من الحرية إلى التقييد: قراءة أولية في قانون حق التظاهر
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 11:58 ص
وحدة الدراسات
تكرارًا لمشهد أصبح معتادًا في الكثير من مؤسسات الدولة المصرية بعد ثورة الـ 25 من يناير بأن تصدر قانونًا أو قرارًا ثم تعاود العدول عنه؛ حيث نُشر قبل أيام مشروع “,”قانون التظاهر“,” الذي أعدته لجنة التشريع في مجلس الشورى بالتعاون مع لجنة حقوق الإنسان، وكان من المفترض أن يقوم مجلس الشورى بمناقشة القانون في أقرب وقت، ولكن بعد ردود الفعل الغاضبة التي صدرت من الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، أُرجئت مناقشة القانون لحين إجراء حوار مجتمعي حوله، الذي يتم تمرير الكثير من القوانين والتشريعات تحت هذا المسمى، كما تم مع الدستور، وكمساهمة منا في الحوار المجتمعي الذي يناقش هذا القانون، نعرض في السطور القادمة بعض الملاحظات حول نصوص مشروع القانون، على أن يتبعه تحليل موسع عن قوانين حق التظاهر في الدول الديمقراطية.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، جاء القانون في مادته الأولى والتى تنص على أن “,”الاجتماعات العامة: كل اجتماع في مكان أو محل عام، أو خاص، يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص، ليس بيدهم دعوة شخصية فردية“,”، وبذلك يمكن القول أن هذه المادة بهذا الشكل فى تعريفها لمفهوم الاجتماع ذهبت إلى مجال واسع وكبير للغاية؛ حيث إن هذا التعريف عام وفضفاض، ويسمح للشرطة أو غيرها بالحضور، حتى لو كان الاجتماع في مكان عام.
ولا شك في أن هذه المادة بهذا النص بها عوار قانوني ودستوري؛ حيث ذهبت المادة (50) من الدستور الجديد، والذي أقر في الشهر الماضي على “,”حق الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار، ولا يجوز لرجال الأمن حضورها أو التنصت عليها“,”، ومن ثم فنحن أمام مفارقة كبيرة بأن الثورة التي أتاحت للجميع حق التظاهر والتعبير السلمي، بما فيهم جماعة الإخوان التي كان يطلق عليها “,”الجماعة المحظورة“,”، هي التي تريد تقييد حق التظاهر.
واللافت أن الدمج بين الاجتماعات والتظاهرات والتعامل معهما كنوع واحد، يحمل نوايا سيئة، ويفتح الباب على مصرعيه للشرطة للعودة لممارساتها السابقة، وعدم حماية الاجتماعات الخاصة، كما أن عدم تحديد المفهوم بشكل دقيق يتيح للأمن فرصة أكبر ليس فقط للتنصت على أية اجتماعات ولكن أيضًا فضها بتضيق الخناق عليها.
أما المادة الثالثة والتي حددت ثلاثة أيام كموعد وإخطار مسبق للقيام بالتظاهر كإجراء تنظيمي، وإن كان هذا متعارف عليه دوليًّا، ولكن فإن هذه المادة لم تفرق بين المظاهرات والاجتماعات، خصوصًا بعد توسيع مفهوم الاجتماع ليشمل كل تجمع يستطيع دخوله الأشخاص بدون دعوات فردية، كما أن توجيه الإخطار إلى “,”الجهات الإدارية المختصة“,” عمومي جدًّا بما لا يليق بقانون منظم، وكان من الواجب تحديد الجهة- أو الجهات- الإدارية المقصودة، فهل المقصود بها جهاز الشرطة؟ وداخل جهاز الشرطة هل القسم التابع لها المكان محل التظاهر أم مديرية الأمن؟ وهل أيضًا المقصود بالجهة الإدارية الشركة أو المصنع الذي يوجد به التظاهر؟.
والجدير بالقول هنا، أن القوانين الدولية في هذا الصدد تحدد استثناءات من الإخطار في حالات معينة، مثل إذا كان هناك حدث مهم وسريع ويستدعي التعبير عن الرأي بشكل عاجل، وهذا ما أغفله القانون، وهو ما يجب مراعاته في مسودته النهائية.
وقد فرضت المادة الرابعة من القانون على منظمي الاجتماعات توضيح “,”زمان ومكان وغرض الاجتماع“,” وكتابتها في الإخطار، وإذا كان من المقبول تحديد الزمان والمكان، فما هو الداعي من كتابة الموضوع؟ والذي من المفترض أن يكون معلومًا لدى الجهات الإدارية، واللافت أن القانون لم يوضح مدى قبول أو رفض الجهات المختصة على الاجتماع أو التظاهر؟ وهل من الممكن أن يمتد الرفض إلى موضوع الاجتماع أصلاً، وإذا كان كذلك أليس هذا يعد تقييدًا على حرية الرأي والتعبير؟.
وبالرغم من أن القانون جاء صارمًا في توقيتات وإجراءات تقديم الإخطار للجهات المعنية، إلا أنه كان أقل صرامة بكثير في إجراءات إبلاغ منظمي الاجتماع برفضه أو إلغائه من قبل الجهات الإدارية؛ حيث نص القانون على تعبيرات فضفاضة مثل “,”ويبلغ إعلان المنع إلى منظمى الاجتماع أو إلى أحدهم بأسرع ما يستطاع، وقبل الموعد المقرر للاجتماع بوقت مناسب“,”.
أما المادة السادسة، فقد جاءت جيدة في صياغتها، ومنعت استخدام المدارس ودور العبادة والمصالح الحكومية، وهو أمر طالبت به المنظمات الحقوقية كثيرًا، ولكن تحديد موعد نهاية الاجتماعات بالساعة الحادية عشرة مساء ليس له داع ولا سابقة، ويقيد حرية المواطنين في التنظيم والاجتماع، ويخالف المبادئ الدستورية؛ حيث لا يوجد في المعايير والمواثيق الدولية ما يقيد مسألة إنهاء التظاهر أو الاجتماعات في مواعيد محددة.
وفي الواقع وكالعادة، جاءت المادتان 7 و 8 من القانون بألفاظ ومفاهيم شديدة العمومية، مثل: “,”النظام العام – الآداب- ألقيت في الاجتماع خطب أو حدث صياح أو أنشدت أناشيد تتضمن الدعوة إلى الفتنة- اضطراب شديد“,”، وكلها ألفاظ من الممكن أن تستخدم في مصادرة الحق الطبيعي للمواطن في الاجتماع والتنظيم، خصوصًا وأن الجهة الإدارية هي التي ستحدد ما المقصود بهذه الكلمات، وما هي الإجراءات المتبعة في حالة حدوث ذلك غير واضحة في نصوص القانون.
وحقيقة جاءت المادة التاسعة، كمثيلتها من المواد السابقة؛ حيث قدمت تعريفًا واسعًا للاجتماعات العامة، وما هي الجهة التي تقرر إذا كان موضوع الاجتماع أو عدد دعواته أو طريقة توزيعها لا تعطي الصفة الحقيقية لاجتماع خاص؟ وما هي الصفة الحقيقية الصحيحة للاجتماع الخاص أصلاً؟.
فرضت المادتان (12 و14) قيودًا زمانية ومكانية على حرية التظاهر والتجمع السلمي؛ حيث حددت المادتان عدد ساعات التظاهر بـ 12 ساعة فقط، وأماكن معينة تختارها كل محافظة في الجمهورية كمكان للتظاهر، وذلك بالمخالفة للحق الطبيعي في التعبير دون التقيد بزمان أو مكان، ومما سيتيح الحرية للجهات الإدارية بفرض مزيد من التقييد بتأخير إعطاء الترخيص.
وفي الوقت الذي نصت فيه المادة 16 على “,”عدم خروج التظاهرات عن الآداب العامة“,”، وبغض الطرف عن عمومية هذه العبارة، إلا إنها لم تضع أية معايير للآداب العامة، ومن الجهة المسئولة عن “,”تحديد ما هي الآداب العامة“,”، هل الأزهر أيضًا كما هو مذكور في الدستور أم هيئة علماء المسلمين؟ فمثلًا أغاني الألتراس هل تعتبر خروجًا عن الآداب العامة؟
وعلى الرغم من أن المادة (17) حمَّلت وزارة الداخلية المسئولية الكاملة عن حماية التظاهرات والاجتماعات، وهو إيجابي للغاية، إلا أنها في المقابل أعطتها الحق الكامل في تفتيش المتظاهرين، وأطلقت هذا الحق بدون ضوابط أو محددات، مما قد يعطل أعمال التظاهر إذا أرادت وزارة الداخلية ذلك.
ومن مفاجآت هذا القانون المادة (19)، التي قصرت حق التظاهر على “,”ثلث عمال أي مؤسسة عامة أو خاصة بعد تقديم الإخطار للجهات الأمنية“,”، والتساؤل هنا لماذا الثلث فقط، إذا كان المتضررون جميع العاملين بالمؤسسة، هذا من جانب ومن جانب آخر فالقانون لا يتيح لثلثي العاملين حق التظاهر المكفول لهم، بالإضافة إلى ذلك من يحدد نوعية هذا الثلث من العاملين.
وقد أعطت المادة (21) “,”للعمال حق الإضراب السلمي، ولكن دون تعطيل الإنتاج أو الإضرار بالاقتصاد، وهو ما يجعل من الإضراب وسيلة للتعبير عن الرأي فقط، ويفرغه من مضمونه، الذي هو بالأساس الضغط على صاحب المنشأة أو العمل عن طريق“,” كما نصت المادة 22 على إشعار صاحب العمل قبل الإضراب بـ14 يومًا في المصالح الخاصة، و28 يومًا في المصالح العامة، ويعني ذلك أن اعتراض العاملين على أي قرار تتخذه الإدارة لن يتم قبل مرور أسبوعين على الأقل من إقراره، ولكن مع قانون عمال لا يحمي حقوق العمال، سيمثل إبلاغ صاحب العمل عن نية الإضراب قبلها بـ14 يومًا عقبة كبيرة أمام إتمام أي إضراب؛ لأن صاحب العمل قد يستعين بوسائل معينة لتفريغ الإضراب من مضمونة أو الضغط بوسائل مختلفة على العمال المضربين .
ونصت المادة 24 في الفقرة (ه) على أن نسخة من الإشعار بالإضراب يجب أن تقدم إلى مديرية العمل التي تقع المنشأة المعنية في اختصاصها، ويعني ذلك أن العامل المضرب يجب أن يقدم إخطارًا للجهات الأمنية بموجب المادة 19، ولصاحب العمل بموجب المادة 22 وللمديرية التابع لها بموجب المادة 24، مما يضع مزيدًا من القيود على الإضراب، وكان من باب أولى إبلاغ الجهات الإدارية لبعضها البعض، وليس العمال المنشغلين بتنظيم الإضراب أو التظاهر.
والخلاصة، حاول القانون حماية رجال الشرطة من المساءلة القانونية أكثر من حمايته للمتظاهرين ولحقوقهم، وهي الفلسفة التي دفعت منظمات المجتمع المدني والعديد من القوى السياسية لإعلان رفضها التام للمشروع، واعتباره ردة للخلف، وأنه مقيد للحريات وليس داعمًا لها، وقد تجاهل القانون أيضًا حق الأقليات في التظاهر والتجمع السلمي، وهو ما تكفله المواثيق والمعاهدات الدولية.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، جاء القانون في مادته الأولى والتى تنص على أن “,”الاجتماعات العامة: كل اجتماع في مكان أو محل عام، أو خاص، يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص، ليس بيدهم دعوة شخصية فردية“,”، وبذلك يمكن القول أن هذه المادة بهذا الشكل فى تعريفها لمفهوم الاجتماع ذهبت إلى مجال واسع وكبير للغاية؛ حيث إن هذا التعريف عام وفضفاض، ويسمح للشرطة أو غيرها بالحضور، حتى لو كان الاجتماع في مكان عام.
ولا شك في أن هذه المادة بهذا النص بها عوار قانوني ودستوري؛ حيث ذهبت المادة (50) من الدستور الجديد، والذي أقر في الشهر الماضي على “,”حق الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار، ولا يجوز لرجال الأمن حضورها أو التنصت عليها“,”، ومن ثم فنحن أمام مفارقة كبيرة بأن الثورة التي أتاحت للجميع حق التظاهر والتعبير السلمي، بما فيهم جماعة الإخوان التي كان يطلق عليها “,”الجماعة المحظورة“,”، هي التي تريد تقييد حق التظاهر.
واللافت أن الدمج بين الاجتماعات والتظاهرات والتعامل معهما كنوع واحد، يحمل نوايا سيئة، ويفتح الباب على مصرعيه للشرطة للعودة لممارساتها السابقة، وعدم حماية الاجتماعات الخاصة، كما أن عدم تحديد المفهوم بشكل دقيق يتيح للأمن فرصة أكبر ليس فقط للتنصت على أية اجتماعات ولكن أيضًا فضها بتضيق الخناق عليها.
أما المادة الثالثة والتي حددت ثلاثة أيام كموعد وإخطار مسبق للقيام بالتظاهر كإجراء تنظيمي، وإن كان هذا متعارف عليه دوليًّا، ولكن فإن هذه المادة لم تفرق بين المظاهرات والاجتماعات، خصوصًا بعد توسيع مفهوم الاجتماع ليشمل كل تجمع يستطيع دخوله الأشخاص بدون دعوات فردية، كما أن توجيه الإخطار إلى “,”الجهات الإدارية المختصة“,” عمومي جدًّا بما لا يليق بقانون منظم، وكان من الواجب تحديد الجهة- أو الجهات- الإدارية المقصودة، فهل المقصود بها جهاز الشرطة؟ وداخل جهاز الشرطة هل القسم التابع لها المكان محل التظاهر أم مديرية الأمن؟ وهل أيضًا المقصود بالجهة الإدارية الشركة أو المصنع الذي يوجد به التظاهر؟.
والجدير بالقول هنا، أن القوانين الدولية في هذا الصدد تحدد استثناءات من الإخطار في حالات معينة، مثل إذا كان هناك حدث مهم وسريع ويستدعي التعبير عن الرأي بشكل عاجل، وهذا ما أغفله القانون، وهو ما يجب مراعاته في مسودته النهائية.
وقد فرضت المادة الرابعة من القانون على منظمي الاجتماعات توضيح “,”زمان ومكان وغرض الاجتماع“,” وكتابتها في الإخطار، وإذا كان من المقبول تحديد الزمان والمكان، فما هو الداعي من كتابة الموضوع؟ والذي من المفترض أن يكون معلومًا لدى الجهات الإدارية، واللافت أن القانون لم يوضح مدى قبول أو رفض الجهات المختصة على الاجتماع أو التظاهر؟ وهل من الممكن أن يمتد الرفض إلى موضوع الاجتماع أصلاً، وإذا كان كذلك أليس هذا يعد تقييدًا على حرية الرأي والتعبير؟.
وبالرغم من أن القانون جاء صارمًا في توقيتات وإجراءات تقديم الإخطار للجهات المعنية، إلا أنه كان أقل صرامة بكثير في إجراءات إبلاغ منظمي الاجتماع برفضه أو إلغائه من قبل الجهات الإدارية؛ حيث نص القانون على تعبيرات فضفاضة مثل “,”ويبلغ إعلان المنع إلى منظمى الاجتماع أو إلى أحدهم بأسرع ما يستطاع، وقبل الموعد المقرر للاجتماع بوقت مناسب“,”.
أما المادة السادسة، فقد جاءت جيدة في صياغتها، ومنعت استخدام المدارس ودور العبادة والمصالح الحكومية، وهو أمر طالبت به المنظمات الحقوقية كثيرًا، ولكن تحديد موعد نهاية الاجتماعات بالساعة الحادية عشرة مساء ليس له داع ولا سابقة، ويقيد حرية المواطنين في التنظيم والاجتماع، ويخالف المبادئ الدستورية؛ حيث لا يوجد في المعايير والمواثيق الدولية ما يقيد مسألة إنهاء التظاهر أو الاجتماعات في مواعيد محددة.
وفي الواقع وكالعادة، جاءت المادتان 7 و 8 من القانون بألفاظ ومفاهيم شديدة العمومية، مثل: “,”النظام العام – الآداب- ألقيت في الاجتماع خطب أو حدث صياح أو أنشدت أناشيد تتضمن الدعوة إلى الفتنة- اضطراب شديد“,”، وكلها ألفاظ من الممكن أن تستخدم في مصادرة الحق الطبيعي للمواطن في الاجتماع والتنظيم، خصوصًا وأن الجهة الإدارية هي التي ستحدد ما المقصود بهذه الكلمات، وما هي الإجراءات المتبعة في حالة حدوث ذلك غير واضحة في نصوص القانون.
وحقيقة جاءت المادة التاسعة، كمثيلتها من المواد السابقة؛ حيث قدمت تعريفًا واسعًا للاجتماعات العامة، وما هي الجهة التي تقرر إذا كان موضوع الاجتماع أو عدد دعواته أو طريقة توزيعها لا تعطي الصفة الحقيقية لاجتماع خاص؟ وما هي الصفة الحقيقية الصحيحة للاجتماع الخاص أصلاً؟.
فرضت المادتان (12 و14) قيودًا زمانية ومكانية على حرية التظاهر والتجمع السلمي؛ حيث حددت المادتان عدد ساعات التظاهر بـ 12 ساعة فقط، وأماكن معينة تختارها كل محافظة في الجمهورية كمكان للتظاهر، وذلك بالمخالفة للحق الطبيعي في التعبير دون التقيد بزمان أو مكان، ومما سيتيح الحرية للجهات الإدارية بفرض مزيد من التقييد بتأخير إعطاء الترخيص.
وفي الوقت الذي نصت فيه المادة 16 على “,”عدم خروج التظاهرات عن الآداب العامة“,”، وبغض الطرف عن عمومية هذه العبارة، إلا إنها لم تضع أية معايير للآداب العامة، ومن الجهة المسئولة عن “,”تحديد ما هي الآداب العامة“,”، هل الأزهر أيضًا كما هو مذكور في الدستور أم هيئة علماء المسلمين؟ فمثلًا أغاني الألتراس هل تعتبر خروجًا عن الآداب العامة؟
وعلى الرغم من أن المادة (17) حمَّلت وزارة الداخلية المسئولية الكاملة عن حماية التظاهرات والاجتماعات، وهو إيجابي للغاية، إلا أنها في المقابل أعطتها الحق الكامل في تفتيش المتظاهرين، وأطلقت هذا الحق بدون ضوابط أو محددات، مما قد يعطل أعمال التظاهر إذا أرادت وزارة الداخلية ذلك.
ومن مفاجآت هذا القانون المادة (19)، التي قصرت حق التظاهر على “,”ثلث عمال أي مؤسسة عامة أو خاصة بعد تقديم الإخطار للجهات الأمنية“,”، والتساؤل هنا لماذا الثلث فقط، إذا كان المتضررون جميع العاملين بالمؤسسة، هذا من جانب ومن جانب آخر فالقانون لا يتيح لثلثي العاملين حق التظاهر المكفول لهم، بالإضافة إلى ذلك من يحدد نوعية هذا الثلث من العاملين.
وقد أعطت المادة (21) “,”للعمال حق الإضراب السلمي، ولكن دون تعطيل الإنتاج أو الإضرار بالاقتصاد، وهو ما يجعل من الإضراب وسيلة للتعبير عن الرأي فقط، ويفرغه من مضمونه، الذي هو بالأساس الضغط على صاحب المنشأة أو العمل عن طريق“,” كما نصت المادة 22 على إشعار صاحب العمل قبل الإضراب بـ14 يومًا في المصالح الخاصة، و28 يومًا في المصالح العامة، ويعني ذلك أن اعتراض العاملين على أي قرار تتخذه الإدارة لن يتم قبل مرور أسبوعين على الأقل من إقراره، ولكن مع قانون عمال لا يحمي حقوق العمال، سيمثل إبلاغ صاحب العمل عن نية الإضراب قبلها بـ14 يومًا عقبة كبيرة أمام إتمام أي إضراب؛ لأن صاحب العمل قد يستعين بوسائل معينة لتفريغ الإضراب من مضمونة أو الضغط بوسائل مختلفة على العمال المضربين .
ونصت المادة 24 في الفقرة (ه) على أن نسخة من الإشعار بالإضراب يجب أن تقدم إلى مديرية العمل التي تقع المنشأة المعنية في اختصاصها، ويعني ذلك أن العامل المضرب يجب أن يقدم إخطارًا للجهات الأمنية بموجب المادة 19، ولصاحب العمل بموجب المادة 22 وللمديرية التابع لها بموجب المادة 24، مما يضع مزيدًا من القيود على الإضراب، وكان من باب أولى إبلاغ الجهات الإدارية لبعضها البعض، وليس العمال المنشغلين بتنظيم الإضراب أو التظاهر.
والخلاصة، حاول القانون حماية رجال الشرطة من المساءلة القانونية أكثر من حمايته للمتظاهرين ولحقوقهم، وهي الفلسفة التي دفعت منظمات المجتمع المدني والعديد من القوى السياسية لإعلان رفضها التام للمشروع، واعتباره ردة للخلف، وأنه مقيد للحريات وليس داعمًا لها، وقد تجاهل القانون أيضًا حق الأقليات في التظاهر والتجمع السلمي، وهو ما تكفله المواثيق والمعاهدات الدولية.