الاستفتاء على الدستور الجديد: في ضوء الخبرة الدولية (1-2)
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:24 ص
كتب: د. يسري العزباوي
دخلت مصر الثورة أشد مراحلها خطورة؛ بدخولها في مرحلة الاستفتاء على مسودة دستور مقترح من جمعية تأسيسية مطعون على شرعيتها أمام القضاء، ولم تنل منذ تشكيلها حالة رضا عام من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة. وعلى الرغم من حالة الانقسام الشديدة التي تشهدها أغلب مؤسسات الدولة، والمجتمع، بسبب هذه المسودة، ودعوة الرئيس الشعب للاستفتاء عليها، تجري عملية التصويت على مسودة الدستور طبقًا لتعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية التي جرت في عام 2011، وعلى وجه التحديد طبقًا لنص المادة العاشرة منه، والتي تنص على أنه “,”لا يجوز إدخال أي تعديل على قاعدة بيانات الناخبين بعد دعوة الناخبين إلى الانتخاب أو الاستفتاء“,”.
وبدون الدخول في تفاصيل حول مسودة الدستور وطريقة التصويت التي تمت عليها، ف هناك مجموعة من الحقوق للمصريين، البالغ عددهم نحو خمسة وخمسين مليون ناخب، تجاه هذا المشروع للدستور، والذي سوف ينظم كل شئون حياتهم لسنوات طويلة. والحق الأول لهؤلاء المصريين أن تتاح لهم الفرصة والوقت الكافيان للتعرف على مواد الدستور المقترح، والحوار حولها، بجميع السبل التي يمكنهم اللجوء إليها.
وإذا كان مائة من نخبة المصريين ومثقفيهم، هم أعضاء الجمعية التأسيسية، قد استغرقوا ستة أشهر لكي ينجزوا مواد الدستور بغير اتفاق كامل على الكثير منها، فما هو الوقت الكافي لهذه الملايين من المصريين أصحاب الحق الأصيل في الدستور، الذي سوف يستفتون عليه لكى يتعرفوا على مواده، بما يمكنهم من اتخاذ موقف رشيد ونهائي منها؟ وهل يعقل أن يقل الوقت المخصص لكل هذه الملايين من أصحاب الحق الأصيل عن الوقت الذي أتيح لوكلائهم المفترَضين من أعضاء الجمعية التأسيسية؟ إن القاعدة التي يجب تطبيقها في تحديد المدة التي يُجرى فيها الحوار المجتمعي حول الدستور المقترح هي ألا تقل عن المدة التي ستقضيها الجمعية التأسيسية في إعداده، وهي تبدو، في أحسن الأحوال، من خمسة لستة أشهر.
أما الحق الثانى لعموم المصريين فهو المتعلق بالنسبة التي يجب الحصول عليها من الموافقة على مشروع الدستور المقترح، ومعرفة ما هي الإجراءات والجوانب التي يجب توافرها في عملية تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور، والمعايير الدولية في تنظيم عملية الاستفتاءات على الدساتير، وهل يتم الاستفتاء على مادة مادة، أم باب باب، أم على الوثيقة كلها مرة واحدة؟ وهل سيقوم القضاء بالإشراف وتنظيم العملية الانتخابية، بمعنى: هل سيكون هناك قاض على كل صندوق؟ أم ماذا؟ ونسبة الحضور التي توافرها من الناخبين، وهل سيتم إقرار الدستور بأغلبية نسبة الحاضرين فقط أم ماذا؟ ورقة الاستفتاء ولونها، وهل سيتم تلخيص الدستور بها أم لا؟
الاستفتاء اصطلاحًا
يقصد بالاستفتاء إصطلاحًا الرجوع إلى الشعب لأخذ رأيه بالموافقة أو الرفض في أي موضوع عام، قانونيًّا أو دستوريًّا أو سياسيًّا، بصفته صاحب السيادة. كما أن الاستفتاء هو الطريقة التي تتجلى فيها ممارسة الشعب لسيادته بنفسه لكونه في حقيقة الأمر أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية المباشرة.
ولقد أحصت موسوعة السياسة، ثلاثة أشكال للاستفتاء، هي: الاستفتاء الدستوري، واستفتاء الرأي العام، والاستفتاء الشعبي. والنوع الأول يتعلق بعرض مشروع دستور أو تعديلات دستورية على الشعب للموافقة عليها باعتباره صاحب السيادة، بينما يقصد بالنوع الثاني استطلاع الرأي العام لمعرفة توجهاته حول قضية معينة أو منتج معين. أما النوع الأخير، وهو الاستفتاء الشعبي، والذي هو محور حديثنا، فيتعلق بسؤال الشعب عن رأيه في موضوع من الموضوعات، وذلك بهدف إشراك الناخبين في بعض القرارات المهمة التي يتوقف عليها مصير حياتهم وبلدهم.
وهكذا، فقد يكون الاستفتاء لاختبار الرأي العام بشأن إصلاحات دستورية مقترحة من الحكومة، التي تحدد الخطوط العريضة للتغييرات المقترحة في كل بطاقة استفتاء ليصوت المقترح بـ«ـنعم» أو بـ«لا» عليها. كما قد يجري “,”الاستفتاء أيضًا للموافقة على الحدود القومية والتغييرات فيها أو في الحدود الإقليمية. وعلى سبيل المثال، فقد نظمت عصبة الأمم في ثلاثينيات القرن العشرين سلسلة اقتراعات لتمكين الألمان من إقرار كيفية تقسيم بلدهم إلى ولايات. وفي عام 1989، سئل الشعب الفلبيني أن يوافق على إنشاء إقليم حكم ذاتي جديد في جنوب جزر الأرخبيل.
وعليه، فالاستفتاء الشعبي، والذي استخدم لأول مرة خلال عام 1790 عندما اقترع سكان نيس وسافوي للانضمام إلى فرنسا، هو تصويت الشعب في أي مسألة، خاصة اقتراع سكان أحد الأقاليم لاختيار حكومتهم. وهو نوع من أنواع الانتخاب، الذي هو “,”عملية يدلي فيها الناس بأصواتهم للمرشح، أو الاقتراح الذي يفضلونه“,”. ويعد حق الانتخاب في الدول الديمقراطية، من أهم الممارسات السياسية، كونه وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية.
معايير دولية ونماذج متعددة
بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد، وعن المشهد السياسى الذي تسوده حالة من حالات الانقسام التي لم تشهد لها مصر مثيل منذ تولى محمد على باشا السلطة، وعن وعود الدكتور محمد مرسى، الذي وعد أكثر من مرة على ضرورة إنهاء الحالة الاستقطابية، إلا أن هناك مجموعة من المعايير الدولية التي كانت يجب أن تتوفر أولًا قبل الدخول في عملية الاستفتاء، منها: الإطار القانونى، وخصوصية الظروف السياسية، وتوعية الناخبين بمضمون الوثيقة محل الاستفتاء.
فلا شك في أن الاستفتاءات، وسيلة مباشرة لممارسة الديمقراطية، فمن حق المواطن أن يشارك مباشرة في اتخاذ القرارات السياسية ويقيم أداء الحكومة. كما أن الديمقراطية المباشرة يمكن أن تُمارس من خلال أشكال مختلفة، ولكل واحدة اختلافات عديدة. وعامة، هناك ثلاث وسائل للديمقراطية المباشرة: أولا، الاستفتاء، وهو تصويت عام من قبل الناخبين على مسألة سياسية أو دستورية أو تشريعية محددة، هذه المسألة أُحيلت للمواطنين لاتخاذ قرار مباشر. ثانيًا، مبادرات المواطنين: وهي السماح للناخبين لاتخاذ قرار بشأن إجراء سياسي أو دستوري أو تشريعي مٌقترح من عدد من المواطنين. وثالثًا، سحب التصويت: يسمح للناخبين اختيار إنهاء فترة ولاية مسئول مُنتخب.
وتوضح الخبرة الدولية، بأن هناك العديد من الممارسات والقواعد والإجراءات التي يجب توافرها في أية عملية استفتائية، وهي:
1- تفرّد الإطار القانوني: بمعنى ضرورة أن يكون الإطار القانوني المنظم لعملية الاستفتاء واضح المعالم للجمهور. فعلى سبيل المثال لا بد أن يتضمن الإطار القانوني نسبة المشاركة المقررة لتمرير الدستور، ومن سيشرف عليه، والاتفاق على النص النهائي المستفتى عليه، حتى يعقب عملية الاستفتاء حالة استقرار سياسي.
2- التوقيت: يجب اختيار التوقيت الأفضل لإجراء الاستفتاء المزمع، والتي تتطلب حالة إجماع أو شبه إجماع بين فئات المجتمع على ضرورة الذهاب إلى صناديق الإقتراع.
3- خصوصية الظروف السياسية ونوع القضية التي يتم معالجتها وتوعية الناخبين بمضمون الوثيقة محل الاستفتاء.
وتفيد الخبرة الدولية أيضًا بأنه عند تصميم الاستفتاءات هناك مجموعة من النقاط الأساسية منها: تكوين السؤال للاستفتاء، اختيارات الناخبين، معلومات للناخبين، الخيار الرئيسي (نعم/ لا) أم خيارات متعددة، العتبات الانتخابية: الحد الأدنى من عدد الناخبين المشاركين، نوع الأغلبية المطلوبة، نسبة الناخبين المؤهلين للتصويت (أو المسجلين) أو عدد الأصوات الصحيحة، وأخيرًا التوزيع الإقليمي.
ومن النماذج التي وضعت مجموعة من الشروط لإجراء عملية الاستفتاء تركيا عام 2010، فقد تم إجراء استفتاء على عدد من التعديلات الدستورية في 12 سبتمبر 2010، بعد أن وافق البرلمان التركي على حزمة من التعديلات الدستورية، حيث لم تحصل التعديلات الدستورية على أغلبية الثلثين المطلوبة (67%)، ولكن تم الموافقة عليها بـ 330 صوتًا (ما يعادل 60%) وهذه النسبة كانت كافية لطرحها للاستفتاء. وكانت نتيجة الاستفتاء هي الموافقة على حزمة التعديلات الدستورية بنسبة 58% بينما رفضها 42% من الناخبين (كان لا بد للوصول لأغلبية مطلقة 50%+1 للموافقة على التعديلات).
وفي ليبيريا، تم إجراء استفتاء على الدستور في 23 أغسطس 2011، بعد أن وافق كل من مجلسي البرلمان على حزمة تعديلات دستورية في 17 أغسطس 2010. وكان لا بد من موافقة ثلثي الناخبين المسجلين على التعديلات الدستورية عن طريق استفتاء يتم إجراؤه بعد عام من موافقة البرلمان على التعديلات. وقد تم إجراء الاستفتاء على أربعة مواد، وكان لا بد من الحصول على موافقة الناخبين على كل تعديل دستوري على حدة.
وفي لاتفيا، هذا العام، 18 فبراير 2012، تضمنت التعديلات الدستورية المقترحة اعتبار اللغة الروسية هي اللغة الرسمية الثانية للبلاد. وكان على المواطنين الإجابة على السؤال التالي بـ«نعم» أو بـ«لا»: هل تؤيد اعتماد مشروع قانون “,”التعديلات على دستور جمهورية لاتفيا“,” الذي يقضي باعتبار الروسية هي اللغة الرسمية الثانية للبلاد؟ وكانت نسبة إقبال الناخبين المسجلين 71.1%، ورفض ثلاثة أرباع الناخبين اعتبار الروسية اللغة الثانية للبلاد باستثناء المنطقة الشرقية التي صوت أغلب الناخبين فيها بالموافقة على التعديلات.
وفي صربيا، تم إجراء استفتاء على المسودة المقترحة للدستور الجديد في 28-29 أكتوبر 2006. وكان هناك خيار واحد في الاستفتاء يتطلب الإجابة بـ«نعم» أو بـ«لا». فبعد عدد من المحاولات الفاشلة لتعديل الدستور الصربي لعام 1990، وافق البرلمان الصربي بالإجماع على مسودة الدستور الجديد التي تم طرحها بعد ذلك للاستفتاء الشعبي. وكانت العتبة الانتخابية لنسبة مشاركة الناخبين هي 50% من إجمالي عدد الناخبين المسجلين، وقد أعلنت اللجنة الانتخابية الجمهورية أن عدد الناخبين يقدر بـ(6,639,385)– باستبعاد الألبان في كوسوفا، الذين قاطعوا كافة الانتخابات والإحصاءات الرسمية الصربية منذ عام 1990. وكانت نسبة إقبال الناخبين منخفضة في المناطق التي بها نسبة عالية من الألبان، بينما ارتفعت في المناطق التي غالبية سكانها من الصرب. وقد بلغت نسبة المشاركة 54.91% من إجمالي عدد الناخبين، ووافق على الدستور الجديد 53.04% من إجمالي الناخبين (96.60%) من الذين شاركوا في الاستفتاء) بينما رفضه 1.47% من الناخبين المسجلين (ما يعادل 2.67% من الذين شاركوا في الاستفتاء).
ومن التجارب الدولية التي تم ذكرها، يمكن القول إن الاستفتاء الذي سينظم لإقرار مشروع الدستور يجب أن يخضع لقواعد الاستفتاءات المعمول بها في النظم المتمدينة. ورغم أن هذا الأمر مستبعد الحدوث في مصر؛ وفقًا للشواهد القائمة حتى الآن، بسبب قيام السلطة الإخوانية بضرب استقلال القضاء من خلال إعلانات دستورية متلاحقة ومتضاربة، فإن بعض الاستفتاءات على الدساتير في بعض الدول اشترط تصويت 50% من أصوات الناخبين (ليبيريا في 23 أغسطس 2011)، وضع شرط للموافقة بنسبة الثلثين على التعديلات الدستورية. وفي استفتاء صربيا عام 2006، اشترط حضور نصف عدد المسجلين على الأقل. وهكذا يتبين أن الاستفتاءات على الدساتير تضع في الكثير من الأحيان نسبة حضور يجب ألا تقل عنها، أو تضع نسبة موافقة بـ«نعم»، وربما تضع الأمرين معًا. وهذا الأمر مهم للغاية في ظل مناخ الاستقطاب الحالي وعدم الاتفاق العام على مشروع الدستور المطروح للاستفتاء.
أما بالنسبة إلى لون الورقة ، فمن المهم أن تكون الألوان حيادية، بمعنى الابتعاد عن اللون الأسود للتعبير عن الرفض، باعتبار اللون الأسود هو رمز الحداد أو التشاؤم عند غالية المصريين، هنا يُشار إلى إمكانية الاختيار بين اللونين الأخضر واللبني، أو الأصفر والبيج.. وهكذا. من ناحية ثانية ، يجب أن يكون التصويت وفق بطاقة الرقم القومي، وأن يكون محل التصويت هو المكان المسجل بقاعدة بيانات الرقم القومي المثبتة بالبطاقة، ضمانًا لمنع التلاعب بالتصويت أكثر من مرة، بعدما تمكن الكثيرون من إزالة الحبر الفسفوري.
من ناحية ثالثة ، يتحتم إشراف جهة محايدة على العملية الانتخابية، وأن تتم عملية فرز أصوات المقترعين في أماكن الاقتراع. كما أنه من المهم أن تجرى الانتخابات بحضور مندوبين لمؤسسات المجتمع المدني المصرية والأجنبية، وممثلي الأحزاب والقوى السياسية المصرية ضمانًا للنزاهة والشفافية. من ناحية رابعة ، من المهم وضع موجز محايد يشرح مواد الدستور في 200 أو 300 كلمة خلف ورقة الاقتراع، لعله يفيد في تصويت البعض ممن لم يقرأ مشروع الدستور.
وأخيرًا وليس آخرًا، يجب إتاحة الفرصة كاملة لكافة الهيئات والمؤسسات لشرح الدستور بإيجابياته ومثالبه أمام الرأي العام، تلافيًا للتصويت دون دراية حقيقية، لا سيما مع زيادة نسبة الأمية. والأهم من هذا وذاك سرعة فتح حوار بين أطياف المجتمع للوصول لتوافق على المواد المستفتى عليها قبل إجراء الاستفتاء، وهذا الأمر تحديدًا يتوجب معه تأجيل الاستفتاء لبضعة أيام، لا سيما أن الإعلان الدستوري يتيح إجراء الاستفتاء خلال شهر من الانتهاء منه.
يتبع
وبدون الدخول في تفاصيل حول مسودة الدستور وطريقة التصويت التي تمت عليها، ف هناك مجموعة من الحقوق للمصريين، البالغ عددهم نحو خمسة وخمسين مليون ناخب، تجاه هذا المشروع للدستور، والذي سوف ينظم كل شئون حياتهم لسنوات طويلة. والحق الأول لهؤلاء المصريين أن تتاح لهم الفرصة والوقت الكافيان للتعرف على مواد الدستور المقترح، والحوار حولها، بجميع السبل التي يمكنهم اللجوء إليها.
وإذا كان مائة من نخبة المصريين ومثقفيهم، هم أعضاء الجمعية التأسيسية، قد استغرقوا ستة أشهر لكي ينجزوا مواد الدستور بغير اتفاق كامل على الكثير منها، فما هو الوقت الكافي لهذه الملايين من المصريين أصحاب الحق الأصيل في الدستور، الذي سوف يستفتون عليه لكى يتعرفوا على مواده، بما يمكنهم من اتخاذ موقف رشيد ونهائي منها؟ وهل يعقل أن يقل الوقت المخصص لكل هذه الملايين من أصحاب الحق الأصيل عن الوقت الذي أتيح لوكلائهم المفترَضين من أعضاء الجمعية التأسيسية؟ إن القاعدة التي يجب تطبيقها في تحديد المدة التي يُجرى فيها الحوار المجتمعي حول الدستور المقترح هي ألا تقل عن المدة التي ستقضيها الجمعية التأسيسية في إعداده، وهي تبدو، في أحسن الأحوال، من خمسة لستة أشهر.
أما الحق الثانى لعموم المصريين فهو المتعلق بالنسبة التي يجب الحصول عليها من الموافقة على مشروع الدستور المقترح، ومعرفة ما هي الإجراءات والجوانب التي يجب توافرها في عملية تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور، والمعايير الدولية في تنظيم عملية الاستفتاءات على الدساتير، وهل يتم الاستفتاء على مادة مادة، أم باب باب، أم على الوثيقة كلها مرة واحدة؟ وهل سيقوم القضاء بالإشراف وتنظيم العملية الانتخابية، بمعنى: هل سيكون هناك قاض على كل صندوق؟ أم ماذا؟ ونسبة الحضور التي توافرها من الناخبين، وهل سيتم إقرار الدستور بأغلبية نسبة الحاضرين فقط أم ماذا؟ ورقة الاستفتاء ولونها، وهل سيتم تلخيص الدستور بها أم لا؟
الاستفتاء اصطلاحًا
يقصد بالاستفتاء إصطلاحًا الرجوع إلى الشعب لأخذ رأيه بالموافقة أو الرفض في أي موضوع عام، قانونيًّا أو دستوريًّا أو سياسيًّا، بصفته صاحب السيادة. كما أن الاستفتاء هو الطريقة التي تتجلى فيها ممارسة الشعب لسيادته بنفسه لكونه في حقيقة الأمر أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية المباشرة.
ولقد أحصت موسوعة السياسة، ثلاثة أشكال للاستفتاء، هي: الاستفتاء الدستوري، واستفتاء الرأي العام، والاستفتاء الشعبي. والنوع الأول يتعلق بعرض مشروع دستور أو تعديلات دستورية على الشعب للموافقة عليها باعتباره صاحب السيادة، بينما يقصد بالنوع الثاني استطلاع الرأي العام لمعرفة توجهاته حول قضية معينة أو منتج معين. أما النوع الأخير، وهو الاستفتاء الشعبي، والذي هو محور حديثنا، فيتعلق بسؤال الشعب عن رأيه في موضوع من الموضوعات، وذلك بهدف إشراك الناخبين في بعض القرارات المهمة التي يتوقف عليها مصير حياتهم وبلدهم.
وهكذا، فقد يكون الاستفتاء لاختبار الرأي العام بشأن إصلاحات دستورية مقترحة من الحكومة، التي تحدد الخطوط العريضة للتغييرات المقترحة في كل بطاقة استفتاء ليصوت المقترح بـ«ـنعم» أو بـ«لا» عليها. كما قد يجري “,”الاستفتاء أيضًا للموافقة على الحدود القومية والتغييرات فيها أو في الحدود الإقليمية. وعلى سبيل المثال، فقد نظمت عصبة الأمم في ثلاثينيات القرن العشرين سلسلة اقتراعات لتمكين الألمان من إقرار كيفية تقسيم بلدهم إلى ولايات. وفي عام 1989، سئل الشعب الفلبيني أن يوافق على إنشاء إقليم حكم ذاتي جديد في جنوب جزر الأرخبيل.
وعليه، فالاستفتاء الشعبي، والذي استخدم لأول مرة خلال عام 1790 عندما اقترع سكان نيس وسافوي للانضمام إلى فرنسا، هو تصويت الشعب في أي مسألة، خاصة اقتراع سكان أحد الأقاليم لاختيار حكومتهم. وهو نوع من أنواع الانتخاب، الذي هو “,”عملية يدلي فيها الناس بأصواتهم للمرشح، أو الاقتراح الذي يفضلونه“,”. ويعد حق الانتخاب في الدول الديمقراطية، من أهم الممارسات السياسية، كونه وسيلة لنقل السلطة بطريقة سلمية.
معايير دولية ونماذج متعددة
بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد، وعن المشهد السياسى الذي تسوده حالة من حالات الانقسام التي لم تشهد لها مصر مثيل منذ تولى محمد على باشا السلطة، وعن وعود الدكتور محمد مرسى، الذي وعد أكثر من مرة على ضرورة إنهاء الحالة الاستقطابية، إلا أن هناك مجموعة من المعايير الدولية التي كانت يجب أن تتوفر أولًا قبل الدخول في عملية الاستفتاء، منها: الإطار القانونى، وخصوصية الظروف السياسية، وتوعية الناخبين بمضمون الوثيقة محل الاستفتاء.
فلا شك في أن الاستفتاءات، وسيلة مباشرة لممارسة الديمقراطية، فمن حق المواطن أن يشارك مباشرة في اتخاذ القرارات السياسية ويقيم أداء الحكومة. كما أن الديمقراطية المباشرة يمكن أن تُمارس من خلال أشكال مختلفة، ولكل واحدة اختلافات عديدة. وعامة، هناك ثلاث وسائل للديمقراطية المباشرة: أولا، الاستفتاء، وهو تصويت عام من قبل الناخبين على مسألة سياسية أو دستورية أو تشريعية محددة، هذه المسألة أُحيلت للمواطنين لاتخاذ قرار مباشر. ثانيًا، مبادرات المواطنين: وهي السماح للناخبين لاتخاذ قرار بشأن إجراء سياسي أو دستوري أو تشريعي مٌقترح من عدد من المواطنين. وثالثًا، سحب التصويت: يسمح للناخبين اختيار إنهاء فترة ولاية مسئول مُنتخب.
وتوضح الخبرة الدولية، بأن هناك العديد من الممارسات والقواعد والإجراءات التي يجب توافرها في أية عملية استفتائية، وهي:
1- تفرّد الإطار القانوني: بمعنى ضرورة أن يكون الإطار القانوني المنظم لعملية الاستفتاء واضح المعالم للجمهور. فعلى سبيل المثال لا بد أن يتضمن الإطار القانوني نسبة المشاركة المقررة لتمرير الدستور، ومن سيشرف عليه، والاتفاق على النص النهائي المستفتى عليه، حتى يعقب عملية الاستفتاء حالة استقرار سياسي.
2- التوقيت: يجب اختيار التوقيت الأفضل لإجراء الاستفتاء المزمع، والتي تتطلب حالة إجماع أو شبه إجماع بين فئات المجتمع على ضرورة الذهاب إلى صناديق الإقتراع.
3- خصوصية الظروف السياسية ونوع القضية التي يتم معالجتها وتوعية الناخبين بمضمون الوثيقة محل الاستفتاء.
وتفيد الخبرة الدولية أيضًا بأنه عند تصميم الاستفتاءات هناك مجموعة من النقاط الأساسية منها: تكوين السؤال للاستفتاء، اختيارات الناخبين، معلومات للناخبين، الخيار الرئيسي (نعم/ لا) أم خيارات متعددة، العتبات الانتخابية: الحد الأدنى من عدد الناخبين المشاركين، نوع الأغلبية المطلوبة، نسبة الناخبين المؤهلين للتصويت (أو المسجلين) أو عدد الأصوات الصحيحة، وأخيرًا التوزيع الإقليمي.
ومن النماذج التي وضعت مجموعة من الشروط لإجراء عملية الاستفتاء تركيا عام 2010، فقد تم إجراء استفتاء على عدد من التعديلات الدستورية في 12 سبتمبر 2010، بعد أن وافق البرلمان التركي على حزمة من التعديلات الدستورية، حيث لم تحصل التعديلات الدستورية على أغلبية الثلثين المطلوبة (67%)، ولكن تم الموافقة عليها بـ 330 صوتًا (ما يعادل 60%) وهذه النسبة كانت كافية لطرحها للاستفتاء. وكانت نتيجة الاستفتاء هي الموافقة على حزمة التعديلات الدستورية بنسبة 58% بينما رفضها 42% من الناخبين (كان لا بد للوصول لأغلبية مطلقة 50%+1 للموافقة على التعديلات).
وفي ليبيريا، تم إجراء استفتاء على الدستور في 23 أغسطس 2011، بعد أن وافق كل من مجلسي البرلمان على حزمة تعديلات دستورية في 17 أغسطس 2010. وكان لا بد من موافقة ثلثي الناخبين المسجلين على التعديلات الدستورية عن طريق استفتاء يتم إجراؤه بعد عام من موافقة البرلمان على التعديلات. وقد تم إجراء الاستفتاء على أربعة مواد، وكان لا بد من الحصول على موافقة الناخبين على كل تعديل دستوري على حدة.
وفي لاتفيا، هذا العام، 18 فبراير 2012، تضمنت التعديلات الدستورية المقترحة اعتبار اللغة الروسية هي اللغة الرسمية الثانية للبلاد. وكان على المواطنين الإجابة على السؤال التالي بـ«نعم» أو بـ«لا»: هل تؤيد اعتماد مشروع قانون “,”التعديلات على دستور جمهورية لاتفيا“,” الذي يقضي باعتبار الروسية هي اللغة الرسمية الثانية للبلاد؟ وكانت نسبة إقبال الناخبين المسجلين 71.1%، ورفض ثلاثة أرباع الناخبين اعتبار الروسية اللغة الثانية للبلاد باستثناء المنطقة الشرقية التي صوت أغلب الناخبين فيها بالموافقة على التعديلات.
وفي صربيا، تم إجراء استفتاء على المسودة المقترحة للدستور الجديد في 28-29 أكتوبر 2006. وكان هناك خيار واحد في الاستفتاء يتطلب الإجابة بـ«نعم» أو بـ«لا». فبعد عدد من المحاولات الفاشلة لتعديل الدستور الصربي لعام 1990، وافق البرلمان الصربي بالإجماع على مسودة الدستور الجديد التي تم طرحها بعد ذلك للاستفتاء الشعبي. وكانت العتبة الانتخابية لنسبة مشاركة الناخبين هي 50% من إجمالي عدد الناخبين المسجلين، وقد أعلنت اللجنة الانتخابية الجمهورية أن عدد الناخبين يقدر بـ(6,639,385)– باستبعاد الألبان في كوسوفا، الذين قاطعوا كافة الانتخابات والإحصاءات الرسمية الصربية منذ عام 1990. وكانت نسبة إقبال الناخبين منخفضة في المناطق التي بها نسبة عالية من الألبان، بينما ارتفعت في المناطق التي غالبية سكانها من الصرب. وقد بلغت نسبة المشاركة 54.91% من إجمالي عدد الناخبين، ووافق على الدستور الجديد 53.04% من إجمالي الناخبين (96.60%) من الذين شاركوا في الاستفتاء) بينما رفضه 1.47% من الناخبين المسجلين (ما يعادل 2.67% من الذين شاركوا في الاستفتاء).
ومن التجارب الدولية التي تم ذكرها، يمكن القول إن الاستفتاء الذي سينظم لإقرار مشروع الدستور يجب أن يخضع لقواعد الاستفتاءات المعمول بها في النظم المتمدينة. ورغم أن هذا الأمر مستبعد الحدوث في مصر؛ وفقًا للشواهد القائمة حتى الآن، بسبب قيام السلطة الإخوانية بضرب استقلال القضاء من خلال إعلانات دستورية متلاحقة ومتضاربة، فإن بعض الاستفتاءات على الدساتير في بعض الدول اشترط تصويت 50% من أصوات الناخبين (ليبيريا في 23 أغسطس 2011)، وضع شرط للموافقة بنسبة الثلثين على التعديلات الدستورية. وفي استفتاء صربيا عام 2006، اشترط حضور نصف عدد المسجلين على الأقل. وهكذا يتبين أن الاستفتاءات على الدساتير تضع في الكثير من الأحيان نسبة حضور يجب ألا تقل عنها، أو تضع نسبة موافقة بـ«نعم»، وربما تضع الأمرين معًا. وهذا الأمر مهم للغاية في ظل مناخ الاستقطاب الحالي وعدم الاتفاق العام على مشروع الدستور المطروح للاستفتاء.
أما بالنسبة إلى لون الورقة ، فمن المهم أن تكون الألوان حيادية، بمعنى الابتعاد عن اللون الأسود للتعبير عن الرفض، باعتبار اللون الأسود هو رمز الحداد أو التشاؤم عند غالية المصريين، هنا يُشار إلى إمكانية الاختيار بين اللونين الأخضر واللبني، أو الأصفر والبيج.. وهكذا. من ناحية ثانية ، يجب أن يكون التصويت وفق بطاقة الرقم القومي، وأن يكون محل التصويت هو المكان المسجل بقاعدة بيانات الرقم القومي المثبتة بالبطاقة، ضمانًا لمنع التلاعب بالتصويت أكثر من مرة، بعدما تمكن الكثيرون من إزالة الحبر الفسفوري.
من ناحية ثالثة ، يتحتم إشراف جهة محايدة على العملية الانتخابية، وأن تتم عملية فرز أصوات المقترعين في أماكن الاقتراع. كما أنه من المهم أن تجرى الانتخابات بحضور مندوبين لمؤسسات المجتمع المدني المصرية والأجنبية، وممثلي الأحزاب والقوى السياسية المصرية ضمانًا للنزاهة والشفافية. من ناحية رابعة ، من المهم وضع موجز محايد يشرح مواد الدستور في 200 أو 300 كلمة خلف ورقة الاقتراع، لعله يفيد في تصويت البعض ممن لم يقرأ مشروع الدستور.
وأخيرًا وليس آخرًا، يجب إتاحة الفرصة كاملة لكافة الهيئات والمؤسسات لشرح الدستور بإيجابياته ومثالبه أمام الرأي العام، تلافيًا للتصويت دون دراية حقيقية، لا سيما مع زيادة نسبة الأمية. والأهم من هذا وذاك سرعة فتح حوار بين أطياف المجتمع للوصول لتوافق على المواد المستفتى عليها قبل إجراء الاستفتاء، وهذا الأمر تحديدًا يتوجب معه تأجيل الاستفتاء لبضعة أيام، لا سيما أن الإعلان الدستوري يتيح إجراء الاستفتاء خلال شهر من الانتهاء منه.
يتبع