بين الثابت والمتغير: الدور المصري في أمن الخليج (2-3)
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:23 ص
كتب: د.يسري العزباوي
أما حزب النور، ذو مرجعية إسلامية، فقد رأى أن السياسة الخارجية المصرية الجديدة
لا بد من أن تدعم الأمن القومي المصري، وتحترم العهود والمواثيق، ولا تزج بالبلاد في نزاعات تدمر ولا تعمر، وتهدم ولا تبني، بل تحرص على تحقيق أعلى المكاسب، وتحافظ على أهم المصالح للأمة المصرية خاصة، وللأمة العربية والإسلامية عامة.
وأما حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، فقد تحدث عن منطقة الخليج ضمن الدائرة العربية، حيث أكد على أن محيط الأمن المصري داخل حدود البلاد يشمل العلاقات مع دوائر أربع: الدائرة القطرية “,”مصر“,”، والدائرة “,”العربية“,”، والدائرة “,”الإسلامية“,”، والدائرة “,”الإفريقية“,”، والعلاقات مع هذه الدول في الدوائر جميعًا هي علاقات حيوية؛ لحفظ الأمن القومي، وحماية العمق الإستراتيجي الممتد عبر هذه الدوائر. بينما يرى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن مفهوم الأمن القومي المصري لا يقتصر على حدود مصر السياسية، بل مفهوم أوسع وأشمل يرتكز علي المنطقة العربية كلها.
ومن جانبه يرى حزب الوفد، ليبرالي التوجه، ضرورة تدعيم العمل العربي المشترك رسميًّا وشعبيًّا، وتحقيق أكبر قدر ممكن من التضامن الفعلي، وإعادة النظر في منهج وآليات التكامل الاقتصادي المتبعة منذ نحو نصف قرن، والتوافق على صيغة جديدة لهذا التكامل تُعنى بالمدخل الإنتاجي، وليس فقط المدخل التجاري؛ تمهيدًا لبناء تحالفات اقتصادية على أساس المصلحة، تتطور لاحقًا إلى كتل اقتصادية واحدة. كما يرى الحزب ضرورة بناء علاقات مصر الإقليمية على أساس من التعاون والتكامل، وإجراء حوار إستراتيجي مع إيران وتركيا حول مستقبل المنطقة، ومراجعة عملية التسوية والاتفاقات مع إسرائيل، على أساس أنه لا سلام حقيقيًّا في ظل العدوان الإسرائيلي، وانتهاك الحق الفلسطيني في أن تكون دولة ذات سيادة قادرة على البقاء وتصنع مصيرها ومستقبل أبنائها.
ونافلة القول: من خلال تناولنا لبعض نماذج من برامج الأحزاب السياسية، يمكن القول بأنها جميعًا تحدثت عن الأمن القومي الخليجي بشكل مباشر أو في الإطار الأوسع؛ على اعتبار أنه جزء من الأمن القومي العربي أو الإسلامي.
أمن الخليج بين مبارك ومرسي
في الواقع، لا يستطيع أي باحث منصف أن ينكر أن الرئيس السابق حسني مبارك قد أولى منطقة الخليج اهتمامًا خاصًّا، ففي عهده شاركت مصر في حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت، ووقف بشكل مباشر في وجه محاولات إيران التدخل في الشئون الداخلية لبعض دول الخليج، وهذا ما تثبته زياراته الخارجية لمنطقة الخليج، والتي كان يأتي أغلبها عقب أي توترات بين أية دولة في منطقة الخليج وإيران.
من ناحية أخرى، شهد عهد النظام السابق أعلى تنسيق ، وأطول توافق،
مصري - سعودي، وهو أمر لم يكن موجودًا في عهدي السادات وعبد الناصر. وقد أدى هذا التوافق المصري السعودي إلى زيادة حجم العمالة المصرية في دول الخليج، والذي وصل إلى أكثر من مليون مواطن مصري يعملون في المملكة العربية السعودية وحدها، وإلى ما يقرب من ربع مليون مصري يعملون في دولة الكويت، وحوالي مائة ألف مصري يعملون في دولة الإمارات العربية المتحدة. وإذا أضفت إليهم أسرهم التي تلتحق بهم ستجد أنك أمام حالة يكون فيها ثلاثة ملايين نسمة من المصريين يعيشون في الخليج. هذا الحجم من البشر هو أكبر من عدد سكان بعض الدول الصغيرة في الخليج، وبالتأكيد أكبر بكثير من عدد سكان البلد الأصليين في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة.
ويمكن الإضافة هنا، أن الرئيس السابق قد استمر في التعامل مع منطقة الخليج بنفس الأسس والمحددات التي صاغها المشير أبو غزالة (وزير دفاع مصر في أواخر عهد محمد أنور السادات، وبداية عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك لعدة سنوات حتى سنة 1989 ) في مطلع الثمانينيات، حيث أكد على ما يلي:
أولاً: ما يتهدد أمن الخليج هو الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية، وبذلك بات أمن الجناح الشرقي للمنطقة العربية مهددًا؛ لارتباطه بأمن الخليج، ومن هنا برر دعم مصر للعراق، وأكد صراحة ضرورة أن تتوقف إيران عند حدودها الدولية.
ثانيًا: لا يمكن أن تلعب مصر دورها في تأمين الخليج دون مساعدة أمريكية، وهذه المساعدة يجب أن تشتمل على تطوير القدرات العسكرية، ليس لمصر فقط بل وللخليجيين أيضًا، فوفقًا لأبوغزالة: “,”إننا نحتاج السلاح، ونحن قادرون على ممارسة أعمال الردع والدفاع، فالشعوب من حولنا يجب أن ترى مصر والسعودية قويتين، وعلينا أن ننمي العلاقات بين الدولتين كي تعملا معًا مرة ثانية، فإنه من صالح العرب وجود قوة الاستقرار هذه لتكون قادرة على التصدي لأي أخطار تأتي من الخارج، فما ينقص مصر هو المال اللازم لبناء قوة رادعة ولحماية الخليج“,”.
ثالثًا: المصالح المصرية المرتبطة بأمن النفط الخليجي وطرق نقله إلى الأسواق العالمية عن طريق قناة السويس. وبذلك تجاذبت الدور المصري في منطقة الخليج حتى مطلع التسعينات رؤيتان، احداهما تنظر إليه باعتباره مرتبطًا بالرؤية وبالدور الأمريكيين، مما يعني لعب الدور في ضوء ما هو مرسوم وعدم الخروج عليه باعتبار أن ذلك جزء من ترتيبات إدارة الحرب الباردة، أما الثانية فتؤكد البعد الإقليمي الأيديولوجي غير العسكري لأمن المنطقة ومن ثم للدور المصري الذي يجب أن يؤدي وفقًا لحسابات إقليمية أكثر منها دولية.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة في حكم الرئيس مبارك، تبلور نمط من الاعتماد المتبادل والمصالح المشتركة بين مصر ودول منطقة الخليج كان له ثلاثة مظاهر، أولها: التقارب في التوجهات السياسية تجاه قضايا المنطقة والعالم، وثانيها نمو المصالح المتبادلة بين الطرفين في مجالات الاستثمار والعمالة والسياحة وغير ذلك من مجالات اقتصادية ومالية، وثالثها التنسيق في السياسات الخارجية والمواقف في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وظل ذلك نمو الشعور بالثقة والاطمئنان بين القيادة السياسية المصرية والقيادات الحاكمة في دول الخليج باستثناء بعض التوترات والخلافات التي تظهر بين فترة وأخري مع دولة قطر.
وعلى الجانب الآخر، وعقب اندلاع الثورة المصرية، وتولي الدكتور مرسي السلطة، تغيرت الكثير من المواقف، فأصبحت قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي على علاقة وئام ومساندة، بكل قوة، للنظام السياسي الجديد، ومالت مواقف الدول الخليجة معظمها إلى التحفظ والحذر، ووصل بعضها إلى حد الاستياء والغضب، وأقصد هنا بالتأكيد دولة الإمارات العربية الشقيقة.
وفي مقال للدكتور أحمد يوسف أحمد، مدير معهد البحوث والدراسات العربية، التابع لجامعة الدول العربية، أشار إلى أن وصول الدكتور محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة “,”الإخوان المسلمين“,”، إلى سدة الرئاسة في مصر أثار علامات استفهام عديدة، منها ما يتعلق بالسياسة الخارجية التي درجت على اعتبار الدائرة العربية الأولى في اهتماماتها مقارنة بالدوائر الأخرى. وكان التساؤل الرئيسي هنا عن الدائرة الإسلامية، وإمكانية قفزها إلى صدارة أولويات دوائر السياسة الخارجية المصرية في عهده، لاسيما أنها تشمل بالضرورة الدول العربية كافة. غير أن اللافت في البرنامج الانتخابي للدكتور محمد مرسي أنه احتفظ بالدائرة العربية كدائرة أولى، وتلتها الدائرة الإفريقية ثم الإسلامية. وهو الترتيب نفسه الذي أتت به “,”فلسفة ثورة 1952“,” لجمال عبد الناصر منذ نحو ستين عامًا، وإن كان ترتيب عبد الناصر وفق الأهمية من وجهة نظره، فيما تحدث مرسي عن الموازنة بين دوائر الانتماء المختلفة .
كما أشار يوسف إلى أنه من اللافت أن الأولويات التي تلت القضية الفلسطينية هي نفسها أولويات نظام مبارك، وهي بالترتيب: الدائرة الخليجية، ودائرة العمل العربي المشترك، وقد تحدث برنامج مرسي عن “,”إحياء“,” الدور المصري في بناء العلاقات العربية-العربية، فيما استخدم تعبير “,”قيادة“,” عملية إصلاح الجامعة العربية، وليس مفهومًا مغزى هذا الاختلاف، الذي يمكن أن يكون لفظيًّا، وإلا وجب الحديث عن “,”إحياء“,” للدور بكافة أبعاده، أو عن دور “,”قيادي“,” لمصر في الوطن العربي.
وبعد العمل العربي المشترك أتى الوزن الخاص للعلاقات مع السودان، والحديث عن “,”شراكة اقتصادية بين البلدين“,”، وأخيرًا ثمة نص عام، غامض نوعًا ما، يتحدث عن انفتاح مصر على كافة الدول العربية، لاسيما بلدان الخليج (وهو ما سبق أن احتل أولوية ثانية لدى الرئيس مرسي بعد القضية الفلسطينية)، كذلك يبدو إهمال دول المشرق العربي غريبًا؛ لأن العلاقة المصرية معها ذات طابع إستراتيجي، كما يلفت النظر الحديث عن تحالفات مصرية رسمية و“,”شعبية“,”، وليس معروفًا كيف ستبنى هذه التحالفات “,”الشعبية“,”، وما إذا كان المقصود منها الاعتماد على تنظيمات “,”الإخوان المسلمين“,” في الوطن العربي. وأخيرًا، لم يأت البرنامج على أي موقف من الثورات العربية، خاصة السورية، التي ما زالت مستمرة ضد حكم البعث وآل الأسد .
يتبع
لا بد من أن تدعم الأمن القومي المصري، وتحترم العهود والمواثيق، ولا تزج بالبلاد في نزاعات تدمر ولا تعمر، وتهدم ولا تبني، بل تحرص على تحقيق أعلى المكاسب، وتحافظ على أهم المصالح للأمة المصرية خاصة، وللأمة العربية والإسلامية عامة.
وأما حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، فقد تحدث عن منطقة الخليج ضمن الدائرة العربية، حيث أكد على أن محيط الأمن المصري داخل حدود البلاد يشمل العلاقات مع دوائر أربع: الدائرة القطرية “,”مصر“,”، والدائرة “,”العربية“,”، والدائرة “,”الإسلامية“,”، والدائرة “,”الإفريقية“,”، والعلاقات مع هذه الدول في الدوائر جميعًا هي علاقات حيوية؛ لحفظ الأمن القومي، وحماية العمق الإستراتيجي الممتد عبر هذه الدوائر. بينما يرى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن مفهوم الأمن القومي المصري لا يقتصر على حدود مصر السياسية، بل مفهوم أوسع وأشمل يرتكز علي المنطقة العربية كلها.
ومن جانبه يرى حزب الوفد، ليبرالي التوجه، ضرورة تدعيم العمل العربي المشترك رسميًّا وشعبيًّا، وتحقيق أكبر قدر ممكن من التضامن الفعلي، وإعادة النظر في منهج وآليات التكامل الاقتصادي المتبعة منذ نحو نصف قرن، والتوافق على صيغة جديدة لهذا التكامل تُعنى بالمدخل الإنتاجي، وليس فقط المدخل التجاري؛ تمهيدًا لبناء تحالفات اقتصادية على أساس المصلحة، تتطور لاحقًا إلى كتل اقتصادية واحدة. كما يرى الحزب ضرورة بناء علاقات مصر الإقليمية على أساس من التعاون والتكامل، وإجراء حوار إستراتيجي مع إيران وتركيا حول مستقبل المنطقة، ومراجعة عملية التسوية والاتفاقات مع إسرائيل، على أساس أنه لا سلام حقيقيًّا في ظل العدوان الإسرائيلي، وانتهاك الحق الفلسطيني في أن تكون دولة ذات سيادة قادرة على البقاء وتصنع مصيرها ومستقبل أبنائها.
ونافلة القول: من خلال تناولنا لبعض نماذج من برامج الأحزاب السياسية، يمكن القول بأنها جميعًا تحدثت عن الأمن القومي الخليجي بشكل مباشر أو في الإطار الأوسع؛ على اعتبار أنه جزء من الأمن القومي العربي أو الإسلامي.
أمن الخليج بين مبارك ومرسي
في الواقع، لا يستطيع أي باحث منصف أن ينكر أن الرئيس السابق حسني مبارك قد أولى منطقة الخليج اهتمامًا خاصًّا، ففي عهده شاركت مصر في حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت، ووقف بشكل مباشر في وجه محاولات إيران التدخل في الشئون الداخلية لبعض دول الخليج، وهذا ما تثبته زياراته الخارجية لمنطقة الخليج، والتي كان يأتي أغلبها عقب أي توترات بين أية دولة في منطقة الخليج وإيران.
من ناحية أخرى، شهد عهد النظام السابق أعلى تنسيق ، وأطول توافق،
مصري - سعودي، وهو أمر لم يكن موجودًا في عهدي السادات وعبد الناصر. وقد أدى هذا التوافق المصري السعودي إلى زيادة حجم العمالة المصرية في دول الخليج، والذي وصل إلى أكثر من مليون مواطن مصري يعملون في المملكة العربية السعودية وحدها، وإلى ما يقرب من ربع مليون مصري يعملون في دولة الكويت، وحوالي مائة ألف مصري يعملون في دولة الإمارات العربية المتحدة. وإذا أضفت إليهم أسرهم التي تلتحق بهم ستجد أنك أمام حالة يكون فيها ثلاثة ملايين نسمة من المصريين يعيشون في الخليج. هذا الحجم من البشر هو أكبر من عدد سكان بعض الدول الصغيرة في الخليج، وبالتأكيد أكبر بكثير من عدد سكان البلد الأصليين في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة.
ويمكن الإضافة هنا، أن الرئيس السابق قد استمر في التعامل مع منطقة الخليج بنفس الأسس والمحددات التي صاغها المشير أبو غزالة (وزير دفاع مصر في أواخر عهد محمد أنور السادات، وبداية عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك لعدة سنوات حتى سنة 1989 ) في مطلع الثمانينيات، حيث أكد على ما يلي:
أولاً: ما يتهدد أمن الخليج هو الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية، وبذلك بات أمن الجناح الشرقي للمنطقة العربية مهددًا؛ لارتباطه بأمن الخليج، ومن هنا برر دعم مصر للعراق، وأكد صراحة ضرورة أن تتوقف إيران عند حدودها الدولية.
ثانيًا: لا يمكن أن تلعب مصر دورها في تأمين الخليج دون مساعدة أمريكية، وهذه المساعدة يجب أن تشتمل على تطوير القدرات العسكرية، ليس لمصر فقط بل وللخليجيين أيضًا، فوفقًا لأبوغزالة: “,”إننا نحتاج السلاح، ونحن قادرون على ممارسة أعمال الردع والدفاع، فالشعوب من حولنا يجب أن ترى مصر والسعودية قويتين، وعلينا أن ننمي العلاقات بين الدولتين كي تعملا معًا مرة ثانية، فإنه من صالح العرب وجود قوة الاستقرار هذه لتكون قادرة على التصدي لأي أخطار تأتي من الخارج، فما ينقص مصر هو المال اللازم لبناء قوة رادعة ولحماية الخليج“,”.
ثالثًا: المصالح المصرية المرتبطة بأمن النفط الخليجي وطرق نقله إلى الأسواق العالمية عن طريق قناة السويس. وبذلك تجاذبت الدور المصري في منطقة الخليج حتى مطلع التسعينات رؤيتان، احداهما تنظر إليه باعتباره مرتبطًا بالرؤية وبالدور الأمريكيين، مما يعني لعب الدور في ضوء ما هو مرسوم وعدم الخروج عليه باعتبار أن ذلك جزء من ترتيبات إدارة الحرب الباردة، أما الثانية فتؤكد البعد الإقليمي الأيديولوجي غير العسكري لأمن المنطقة ومن ثم للدور المصري الذي يجب أن يؤدي وفقًا لحسابات إقليمية أكثر منها دولية.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة في حكم الرئيس مبارك، تبلور نمط من الاعتماد المتبادل والمصالح المشتركة بين مصر ودول منطقة الخليج كان له ثلاثة مظاهر، أولها: التقارب في التوجهات السياسية تجاه قضايا المنطقة والعالم، وثانيها نمو المصالح المتبادلة بين الطرفين في مجالات الاستثمار والعمالة والسياحة وغير ذلك من مجالات اقتصادية ومالية، وثالثها التنسيق في السياسات الخارجية والمواقف في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وظل ذلك نمو الشعور بالثقة والاطمئنان بين القيادة السياسية المصرية والقيادات الحاكمة في دول الخليج باستثناء بعض التوترات والخلافات التي تظهر بين فترة وأخري مع دولة قطر.
وعلى الجانب الآخر، وعقب اندلاع الثورة المصرية، وتولي الدكتور مرسي السلطة، تغيرت الكثير من المواقف، فأصبحت قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة التي على علاقة وئام ومساندة، بكل قوة، للنظام السياسي الجديد، ومالت مواقف الدول الخليجة معظمها إلى التحفظ والحذر، ووصل بعضها إلى حد الاستياء والغضب، وأقصد هنا بالتأكيد دولة الإمارات العربية الشقيقة.
وفي مقال للدكتور أحمد يوسف أحمد، مدير معهد البحوث والدراسات العربية، التابع لجامعة الدول العربية، أشار إلى أن وصول الدكتور محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة “,”الإخوان المسلمين“,”، إلى سدة الرئاسة في مصر أثار علامات استفهام عديدة، منها ما يتعلق بالسياسة الخارجية التي درجت على اعتبار الدائرة العربية الأولى في اهتماماتها مقارنة بالدوائر الأخرى. وكان التساؤل الرئيسي هنا عن الدائرة الإسلامية، وإمكانية قفزها إلى صدارة أولويات دوائر السياسة الخارجية المصرية في عهده، لاسيما أنها تشمل بالضرورة الدول العربية كافة. غير أن اللافت في البرنامج الانتخابي للدكتور محمد مرسي أنه احتفظ بالدائرة العربية كدائرة أولى، وتلتها الدائرة الإفريقية ثم الإسلامية. وهو الترتيب نفسه الذي أتت به “,”فلسفة ثورة 1952“,” لجمال عبد الناصر منذ نحو ستين عامًا، وإن كان ترتيب عبد الناصر وفق الأهمية من وجهة نظره، فيما تحدث مرسي عن الموازنة بين دوائر الانتماء المختلفة .
كما أشار يوسف إلى أنه من اللافت أن الأولويات التي تلت القضية الفلسطينية هي نفسها أولويات نظام مبارك، وهي بالترتيب: الدائرة الخليجية، ودائرة العمل العربي المشترك، وقد تحدث برنامج مرسي عن “,”إحياء“,” الدور المصري في بناء العلاقات العربية-العربية، فيما استخدم تعبير “,”قيادة“,” عملية إصلاح الجامعة العربية، وليس مفهومًا مغزى هذا الاختلاف، الذي يمكن أن يكون لفظيًّا، وإلا وجب الحديث عن “,”إحياء“,” للدور بكافة أبعاده، أو عن دور “,”قيادي“,” لمصر في الوطن العربي.
وبعد العمل العربي المشترك أتى الوزن الخاص للعلاقات مع السودان، والحديث عن “,”شراكة اقتصادية بين البلدين“,”، وأخيرًا ثمة نص عام، غامض نوعًا ما، يتحدث عن انفتاح مصر على كافة الدول العربية، لاسيما بلدان الخليج (وهو ما سبق أن احتل أولوية ثانية لدى الرئيس مرسي بعد القضية الفلسطينية)، كذلك يبدو إهمال دول المشرق العربي غريبًا؛ لأن العلاقة المصرية معها ذات طابع إستراتيجي، كما يلفت النظر الحديث عن تحالفات مصرية رسمية و“,”شعبية“,”، وليس معروفًا كيف ستبنى هذه التحالفات “,”الشعبية“,”، وما إذا كان المقصود منها الاعتماد على تنظيمات “,”الإخوان المسلمين“,” في الوطن العربي. وأخيرًا، لم يأت البرنامج على أي موقف من الثورات العربية، خاصة السورية، التي ما زالت مستمرة ضد حكم البعث وآل الأسد .
يتبع