أعلن
رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر أن نسبة المشاركة في الاقتراع بلغت 11.2%، أي
ما يمثّل مليونًا و25 ألف ناخب من مجموع 9 ملايين و163 ألفًا مسجلين باللوائح
الانتخابية. وكانت الهيئة ذكرت قبل ذلك أن نسبة الإقبال بلغت
8.8%، وهي الأضعف في الانتخابات التونسية منذ الثورة. وقال بوعسكر إن الهيئة رصدت نحو 1800 مخالفة في هذه الانتخابات
التشريعية. كما تنافس 1055 مرشحًا،
بينهم 122 امرأة، على 151 دائرة انتخابية.
وقد وضعت
نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس في 17 ديسمبر 2022 البلاد أمام مفترق
طرق شديد الصعوبة بين الاستقرار وعدم الاستقرار. فهذه الانتخابات هي بمثابة الختام
لما احتوته خريطة الطريق التي انتهجها الرئيس التونسي قيس سعيّد، لتأسيس عملية
سياسية بديلة للسنوات العشر، التي هيمنت فيها حركة النهضة التونسية ذات التوجه
الإسلامي على مجمل السياسة والحكم في تونس عقب الثورة التونسية.
اتجاهات جديدة
يعلق الكثير من التونسيين الآمال على
النظام الجديد في الانتخابات التونسية في إنهاء عقدًا من الفساد السياسي والمالي
والفوضى الأمنية، حيث تأتي كآخر مرحلة من خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس قيس
سعيّد في يوليو 2021، خاصة وأنها جاءت في ظل أزمة سياسية تعيشها البلاد، منذ إعلان
الرئيس قيس سعيد، إجراءاته الاستثنائية.
وفيما يتعلق بالنظام الجديد في
الانتخاب والتصويت، حيث جرت الانتخابات التونسية للمرة الأولى بنظام المقاعد
الفردية بدلًا من القوائم الحزبية. ووفقًا للنظام الجديد في الانتخابات التونسية
فلن يتمتع النواب الجدد بالحصانة بعد أن ألغى قانون الانتخابات الجديد الحصانة
القانونية، ومنح حق سحب الثقة من النائب حال تقاعسه عن مهامه.
ويقلص القانون الجديد العدد الإجمالي لمقاعد البرلمان إلى 161
مقعدا (كان عددها 217)، منها 151 للداخل، و10 مقاعد للدوائر الانتخابية في الخارج. وبموجب هذا القانون أيضًا اختار
التونسيون مرشحيهم على أساس فردي بدلا من اختيار قائمة حزبية واحدة، وهو ما سيعمل على
تقليص دور الأحزاب السياسية في البرلمان، وستكون صلاحياته محدودة للغاية بموجب
الدستور الجديد.
وقد جرت الانتخابات القادمة وسط مقاطعة 12 حزبا وهي: النهضة (53
نائبا بالبرلمان المحلول) وقلب تونس (28 نائبا)، وائتلاف الكرامة (18 نائبا)،
وحراك تونس الإرادة، والأمل، والجمهوري، والعمال، والقطب، والتيار الديمقراطي (22
نائبا)، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والدستوري الحر (16 نائبا)،
وآفاق تونس (نائبان).
وتُعد السمة الأساسية لهذه الانتخابات هي أن معظم المشاركين
فيها من المستقلين، إضافة إلى أحزاب "لينتصر الشعب" (يضم شخصيات وحزب
التيار الشعبي)، وحركة الشعب (قومية)، وحراك 25 يوليو، وحركة "تونس إلى
الأمام".
مسارات التغيير
تعاني تونس من صعوبات اقتصادية منذ ثورة 2011، تفاقمت بسبب
جائحة كوفيد مع تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة. وكانت تونس، التي تتجاوز ديونها 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي،
قد أعلنت مؤخرا توصلها إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
في المقابل، التزمت حكومة الرئيس قيس سعيد بإنجاز إصلاحات تشمل
الرفع التدريجي للدعم الحكومي عن منتجات أساسية غذائية وفي مجال الطاقة، وإعادة
هيكلة شركات عامة تحتكر العديد من القطاعات.
كما أن هناك انعكاس واضح لطبيعة النظام الانتخابي كتعبير عن
الظروف والسياقات التي يعيشها المجتمع التونسي بسبب عشرية حكم الإخوان: إذا كان
النظام الفردي، بالإضافة إلى تأثير إصلاحات قيس سعيد على الخريطة الحزبية والسياسية
في المجتمع التونسي، وخلق نخبة برلمانية جديدة، تسبب في تراجع نسبة التصويت في
انتخابات 2022، فإن النظام الوليد سيعالج الاختلالات في العلاقات الداخلية
بالبرلمان وكذلك في علاقته مع أطراف النظام السياسي. بالإضافة إلى ذلك قد تختفي في
برلمان 2022، تتمثل في الصراع بين الرئيس والبرلمان، والتي أدت إلى تراجع أداء
الرئيس، وكان رئيس الحكومة هو الذي يضع السياسات العامة للدولة، خاصّة وأن تشكيل
البرلمان منذ 2011، بالإضافة لأن النظام السياسي، قبل تعديلات قيس سعيد 2022، أعطى
للبرلمان سلطة تكليف تشكيل الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحاصل على الأغلبية، ما
تسبب في خلق أزمات دائمة بين الحكومة والرئيس كان البرلمان طرفًا رئيسيًا فيها.
وبالتالي يمكن القول إن نتائج التصويت في المرحلة الأولى من
انتخابات مجلس نواب الشعب 2022 بالمقارنة بما سبقها من انتخابات، جاءت معبرة عن
النظام الانتخابي الجديد، وبالتالي تكون نسبة التصويت الأولية التي قد لا تتجاوز
10% هي بمثابة تعبير حقيقي عن النظام الفردي التي تم العمل به.
في الختام: سيكون البرلمان المنتخب بصلاحيات
محدودة، وفقاً للدستور الجديد الذي تمّت المصادقة عليه باستفتاء شعبي يوم 25 يوليو
الماضي، ويمنح صلاحيات أكبر وأوسع لرئيس الجمهورية، وهو ما يعني تغيير وجهة الشعب
التونسي والرأي العام إلى رأس السلطة التنفيذية والمتمثلة في سلطة الرئيس قيس
سعيد، كما أنه هذه الانتخابات انعقدت في ظل أزمات اقتصادية وانقسام سياسي داخلي
الذي سيفرض على الرئيس تكثيف جهوده لتجاوز هذه الأزمات وبما يساعده على ضمان
استمرارية شرعية النظام الذي يحاول إرساء قواعده الجديدة.