أثارت حادثة اغتيال رئيس المكتب
السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية فجر
اليوم التالي لتنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في 31 يوليو 2024
الكثير من التساؤلات حول دلالات هذا الحدث، ولاسيما أن الحادثة تمت في طهران وقبيل
تنصيب رئيسها الجديد، الأمر الذى يحمل في طياته دلالات عديدة. وفي ظل تأكيد بعض
التقديرات على أن إسرائيل وأجهزة الاستخبارات الغربية من يقفوا وراء هذا الحدث،
وخاصة في ظل رغبة تل أبيب في التصعيد ضد إيران ووصفها بـ"رأس الأفعى"
والدينامو الذى يحرك كافة الأعمال المسلحة ضد إسرائيل في المنطقة سواء من قبل حزب
الله اللبناني أو من جماعة الحوثي اليمنية وهم من أبرز وكلائها في المنطقة.
ورغم إنه يبدو أن إسرائيل كانت تخطط
لهذا الحدث منذ الإعلان عن موعد تنصيب الرئيس الإيراني الجديد وزيارة إسماعيل هنية
لحضور هذه المراسم، إلا أن هذه الحادثة جاءت عقب حادث "مجدل شمس"؛ حيث أعلن
الجيش الإسرائيلي في 28 يوليو 2024 عن مقتل 12 شخصاً وإصابة أكثر من 30 آخرين إثر
انفجار صاروخ في ملعب لكرة القدم في قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان
المحتل. وهو ما أعلنت إسرائيل على إثره في 30 يوليو 2024 اغتيال القائد العسكري
الأبرز في حزب الله اللبناني فؤاد شكر في قصف نفذته مقاتلات على الضاحية الجنوبية
للعاصمة اللبنانية بيروت.
وتأسيساً على ذلك، يمكن القول أن
اغتيال إسماعيل هنية وبالتحديد في طهران يحمل في طياته دلالات عديدة يتضح أبرزها
في:
1-
ردع إيران عن اتخاذ خطوات تصعيدية: تمثلت الرسالة الأساسية لإسرائيل في أن لا مكان أمن
للشخصيات المحسوبة على محور المقاومة؛ حيث استهدفت إسرائيل بعد حادث مجدل شمس أحد
قيادات حزب الله في لبنان وكذلك أعلن الحشد الشعبي بالعراق في 31 يوليو2024 عن
وقوع انفجار في "اللواء 47" التابع له في منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل
وسط العراق، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفه. وأفاد البيان الصادر عن الحشد
بأن الاستهداف حدث"بطيران مسير أطلق من قاعدة علي السالم في الكويت ليستهدف
مجموعة من خبراء المسيرات كانوا يقومون بتنفيذ تجارب تقنية جديدة لرفع كفاءة مستوى
الطائرات المسيرة الاستطلاعية لمراقبة حدود كربلاء وطرقها الخارجية.
واعترفت القوات الأمريكية بتنفيذ الاعتداء معتبرة
بأنه دفاع عن النفس"، بزعم أن الضربات استهدفت مسلحين كانوا يتطلعون إلى
إطلاق طائرات مسيرة، ويشكلون تهديداً للقوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي. وجاء
بعد ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية في طهران
لردع إيران وحلفائها عن اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية.
2-
إبراز مدى هشاشة الأجهزة الأمنية
الإيرانية: يلقى اغتيال شخصية
سياسية رفيعة المستوى مثل إسماعيل هنية بظلاله على نقاط الضعف التي تعانى منها
الأجهزة الأمنية بشكل عام وأجهزة الاستخبارات بشكل أخص في طهران؛ حيث تعانى هذ
الأجهزة من مشاكل جوهرية ومتعددة الأبعاد في
النظام الذى تعمل به العديد من المؤسسات الأمنية في إيران. ورغم أن قدراً من
الفوضى رافق الإدارة الاستخباراتية والأمنية الإيرانية منذ البداية، إلا أن هذا
الاضطراب الإداري اشتد بسبب وجود استخبارات موازية، فإلى جانب الاستخبارات العامة
توجد نظيرتها التابعة للحرس الثوري، بما يعنى أن هناك مؤسسات تخضع لسلطات مختلفة،
وهي تتنافس وتتحدى بعضها البعض بشكل أو بآخر، الأمر الذى أصبح بمثابة واحدة من
أبرز نقاط الضعف داخل هيكل الاستخبارات الإيراني بشكل عام. وبينما تم فيه تفعيل
مهام مجلس تنسيق الاستخبارات – والمنصوص عليه بموجب القانون والذى تتمثل مهمته في إيجاد
أكبر قدر ممكن من التماسك والتنسيق بين ما يقرب من 15 مؤسسة أمنية واستخباراتية
إيرانية- منذ بداية حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأولى، لكن لم يتمكن هذا
المجلس من التغلب على الانقسام والمنافسة بين المؤسسات الأمنية المختلفة. ويؤدى
ذلك في أحيان كثيرة إلى فتح المجال أمام أجهزة استخبارات الدول المختلفة، وخاصة
الدول المعادية لإيران إلى إيجاد منفذ لمزيد من الاختراقات داخل المؤسسات الأمنية
الإيرانية.
3-
إحراج إيران أمام المجتمع الدولي: كان اختيار إسرائيل لتوقيت ومكان اغتيال إسماعيل هنية
في طهران حرج للغاية؛ حيث يتوافق مع تنصيب الرئيس الجديد واستقبال الوفود الأجنبية
ومن المفترض أن يكون الاستعداد الأمني والاستخباراتي على أشده، ولا يمكن لإيران
تبرر ضعف موقفها الأمني في هكذا مناسبة،
والأنكى من ذلك أن مكان اغتيال إسماعيل هنية كان في مقر خاص لقدامى المحاربين في
العاصمة الإيرانية بقذيفة جوية موجهة نحو جسده مباشرة، واللافت للانتباه أن هذا
المقر محسوب على قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري والتي تتولي تأمينه، فكيف
فشلت في تأمين أحد المقرات التابعة لها داخل طهران في ظل التواجد القوى لها
بالخارج ولاسيما في بعض دول الأزمات مثل العراق وسوريا، وبالتالي، ترغب إسرائيل في
الكشف عن مدى هشاشة هذا التواجد الذى تدعي إيران إنه الأهم والأقوى بالمنطقة.
ومن
ناحية أخرى، ترغب إسرائيل وأجهزة الاستخبارات الغربية في التأكيد على أن لديهم المعلومات الكاملة عن
الداخل الإيراني المكشوف بالكامل بالنسبة لهم، بالتوازى مع نجاحهم في تجنيد بعض
العناصر من داخل الأجهزة الأمنية في إيران وهو ما اتضح في حادثة وزير الدفاع
الإيراني السابق علي رضا أكبري الذى أعدمته السلطات في إيران لتجنيده من قبل
الاستخبارات البريطانية، فضلاً عن إيجاد فجوة بين إيران ومحور المقاومة، على خلفية
الاتهامات التي وجهها البعض لإيران بالتورط والتواطؤ في اغتيال هنية في مقابل تنازلات أمريكية في
ملفات أخرى.
4-
إضعاف موقف حماس بالمفاوضات: تستهدف إسرائيل من وراء تكثيف الضربات على محور المقاومة
وراعيتهم إيران، إجبار قادة حماس على تقديم المزيد من التنازلات في المفاوضات الجارية
مع إسرائيل، بالنظر إلى الضغوط التي قد لا تبدو هينة المفروضة على المسؤولين في تل
أبيب على خلفية فشلهم في استعادة الأسرى الموجودين لدى حماس خلال فترة تقترب على
العام الكامل.
وتنوه
إسرائيل من خلال هذه الحادثة إلى قادة حماس مستهدفون إينما كانوا ولا توجد ملاذات
أمنة لهم، ولاسيما في ظل الضغوط الأمريكية على قطر لدفع قادة حماس نحو وقف إطلاق
النار. ففي السابق، كانت هناك محادثات حول نقل قادة حماس إلى بغداد تحت حماية
إيران، ولكن الآن لم يعد العراق آمناً ولا ضمانات الأمن الإيرانية موثوقة.
وفي
النهاية: يمكن القول إنه رغم إعلان إيران نيتها الرد على هذه
الحادثة بما أنها تمت على أراضيها، إلا إنه قد يتدخل حزب الله أيضاً للرد على
اغتيال قادته. ومع ذلك، فإن تصاعد التوترات بات أمر لا مفر منه، وعدم الرد القوى لإيران
قد يضر بمصداقيتها بين حلفائها. وبالنظر إلى تغير الخطوط الحمراء لإدارة الصراع
بين طهران وتل أبيب ولاسيما بعد أن هاجمت إيران الأراضي الأسرائيلية في إبريل
الفائت، فإن ذلك يجعل التصعيد أكثر احتمالاً، ومن المتوقع أن تكون الأيام
والأسابيع المقبلة حاسمة في هذا الإطار.