المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات الصعود: قراءة في نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي 2024

الأربعاء 14/أغسطس/2024 - 03:30 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

أدلى نحو 185 مليون ناخب في 27 دولة في الاتحاد الأوروبي بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، وشهدت الأحزاب اليمينية زيادة في التأييد في جميع أنحاء القارة، مما أدى إلى ترجيح كفة ميزان القوى داخل البرلمان؛ حيث صوت مئات الملايين من الأوروبيين لاختيار 720 عضوًا في البرلمان الأوروبي، وعقب الإعلان عن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، والتي سجلت صعودًا ملحوظًا لليمين المتطرف بعدة بلدان لا سيما في فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا، توالت تصريحات وردود الفعل الرسمية؛ حيث دفعت النتائج الصادمة لليمين المتطرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في فرنسا في 30 يونيو بعد بحل الجمعية الوطنية (مجلس النواب). وفور هذا الإعلان، رحبت زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني الفرنسية ماري لوبان بدعوة ماكرون لإجراء انتخابات مبكرة، وقالت "إن حزبها مستعد لتولي السلطة في فرنسا.. إذا منحنا الفرنسيون ثقتهم". وبعد أربعة أيام من التصويت، لا تزال التوقعات الخاصة بالمجلس التشريعي الجديد غير نهائية.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن هذه الانتخابات تم تنظيمها وسط حالة من عدم اليقين في أوروبا بعد الخروج من جائحة كوفيد-19 وضعف النمو الاقتصادي، والصدمة من الحرب في أوكرانيا، والكفاح من أجل التعامل مع الهجرة المتزايدة ومحاولة مواجهة المخاطر التي يشكلها تغير المناخ، كما أن هذه الانتخابات هي الأولى منذ أن أصبحت المملكة المتحدة الدولة الوحيدة التي تغادر الاتحاد الأوروبي رسميا عام 2020.

اتجاهات التغير

احتفظت كتل الحزب الشعبي الأوروبي (يمين) مع الاشتراكيين والديمقراطيين و"تجديد أوروبا" (وسطيون وليبراليون) مجتمعة بالغالبية في البرلمان الأوروبي رغم تقدم كبير لقوى اليمين المتطرف على ما أظهرت تقديرات نشرها البرلمان. ووفق التوقعات فإن الحزب الشعبي الأوروبي سيحصل على 181 مقعدا، بينما يحصل الاشتراكيون والديمقراطيون على135 مقعدًا، فيما يحصد حزب تجديد أوروبا على 82 مقعدًا، وهو ما يسمح لهذه الأحزاب مجتمعة بتشكيل "ائتلاف كبير" إذ يبلغ مجموع ما حصدته في الانتخابات 398 مقعدًا من أصل 720 هي مجموع مقاعد البرلمان الأوروبي.

والتوجه المتوقع للبرلمان الأوروبي نحو اليمين يعني أن المجلس قد يكون أقل حماسًا للسياسات الرامية إلى معالجة تغير المناخ، بينما سيكون حريصًا على التدابير الرامية للحد من الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، وهو تكتل يضم 450 مليون مواطن.

ومع ذلك فإن حجم النفوذ الذي ستمارسه الأحزاب القومية المتشككة في الاتحاد الأوروبي سيعتمد على قدرتها على التغلب على خلافاتها والعمل معًا. وهذه الأحزاب منقسمة حاليًا بين كتلتين مختلفين كما أن بعض الأحزاب والمشرعين خارج هذين التجمعين في الوقت الراهن. ولا يزال التقارب بين الكتلتين غير مؤكد بسبب خلافات كبيرة بينهما، خاصة فيما يتعلق بروسيا في ظل الاعتقاد بأن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي جرت كما خطط لها من جانب التيارات اليمينية، ونتيجة لذلك تمكنوا من إبطاء القطار الذي كان يحمل أوروبا نحو حرب جديدة.

وبينما يتبنى أعضاء البرلمان الأوروبي تشريعات بالتنسيق مع الدول الأعضاء، يمكن لليمين المتطرف أن يجعل صوته مسموعًا في القضايا الحاسمة: الدفاع ضد سياسة روسيا، والسياسة الزراعية، والهجرة، والهدف المناخي لعام 2040، ومواصلة التدابير البيئية التي يرفضونها بشدة.

مستقبل أورسولا فون دير لاين

بعد فوز حزب الشعب الأوروبي التابع لها، وزيادة حصته من المقاعد بمقدار ثمانية مقاعد، من المقرر أن تحصل أورسولا فون دير لاين على فرصة أولى لتأمين خمس سنوات أخرى على رأس المفوضية الأوروبية، وفقًا لما يسمى بعملية "المرشح الأفضل" لكن فرص إعادة انتخابها كانت معقدة ليس فقط بسبب حسابات البرلمان الجديد، ولكن أيضًا بسبب قرار الرئيس إيمانويل ماكرون بالدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في فرنسا.

واتجهت الأنظار إلى حزب الشعب الأوروبي الذي حقق فوزًا واضحًا وعزز هيمنته في المجلس الجديد. وقد أشارت مرشحته الرئيسية أورسولا فون دير لاين في وقت سابق، إلى استعدادها للعمل مع بعض الأحزاب، التي تجلس مع المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليمينيين المتشددين.

ولكن الإشارات الأولية الصادرة عن معسكر حزب الشعب الأوروبي، تدل على أنهم سيبقون أوفياء لحلفائهم التقليديين في تيار الوسط. كما عرضت فون دير لاين أيضًا العمل مع الاشتراكيين والليبراليين لبناء أغلبية في الوسط من أجل أوروبا قوية؛ حيث وزنت كلماتها بعناية لتهدئة المنتقدين، الذين انتقدوا انفتاحها الأخير تجاه اليمين المتشدد.

في حين يقول البعض إن وضعية ماكرون الضعيف والمستشار شولز المحاصر - الذي احتل حزبه الاشتراكي الألماني المركز الثالث، متخلفًا عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي المعارض الرئيسي (CSU) وحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف - يمكن أن تعرقل ترشيحها.

ومن المقرر أن يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل لتسمية مرشح رسمي للمنصب الأعلى في المفوضية في 28 يونيو، قبل أيام فقط من توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في فرنسا. ومع عدم شعبية فون دير لاين الواضحة في فرنسا - حيث وفد حزب الشعب الأوروبي الفرنسي نفسه يعارض إعادة انتخابها - فإن ترشيحها قبل أيام من الاقتراع قد يقلل من شعبية ماكرون أكثر.

مستقبل غامض

شهد الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، انقسامات حادة حول العديد من القضايا، بعضها قديم والبعض الآخر حديث. وتأتي هذه الخلافات من جذور تاريخية وثقافية واقتصادية مختلفة. وتتعلق بمجموعة من العوامل، تشمل على سبيل المثال السيادة الوطنية، الهجرة؛ حيث تُعد قضية الهجرة من أكثر القضايا إثارة للجدل داخل الاتحاد الأوروبي. تختلف الدول الأعضاء حول كيفية التعامل مع تدفقات المهاجرين، وهو ما أدى إلى خلافات حادة بين دول الاتحاد ومطالبة بعض الدول بفرض قيود صارمة على الهجرة، بينما تدافع دول أخرى عن سياسة أكثر انفتاحًا، كما ثير قضايا المناخ، سياسيات الدفاع، والسياسات الاقتصادية صراعات داخل الاتحاد؛ حيث تُقسم الدول الأعضاء حول كيفية إدارة السياسة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالإنفاق العام والضرائب.

وسواء كان الأمر يتعلق بحرب روسيا ضد أوكرانيا، أو بالعودة المحتملة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أو بانتخابات البرلمان الأوروبي، فسيكون على الاتحاد الأوروبي أن يواجه خلال الفترة القادمة العديد من التحديات من أهمها:

- المواجهة مع روسيا: قامت الدول الـ 27 بالتعهد مرارًا بأنها ستقدم المساعدة لأوكرانيا في الدفاع ضد روسيا طالما كان ذلك ضروريًا، لأن انتصار روسيا قد يهدد أمان أوروبا بشكل عام، وبعد نتيجة الانتخابات تصاعدت التحديات حول إمكانية استمرار التزام الاتحاد الأوروبي بهذا التعهد في ظل احتمالية تصاعد الخلافات الأوروبية الداخلية حول التعامل مع هذا الملف.

- العلاقات الأمريكية الأوروبية: إذا نجح الجمهوري دونالد ترامب في العودة إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة على الرغم من إجراءات المحكمة الجارية، فستكون هناك فترة عصيبة أمام الإتحاد الأوروبي وأيضًا للجزء الأوروبي من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذ يمكن أن يتراجع دعم لأوكرانيا وردع روسيا. أما في قضايا التجارة فقد تضطر أوروبا إلى تعويض المساعدات الأمريكية لأوكرانيا وهو ما سيزيد الصعوبات على التنمية الداخلية للدول الأوروبية.

- تراجع السياسات الأوروبية لصالح الدول الوطنية: تزداد حدة النقاش حول ما إذا كانت هذه الانتخابات ستُحسم على أسس وطنية أو أوروبية، وتشير الدلائل إلى أن التركيز في العديد من الدول الأعضاء، وخاصة فرنسا، ينصب على القضايا الوطنية في ظل انعدام الثقة بالمؤسسات الأوروبية.

- الهجرة: يتوقع أن يتم وضع إجراءات لتقييدها أكثر؛ حيث يعد التصدي للهجرة الكثيفة ملفًا أساسيًا في برامج الأحزاب اليمينية؛ وتصدر الخوف من تأثير الهجرة على الهوية وفرص العمل ومستوى المعيشة، وبجانب ظهور قيود أكثر صرامة على الهجرة، من المتوقع أن تصدر قيود على السفر والتنقل بحرية بين دول الاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك إلى رغبة الأحزاب اليمينية في تعظيم المصالح الخاصة لكل دولة على حدة، على خلاف ما كانت توفره تأشيرة الشنغن لدول الاتحاد الـ27 من حرية في السفر والتنقل.

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟