الرئيس والجماعة: السيناريوهات المستقبلية في ظل حكم مرسي
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:46 ص
د. يسري العزباوي – هاني سليمان
بداية، لعبت جماعة الإخوان المسلمين الدور الأكبر، والأوحد، في وصول الدكتور محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد ورئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للجماعة)، إلي قمة السلطة التنفيذية في مصر، بعد ثورة أقل ما كانت توصف به، في بدايتها، بأنها ثورة مدنية متزنة منضبطة في فعلها الثوري، ملتزمة بسلميتها، حتى هذه اللحظات، على الرغم من الاضطرابات والأحداث التي شهدتها في فترات لاحقة.
ولا شك في أن طبيعة العلاقة بين الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين
ما زال يشوبها الكثير من الغموض والتعقيد من ناحية، والتشابك والاستمراية من ناحية أخرى. مما جعل الكثيرين من المراقبين والمحللين، وحتى المواطن البسيط، يتساءلون عن أولًا ما هي طبيعة العلاقة بين الرئيس الجديد -والمنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الحديث والقديم وبفارق قليل عن منافسه- والجماعة، خاصة بعد تعهداته المستمرة، ومنقطعة النظير، بأنه رئيس لجميع المصريين وليس لجماعة أو حزب معين. ثانيًا، طبيعة الدور الذي تلعبه الجماعة عامة ومكتب الإرشاد خاصة في صنع السياسة العامة في مصر، في هذه المرحلة. وثالثًا، على الرغم من خلاف الرئيس وجماعته مع الفترة الناصرية، لماذا يحاول الرئيس، في أدائه الخطابي واللغوي، تقليد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟
جميع التساؤلات السابقة، وغيرها الكثير، تفتح الباب على مصراعيه لتخوفات عموم المصريين، من أداء الرئيس المستقبلي، في ظل محاولات من جانب الكثيرين في مكتب الإرشاد وغيره من أعضاء الجماعة التحدث باسم مؤسسات الدولة المختلفة، سواء كانت مؤسسة الرئاسة أو غيرها، مما أوقع الرئيس نفسه في حرج كثير في أكثر من مناسبة.
هل وصلت الجماعة إلى قصر الرئاسة
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الدكتور مرسي تربى ونشأ وترعرع داخل جماعة الإخوان المسلمين، حيث قضى بها أكثر من ثلاثين عامًا متواصلة، تعلم وتعود خلالها على طريقتها ونهجها، ولم يختلف معها في أية لحظة من اللحظات. كما أن الجماعة –على الرغم من أنه ليس المرشح الأول لها- هي التي روجت له، وأعدت برنامجه الانتخابي “,”مشروع النهضة“,”، والذي اكتشف المصريون فيما بعد بأنه مشروع افتراضي وليس واقعي وبحاجة إلى تدقيق، وأنه هناك نداءات من قبل قيادات الجماعة بضرورة المشاركة من جميع علماء مصر في وضعه، مثل التصريحات الشهيرة للمهندس خيرت الشاطر، صاحب المشروع الافتراضي الفعلي.
وكما أن الجماعة أنفقت، من ميزانيتها ومن جيوب رجال أعمالها، الملايين في عملية انتخابية، شهدت إنفاق مال سياسي ضخم، لم تشهده مصر في فترة حكم الرئيس السابق مبارك مجتمعة، وفي ظل دعاية انتخابية ضخمة استُخدم فيها الأطفال والشباب والنساء والدين، فيحسب للجماعة، حقيقة، إدخال ظاهرة السلاسل البشرية الممتدة عبر المحافظات في الدعاية الانتخابية.
والسؤال المطروح هنا، هل يعي الدكتور مرسي ذلك عند اتخاذه أي قرار على المستوى الداخلي والخارجي؟ الإجابة: بالقطع نعم يعلم ذلك تمامًا، واعترف في أكثر من مناسبة بفضل الجماعة عليه. وينطلق الدكتور مرسي في علاقته بالجماعة من خلال تأكيده الدائم بأنه لا يوجد تعارض بين مرسي الإنسان وبين الإنتماء للإخوان المسلمين، وهو أيضًا أول رئيس لحزبها الحرية والعدالة.
وقد انعكس هذا التأكيد في تشكيله لمؤسسة الرئاسة، حيث سيطر أعضاء الجماعة على مقاليد هذه المؤسسة، إذ تولى أحمد عبد العاطي مديرًا لمكتب الرئيس، وسكرتير الرئيس هو المهندس خالد القزاز، والدكتور ياسر علي متحدثًا إعلاميًّا باسم مؤسسة الرئاسة، وعصام الحداد مساعد الرئيس لشئون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، وفي المستشارين هناك سبعة مستشارين هم: د. أميمية كامل، ود. أيمن علي، ود. حسين القزاز، ود. عصام العريان، ود. محيي حامد، ود. رفيق حبيب. ويضاف إلى ذلك النفوذ القوي للمهندس خيرت الشاطر في مؤسسة الرئاسة، ليس فقط من خلال رجاله ولكن من حيث الاستشارات والقرارات غير الرسمية التي يتخذها، وتنفذ من خلال المؤسسة الرئاسية.
الخطورة هنا تكمن ليس فقط في سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مؤسسات الدولة ومقاليد الحكم، ولكن تتمثل الخطورة في استمرار سياسات ما قبل الثورة، حيث يكون معيار الولاء والثقة الأفضلية والأسبقية عن معايير الكفاءة والتخصص؛ مما سيفتح الباب على مصراعيه مرة أخرى لانتشار الفساد والمحسوبية في جميع مؤسسات الدولة، ومن ثم سيتم تفريغ الثورة من مبادئها وأهدافها الأساسية في تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، التي أصبحت مجرد شعارات يتشدق بها الإعلام، والتي أصبحت أيضًا مفاهيم سيئة السمعة للمواطن البسيط، الذي لم يجنِ من الثورة، حتى هذه اللحظات، إلا ارتفاع الأسعار وعدم الاستقرار المجتمعي.
سيطرة رجال بيزنس الجماعة على مقاليد الحكم
في مفارقة عجيبة، فإن البلد الذي اشتدت عليه قسوة العلاقة الآثمة بين المال والسلطة، ودفع ثمنًا باهظًا لعدم التمييز بين دور رجل الأعمال في ميدان الاقتصاد وعالم البيزنس والشركات، ودور رجل الأعمال في البرلمان أو في الحزب أو في الحكومة، هو نفس البلد الذي يتبارز فيه اليوم عدد كبير من رجال الأعمال ليس فقط لتأسيس الأحزاب السياسية في السر أو في العلن، وهو نفس البلد الذي تتحلق فيه السلطة اليوم حول أشخاص مرموقين في عالم المال، لديهم القدرات المالية، والخوف هنا أن يكون للمال الدور الأكبر في صنع مستقبل الثورة المصرية، فيعود المرض نفسه إلى جسد السياسة في مصر من جديد، فيصبح من يملك يحكم، ومن يستطيع شراء الأصوات هو الأكثر تأثيرًا، وتدور السياسة الجديدة في دوائر المال بلا ضوابط قانونية حقيقية لحدود استخدام المال في السياسة، وبلا ضمانات فاعلة لعدم تأثير هذا المال على صناعة القرار السياسي لاحقًا في البرلمان أو في الحكومة.
ومن جانبه، يؤكد عضو الإخوان السابق الدكتور ثروت الخرباوي، في مقال له بعنوان “,”عائلات البيزنس الإخــــــوانية تحكم مصر“,” بدء ظهور ملامح لتأثير ونشاط لعائلات معروفة بانتماءاتها الإخوانية في الدخول لعالم البيزنس واقتحام المؤسسات. فعلى سبيل المثال عائلة الرئيس لها نصيب في مقعدين في السلطة، بالرئيس محمد مرسي نفسه، وزوج شقيقته وحمي ابنته أيضًا الدكتور أحمد فهمي الذي تقلد منصب رئيس مجلس الشورى بفضل صلة المصاهرة، وسكرتير الرئيس أيضًا المهندس المصري كندي الجنسية، خالد القزاز، هو شريك خيرت الشاطر نائب المرشد العام، وأحد أهم كوادر حملته الانتخابية التي ورثها مرسي بعد ذلك، وأيضًا أبرز مهندسي العلاقات الخارجية في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والأهم من ذلك، أن خالد القزاز، للمصادفة، هو نجل المهندس عدلي القزاز، كلمة السر الجديدة في وزارة التربية والتعليم، بعد أن عُين مؤخرًا مستشارًا للوزير لـ“,”تطوير التعليم“,”، وسط حالة من الغموض، والأهم من كل ما سبق أنه صاحب مدارس “,”المقطم للغات“,”، المدارس الإخوانية الأشهر التي تلقى شهرة وإقبالاً واسعًا بين العائلات الإخوانية الكبرى، إلى درجة تضطر معها بعض الأسر إلى نقل محل الإقامة إلى المقطم في سبيل إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة، التي تحولت بعد ذلك إلى مقر لعقد الدورات التدريبية لشباب الجماعة في فصل الصيف. وشخص آخر من عائلة القزاز هو الدكتور حسين القزاز، وهو الضلع الثالث من “,”لوبي“,” عائلة القزاز داخل قصر الرئاسة، وأحد أبرز أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس محمد مرسي، والمستشار الاقتصادي لحزب الحرية والعدالة، وأحد أهم المؤسسين للجانب الاقتصادي في “,”مشروع النهضة“,” كما روج له الشاطر، وأيضًا العضو الاحتياطي بـ “,”تأسيسية الدستور“,”، والأهم أنه مسئول التنظيم الدولي للإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذا ضابط الاتصال بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين، عبر عقود من الهجرة لسنوات طويلة إلى أمريكا.
وفي القصر الرئاسي يوجد ثلاثة من أهم كوادر التنظيم الدولي للإخوان، تربط بينهم المصلحة الواحدة والبيزنس المشترك والشراكة الوطيدة مع الشاطر، الرجل الحديدي في الجماعة.. الأول هو الدكتور أحمد عبد العاطي مدير مكتب رئيس الجمهورية، والمنسق العام السابق للحملة الانتخابية لخيرت الشاطر ثم لمحمد مرسي من بعده، والثاني هو المهندس أسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ورجل الأعمال الإخواني البارز الذي ظهر في المشهد الشهير للرئيس في ميدان التحرير ممسكًا لمرسي بالميكروفون لمدة 10 دقائق في أثناء إلقائه خطاب ميدان التحرير، ورجل الأعمال الإخواني الأشهر حسن مالك، أحد قطبي الإمبراطورية الاقتصادية المشتركة بين الشاطر ومالك بمجموعة من الشركات تصل إلى 70 شركة، ورئيس جمعية تنمية الأعمال “,”ابدأ“,”، ورئيس لجنة “,”تواصل“,” المنوط بها تحقيق الاتصال بين رجال الأعمال ومؤسسة الرئاسة، التي أظهرت نفوذًا لا حدود له في كل سفريات الرئيس محمد مرسي، وتحديد شخصيات رجال الأعمال في الوفود المصاحبة له خلال الفترة الماضية، وهو واحد من أهم أعضاء الشبكة العائلية للإخوان في السلطة والجماعة، فزوجته هي جيهان عليوة شقيقة رجل أعمال إخواني آخر هو محمد سعد عليوة صاحب شركة “,”الحجاز لتوظيف الأموال“,” في التسعينيات، وأنجب منها مالك أبناءه السبعة، ويشاركونه جميعًا في إدارة إمبراطوريته الاقتصادية، كما هو الحال أيضًا مع بنات خيرت الشاطر، إذ أسست إحدى بناته مجموعة مدارس“,”جنى دان“,”.
محددات العلاقة بين الرئيس والجماعة
وبدون الدخول في تفاصيل أكثر من ذلك عن شبكة العلاقات التجارية والبيزنس الخفي بين رجال الأعمال الإخوان، الذين سيطروا بالفعل على مفاصل الدولة المصرية، فإن هناك عدة عوامل ومحددات يتوقف عليها مستقبل العلاقة بين الرئيس والجماعة، منها على سبيل المثال ما يلي:
أولاً: معركة الدستور الحالية والانتصار فيها، حيث يتبنى الدكتور محمد مرسي، وإن لم يظهر ذلك صراحة، وجهة نظر الجماعة والتيارات السلفية المختلفة في ضرورة التوافق على أن يتضمن الدستور أحكام الشريعة الإسلامية، وما يدلل على ذلك هو استقباله لشيوخ وأئمة الدعوة السلفية في قصر الاتحادية بعد مقابلة المرشحين السابقين للرئاسة. وقد حدث توافق بين تيارات الإسلام السياسي، الإخوان والسلفيين، حول تعريف مبادئ الشريعة في مادة منفصلة، والتي ذهبت في طياتها إلى ما هو أبعد من أحكام الشريعة.
الجدير بالقول إن الجماعة وتيارات الإسلام السياسي، خاصة بعد مليونية تطبيق الشريعة، ستخوض بكل قوة وشراسة وبكل الأسلحة –المال السياسي واستخدام الدين في المساجد- معركة الاستفتاء على الدستور، لتمريره من الشعب.
أما إذا استطاعت التيارات المدنية، ولو لمرة واحدة، أن تتوحد وتقف في وجه التيارات الإسلامية ومخططها لتمرير الدستور، فربما يؤثر ذلك على قرارات الرئيس المستقبلية، وسيضع هذه المؤسسات في الحسبان عند صنع قرار مرة أخرى.
ثانيًا: الانتخابات التشريعية المقبلة، فإذا فاز حزب الحرية والعدالة والتيارات السلفية بالأغلبية، وحتى لو كانت البسيطة، في ظل غياب وضعف القوى المدنية الأخرى، فسيحكم حزب الحرية والعدالة سيطرته على مفاصل الدولة، وبذلك سيقوم بتشكيل الحكومة، كما يتراءى له، والمجالس القومية المختلفة، المجلس القومي حقوق الإنسان، والقومي للمرأة، والأعلى للصحافة، والمجلس الأعلى للثقافة أو تلك التي ورد ذكرها في الدستور، وسيأتي بأنصاره في حركة واسعة للمحافظين.
ثالثًا: تحقيق الأمن والاستجابة للمطالب الفئوية المختلفة، خاصة بعد إقرار كادر المعلمين، ومغازلة الأطباء، وتسكين المطالب والاحتجاجات العمالية، فربما يساعد ذلك على زيادة شعبية حزب الحرية والعدالة والجماعة لدى المواطن العادي، خاصة بعد فشل مؤسسه في تحقيق برنامج المائة يوم الذي وعد به الرئيس مرسي جموع الشعب المصري.
رابعًا: العلاقة بين الرئيس والمعارضة المدنية، فالرئيس بحاجة إلى المساندة في الشارع في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها مصر الآن، وإذا حدث نوع من التقارب بين الاثنين فإنها ستؤثر بلا شك في علاقة الرئيس بالجماعة. ومما لا شك فيه، فإن أي تقارب حقيقي بين الطرفين سيؤثر بلا شك –إيجابًا أو سلبًا- على علاقة الرئيس بالجماعة، وسيكون للتيارات المدنية تمثيل، وإن كان ضعيفًا في البداية، في مؤسسات الدولة المختلفة.
خامسًا: بروز تيار إصلاحي حقيقي داخل الجماعة والحزب، وهما بالمناسبة غير منفصلين، وقدرته على مطالبة مكتب الإرشاد والحرس القديم بإعطاء فرصة كاملة وحقيقية للرئيس بأن يتحرك بدون قيود من الجماعة، وإن كان هذا صعب التحقيق، على الأقل في المدى القصير في ظل السيطرة التامة للحرس القديم على مجريات الأمور داخل الجماعة وحزب الحرية والعدالة، وقد يشجع ذلك الرئيس على الميل باتخاذ قرارات مؤسسية بمنأى عن مكتب الإرشاد.
سيناريوهات العلاقة.. بين الوئام والانفصال
وبناء على المحددات السابقة، يمكن توقع ثلاث سيناريوهات لمستقبل العلاقة بين الرئيس والجماعة، وهي كما يلي:
السيناريو الأول: التوافق والتلاحم التام: وفي ظل هذا السيناريو سيستمر الوضع كما هو عليه بين الرئيس والجماعة، حيث انصياع من الرئيس لتوجيهات وآراء وقرارات الجماعة التي تضمن له حماية على الأرض وتحمي قراراته وشرعية وجوده، ويترتب على هذه السيناريو عدة نتائج، في غاية الأهمية، على الصعيد الداخلي والخارجي.
فعلى الصعيد الداخلي، سيتحقق للجماعة ما تريده من إحكام سيطرتها على صنع السياسات الداخلية والخارجية، ومن ثم الاستمرار فيما يطلق عليه إعلاميًا “,”أخونة الدولة“,”، واستمرار حالة الانشقاق والتوتر والصراع السياسي في ظل تحالف مستمر بين الإخوان وتيارات الإسلام السياسي المختلفة، ومحاولة الاستبداد بالسلطة بدون الشعور بالذنب باتجاه ذلك، والانفراد بصنع القرار بدون الرجوع للتيارات المدنية والشبابية، وإضعاف دور المنظمات الحقوقية والدفاعية على وجه التحديد، واستمرار علاقات مضطربة وغير مستقر مع بعض الفئات في المجتمع مثل الأقباط.
وخارجيًّا، يترتب على هذا السيناريو عدة أمور منها: استمرار الاضطراب بين مصر وبعض دول المنطقة، خاصة مع محاولة الجماعة تفعيل دور التنظيم الدولي بعد إحكام سيطرتها على بلدان الربيع العربي من أجل عودة الخلافة وتحقيق “,”الأستاذية“,” على مستوى العالم، وزيادة الدور المتنامي للجماعات الجهادية في شمال ووسط وغرب إفريقيا، ودخول في مناوشات وحرب سياسية وكلامية مع الكثير من الفاعلين الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولة تعديل بعض الاتفاقيات الدولية مثل تلك التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، من وجهة الإخوان والسلفيين.
السيناريو الثاني: الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا في ظل استمر العلاقة مع الجماعة، وهو السيناريو الوسط ، ويتوقف على مدى قدرة الرئيس على خلق نوع من التوازن بين الانفصال النسبي أو التدريجي عن الجماعة ومطالبها وضغوطاتها. وفي هذا السيناريو ستكون هناك علاقة شد وجذب دائمة بين الرئيس والجماعة، والتي ستكون في النهاية لصالح المجتمع والدولة المصرية.
وداخليًّا، يترتب على هذا السيناريو، أن الرئيس سيقف على مسافة واحدة بين جميع القوى السياسية، وسيراعى في تمثيل أية حكومة أو مؤسسة التوازن السياسي والمجتمعي لمختلف الطوائف والفئات المصرية، وربما إنهاء حالة الاستقطاب السياسي بعد إقرار دستور توافقي، وتحقيق الأمن المجتمعي، وتحقيق معدل نمو أفضل على المستوى الاقتصادي.
وخارجيًّا، ستلعب مصر دورًا إقليميًّا أفضل، دون تخوف بعض البلدان العربية من عودة هذا الدور، ومساعدة الدول الأجنبية استرداد مصر للأموال المهربة في الخارج، وربما إذا استطاعت مصر استغلال القوة الناعمة لثورتها، إسقاط جانب كبير من ديونها، حيث بدأت بالفعل الولايات المتحدة بإسقاط مليون دولار من ديون مصر المستحقة لديها، وأخيرًا جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لمصر، وربما تحصل مصر، إذا طالبت بذلك، على مساعدات تقنية لملاحقة البؤر الإجرامية والتكفيرية في سيناء، من البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
السيناريو الثالث، الانفصال والنزوع إلى الاستقلال عن الجماعة، وهو الأصعب في التحقيق في الواقع، حيث يشهد هذا السيناريو حالة خصام وانفصال بين الرئيس وبين الجماعة، ويحاول الرئيس تكوين شخصية مستقلة، وسيلجأ الرئيس في ذلك إلى مطالبة الجماعة بتقنين أوضاعها في ظل قانون جديد للجمعيات الأهلية، وستخضع فيه أموال الجماعة إلى رقابة الجهاز المركزي للمحاسابات. وهذا السيناريو يعتمد على مدى قدرة الشعب على الاتفاق والالتفاف حول الرئيس، وعنصر الثقة والدعم الذي قد يلقاه من مؤسسات الدولة، وسيترتب على هذا السيناريو عدة نتائج على المستوى الداخلي والخارجي.
فعلى المستوى الداخلي، ستزداد بلا شك شعبية الرئيس في الشارع، ولدى التيارات المدنية الأخرى، مما سيقلل الاستقطاب السياسي الحادث في أروقة المجتمع المصري، والوصول إلى دستوري مدني حقيقي يعبر عن طموح الثورة المصرية، ووقف محاولة أخوانة مؤسسات الدولة. ولكن من ناحية أخرى ستشكل الجماعة معارضة قوية للرئيس وحكومته، وستدفع بمرشح آخر في أول انتخابات رئاسية تعقد في مصر.
أما على المستوى الخارجي، فإن مصر ستلقى دعمًا عربيًّا منقطع النظير على المستوى الاقتصادي والسياسي، وستنتهي حالة الشك والترقب والتخوف لدى بعض الدول العربية من سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة المصرية، وستقوم بعض الدول الأوروبية والغربية بسرعة تنفيذ التزاماتها تجاه الدعم الاقتصادي لمصر، وستتصف علاقة مصر مع بعض القوى الدولية والإقليمية بالهدوء والاستقرار.
وعلى الرغم من صعوبة تحقيق السيناريو الثاني والثالث، إلا إننا نتمنى على الأقل حدوث السيناريو الثاني، حيث وعد الرئيس مرسي بأنه سيقف على مسافة واحدة من جميع المصريين والتيارات السياسية المختلفة، ولكن ما كشفت عنه الأشهر السابقة هو انحياز الرئيس تمامًا في قراراته إلى الجماعة وحزبها، والدليل على ذلك قراره بعودة مجلس الشعب للانعقاد على الرغم من حكم المحكمة الدستورية العليا، وأزمة النائب العام، ومحاولة الرئيس التأثير على الجمعية التأسيسية لإنهاء الدستور بدلًا من إحداث توافق وطني حقيقي.
ولا شك في أن طبيعة العلاقة بين الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين
ما زال يشوبها الكثير من الغموض والتعقيد من ناحية، والتشابك والاستمراية من ناحية أخرى. مما جعل الكثيرين من المراقبين والمحللين، وحتى المواطن البسيط، يتساءلون عن أولًا ما هي طبيعة العلاقة بين الرئيس الجديد -والمنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الحديث والقديم وبفارق قليل عن منافسه- والجماعة، خاصة بعد تعهداته المستمرة، ومنقطعة النظير، بأنه رئيس لجميع المصريين وليس لجماعة أو حزب معين. ثانيًا، طبيعة الدور الذي تلعبه الجماعة عامة ومكتب الإرشاد خاصة في صنع السياسة العامة في مصر، في هذه المرحلة. وثالثًا، على الرغم من خلاف الرئيس وجماعته مع الفترة الناصرية، لماذا يحاول الرئيس، في أدائه الخطابي واللغوي، تقليد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟
جميع التساؤلات السابقة، وغيرها الكثير، تفتح الباب على مصراعيه لتخوفات عموم المصريين، من أداء الرئيس المستقبلي، في ظل محاولات من جانب الكثيرين في مكتب الإرشاد وغيره من أعضاء الجماعة التحدث باسم مؤسسات الدولة المختلفة، سواء كانت مؤسسة الرئاسة أو غيرها، مما أوقع الرئيس نفسه في حرج كثير في أكثر من مناسبة.
هل وصلت الجماعة إلى قصر الرئاسة
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الدكتور مرسي تربى ونشأ وترعرع داخل جماعة الإخوان المسلمين، حيث قضى بها أكثر من ثلاثين عامًا متواصلة، تعلم وتعود خلالها على طريقتها ونهجها، ولم يختلف معها في أية لحظة من اللحظات. كما أن الجماعة –على الرغم من أنه ليس المرشح الأول لها- هي التي روجت له، وأعدت برنامجه الانتخابي “,”مشروع النهضة“,”، والذي اكتشف المصريون فيما بعد بأنه مشروع افتراضي وليس واقعي وبحاجة إلى تدقيق، وأنه هناك نداءات من قبل قيادات الجماعة بضرورة المشاركة من جميع علماء مصر في وضعه، مثل التصريحات الشهيرة للمهندس خيرت الشاطر، صاحب المشروع الافتراضي الفعلي.
وكما أن الجماعة أنفقت، من ميزانيتها ومن جيوب رجال أعمالها، الملايين في عملية انتخابية، شهدت إنفاق مال سياسي ضخم، لم تشهده مصر في فترة حكم الرئيس السابق مبارك مجتمعة، وفي ظل دعاية انتخابية ضخمة استُخدم فيها الأطفال والشباب والنساء والدين، فيحسب للجماعة، حقيقة، إدخال ظاهرة السلاسل البشرية الممتدة عبر المحافظات في الدعاية الانتخابية.
والسؤال المطروح هنا، هل يعي الدكتور مرسي ذلك عند اتخاذه أي قرار على المستوى الداخلي والخارجي؟ الإجابة: بالقطع نعم يعلم ذلك تمامًا، واعترف في أكثر من مناسبة بفضل الجماعة عليه. وينطلق الدكتور مرسي في علاقته بالجماعة من خلال تأكيده الدائم بأنه لا يوجد تعارض بين مرسي الإنسان وبين الإنتماء للإخوان المسلمين، وهو أيضًا أول رئيس لحزبها الحرية والعدالة.
وقد انعكس هذا التأكيد في تشكيله لمؤسسة الرئاسة، حيث سيطر أعضاء الجماعة على مقاليد هذه المؤسسة، إذ تولى أحمد عبد العاطي مديرًا لمكتب الرئيس، وسكرتير الرئيس هو المهندس خالد القزاز، والدكتور ياسر علي متحدثًا إعلاميًّا باسم مؤسسة الرئاسة، وعصام الحداد مساعد الرئيس لشئون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، وفي المستشارين هناك سبعة مستشارين هم: د. أميمية كامل، ود. أيمن علي، ود. حسين القزاز، ود. عصام العريان، ود. محيي حامد، ود. رفيق حبيب. ويضاف إلى ذلك النفوذ القوي للمهندس خيرت الشاطر في مؤسسة الرئاسة، ليس فقط من خلال رجاله ولكن من حيث الاستشارات والقرارات غير الرسمية التي يتخذها، وتنفذ من خلال المؤسسة الرئاسية.
الخطورة هنا تكمن ليس فقط في سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مؤسسات الدولة ومقاليد الحكم، ولكن تتمثل الخطورة في استمرار سياسات ما قبل الثورة، حيث يكون معيار الولاء والثقة الأفضلية والأسبقية عن معايير الكفاءة والتخصص؛ مما سيفتح الباب على مصراعيه مرة أخرى لانتشار الفساد والمحسوبية في جميع مؤسسات الدولة، ومن ثم سيتم تفريغ الثورة من مبادئها وأهدافها الأساسية في تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، التي أصبحت مجرد شعارات يتشدق بها الإعلام، والتي أصبحت أيضًا مفاهيم سيئة السمعة للمواطن البسيط، الذي لم يجنِ من الثورة، حتى هذه اللحظات، إلا ارتفاع الأسعار وعدم الاستقرار المجتمعي.
سيطرة رجال بيزنس الجماعة على مقاليد الحكم
في مفارقة عجيبة، فإن البلد الذي اشتدت عليه قسوة العلاقة الآثمة بين المال والسلطة، ودفع ثمنًا باهظًا لعدم التمييز بين دور رجل الأعمال في ميدان الاقتصاد وعالم البيزنس والشركات، ودور رجل الأعمال في البرلمان أو في الحزب أو في الحكومة، هو نفس البلد الذي يتبارز فيه اليوم عدد كبير من رجال الأعمال ليس فقط لتأسيس الأحزاب السياسية في السر أو في العلن، وهو نفس البلد الذي تتحلق فيه السلطة اليوم حول أشخاص مرموقين في عالم المال، لديهم القدرات المالية، والخوف هنا أن يكون للمال الدور الأكبر في صنع مستقبل الثورة المصرية، فيعود المرض نفسه إلى جسد السياسة في مصر من جديد، فيصبح من يملك يحكم، ومن يستطيع شراء الأصوات هو الأكثر تأثيرًا، وتدور السياسة الجديدة في دوائر المال بلا ضوابط قانونية حقيقية لحدود استخدام المال في السياسة، وبلا ضمانات فاعلة لعدم تأثير هذا المال على صناعة القرار السياسي لاحقًا في البرلمان أو في الحكومة.
ومن جانبه، يؤكد عضو الإخوان السابق الدكتور ثروت الخرباوي، في مقال له بعنوان “,”عائلات البيزنس الإخــــــوانية تحكم مصر“,” بدء ظهور ملامح لتأثير ونشاط لعائلات معروفة بانتماءاتها الإخوانية في الدخول لعالم البيزنس واقتحام المؤسسات. فعلى سبيل المثال عائلة الرئيس لها نصيب في مقعدين في السلطة، بالرئيس محمد مرسي نفسه، وزوج شقيقته وحمي ابنته أيضًا الدكتور أحمد فهمي الذي تقلد منصب رئيس مجلس الشورى بفضل صلة المصاهرة، وسكرتير الرئيس أيضًا المهندس المصري كندي الجنسية، خالد القزاز، هو شريك خيرت الشاطر نائب المرشد العام، وأحد أهم كوادر حملته الانتخابية التي ورثها مرسي بعد ذلك، وأيضًا أبرز مهندسي العلاقات الخارجية في جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، والأهم من ذلك، أن خالد القزاز، للمصادفة، هو نجل المهندس عدلي القزاز، كلمة السر الجديدة في وزارة التربية والتعليم، بعد أن عُين مؤخرًا مستشارًا للوزير لـ“,”تطوير التعليم“,”، وسط حالة من الغموض، والأهم من كل ما سبق أنه صاحب مدارس “,”المقطم للغات“,”، المدارس الإخوانية الأشهر التي تلقى شهرة وإقبالاً واسعًا بين العائلات الإخوانية الكبرى، إلى درجة تضطر معها بعض الأسر إلى نقل محل الإقامة إلى المقطم في سبيل إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة، التي تحولت بعد ذلك إلى مقر لعقد الدورات التدريبية لشباب الجماعة في فصل الصيف. وشخص آخر من عائلة القزاز هو الدكتور حسين القزاز، وهو الضلع الثالث من “,”لوبي“,” عائلة القزاز داخل قصر الرئاسة، وأحد أبرز أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس محمد مرسي، والمستشار الاقتصادي لحزب الحرية والعدالة، وأحد أهم المؤسسين للجانب الاقتصادي في “,”مشروع النهضة“,” كما روج له الشاطر، وأيضًا العضو الاحتياطي بـ “,”تأسيسية الدستور“,”، والأهم أنه مسئول التنظيم الدولي للإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذا ضابط الاتصال بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين، عبر عقود من الهجرة لسنوات طويلة إلى أمريكا.
وفي القصر الرئاسي يوجد ثلاثة من أهم كوادر التنظيم الدولي للإخوان، تربط بينهم المصلحة الواحدة والبيزنس المشترك والشراكة الوطيدة مع الشاطر، الرجل الحديدي في الجماعة.. الأول هو الدكتور أحمد عبد العاطي مدير مكتب رئيس الجمهورية، والمنسق العام السابق للحملة الانتخابية لخيرت الشاطر ثم لمحمد مرسي من بعده، والثاني هو المهندس أسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ورجل الأعمال الإخواني البارز الذي ظهر في المشهد الشهير للرئيس في ميدان التحرير ممسكًا لمرسي بالميكروفون لمدة 10 دقائق في أثناء إلقائه خطاب ميدان التحرير، ورجل الأعمال الإخواني الأشهر حسن مالك، أحد قطبي الإمبراطورية الاقتصادية المشتركة بين الشاطر ومالك بمجموعة من الشركات تصل إلى 70 شركة، ورئيس جمعية تنمية الأعمال “,”ابدأ“,”، ورئيس لجنة “,”تواصل“,” المنوط بها تحقيق الاتصال بين رجال الأعمال ومؤسسة الرئاسة، التي أظهرت نفوذًا لا حدود له في كل سفريات الرئيس محمد مرسي، وتحديد شخصيات رجال الأعمال في الوفود المصاحبة له خلال الفترة الماضية، وهو واحد من أهم أعضاء الشبكة العائلية للإخوان في السلطة والجماعة، فزوجته هي جيهان عليوة شقيقة رجل أعمال إخواني آخر هو محمد سعد عليوة صاحب شركة “,”الحجاز لتوظيف الأموال“,” في التسعينيات، وأنجب منها مالك أبناءه السبعة، ويشاركونه جميعًا في إدارة إمبراطوريته الاقتصادية، كما هو الحال أيضًا مع بنات خيرت الشاطر، إذ أسست إحدى بناته مجموعة مدارس“,”جنى دان“,”.
محددات العلاقة بين الرئيس والجماعة
وبدون الدخول في تفاصيل أكثر من ذلك عن شبكة العلاقات التجارية والبيزنس الخفي بين رجال الأعمال الإخوان، الذين سيطروا بالفعل على مفاصل الدولة المصرية، فإن هناك عدة عوامل ومحددات يتوقف عليها مستقبل العلاقة بين الرئيس والجماعة، منها على سبيل المثال ما يلي:
أولاً: معركة الدستور الحالية والانتصار فيها، حيث يتبنى الدكتور محمد مرسي، وإن لم يظهر ذلك صراحة، وجهة نظر الجماعة والتيارات السلفية المختلفة في ضرورة التوافق على أن يتضمن الدستور أحكام الشريعة الإسلامية، وما يدلل على ذلك هو استقباله لشيوخ وأئمة الدعوة السلفية في قصر الاتحادية بعد مقابلة المرشحين السابقين للرئاسة. وقد حدث توافق بين تيارات الإسلام السياسي، الإخوان والسلفيين، حول تعريف مبادئ الشريعة في مادة منفصلة، والتي ذهبت في طياتها إلى ما هو أبعد من أحكام الشريعة.
الجدير بالقول إن الجماعة وتيارات الإسلام السياسي، خاصة بعد مليونية تطبيق الشريعة، ستخوض بكل قوة وشراسة وبكل الأسلحة –المال السياسي واستخدام الدين في المساجد- معركة الاستفتاء على الدستور، لتمريره من الشعب.
أما إذا استطاعت التيارات المدنية، ولو لمرة واحدة، أن تتوحد وتقف في وجه التيارات الإسلامية ومخططها لتمرير الدستور، فربما يؤثر ذلك على قرارات الرئيس المستقبلية، وسيضع هذه المؤسسات في الحسبان عند صنع قرار مرة أخرى.
ثانيًا: الانتخابات التشريعية المقبلة، فإذا فاز حزب الحرية والعدالة والتيارات السلفية بالأغلبية، وحتى لو كانت البسيطة، في ظل غياب وضعف القوى المدنية الأخرى، فسيحكم حزب الحرية والعدالة سيطرته على مفاصل الدولة، وبذلك سيقوم بتشكيل الحكومة، كما يتراءى له، والمجالس القومية المختلفة، المجلس القومي حقوق الإنسان، والقومي للمرأة، والأعلى للصحافة، والمجلس الأعلى للثقافة أو تلك التي ورد ذكرها في الدستور، وسيأتي بأنصاره في حركة واسعة للمحافظين.
ثالثًا: تحقيق الأمن والاستجابة للمطالب الفئوية المختلفة، خاصة بعد إقرار كادر المعلمين، ومغازلة الأطباء، وتسكين المطالب والاحتجاجات العمالية، فربما يساعد ذلك على زيادة شعبية حزب الحرية والعدالة والجماعة لدى المواطن العادي، خاصة بعد فشل مؤسسه في تحقيق برنامج المائة يوم الذي وعد به الرئيس مرسي جموع الشعب المصري.
رابعًا: العلاقة بين الرئيس والمعارضة المدنية، فالرئيس بحاجة إلى المساندة في الشارع في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها مصر الآن، وإذا حدث نوع من التقارب بين الاثنين فإنها ستؤثر بلا شك في علاقة الرئيس بالجماعة. ومما لا شك فيه، فإن أي تقارب حقيقي بين الطرفين سيؤثر بلا شك –إيجابًا أو سلبًا- على علاقة الرئيس بالجماعة، وسيكون للتيارات المدنية تمثيل، وإن كان ضعيفًا في البداية، في مؤسسات الدولة المختلفة.
خامسًا: بروز تيار إصلاحي حقيقي داخل الجماعة والحزب، وهما بالمناسبة غير منفصلين، وقدرته على مطالبة مكتب الإرشاد والحرس القديم بإعطاء فرصة كاملة وحقيقية للرئيس بأن يتحرك بدون قيود من الجماعة، وإن كان هذا صعب التحقيق، على الأقل في المدى القصير في ظل السيطرة التامة للحرس القديم على مجريات الأمور داخل الجماعة وحزب الحرية والعدالة، وقد يشجع ذلك الرئيس على الميل باتخاذ قرارات مؤسسية بمنأى عن مكتب الإرشاد.
سيناريوهات العلاقة.. بين الوئام والانفصال
وبناء على المحددات السابقة، يمكن توقع ثلاث سيناريوهات لمستقبل العلاقة بين الرئيس والجماعة، وهي كما يلي:
السيناريو الأول: التوافق والتلاحم التام: وفي ظل هذا السيناريو سيستمر الوضع كما هو عليه بين الرئيس والجماعة، حيث انصياع من الرئيس لتوجيهات وآراء وقرارات الجماعة التي تضمن له حماية على الأرض وتحمي قراراته وشرعية وجوده، ويترتب على هذه السيناريو عدة نتائج، في غاية الأهمية، على الصعيد الداخلي والخارجي.
فعلى الصعيد الداخلي، سيتحقق للجماعة ما تريده من إحكام سيطرتها على صنع السياسات الداخلية والخارجية، ومن ثم الاستمرار فيما يطلق عليه إعلاميًا “,”أخونة الدولة“,”، واستمرار حالة الانشقاق والتوتر والصراع السياسي في ظل تحالف مستمر بين الإخوان وتيارات الإسلام السياسي المختلفة، ومحاولة الاستبداد بالسلطة بدون الشعور بالذنب باتجاه ذلك، والانفراد بصنع القرار بدون الرجوع للتيارات المدنية والشبابية، وإضعاف دور المنظمات الحقوقية والدفاعية على وجه التحديد، واستمرار علاقات مضطربة وغير مستقر مع بعض الفئات في المجتمع مثل الأقباط.
وخارجيًّا، يترتب على هذا السيناريو عدة أمور منها: استمرار الاضطراب بين مصر وبعض دول المنطقة، خاصة مع محاولة الجماعة تفعيل دور التنظيم الدولي بعد إحكام سيطرتها على بلدان الربيع العربي من أجل عودة الخلافة وتحقيق “,”الأستاذية“,” على مستوى العالم، وزيادة الدور المتنامي للجماعات الجهادية في شمال ووسط وغرب إفريقيا، ودخول في مناوشات وحرب سياسية وكلامية مع الكثير من الفاعلين الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولة تعديل بعض الاتفاقيات الدولية مثل تلك التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، من وجهة الإخوان والسلفيين.
السيناريو الثاني: الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا في ظل استمر العلاقة مع الجماعة، وهو السيناريو الوسط ، ويتوقف على مدى قدرة الرئيس على خلق نوع من التوازن بين الانفصال النسبي أو التدريجي عن الجماعة ومطالبها وضغوطاتها. وفي هذا السيناريو ستكون هناك علاقة شد وجذب دائمة بين الرئيس والجماعة، والتي ستكون في النهاية لصالح المجتمع والدولة المصرية.
وداخليًّا، يترتب على هذا السيناريو، أن الرئيس سيقف على مسافة واحدة بين جميع القوى السياسية، وسيراعى في تمثيل أية حكومة أو مؤسسة التوازن السياسي والمجتمعي لمختلف الطوائف والفئات المصرية، وربما إنهاء حالة الاستقطاب السياسي بعد إقرار دستور توافقي، وتحقيق الأمن المجتمعي، وتحقيق معدل نمو أفضل على المستوى الاقتصادي.
وخارجيًّا، ستلعب مصر دورًا إقليميًّا أفضل، دون تخوف بعض البلدان العربية من عودة هذا الدور، ومساعدة الدول الأجنبية استرداد مصر للأموال المهربة في الخارج، وربما إذا استطاعت مصر استغلال القوة الناعمة لثورتها، إسقاط جانب كبير من ديونها، حيث بدأت بالفعل الولايات المتحدة بإسقاط مليون دولار من ديون مصر المستحقة لديها، وأخيرًا جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لمصر، وربما تحصل مصر، إذا طالبت بذلك، على مساعدات تقنية لملاحقة البؤر الإجرامية والتكفيرية في سيناء، من البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
السيناريو الثالث، الانفصال والنزوع إلى الاستقلال عن الجماعة، وهو الأصعب في التحقيق في الواقع، حيث يشهد هذا السيناريو حالة خصام وانفصال بين الرئيس وبين الجماعة، ويحاول الرئيس تكوين شخصية مستقلة، وسيلجأ الرئيس في ذلك إلى مطالبة الجماعة بتقنين أوضاعها في ظل قانون جديد للجمعيات الأهلية، وستخضع فيه أموال الجماعة إلى رقابة الجهاز المركزي للمحاسابات. وهذا السيناريو يعتمد على مدى قدرة الشعب على الاتفاق والالتفاف حول الرئيس، وعنصر الثقة والدعم الذي قد يلقاه من مؤسسات الدولة، وسيترتب على هذا السيناريو عدة نتائج على المستوى الداخلي والخارجي.
فعلى المستوى الداخلي، ستزداد بلا شك شعبية الرئيس في الشارع، ولدى التيارات المدنية الأخرى، مما سيقلل الاستقطاب السياسي الحادث في أروقة المجتمع المصري، والوصول إلى دستوري مدني حقيقي يعبر عن طموح الثورة المصرية، ووقف محاولة أخوانة مؤسسات الدولة. ولكن من ناحية أخرى ستشكل الجماعة معارضة قوية للرئيس وحكومته، وستدفع بمرشح آخر في أول انتخابات رئاسية تعقد في مصر.
أما على المستوى الخارجي، فإن مصر ستلقى دعمًا عربيًّا منقطع النظير على المستوى الاقتصادي والسياسي، وستنتهي حالة الشك والترقب والتخوف لدى بعض الدول العربية من سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة المصرية، وستقوم بعض الدول الأوروبية والغربية بسرعة تنفيذ التزاماتها تجاه الدعم الاقتصادي لمصر، وستتصف علاقة مصر مع بعض القوى الدولية والإقليمية بالهدوء والاستقرار.
وعلى الرغم من صعوبة تحقيق السيناريو الثاني والثالث، إلا إننا نتمنى على الأقل حدوث السيناريو الثاني، حيث وعد الرئيس مرسي بأنه سيقف على مسافة واحدة من جميع المصريين والتيارات السياسية المختلفة، ولكن ما كشفت عنه الأشهر السابقة هو انحياز الرئيس تمامًا في قراراته إلى الجماعة وحزبها، والدليل على ذلك قراره بعودة مجلس الشعب للانعقاد على الرغم من حكم المحكمة الدستورية العليا، وأزمة النائب العام، ومحاولة الرئيس التأثير على الجمعية التأسيسية لإنهاء الدستور بدلًا من إحداث توافق وطني حقيقي.