بين الثابت والمتغير: الدور المصري في أمن الخليج (3-3)
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:23 ص
د.يسري العزباوي
وكان من المأمول أن تشهد العلاقات بين دول مجلس التعاون ومصر نقلة نوعية أو على الأقل تطورًا إيجابيًا في مجالات متعددة، فمن ناحية، كان يفترض بحكم عامل الزمن أن تزول تدريجيًا حالة الرفض النفسي الداخلي التي أصابت بعض دوائر الحكم في الخليج لإخراج مبارك من الحكم بطريقة بدت مهينة. ومن ناحية أخرى، لم تصدق التوقعات بتصدير الثورة وانتقال عدواها من القاهرة لتجتاح دول الخليج. في المقابل، استمرت –ومازالت- دول الخليج على ترددها بشأن العلاقة مع مصر بعد الثورة، وربما يكون ذلك مفهومًا في المرحلة الحالية التي يحكم مصر فيها رئيس إسلامي ينتمي تحديدًا إلى جماعة الإخوان المسلمون لاعتبارات كثيرة تتعلق بموقف نظم الحكم الخليجية من الجماعة بطبيعتها الانتشارية عبر الحدود والأقطار، وبأفكارها ذات البعد الدولي - الأممي.
وواقعيًا، قدمت دول مجلس التعاون الخليجي لمصر مساعدات اقتصادية مهمة في هذه اللحظة الحرجة، لكنها تظل ضئيلة مقارنة بما تحتاجه مصر لتخرج من كبوتها الاقتصادية، وشديدة الضآلة بالنظر إلي القدرات المالية الخليجية. وعلى الرغم من أن هناك مجموعة من الدوافع الموضوعية للإحجام الخليجي عن الإقبال علي مصر اقتصاديًا، خصوصًا في مجال الاستثمارات وتنمية أوجه التعاون الاقتصادي. إلا أن بعضها، مثل: الإستغناء عن أعداد من العمالة المصرية في بعض دول الخليج، وفرض قيود جديدة علي كل التأشيرات للمصريين بما فيها الزيارة والسياحة، فضلا عن تأشيرات العمل التي أصبحت عسيرة المنال، بدت عقابية من الطراز الأول.
والخلاصة، أن الرئيس مرسي، حتى هذه اللحظات- أعطى العلاقة مع دول الخليج أولوية ثانية بعد القضية الفلسطينية والذي تحقق له فيها نصرًا خارجيًا، بعد أن خضع لأصعب اختبار سياسي دولي، غير معلوم نتائجه المستقبلية على مصر حتى هذه اللحظات.
من الصدام إلى التوافق ... مستقبل الدور المصري
إن مسألة الأمن في الخليج عملية معقدة ومتداخلة بحكم تعدد القضايا والأطراف المحلية الإقليمية والدولية المرتبطة بها. وإذا كان الخليج قد شهد العديد من الحروب في السابق، والتي لاتزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، فإن هناك الكثير من التهديدات القائمة حاليًا والمحتملة مستقبلاً، والتي تنذر بما هو أسوأ في حال استمرت المشكلات الراهنة من دون حلول جذرية وحقيقية. ومن هنا تأتي أهمية التفكير والتحرك من أجل بناء نظام أمني مستقر في منطقة الخليج، إلا أن هذا الأمر له أسسه وشروطه ومتطلباته التي يبدو من الصعب توفيرها وإنضاجها خلال المستقبل المنظور.
وبناء عليه، إذا أرادت مصر ثورة 25 يناير أن تلعب دور حقيقي ومستقبلي في منظومة الأمن في الخليج، فإن عليها أولاً: أن تقوم بإجراءات تعزيز بناء الثقة مع دول مجلس التعاون، وذلك في ظل تخوف خليجي من قيام النظام المصري الجديد بتصدير الثورة المصرية، وكذا وأد الخلاف الناشئ بين مصر والإمارت، وهنا يمكن أن تلعب قطر أو المملكة العربية السعودية دور كبير في تقريب وجهات النظر وإنهاء هذا الخلاف بين الطرفين. ثانيًا: إعطاء مزايا معينة لأية استثمارات عربية وخليجية في مصر، حتى يتم جذب مزيد من الاسثمارات في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده مصر حاليًا.
وعلى الجانب الخليجي، لابد من رفع سقف الدعم الخليجي للاقتصاد المصري، في ظل التدهور الذي يشهد الاقتصاد المصري، هناك الكثير من الوفرات والقدارات المالية لأغلب دول الخليج، وتحسين أحوال ظروف عمل المصريين في دول الخليج، بإعطائهم بعض المزايا الحقوقية التي تعطي للمواطنين الأصليين.
ومن ثم يمكن لمصر أن تلعب –كما لعبت في السابق- دورًا في مواجهة التهديات التي تواجه منطقة الخليج عن طريق مسارات ثلاثة.
المسار الأول: هو المسار الدولي، فتستطيع مصر مع دول الخليج إقامة علاقات دولية متوازنة مع جميع الأطراف، ليس فقط الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضًا مع تلك القوى البازغة في النمو عالمياً مثل الصين وألمانيا واليابان وروسيا، مع التأكيد دائما على أن دول المنطقة ليست طرفًا في نزاع مع أحد أو تقف مع طرف ضد طرف آخر. بمعنى مغاير، تبني سياسة الحياد الإيجابي مع جميع الأطراف الدولية لتجنب الدخول في حسابات دولية معقدة. وهنا يمكن أن تستغل مصر، القوى الناعمة التي أحدثتها الثورة المصرية، في الوصول إلى صيغة دولية جماعية، لمواجهة أية تهديدات لهذه المنطقة المضطربة في العالم.
المسار الثاني: فهو التحرك إقليميًا، من خلال تفعيل منظومة العمل العربي المشترك، خاصة المنظومة الأمنية، في ظل التأكيد على ضرورة إقامة علاقة طبيعية وسلمية ليست فقط مع إيران، شريطة عدم تدخل إيران في الشأن الداخلي العربي، وحل مشكلة الجزر الإماراتية، خاصة في ظل تنامي التعاون الاقتصادي الخليجي الإيراني، ولكن أيضًا مع تركيا التي تلعب دورًا كبيرًا الآن في كل القضايا الاستراتيجية في المنطقة. وهنا تستطيع مصر أن تستخدم ورقة عودة العلاقات مع إيران كادأة للضغط على إيران للقبول بالترتيبات الأمنية الإقليمية.
المسار الثالث: بالتهديدات الداخلية، والذي يحتم على دول المجلس أن تبادر إلى تطوير برامج التنمية البشرية وتبني الإصلاح الاقتصادي الشامل، والاهتمام بقطاعات الثقافة والتعليم، إذ أن دول الخليج بحاجة إلى نهضة فكرية تسهم في وضع أسس جديدة لحراك مجتمعي قادر على الخروج من الموروثات السلبية المؤثرة على تماسك المجتمع، وطرح معطيات جديدة تتناسب مع مستوى التحولات التي تمر بها المنطقة. وهنا يمكن أن تستبدل دول الخليج العمالة الأجنبية بالمصرية الأقرب إليها في الدين والعادات والتقاليد واللغة، في ظل مشكلة الهوية التي تواجه أغلب دول الخيلج.
والخلاصة، بأن دور مصر في مسألة أمن الخليج، هو دور محوري ومهم، حتى ولو استمرت جماعة الإخوان المسلمين في حكم مصر، وذلك لأن الارتباط بين مصر وبين دول مجلس التعاون الخليجي هو ارتباط أذلي وأكبر بكثير من نظام الحكم. فمصر هي الامتداد والعمق الاستراتيجي لدول الخليجي، كما أن دول الخليج ليست فقط إحدى الروافد الأسياسية للموارد الاقتصادية المصرية، ولكنها العمود الفقري لمصر في الكثير من المحن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وليس خافي على أحد بأن الكثير من المصريين تأثروا بالثقافة والتقاليد والعادات الخليجية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين.
وواقعيًا، قدمت دول مجلس التعاون الخليجي لمصر مساعدات اقتصادية مهمة في هذه اللحظة الحرجة، لكنها تظل ضئيلة مقارنة بما تحتاجه مصر لتخرج من كبوتها الاقتصادية، وشديدة الضآلة بالنظر إلي القدرات المالية الخليجية. وعلى الرغم من أن هناك مجموعة من الدوافع الموضوعية للإحجام الخليجي عن الإقبال علي مصر اقتصاديًا، خصوصًا في مجال الاستثمارات وتنمية أوجه التعاون الاقتصادي. إلا أن بعضها، مثل: الإستغناء عن أعداد من العمالة المصرية في بعض دول الخليج، وفرض قيود جديدة علي كل التأشيرات للمصريين بما فيها الزيارة والسياحة، فضلا عن تأشيرات العمل التي أصبحت عسيرة المنال، بدت عقابية من الطراز الأول.
والخلاصة، أن الرئيس مرسي، حتى هذه اللحظات- أعطى العلاقة مع دول الخليج أولوية ثانية بعد القضية الفلسطينية والذي تحقق له فيها نصرًا خارجيًا، بعد أن خضع لأصعب اختبار سياسي دولي، غير معلوم نتائجه المستقبلية على مصر حتى هذه اللحظات.
من الصدام إلى التوافق ... مستقبل الدور المصري
إن مسألة الأمن في الخليج عملية معقدة ومتداخلة بحكم تعدد القضايا والأطراف المحلية الإقليمية والدولية المرتبطة بها. وإذا كان الخليج قد شهد العديد من الحروب في السابق، والتي لاتزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، فإن هناك الكثير من التهديدات القائمة حاليًا والمحتملة مستقبلاً، والتي تنذر بما هو أسوأ في حال استمرت المشكلات الراهنة من دون حلول جذرية وحقيقية. ومن هنا تأتي أهمية التفكير والتحرك من أجل بناء نظام أمني مستقر في منطقة الخليج، إلا أن هذا الأمر له أسسه وشروطه ومتطلباته التي يبدو من الصعب توفيرها وإنضاجها خلال المستقبل المنظور.
وبناء عليه، إذا أرادت مصر ثورة 25 يناير أن تلعب دور حقيقي ومستقبلي في منظومة الأمن في الخليج، فإن عليها أولاً: أن تقوم بإجراءات تعزيز بناء الثقة مع دول مجلس التعاون، وذلك في ظل تخوف خليجي من قيام النظام المصري الجديد بتصدير الثورة المصرية، وكذا وأد الخلاف الناشئ بين مصر والإمارت، وهنا يمكن أن تلعب قطر أو المملكة العربية السعودية دور كبير في تقريب وجهات النظر وإنهاء هذا الخلاف بين الطرفين. ثانيًا: إعطاء مزايا معينة لأية استثمارات عربية وخليجية في مصر، حتى يتم جذب مزيد من الاسثمارات في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده مصر حاليًا.
وعلى الجانب الخليجي، لابد من رفع سقف الدعم الخليجي للاقتصاد المصري، في ظل التدهور الذي يشهد الاقتصاد المصري، هناك الكثير من الوفرات والقدارات المالية لأغلب دول الخليج، وتحسين أحوال ظروف عمل المصريين في دول الخليج، بإعطائهم بعض المزايا الحقوقية التي تعطي للمواطنين الأصليين.
ومن ثم يمكن لمصر أن تلعب –كما لعبت في السابق- دورًا في مواجهة التهديات التي تواجه منطقة الخليج عن طريق مسارات ثلاثة.
المسار الأول: هو المسار الدولي، فتستطيع مصر مع دول الخليج إقامة علاقات دولية متوازنة مع جميع الأطراف، ليس فقط الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضًا مع تلك القوى البازغة في النمو عالمياً مثل الصين وألمانيا واليابان وروسيا، مع التأكيد دائما على أن دول المنطقة ليست طرفًا في نزاع مع أحد أو تقف مع طرف ضد طرف آخر. بمعنى مغاير، تبني سياسة الحياد الإيجابي مع جميع الأطراف الدولية لتجنب الدخول في حسابات دولية معقدة. وهنا يمكن أن تستغل مصر، القوى الناعمة التي أحدثتها الثورة المصرية، في الوصول إلى صيغة دولية جماعية، لمواجهة أية تهديدات لهذه المنطقة المضطربة في العالم.
المسار الثاني: فهو التحرك إقليميًا، من خلال تفعيل منظومة العمل العربي المشترك، خاصة المنظومة الأمنية، في ظل التأكيد على ضرورة إقامة علاقة طبيعية وسلمية ليست فقط مع إيران، شريطة عدم تدخل إيران في الشأن الداخلي العربي، وحل مشكلة الجزر الإماراتية، خاصة في ظل تنامي التعاون الاقتصادي الخليجي الإيراني، ولكن أيضًا مع تركيا التي تلعب دورًا كبيرًا الآن في كل القضايا الاستراتيجية في المنطقة. وهنا تستطيع مصر أن تستخدم ورقة عودة العلاقات مع إيران كادأة للضغط على إيران للقبول بالترتيبات الأمنية الإقليمية.
المسار الثالث: بالتهديدات الداخلية، والذي يحتم على دول المجلس أن تبادر إلى تطوير برامج التنمية البشرية وتبني الإصلاح الاقتصادي الشامل، والاهتمام بقطاعات الثقافة والتعليم، إذ أن دول الخليج بحاجة إلى نهضة فكرية تسهم في وضع أسس جديدة لحراك مجتمعي قادر على الخروج من الموروثات السلبية المؤثرة على تماسك المجتمع، وطرح معطيات جديدة تتناسب مع مستوى التحولات التي تمر بها المنطقة. وهنا يمكن أن تستبدل دول الخليج العمالة الأجنبية بالمصرية الأقرب إليها في الدين والعادات والتقاليد واللغة، في ظل مشكلة الهوية التي تواجه أغلب دول الخيلج.
والخلاصة، بأن دور مصر في مسألة أمن الخليج، هو دور محوري ومهم، حتى ولو استمرت جماعة الإخوان المسلمين في حكم مصر، وذلك لأن الارتباط بين مصر وبين دول مجلس التعاون الخليجي هو ارتباط أذلي وأكبر بكثير من نظام الحكم. فمصر هي الامتداد والعمق الاستراتيجي لدول الخليجي، كما أن دول الخليج ليست فقط إحدى الروافد الأسياسية للموارد الاقتصادية المصرية، ولكنها العمود الفقري لمصر في الكثير من المحن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وليس خافي على أحد بأن الكثير من المصريين تأثروا بالثقافة والتقاليد والعادات الخليجية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين.