ساهم غياب دور الجهات المسؤولة في
الحكومة الشرعية والقوى المناهضة للمليشيا في تمادي المليشيا أكثر في هذا الجانب
حيث تعمل على إصدار قرارات تلو أخرى في هذا الجانب دون أن تجد مواجهة حقيقية على
كافة الأصعدة. ومن المثير للقلق أيضاً أن التحركات التي تدور في
العواصم الفاعلة والمؤثرة في مسارات القضية اليمنية تعمل ضمن قناعة وإصرار إقليمي
ودولي للبحث عن أسرع الطرق لوقف الحرب والتخلص من أعبائها الإنسانية والمادية،
بينما الأطراف اليمنية نفسها لم تصل إلى فهم هذه الحتمية من خلال مواصلة
استعداداتها للمعركة والقضاء على خصومها. وبعد مرور سنوات عديدة على بدء الحرب لا
يزال المتحاربون اليمنيون يعيشون في وهم أنهم يمتلكون القدرة على دحر خصومهم
والانتصار عليهم والحسم بالقوة، بينما الواقع أن ثمن هذا الجنون هو دماء الشعب
اليمني وتدمير حاضره ومستقبله لعقود مقبلة.
مساعي التسوية
إن "مساعي وجهود السلام لم تتوقف منذ
انقلاب المليشيات الحوثية الإرهابية، عبر جولات التفاوض المختلفة ومساعي الأمم
المتحدة وآخرها إعلان الهدنة الأممية التي رفضت المليشيات الحوثية تجديدها
وتوسيعها" بل وأن "مجلس القيادة الرئاسي تبنّى
خيار السلام وإنهاء المعاناة الإنسانية كهدف استراتيجي وقدّم تنازلات مؤلمة لوقف
نزيف الدم اليمني وإنهاء العبث الحوثي بحاضر اليمن ومستقبله"، مؤكدا أن
"الجرائم والاعتداءات الحوثية أوضحت فشل هذا المسار مع جماعة لا تؤمن بالسلام
نتيجة عقيدتها المتطرفة وتبعيتها المطلقة للمشاريع التخريبية في المنطقة".
وضمن السياق ذاته، حذّرت دراسة أممية
من تآكل القوة الشرائية للأسر في اليمن خلال العام المقبل (ألفين وثلاثة عشرين)،
جراء عدم استقرار الاقتصاد وغياب الدعم المستمر من المؤسسات المالية الدولية. وأشار إلى أن "الشعب اليمني يعاني من أزمة إنسانية خانقة منذ
انقلاب الحوثي على التوافق الوطني ومصادرتها ونهبها لمؤسسات الدولة ومقدرات الشعب
ليأتي تصعيدها الإرهابي باستهداف المنشآت النفطية في محاولة جديدة لتحويل الأزمة
إلى كارثة إنسانية فعلية نظرا لتأثير ذلك على قدرة الحكومة في دفع مرتبات الموظفين
والوفاء بالتزاماتها".
وبالنسبة لإجراءات الحكومة للتعامل مع
هجمات "أنصار الله" على موانئ تصدير النفط، فإن "الحكومة اتخذت
العديد من الإجراءات والبرامج التنفيذية الخاصة للتعامل مع نتائج تصعيد المليشيات
الحوثية والحرب الاقتصادية التي أعلنتها ضد الشعب اليمني". وأن
"هذه الإجراءات اتُخذت على ضوء قرار مجلس الدفاع الوطني بتصنيفها كجماعة
إرهابية، وشملت المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإنسانية
ويجري العمل على تنفيذها". وأن "إنهاء الحرب يتطلب إرادة حقيقية
وجادة في تغليب مصلحة الشعب اليمني على أي مصالح أخرى، ووجود شريك حقيقي يؤمن
بالسلام"، مضيفا: "مرحبا بـالمساعي والجهود الهادفة لذلك والعمل بكل
تفانٍ لإنجاحها".
وأوضحت الدراسة، التي نشرها مكتب الأمم
المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أنه بدون استعادة الخدمات الأساسية والبنية
التحتية سيظل الناس مجبرين على مواجهة سُوء التغذية وتفشّي الأمراض وفقدان الفرص. وأشارت إلى أن تزايد التوترات وتصاعد الخطاب بين الطرفين يحمل في طياته
احتمال استئناف العنف المسلح، الذي من المرجّح أن يزيد من أعداد الضحايا المدنيين
والنزوح. وبيّنت أن واحدا وعشرين مليونا وستمائة ألف شخص
في اليمن سيحتاجون المساعدة الإنسانية وخدمات الحماية في العام القادم.
استمرار المعاناة
الإنسانية
يأتي ذلك وسط تقارير دورية عن الحياة
الصعبة التي يعيشها اليمنيون في ظل استمرار الحرب وأفق السلام الهش. وسبق أن أكدت الأمم المتحدة أن أكثر من 7 ملايين ونصف المليون شخص في
اليمن يحتاجون إلى خدمات لعلاج سوء التغذية أو الوقاية منه.
وذكرت أن هناك نحو مليونين ونصف
المليون طفل دون سن الخامسة، ومليونا ومائتي ألف امرأة حامل ومرضعة يحتاجون إلى
علاج من سوء التغذية الحاد. وأوضحت أن واحدا وخمسين في المائة فقط من
المستشفيات تعمل بكامل طاقتها، فيما لا يوجد أطباء في سبع وستين من أصل ثلاثمائة
وثلاث وثلاثين مديرية في اليمن. ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا عن
الخيارات الصعبة التي تواجه اليمنيين الفقراء في علاج وإطعام أطفالهم. وأشارت الصحيفة إلى أن الكارثة هي نتاج بشري، فالمشكلة ليست نقص المواد
الغذائية، ولكن المال لشرائها. وقال الدبلوماسيون والمسؤولون في مجال الإغاثة
الإنسانية إن القيود تمنع من وصول المساعدات، التي يحتاج إليها السكان بشكل عاجل. وأوضح محللون يتابعون التطورات في اليمن أن القيود على ميناء الحديدة
تسهم في أزمة الوقود إلا أن ما يدخل مناطق الحوثيين ينقل ويباع بأسعار مرتفعة في
السوق السوداء. ومرارا، حثّ برنامج الأغذية العالمي المجتمع
الدولي على سرعة التحرّك لإنقاذ اليمن من خطر الانزلاق في المجاعة. وحذّرت الأمم المتحدة من تفاقم خطر سُوء التغذية والمجاعة في أوساط
الأسر النازحة في اليمن. وقال ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في
تصريحات إعلامية إن النازحين في البلد معرضون لخطر الجوع أكثر بأربعة أضعاف،
بالنسبة إلى باقي السكان. وأن مئات الآلاف من الأسر تواجه الجوع، بسبب
افتقارها للمال اللازم لشراء الطعام.
التصعيد الحوثي
إن التحركات الإقليمية الدولية تبحث عن
أسرع الطرق لوقف الحرب بينما أطراف النزاع تواصل الحشد للقضاء على خصومها، فهناك
اتجاهات من جانب الميليشيات الحوثية نحو تعزيز الصدام الداخلي على حساب الشعب
اليمين، وقد تمثلت قرارات الحوثي في تغيير المناهج الدراسية التي تعد هوية للأمة
اليمنية واستبدلتها بمناهج طائفية سلالية تروج للهوية الإيرانية وتغرسها في نفوس
الأطفال، بالإضافة إلى قرارات أخرى تستهدف الهوية مثل المدونة الوظيفية وغيرها.
وفي الشأن ذاته، تقوم المليشيا الحوثية
بمشاريع فكرية خطيرة تستهدف الهوية اليمنية وتروج للمذهب الإثنا عشري غير
المتعايش، كما تعمل على تحويل القبيلة من مكون اجتماعي قابل للتعايش إلى لغم
طائفي، وتستغل الأطفال لذلك فيما تسميها بالتعبئة الثقافية في ظل عدم أي سياسة
واضحة من الحكومة الشرعية لمواجهة ذلك.
ولا تعي الجهات المسؤولة في الحكومة
الشرعية والمكونات المناوئة لمشروع الحوثي خطورة هذا الذي يستهدف الهوية الوطنية
الجامعة لليمنين وإحلال هوية تخدم أجندة إيرانية تهدف لزعزعة أمن واستقرار اليمن.
كما أن النظرة المتأنية للأرقام التي
تصدر عن المنظمات الإقليمية والدولية حول حجم الكارثة الإنسانية التي تضرب المجتمع
اليمني بكل فئاته لم ينجو من آثارها إلا من يعمل مع سلطة الحوثيين في صنعاء
والحكومة المعترف بها في عدن ومعهم نفر قليل من الفاسدين. وفي المقابل لا نجد لهذه
الأرقام المفزعة أي صدى لدى سلطة صنعاء ولا الحكومة في عدن، لكنهما تتفقان على
استغلالها لاستجداء مزيد من أموال المانحين الذين فقدوا الثقة بكل الأطراف الرسمية
سواء في صنعاء أو عدن. وليس خافياً على أحد أن شروط الدول المانحة على المساعدات
صارت قاسية جداً على الرغم من أنها مطلوبة للتحقق من سلامة الإنفاق بعيداً من
الممارسات الفاسدة التي كانت تلتهم أغلب المبالغ التي تقيد ديوناً على الشعب
اليمني.
وقد دخل اليمن مرحلة جديدة من الشك
التي قد تقوده لحرب جديدة يتوقع أن تكون الأكثر تصعيدا وفقا لمراقبون، وذلك بعد ثلاثة
أشهر من انتهاء الهدنة الإنسانية التي ظلت سارية لمدة ستة أشهر، فالانسداد السياسي
مخيف في الملف اليمني، وهذا الوضع يثير مخاوف من العودة إلى الاقتتال وسط أزمة
غذائية وانهيار اقتصادي خطير تعيشه البلاد.
أجندة للتسوية
للوصول إلى تسوية شاملة للصراع الدائر
في اليمن، لابد من تجاوز صراعات الماضي والتصالح والتسامح والاصطفاف معاً خلف
مشروع وطني لبناء المستقبل وحماية اليمن من المؤامرات والأجندة الخارجية، كمسؤولية
وطنية تحقق آمال اليمنيين. من خلال وجوب اسهام المكونات والقوى السياسية اليمنية،
في إنهاء الصراع وصياغة اتفاقية سلام تتضمن ازالة مخاوف الأطراف اليمنية
والاقليمية وتوفر لهم الضمانات، وآليات التنفيذ مع الالتزام بالحفاظ على وحدة
اليمن وسيادته على أراضيه واستقلالية قراره الوطني.
وتجب الإشارة هنا إلى أن تحقيق السلام
يعتمد على مكونين رئيسيين أحدهما يمني والآخر اقليمي ودولي ولذلك يجب ان يسهم
المكونان في إنهاء الصراع وصياغة اتفاقية سلام تتضمن ازالة مخاوف الأطراف اليمنية
والاقليمية وتوفر لهم الضمانات وآليات التنفيذ مع الالتزام بالحفاظ على وحدة اليمن
وسيادته على أراضيه واستقلالية قراره الوطني.. لذلك يجب ان يكون المؤتمر واضحاً في
تمسكه بحقوق الجميع وبمبادئ المواطنة المتساوية والديمقراطية والشراكة الحقيقية في
السلطة والثروة باعتبارها أسس بناء الدولة المدنية الحديثة.