفين، ما قد يدفعهما إلى تبني خيارات أخرى مثل الحروب المحدودة أو العمليات
التكتيكية بدلًا من الانخراط في صراع شامل خاصة أن الطرفين لا يرغبان في اندلاع
حرب واسعة بالإضافة إلى أن احتمال تطور الصراع موضوعًا معقدًا يرتبط بعدة عوامل
داخلية وإقليمية.