التنمية المستدامة: العدالة الاجتماعية في مصر 2015-2030
الأحد 06/سبتمبر/2015 - 10:57 ص
د.أحمد موسى بدوي
تلقى الكاتب دعوة كريمة من مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، لمناقشة خطة التنمية المستدامة لمصر2030 التي أعدتها وزارة التخطيط، وهذا المقال محاولة لطرح الملاحظات النقدية على إستراتيجية العدالة الاجتماعية الواردة في الخطة. مع لفت انتباه القارئ إلى أن ما عرض علينا مجرد ملخص لهذه الإستراتيجية، وأن هذه المناقشة ربما تمتد، بعد ذلك، في أكثر من مقال، إذا توفر للكاتب الخطة التفصيلية المتعلقة بمحور العدالة الاجتماعية.
يرى أصحاب الليبرالية المقيدة أنه لا يمكن تحقيق الحريات السياسية والمدنية، دون تلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية، والنظام السياسي في تصورهم، يجب أن يضمن مستوى معيشة لائق لكل شخص
أولا العدالة في الفكر السياسي الليبرالي
رؤية مصر، الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة، تضع في اعتبارها الإجابة عن سؤال كيف تتحقق العدالة الاجتماعية في مصر بحلول 2030؟ دون أن تقدم لنا الأساس السياسي والأخلاقي الذي بنيت عليه هذه الإستراتيجية. فهل تقوم العدالة على المنفعة، كما يرى جيرمي بنتام وجون ستيوارت مل، أم على احترام الحقوق الفردية – بغض النظر عن المنفعة. كما يرى كانط وجون رولز.أم أنها ترتبط برؤية الدستور المصري للعدالة الاجتماعية.
من المعروف أن الليبرالية النفعية، كانت النمط الموجه للبرامج السياسية الغربية لسنوات طويلة. ثم مالت الكفة، بعد صدور كتاب "نظرية العدالة" لجون رولز، إلى الليبرالية القائمة على الحقوق. لكن هذه الأخيرة انقسمت إلى تيارين كبيرين، يشكلان تقريبا طبيعة التنافس داخل النظم السياسية الغربية. التيار الأول أصحاب الليبرالية المطلقة، وأصل هذا التيار روبرت نوزيك، وفريدريك هايك، وفيها النظام السياسي مطالب باحترام الحريات السياسية والمدنية الأساسية، واحترام الحق في انتفاع الافراد بثمار أعمالهم وفقا لآليات اقتصاد السوق، وهذا الاتجاه يرى أن الضرائب التي يفرضها النظام السياسي، يجب ألا تتجاوز حدود تكلفة الخدمات والسلع العامة (الأمن الداخلي، المؤسسات العسكرية، النقل، مؤسسات القضاء... إلخ) التي يحتاجها المجتمع. وليس من بينها تحصيل الضرائب من أجل مساعدة الفقراء، لذلك فهم ضد توفير خدمات صحية أو تعليمية أو عقارية للفقراء. والذي يرغب من القادرين، دون اكراه من النظام السياسي، فإن مؤسسات البر والإحسان في المجتمع تستوعب مبادراته، تيار يرى أن الحق له أولوية مطلقة على الخير، ما يجعل العديد من المعارضين يطلقون على هذا النوع "الليبرالية المتوحشة".
أما التيار الثاني فهم أصحاب الليبرالية المقيدة (المشروطة) وعلى رأسهم جون رولز، فإنهم يرون أنه لا يمكن تحقيق الحريات السياسية والمدنية، دون تلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية، والنظام السياسي في تصورهم، يجب أن يضمن مستوى معيشة لائق لكل شخص، على أساس أن ذلك حق مكفول لكل فرد. لذلك فإنهم يطالبون الدولة بتأسيس بنية خدمات اجتماعية، ( التربية والتعليم، الرعاية الطبية، السكن، ...إلخ)، إضافة إلى توفير مصدر للدخل للفئات الأكثر احتياجا، كي يتمكن جميع المواطنين من ممارسة حرياتهم السياسية ممارسة فعلية. ويسميها البعض (تجاوزا) ليبرالية المساواة. تقوم العدالة في الليبرالية المقيدة على مبدأين: (1) أن لكل شخص الحق نفسه، غير القابل للسقوط، في الاستفادة من آلية تكفل الحقوق والحريات الأساسية، المكفولة لغيره من الأشخاص. (2) حالات التفاوت الاجتماعي والسياسي تكون مقبولة إذا توافر فيها شرطان: أن يكون التفاوت ناتج نظام لمنح المناصب والمواقع الاجتماعية والسياسية، يتيح للجميع الاستفادة منه على أساس تكافؤ منصف للفرص. ألا يترتب عليه سلب حقوق الحياة اللائقة للفئات الأقل حظا في المجتمع.
مع الانتباه إلى أن كلا التيارين ينطلقان في تصورهم للعدالة من مبدأ فلسفي أخلاقي واحد هو "أولوية الحق على الخير" على معنى أن العدالة التي تنظم الحقوق في المجتمع، لا تكون مرهونة، في تبريرها، بأي تصور محدد للحياة الخيرة. الفرق في أن تيار الليبرالية المطلقة، يرفض التنازل عن بعض الحقوق من أجل خير المجتمع، بينما الآخر، يتنازل عن بعض حقوقه الاقتصادية، لكي يتمتع الجميع بالحد الأدنى من المتطلبات التي تحفظ الحياة. ومن ثم فإنهم يركزون على الفئات الأولى بالرعاية التي لم تتوفر لها هذه المتطلبات لأسباب جغرافية، أو عرقية، أو طائفية، أو لأي سبب آخر.
ومع أن الدستور المصري، شبه ليبرالي، فإن القارئ لمواد الدستور المصري، في فصل المقومات الاجتماعية، سوف يجد أن الحق والخير لهما أهمية مستقلة على عكس الليبرالية بنوعيها المذكورين، فالمجتمع في المادة الثامنة من الفصل يقوم على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، كما تلتزم الدولة في المادة التاسعة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز. وفي المادة العاشرة يقر الدستور أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. تستخدم هذه المواد الدستورية، مصطلحات (التضامن، التكافل، الحياة الكريمة، الدين، الأخلاق) جنبا إلى جنب ( تكافؤ الفرص، عدم التمييز)، ما يجعل الحق مستقلا عن الخير من حيث الوجود، عكس الليبرالية. على معنى أن العدالة في الدستور المصري تحلق بجناحين (الحق والخير).
كما أن مبدأ الحق والحريات الأساسية مقيد في الدستور المصري، بنص المادة الثانية والثالثة، وفيهما النص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ومبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية. على معنى أن الحق والحرية سيكونان مقيدين – اجتماعيا- بالأحكام الأخلاقية التي تعارفت عليها الجماعات الدينية الكبيرة في المجتمع، أي الجماعة الإسلامية السنية، والجماعة المسيحية الأرثوذكسية.
رؤية مصر، الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة، تضع في اعتبارها الإجابة عن سؤال كيف تتحقق العدالة الاجتماعية في مصر بحلول 2030؟ دون أن تقدم لنا الأساس السياسي والأخلاقي الذي بنيت عليه هذه الإستراتيجية. فهل تقوم العدالة على المنفعة، كما يرى جيرمي بنتام وجون ستيوارت مل، أم على احترام الحقوق الفردية – بغض النظر عن المنفعة. كما يرى كانط وجون رولز.أم أنها ترتبط برؤية الدستور المصري للعدالة الاجتماعية.
من المعروف أن الليبرالية النفعية، كانت النمط الموجه للبرامج السياسية الغربية لسنوات طويلة. ثم مالت الكفة، بعد صدور كتاب "نظرية العدالة" لجون رولز، إلى الليبرالية القائمة على الحقوق. لكن هذه الأخيرة انقسمت إلى تيارين كبيرين، يشكلان تقريبا طبيعة التنافس داخل النظم السياسية الغربية. التيار الأول أصحاب الليبرالية المطلقة، وأصل هذا التيار روبرت نوزيك، وفريدريك هايك، وفيها النظام السياسي مطالب باحترام الحريات السياسية والمدنية الأساسية، واحترام الحق في انتفاع الافراد بثمار أعمالهم وفقا لآليات اقتصاد السوق، وهذا الاتجاه يرى أن الضرائب التي يفرضها النظام السياسي، يجب ألا تتجاوز حدود تكلفة الخدمات والسلع العامة (الأمن الداخلي، المؤسسات العسكرية، النقل، مؤسسات القضاء... إلخ) التي يحتاجها المجتمع. وليس من بينها تحصيل الضرائب من أجل مساعدة الفقراء، لذلك فهم ضد توفير خدمات صحية أو تعليمية أو عقارية للفقراء. والذي يرغب من القادرين، دون اكراه من النظام السياسي، فإن مؤسسات البر والإحسان في المجتمع تستوعب مبادراته، تيار يرى أن الحق له أولوية مطلقة على الخير، ما يجعل العديد من المعارضين يطلقون على هذا النوع "الليبرالية المتوحشة".
أما التيار الثاني فهم أصحاب الليبرالية المقيدة (المشروطة) وعلى رأسهم جون رولز، فإنهم يرون أنه لا يمكن تحقيق الحريات السياسية والمدنية، دون تلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية، والنظام السياسي في تصورهم، يجب أن يضمن مستوى معيشة لائق لكل شخص، على أساس أن ذلك حق مكفول لكل فرد. لذلك فإنهم يطالبون الدولة بتأسيس بنية خدمات اجتماعية، ( التربية والتعليم، الرعاية الطبية، السكن، ...إلخ)، إضافة إلى توفير مصدر للدخل للفئات الأكثر احتياجا، كي يتمكن جميع المواطنين من ممارسة حرياتهم السياسية ممارسة فعلية. ويسميها البعض (تجاوزا) ليبرالية المساواة. تقوم العدالة في الليبرالية المقيدة على مبدأين: (1) أن لكل شخص الحق نفسه، غير القابل للسقوط، في الاستفادة من آلية تكفل الحقوق والحريات الأساسية، المكفولة لغيره من الأشخاص. (2) حالات التفاوت الاجتماعي والسياسي تكون مقبولة إذا توافر فيها شرطان: أن يكون التفاوت ناتج نظام لمنح المناصب والمواقع الاجتماعية والسياسية، يتيح للجميع الاستفادة منه على أساس تكافؤ منصف للفرص. ألا يترتب عليه سلب حقوق الحياة اللائقة للفئات الأقل حظا في المجتمع.
مع الانتباه إلى أن كلا التيارين ينطلقان في تصورهم للعدالة من مبدأ فلسفي أخلاقي واحد هو "أولوية الحق على الخير" على معنى أن العدالة التي تنظم الحقوق في المجتمع، لا تكون مرهونة، في تبريرها، بأي تصور محدد للحياة الخيرة. الفرق في أن تيار الليبرالية المطلقة، يرفض التنازل عن بعض الحقوق من أجل خير المجتمع، بينما الآخر، يتنازل عن بعض حقوقه الاقتصادية، لكي يتمتع الجميع بالحد الأدنى من المتطلبات التي تحفظ الحياة. ومن ثم فإنهم يركزون على الفئات الأولى بالرعاية التي لم تتوفر لها هذه المتطلبات لأسباب جغرافية، أو عرقية، أو طائفية، أو لأي سبب آخر.
ومع أن الدستور المصري، شبه ليبرالي، فإن القارئ لمواد الدستور المصري، في فصل المقومات الاجتماعية، سوف يجد أن الحق والخير لهما أهمية مستقلة على عكس الليبرالية بنوعيها المذكورين، فالمجتمع في المادة الثامنة من الفصل يقوم على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، كما تلتزم الدولة في المادة التاسعة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز. وفي المادة العاشرة يقر الدستور أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. تستخدم هذه المواد الدستورية، مصطلحات (التضامن، التكافل، الحياة الكريمة، الدين، الأخلاق) جنبا إلى جنب ( تكافؤ الفرص، عدم التمييز)، ما يجعل الحق مستقلا عن الخير من حيث الوجود، عكس الليبرالية. على معنى أن العدالة في الدستور المصري تحلق بجناحين (الحق والخير).
كما أن مبدأ الحق والحريات الأساسية مقيد في الدستور المصري، بنص المادة الثانية والثالثة، وفيهما النص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ومبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية. على معنى أن الحق والحرية سيكونان مقيدين – اجتماعيا- بالأحكام الأخلاقية التي تعارفت عليها الجماعات الدينية الكبيرة في المجتمع، أي الجماعة الإسلامية السنية، والجماعة المسيحية الأرثوذكسية.
أن قصر العدالة الاجتماعية على تقليل الفجوات الجغرافية، يقوم على افتراض خاطئ بأن العدالة الاجتماعية قد تحققت في بعض المناطق ولم تتحقق في الأخرى
ثانيا: محور العدالة الاجتماعية في رؤية مصر2030
فهل من المفترض أن تتأسس إستراتيجية العدالة الاجتماعية على نصوص الدستور الذي يعطي للحق والخير أهمية متساوية. أم على الليبرالية المقيدة التي تحض الأغنياء على التنازل عن بعض حقوقهم الاقتصادية، لسد احتياجات الفئات الأولى بالرعاية. تذهب الخطة إلى أنه بحلول 2030 نصل إلى "مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبأعلى درجة من الاندماج المجتمعي، قادر على كفالة حق المواطنين في المشاركة والتوزيع العادل في ضوء معايير الكفاءة والإنجاز وسيادة القانون، ويحفز فرص الحراك الاجتماعي المبني على القدرات، ويوفِّر آليات الحماية من مخاطر الحياة، ويقوم على التوازي بمساندة شرائح المجتمع المهمشة ويحقق الحماية للفئات الأولى بالرعاية".
وعند استعراض جوانب الخطة- في حدود ما عرض علينا- يظهر أنه من الصعب تحقيق هذه الرؤية الطموحة للعدالة الاجتماعية، فالخطة تنطلق مباشرة من الإجراءات، دون تلمس الأرضية الفكرية والدستورية التي تقوم عليها، ولا تشعرك بتجانسها الداخلي. وتسير في الاتجاه الإصلاحي إلى نهاية المطاف، رغم احتياجها في بعض المحاور إلى المعالجة الثورية، كمكافحة الأمية والفساد، وبصفة عامة فالخطة ليبرالية تعتمد على نظرية عدالة التوزيع لدى جون رولز، وليس على نصوص الدستور المصري.
حيث تركز على تقليل الفجوات الجغرافية، في التعليم والصحة، والتركيز على تضييق الفروق النوعية والجيلية. وهذا شيء ايجابي في الخطة، ولكنه لا يراعي طبيعة المجتمع المصري، والظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تعانى منه– ولا تزال- قطاعات كبيرة من المصريين منذ عقود. حيث أن قصر العدالة الاجتماعية على تقليل الفجوات الجغرافية، يقوم على افتراض خاطئ بأن العدالة الاجتماعية قد تحققت في بعض المناطق ولم تتحقق في الأخرى، وتقليل الفجوات النوعية، يفترض مسبقا بأن العدالة الاجتماعية قد تحققت للرجال، وتقليل الفجوات الجيلية، يفترض مسبقا أن العدالة الاجتماعية، قد تحققت لكل الفئات العمرية ماعدا الشباب. ولم تتطرق الخطة لأية إستراتيجيات تتعلق بتوفير المساكن للعمال والفلاحين وأبناء الطبقة الوسطى الفقيرة. ركزت الخطة على التوزيع المؤسسي العادل، ولكنها لم تتطرق لأهم شروط نجاح هذا التوزيع، وهو مكافحة الممارسات السلوكية الفاسدة داخل هذه المؤسسات، والتي تنسف أية محاولات لإقامة العدل الاجتماعي. إن هذا التركيز على العدالة الليبرالية المقيدة، يفقد الخطة حس العدالة (sense of justice) الذي كتبت به نصوص الدستور المصري.
يعتمد تنفيذ الخطة على شراكة بين (الحكومة، القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني)، ولم تقدم لنا تفاصيل عن دور القطاع الخاص في إقامة العدل الاجتماعي في مصر، فالدولة حتى الآن لم تستطع تطبيق نظام ضريبي عادل، بل على العكس التعديل الأخير لقانون الضرائب، يسير في الاتجاه المعاكس للعدالة الاجتماعية. ويؤدي إلى تركز القوة في يد طبقة رجال الأعمال، ما يضر بالحرية السياسية المنصفة في نهاية المطاف، وفقا لنظرية رولز، على نحو ما شهدناه، في نهاية عصر مبارك.
فهل من المفترض أن تتأسس إستراتيجية العدالة الاجتماعية على نصوص الدستور الذي يعطي للحق والخير أهمية متساوية. أم على الليبرالية المقيدة التي تحض الأغنياء على التنازل عن بعض حقوقهم الاقتصادية، لسد احتياجات الفئات الأولى بالرعاية. تذهب الخطة إلى أنه بحلول 2030 نصل إلى "مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبأعلى درجة من الاندماج المجتمعي، قادر على كفالة حق المواطنين في المشاركة والتوزيع العادل في ضوء معايير الكفاءة والإنجاز وسيادة القانون، ويحفز فرص الحراك الاجتماعي المبني على القدرات، ويوفِّر آليات الحماية من مخاطر الحياة، ويقوم على التوازي بمساندة شرائح المجتمع المهمشة ويحقق الحماية للفئات الأولى بالرعاية".
وعند استعراض جوانب الخطة- في حدود ما عرض علينا- يظهر أنه من الصعب تحقيق هذه الرؤية الطموحة للعدالة الاجتماعية، فالخطة تنطلق مباشرة من الإجراءات، دون تلمس الأرضية الفكرية والدستورية التي تقوم عليها، ولا تشعرك بتجانسها الداخلي. وتسير في الاتجاه الإصلاحي إلى نهاية المطاف، رغم احتياجها في بعض المحاور إلى المعالجة الثورية، كمكافحة الأمية والفساد، وبصفة عامة فالخطة ليبرالية تعتمد على نظرية عدالة التوزيع لدى جون رولز، وليس على نصوص الدستور المصري.
حيث تركز على تقليل الفجوات الجغرافية، في التعليم والصحة، والتركيز على تضييق الفروق النوعية والجيلية. وهذا شيء ايجابي في الخطة، ولكنه لا يراعي طبيعة المجتمع المصري، والظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تعانى منه– ولا تزال- قطاعات كبيرة من المصريين منذ عقود. حيث أن قصر العدالة الاجتماعية على تقليل الفجوات الجغرافية، يقوم على افتراض خاطئ بأن العدالة الاجتماعية قد تحققت في بعض المناطق ولم تتحقق في الأخرى، وتقليل الفجوات النوعية، يفترض مسبقا بأن العدالة الاجتماعية قد تحققت للرجال، وتقليل الفجوات الجيلية، يفترض مسبقا أن العدالة الاجتماعية، قد تحققت لكل الفئات العمرية ماعدا الشباب. ولم تتطرق الخطة لأية إستراتيجيات تتعلق بتوفير المساكن للعمال والفلاحين وأبناء الطبقة الوسطى الفقيرة. ركزت الخطة على التوزيع المؤسسي العادل، ولكنها لم تتطرق لأهم شروط نجاح هذا التوزيع، وهو مكافحة الممارسات السلوكية الفاسدة داخل هذه المؤسسات، والتي تنسف أية محاولات لإقامة العدل الاجتماعي. إن هذا التركيز على العدالة الليبرالية المقيدة، يفقد الخطة حس العدالة (sense of justice) الذي كتبت به نصوص الدستور المصري.
يعتمد تنفيذ الخطة على شراكة بين (الحكومة، القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني)، ولم تقدم لنا تفاصيل عن دور القطاع الخاص في إقامة العدل الاجتماعي في مصر، فالدولة حتى الآن لم تستطع تطبيق نظام ضريبي عادل، بل على العكس التعديل الأخير لقانون الضرائب، يسير في الاتجاه المعاكس للعدالة الاجتماعية. ويؤدي إلى تركز القوة في يد طبقة رجال الأعمال، ما يضر بالحرية السياسية المنصفة في نهاية المطاف، وفقا لنظرية رولز، على نحو ما شهدناه، في نهاية عصر مبارك.
يعتمد تنفيذ الخطة على شراكة بين (الحكومة، القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني)، ولم تقدم لنا تفاصيل عن دور القطاع الخاص في إقامة العدل الاجتماعي في مصر
ثالثا: احتياجات خطة العدالة الاجتماعية
(1) إضافة معيار (عدالة الاختيار الحر للمهنة) إلى محور (المساواة في الحقوق والفرص). يهدف هذا المعيار إلى ضمان تطبيق نص المادة التاسعة من الدستور في كل مؤسسات العمل. والقضاء على ظاهرة توريث المهن، ومن ثم فإن الخطة تحتاج إلى مؤشرات لقياس مدى تحقق هذا النوع من المساواة في الحقوق والفرص.
(2) إضافة معيار عدالة الاستحقاق في إعادة التأهيل إلى محور (الاندماج الاجتماعي): وهذا يحقق العدل لقطاع كبير من السكان المتهمين أو المعاقبين في جرائم جنائية بمختلف أنواعها، وجرائم تتعلق بالتطرف والإرهاب. وبما أن رؤية الدولة تنطلق من أن معالجة ظواهر الارهاب، لا تقتصر على الجوانب الأمنية، فإنه من الضروري، واتساقا مع هذه الرؤية، أن تتضمن خطة العدالة الاستحقاق في إعادة التأهيل، وهو ما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد. وعليه فإن المحور يجب أن يتضمن مؤشرات لضمان تحقق عدالة الاستحقاق في إعادة التأهيل الاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي.
(3) إضافة معيار عدالة الاستحقاق في مأوى لجميع فئات المجتمع.
(4)إضافة مؤشرات لقياس العدالة في المجتمعات المحلية، وداخل المؤسسات، للتغلب على المشكلات التي ترتبط بالفساد المالي والإداري في توزيع الخدمات، على معنى أن المشكلة ليست فقط تقليل الفجوة الجغرافية، ولكن تقليل الفجوات المحلية التي يسببها الفساد، وداخل المؤسسات كذلك.
(5) إضافة معيار التخلص من الأمية، وهو ما ينعكس إيجابيا على المشاركة السياسية العاقلة لكل فئات المجتمع، ومن الطبيعي أن يكون هذا المعيار متضمنا في خطة التعليم، لكن تضمينه في خطة العدالة الاجتماعية، يؤدي إلى توجيه السياسة التعليمية في الاتجاه الذي يقضي على الظاهرة. ولا بد في هذا السياق التفكير بشكل ثوري في تغيير جهاز محو الأمية، الذي فشل في معالجة الظاهرة طيلة أربعة عقود ماضية.
خاتمة
العدالة الاجتماعية، هي عصب التنمية المستدامة، وتحقيقها يتطلب رؤية تكاملية، ونظم مراقبة ومتابعة، تقوم على الشفافية والمحاسبة، وهذه الملاحظات النقدية في نهاية المطاف، لا تقلل من الجهد المبذول في الخطة، وإنما مراجعة أوجه القصور بها، وفي حدود ما اطلعنا عليه، ونأمل أن نتلقى ردًا على هذه الملاحظات من المعنيين بإعداد الخطة. وكل معنيّ بالعدالة الاجتماعية.
(1) إضافة معيار (عدالة الاختيار الحر للمهنة) إلى محور (المساواة في الحقوق والفرص). يهدف هذا المعيار إلى ضمان تطبيق نص المادة التاسعة من الدستور في كل مؤسسات العمل. والقضاء على ظاهرة توريث المهن، ومن ثم فإن الخطة تحتاج إلى مؤشرات لقياس مدى تحقق هذا النوع من المساواة في الحقوق والفرص.
(2) إضافة معيار عدالة الاستحقاق في إعادة التأهيل إلى محور (الاندماج الاجتماعي): وهذا يحقق العدل لقطاع كبير من السكان المتهمين أو المعاقبين في جرائم جنائية بمختلف أنواعها، وجرائم تتعلق بالتطرف والإرهاب. وبما أن رؤية الدولة تنطلق من أن معالجة ظواهر الارهاب، لا تقتصر على الجوانب الأمنية، فإنه من الضروري، واتساقا مع هذه الرؤية، أن تتضمن خطة العدالة الاستحقاق في إعادة التأهيل، وهو ما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع في آن واحد. وعليه فإن المحور يجب أن يتضمن مؤشرات لضمان تحقق عدالة الاستحقاق في إعادة التأهيل الاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي.
(3) إضافة معيار عدالة الاستحقاق في مأوى لجميع فئات المجتمع.
(4)إضافة مؤشرات لقياس العدالة في المجتمعات المحلية، وداخل المؤسسات، للتغلب على المشكلات التي ترتبط بالفساد المالي والإداري في توزيع الخدمات، على معنى أن المشكلة ليست فقط تقليل الفجوة الجغرافية، ولكن تقليل الفجوات المحلية التي يسببها الفساد، وداخل المؤسسات كذلك.
(5) إضافة معيار التخلص من الأمية، وهو ما ينعكس إيجابيا على المشاركة السياسية العاقلة لكل فئات المجتمع، ومن الطبيعي أن يكون هذا المعيار متضمنا في خطة التعليم، لكن تضمينه في خطة العدالة الاجتماعية، يؤدي إلى توجيه السياسة التعليمية في الاتجاه الذي يقضي على الظاهرة. ولا بد في هذا السياق التفكير بشكل ثوري في تغيير جهاز محو الأمية، الذي فشل في معالجة الظاهرة طيلة أربعة عقود ماضية.
خاتمة
العدالة الاجتماعية، هي عصب التنمية المستدامة، وتحقيقها يتطلب رؤية تكاملية، ونظم مراقبة ومتابعة، تقوم على الشفافية والمحاسبة، وهذه الملاحظات النقدية في نهاية المطاف، لا تقلل من الجهد المبذول في الخطة، وإنما مراجعة أوجه القصور بها، وفي حدود ما اطلعنا عليه، ونأمل أن نتلقى ردًا على هذه الملاحظات من المعنيين بإعداد الخطة. وكل معنيّ بالعدالة الاجتماعية.