سيناريوهات الحوار الوطني المفقود ما بين النجاح والفشل:
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 12:25 م
د. يسري العزباوي
في الوقت الذي نجحت فيه الثورة المصرية في التخلص من النظام السابق، لم تنجح في تطوير آليات ديمقراطية محددة، يتم من خلالها التوافق والاتفاق على خطوات المرحلة الانتقالية بين جميع الحركات والائتلافات والأحزاب السياسية، مما انعكس بصورة أو بأخرى على المشهد السياسي حتى الآن.
فعلى الرغم من وجود رئيس منتخب، إلا أن شركاء ميدان التحرير أصبحوا فرقاء الآن، كل منهم له أهدافه ومشاربه الخاصة، دون مراعاة للمصلحة العليا للوطن أو أهداف الثورة العظيمة، التي لم يجنِ منها المواطن البسيط شيئًا يذكر حتى هذه اللحظات، سوى ارتفاع غير مبرر ومتتالٍ في الأسعار، ولا يزال أيضًا في حالة ترقب ووضع اقتصادي سيئ ويزداد سوءًا يومًا تلو الآخر. من ناحية أخرى، لم تستطع الثورة أن توجد لها قيادة محددة، بالرغم من مرور عامين عليها.
ويعتبر البعض أن “,”جبهة الإنقاذ“,” تمثل بديلاً عن القيادة الموحدة، إلا أن الجبهة لا تعتبر مظلة موحدة بين جميع الأحزاب المعارضة تجاه السلطة الجديدة، كما أن النظام الجديد استطاع، وبسرعة فائقة، أن يلصق بها العديد من التهم. ففي أيام النظام السابق كانت المعارضة متهمة دائمًا بمحاولة الاستقواء بالخارج، أما في عهد الدكتور محمد مرسي أضيفت للمعارضة تهمٌ جديدة مثل: “,”الخيانة العظمى، ومحاولة قلب نظام الحكم والانقضاض على السلطة“,”، وهو ما يمثل مفارقة غريبة تضاف إلى المفارقات التي أوجدتها النخبة الجديدة للثورة المصرية.
ومما لا شك فيه أن الذكرى الثانية لثورة 25 يناير مثَّلت انحرافًا عن المسار الطبيعي السلمي للثورة التي جاءت مدنية ملتزمة متزنة في فعلها الثوري منذ لحظاتها الأولى. ويشارك الجميع الآن، بقصد ودون قصد، في تأجيج العنف بدلاً من احتوائه، بممارسة ما يعرف باسم “,”العناد السياسي“,” غير المسبوق في مصر من السلطة والمعارضة، في ظل وضع مأزوم على المستويات المختلفة. وكما قال الرئيس السابق مبارك إنه معه “,”دكتوراه في العند“,”، فإن السلطة والمعارضة الآن في مصر تمنح درجة “,”الأستاذية“,” في العند والغباء السياسي.
أسباب فشل المبادرات
وفي محاولة للخروج من المأزق، وهذه الحالة غير المسبوقة من الانشقاق والتناحر السياسي، خرج علينا العديد من المبادرات للم الشمل الوطني، من الأحزاب السياسية والمؤسسات والشخصيات العامة، للدرجة التي وصل فيها إحساس في المجال العام بأن كل مواطن لديه مبادرة لاحتواء الأزمة. وعلى الرغم من ذلك باءت كل هذه المبادرات بالفشل، ولم تنجح في تحقيق توافق وطني حقيقي، أو على الأقل أن توقف المظاهرات أو بعض أعمال العنف المصاحبة لها.
ومما لا شك فيه أن أسباب فشل هذه المبادرات يعود إلى عدة أسباب، تتمثل فيما يلي:
أولاً: حالة فقدان الثقة غير المسبوقة من جميع الأطراف تجاه جميع الأطراف، وفقدان حالة الثقة هذه صاحبها حالة من حالات “,”التخوين المتبادلة“,”، لم تشهد لها مصر مثيلًا في تاريخها الحديث. بمعنى آخر، هناك حالة فقدان الثقة من المعارضة تجاه السلطة والعكس، كما أن حالة فقدان الثقة هذه امتدت وانتقلت إلى الشارع والشباب على وجه التحديد تجاه النخبة السياسية الجديدة (الحاكمة والمعارضة).
ثانياً: فشل الحوار الوطني الأول الذي جاء تحت رعاية الدكتور مرسي شخصيًا، وكانت أطرافه غير ممثلة للأوزان السياسية الحقيقية على الأرض، وكان الحوار أقل ما يقال عنه إنه حوار “,”العائلة الواحدة“,”، فكانت أغلب أطرافه من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وبعض الشخصيات التي نفد بالفعل رصيدها في الشارع. والأهم من كل ما سبق، أن هذا الحوار المزعوم لم ينجز شيئًا إيجابيًا في المشهد السياسي، بل على العكس زاد الأوضاع تعقيدًا، فعندما أقر هذا الحوار مبادئ عامة لقانون الانتخابات الجديد، لم يؤخذ بها، وأكدت قيادات “,”الحرية والعدالة“,” حينئذ أن نتائج الحوار غير ملزِمة لها.
ثالثًا: قيادة الشارع (الشباب) للسياسية والساسة في مصر حيث لم تستطع قوى المعارضة والسلطة استيعاب الشباب الذي فجَّر الثورة، وتبارت المعارضة ، والسلطة في مليونيات، ومليونيات مضادة، لإظهار القوة واستعراض العضلات السياسية، دون وعي منهما بأن الشارع بات يلفظ الجميع، وهو ما أدركته مؤخرًا “,”جبهة الإنقاذ“,” التي باتت تتخذ قراراتها بناء على رد فعل الشارع. وكان هناك إحساس من السلطة والمعارضة بأنهما أمام “,”مباراة صفرية“,” لا كاسب ولا خاسر فيها، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا، لأن الجميع أمام “,”مباراة صفرية“,” من نوع خاص، ليس فقط الخاسر فيها السلطة والمعارضة، ولكن الشعب نفسه هو الخاسر الأكبر، لأنه يتحمل أعباء وأخطاء النخبة الجديدة.
رابعًا: فشل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في أن تستوعب الفائض الهائل من القدرات الشبابية في مؤسساتها، وأن تفسح أمامهم المجال لتولي زمام المبادرة داخل هذه المؤسسات، وأن يقوموا بتفجير طاقاتهم الإبداعية بداخلها. ولكن ما حدث هو العكس تمامًا، حيث ظلَّ الرعيل الأول من القيادات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني متحكمًا في كل شيء، بل على العكس مارس أسوأ أنواع الاستبداد تجاه الشباب، وأصبح الشباب الذي فجَّر الثورة هو الطرف المدان من قِبل هؤلاء، لأنه عديم الخبرة والكفاءة، ومازالت هناك فرصة لأن يتعلم من الجيل الأكبر، بالإضافة إلى أنه مازال صغير السن. ولم يتواكب مع هذه الثورة العظيمة تغيّر في البنية الفكرية لأغلب فئات المجتمع، ومازال التفكير بنفس الطريقة القديمة على مستوى إدارة البلاد والعباد في مصر المحروسة، وهذا هو لب المشكلة الحقيقية في مصر الآن.
خامسًا: عدم وجود آلية ملزمة لجميع الأطراف (السلطة والمعارضة) في هذه المبادرات، أو ضمانات حقيقية يلتزم بها الجميع، مما أدى إلى استمرار حالة فقدان الثقة، بالإضافة إلى التخوين والتربص المتبادلين.
سادسًا: محاولات استدعاء المؤسسة العسكرية في الصراع السياسي، وذلك نتيجة عدم وضع حدود فاصلة أو ضوابط بين العلاقات العسكرية والمدنية حتى هذه اللحظات، ويعتقد الكثيرون من البسطاء، وبعض المحللين السياسيين، أن الخلاص من هذا الوضع الحالك، الذي لم يعتده المصريون من ذي قبل، يتمثل في استدعاء المؤسسة العسكرية مرة أخرى، خاصة أنها تمتلك وتتمتع بقدرة كبيرة من النظام والحزم، ولها رصيد كبير في الشارع المصري. ونسي الجميع أن استدعاء المؤسسة العسكرية سلاح ذو حدين، فالحد الأول، هو الخاص بعودة الأمن والاستقرار، وهي بالفعل قادرة على ذلك. أما الحد الثاني، فستقوم هذه المؤسسة بتكبيل بعض الحقوق والحريات العامة لتحقيق الهدف الأول. والسؤال الذي يجب أن يحاول كل مصري أن يجيب عنه: أيهما نُعلي.. الأمن والاستقرار أم تكبيل الحقوق والحريات من أجل قيمة الأمن الغائب بفعل المصريين أيضًا؟
وثيقة الأزهر محاولة جديدة.. ولكن..
جاءت وثيقة الأزهر محاولة لوضع ضوابط وإطار عام لممارسة العملية السياسية من ناحية، ولمواجهة بوادر العنف التي بدأت تطفو على ساحة المشهد السياسي، فلأول مرة في التاريخ الحديث، يُستخدم العنف تجاه استحقاقات سياسية بحتة من قِبل المصريين تجاه بعضهم البعض، من ناحية ثانية.
وفي الوقت الذي قامت فيه مجموعة من الشباب، “,”بلاك بلوك أو الكتلة السوداء“,” وغيرهم من الذين لعبوا دورًا في ثورة 25 يناير كمبادرة فردية منهم، باللجوء إلى استخدام العنف بعدما فشلت كل الطرق السلمية في تحقيق أهداف ومبادئ الثورة. قامت مجموعة أخرى باللجوء إلى الأزهر والكنيسة لوقف هذه الأعمال، تخوفًا منهم بأن تصبح هذه الأعمال هي أساس العمل السياسي مستقبلاً. وعلى الرغم من أن الشباب قد وفق تمامًا باختياره الأزهر والكنيسة لرعاية هذه المبادرة، بما لهما من زعامة دينية وروحية كبيرة لدى عموم المصريين، إلا هذه المبادرة لم تنجح حتى هذه اللحظات.
وبالرغم من حالة الانفلات الأمني والأخلاقي التي صاحبت ثورة 25 يناير نتيجة للهجوم على المراكز الشرطية وتهريب السجناء، إلا أنها كانت أزمة مفتعلة، وكان الجميع يعلم ذلك، وفور تعافي الأجهزة الأمنية بدأت هذه الظاهرة في الانحسار، كما لعب المواطنون دورًا كبيرًا إيجابيًا لمواجهة هذه الظاهرة، من خلال ما عُرف باسم “,”اللجان الشعبية“,”.
ولكن بدأ العنف الآن، ومن هنا الخطورة، حيث اتخذ طابعًا ممنهجًا، بعدما يئس الشباب من تحقيق مطالبه السياسية المشروعة: “,”عيش .. حرية.. عدالة اجتماعية“,”، كما فشلت السلطة السياسية الجديدة في ترجمة مطالب الشباب وأهداف ومبادئ ثورة 25 يناير في قرارات ملموسة تلبي احتياجات الشباب والمواطن.
وحقيقة، لم تحقق مبادرة الأزهر “,”لنبذ العنف“,” المرجو منها، هي الأخرى، وذلك لعدة أسباب، منها:
أولاً، تأخر المبادرة كثيرًا حتى تفاقم الوضع، وبات يترسخ، خطئًا، لدى الشباب أن طريق السلمية لم يحقق أهداف الثورة، ومن ثم هناك ضرورة لاتباع دروب ومسالك أخرى، حتى وإن كانت غير سلمية؛ لتحقيق أهداف الثورة. ومن ثم انتقلت حالة فقدان الإحساس بعنصر الوقت من السلطة والمؤسسات التنفيذية إلى باقي المؤسسات المجتمعية الأخرى. وباتت هناك ضرورة ملحة لأهمية وجود إدارة رسمية تتعامل مع الأزمات المجتمعية بسرعة، ويتم من خلالها، ليس فقط توصيف الأزمة توصيفًا حقيقيًا، ولكن أيضًا وضع الحلول المقترحة واللازمة لهذه الأزمة قبل أن تتفاقم وتزداد تعقيدًا وتشابكًا.
ثانيًا: السلطة والحزب الحاكم، حيث تلهفت السلطة والحزب الحاكم على المبادرة وتعاملا معها على أنها نهاية للمشكلة، وليست بداية طريق الحل، أو على الأقل إحدى الطرق المؤدية للحل، وبدلا من أن يبنيا عليها ويخرجا بمزيد من الحلول، تبنيا سياساتهما السابقة، بأنهما حمّلا المعارضة العنف في الشارع على اعتبار أنها هي التي دعت إلى التظاهر، وليست أحد أطرافها فقط. ومن ثم العودة سريعًا ومجددًا لسياسة “,”إلقاء التهم والتخوين“,”.
ثالثًا: المبادئ التي احتوتها الوثيقة جاءت عامة وفضفاضة ، وتعبر عن تمنيات الأطراف الموقعة عليها فقط لمستقبل العمل السياسي والحزبي والأهلي. ولم تحمل في طياتها أي وسيلة لتحقيق طموح وتوقعات الشارع. كما جاءت العبارات والبنود التي احتوتها الوثيقة في طياتها أقرب إلى خطبة “,”صلاة الجمعة“,”، مثل “,”حق الإنسان في الحياة مقصد من أسمى المقاصد في الشرائع والأديان والقوانين“,”.. إلخ.
رابعًا: حمّلت الوثيقة “,”قوى المعارضة“,” و“,”السلطة“,” مسئولية “,”نبذ العنف“,” بدرجة متساوية في مخالفة صريحة للواقع، حيث تمتلك الدولة، فقط، بمؤسساتها حق استخدام العنف المادي والمعنوي وفقًا لضوابط ومعايير أقرها القانون الدولي. واللافت للنظر أن هناك درجة من عنف الشارع يأتي كرد فعل على عنف السلطة أو عنف بعض مؤسسات الدولة، ولنا في واقعة المواطن “,”حمادة صابر“,” خير نبراس وشاهد.
خامسًا: أكدت الوثيقة ضرورة حماية النسيج الوطني الواحد من الفتنة الطائفية المصنوعة والحقيقية، وبوعي أو بدون وعي، نسي الجميع أننا أمام صراع سياسي وليس فتنة طائفية، فنحن أمام تناحر سياسي، وتنافس سياسي بدأ يحيد عن مساره المشروع، ويتخذ منحى مختلفًا عن المسار الطبيعي الذي رسمته وخططت له الثورة. أما أن يقع الأزهر الشريف وموقعو هذه الوثيقة في هذا الخطأ الفادح بتصوير الأمر بأنه “,”فتنة طائفية“,” فهذا يحتاج إلى إعادة نظر، وذلك لأن استخدام المصطلحات بهذا الشكل، يؤجج الصراع ويصوره للعامة بأنه صراع ديني وليس صراعًا سياسيًا مشروعًا.
وفي الواقع، هناك الكثير من المصطلحات المستخدمة بعد الثورة بحاجة إلى مراجعة حقيقية، لأنها لا تمت للعلوم السياسية بصلة، كما أنها تحاول “,”عسكرة“,”، أو بها إيحاءات عسكرية، مثل: “,”الفلول، جبهة، كتلة، ائتلاف...إلخ“,”، وهو ما يعتبر إسقاطات عسكرية على الممارسة السياسية، والخوف كل الخوف، من أن تترسخ هذه المصطلحات في أذهان الشباب، ثم يحاول ترجمتها إلى فعل ثوري على الواقع، وهو ما نشهده الآن من ظواهر الحركات الشبابية التي تلجأ إلى العنف أو العنف المضاد.
سادسًا: ضعف تأثير المعارضة على الشارع والشباب ، فكل ما يمكن أن تفعله المعارضة هو أن تطلق عبر الفضائيات الدعوة لمليونية أو مظاهرة فقط، ولكن لا تستطيع أن تقودها في الشارع، أو على الأقل ضبطها أو التحكم فيها، حيث بات الشارع - كما ذُكر أعلاه - الفاعل الرئيسي والمحرك للجميع، السلطة والمعارضة، ويبني الجميع مواقفه وسياساته بناء على الفعل الثوري للشارع.
سابعًا: الخبرة الماضية، وفشل وثيقة الأزهر الأولى التي وقّع عليها الكثير من الأحزاب السياسية، خاصة ذات المرجعية الدينية، والتي كان يجب أن تكون الإطار الجامع والمرجعية الأساسية للدستور الجديد، وهو ما لم يحدث، كما كان متفقًا عليه، مما أعطى الجميع انطباعًا سياسيًا بأن هذه الأحزاب تلجأ إلى الأزهر وقتما تكون “,”مأزومة سياسيًا“,” فقط، وسرعان ما تنقض عهدها بعد أن يستتب لها الأمر مؤقتًا.
سيناريوهات متوقعة.. الحوار الوطني
عمليًا، هناك محددان في غاية الأهمية سيتوقف عليهما أي سيناريو للحوار مستقبلا بين المعارضة والسلطة، ومستقبل هذه الثورة العظيمة. يتمثل العامل الأول في تقديم السلطة بعض التنازلات، والتخلي عن حالة العناد السياسي واللجوء إلى مليونيات مضادة، من أجل تهدئة الشارع السياسي من خلال الاستجابة إلى إقالة الحكومة وإعادة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري وعلماء الاجتماع لإعادة النظر في الدستور والمواد التي يوجد عليها عدم اتفاق. أما العامل الثاني فيتمثل في قبول جبهة الإنقاذ في الدخول في حوار مباشر مع السلطة دون شروط إذا استجابت السلطة إلى المطالب سالفة الذكر.
وبناء عليه، تتمثل سيناريوهات الحوار الوطني، بافتراض توافر الشروط السابقة، فيما يلي:
السيناريو الأول: وهو الأكثر تفاؤلاً.. ويتمثل في نجاح الحوار الوطني، ومن ثم هناك ضرورة ملحة لأن تكون جميع ألوان الطيف السياسي ممثلة فيه، مدنية شبابية، دينية، وسيخرج الحوار ببنود واشتراطات محددة ستلتزم بها السلطة والمعارضة معًا.
وسيترتب على هذا السيناريو عدة نتائج على المستوى الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي، سيهدأ الشارع المصري، ومن ثم الحفاظ على سلمية ومدنية الثورة المصرية، وحقن دماء المصريين، ومحاسبة المتورطين في الأحداث الأخيرة، وإحداث التوافق على الدستور بعد إعادة النظر فيه والقوانين المنبثقة عنه، وسيكون بداية الطريق لتقنين جماعة الإخوان المسلمين أوضاعها، والأهم من كل ما سبق – من وجهة نظري المتواضعة - هو الذهاب إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس النواب والأعصاب السياسية “,”أهدأ“,”، ومن ثم قبول الجميع بنتائجها، وتشكيل الحزب صاحب الأغلبية الحكومة الجديدة، وإعادة جسور الثقة بين جميع الأطراف السياسية، وإنهاء حالة التخوين والاستقطاب السياسي الذي يشهده المجتمع.
أما خارجيًّا، سيترتب على هذا السيناريو الحفاظ على نظرة العالم الخارجي إلى الثورة المصرية ذات الطابع السلمي والمدني، وتتدفق السياحة إلى مصر، وربما المزيد من المعونات الاقتصادية والاستثمارات، وربما عودة الدور المصري الإقليمي والخارجي أسرع مما يتوقعه الجميع.
السيناريو الثانى.. فشل الحوار الوطني.. وهو السيناريو الكارثي على الجميع، السلطة والمعارضة.. وسينتج هذا السيناريو من خلال تصلب الشرايين والقنوات السياسية بين السلطة والمعارضة، وعدم تقديم السلطة أي تنازلات للمعارضة أو تحقيق مطالب الثورة.
وسينتج عن هذا السيناريو داخليًّا المزيد من العنف والمليونيات في الشارع، وربما الوصول إلى “,”الطامة الكبرى“,”، عن طريق مواجهات مسلحة بين الثوار وبعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية، التي تعتقد وتتصور بشكل خاطئ أن هناك من يريد إجهاض التجربة الإسلامية في حكم مصر.. ومن ثم سيرتفع سقف المطالب الثورية، التي ربما تصل - وهو ما بدأ الآن – إلى محاكمة الرئيس مرسي من خلال تحميله المسئولية السياسية والجنائية عن الدماء التي أُريقت حتى هذه اللحظات، والتي ربما تزداد أيضًا في المستقبل القريب. ومن نتائج هذا السيناريو، وهو ما يتمناه المواطن البسيط حقيقةً الآن، عودة الجيش للحكم من جديد في مصر، ولكن هذه المرة سيكون مبررًا للجيش في استخدام كل أنواع القوانين الاستثنائية لتحقيق الأمن والسيطرة على الشارع.
وخارجيًّا، سيترتب على هذا السيناريو وقف المساعدات الاقتصادية لمصر، وسيؤثر ذلك على العمالة المصرية الموفدة للخارج، وعلى عبور السفن في قناة السويس، وربما تلجأ بعض الدول إلى إجراءات حظر رحلات السياحة إلى مصر، بالإضافة إلى وقف التفاوض، ليس فقط على قرض صندوق النقد الدولي، ولكن أيضًا على الأمول المصرية المهربة للخارج.
السيناريو الثالث: هو استمرار الوضع كما هو عليه.. بمعنى استمرار حوار شكلي غير معبر عن الأوزان الحقيقية للمعارضة ولمطالب الشارع، أو الاستجابة إلى بعض المطالب السياسية الجزئية لتهدئة الأوضاع لعدة أشهر أو أيام حتى يتم إجراء الانتخابات البرلمانية.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع حتى الآن، إلا أنه ستترتب عليه خارجيًّا آثار سياسية هي الأقل بالنسبة لمصر، من توقف حركة السياحة، وإدانة وشجب بعض الدول والمنظمات الدولية للوضع العام في مصر، وحالة حقوق الإنسان التي تتراجع يومًا تلو الآخر، عكس ما كان متوقعًا بعد الثورة العظيمة.
وعلى المستوى الداخلي، سيترتب على هذا السيناريو توقف أعمال العنف تارة، واستمرارها تارة أخرى، مما سيؤثر، ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن على إحداث تغيير في بنية وطبيعة المجتمع المصري الوسطية، وحدوث ميل للعنف دومًا ليس في السياسي فقط ولكن تجاه أفراد المجتمع وبعضه البعض.
ومجمل القول: إن السيناريوهات الثلاثة السابقة مرتبطة ببعضها البعض، وتقع جميعها على خط مستقيم، تمثل أطرافه النقيض، وإن كنا نتمنى تحقيق السيناريو الأول. وسيكون واهمًا من يتصور أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع هو نهاية المطاف أو سيحقق الاستقرار، حيث ذهب المصريون إلى صناديق الاقتراع خمس مرات بعد الثورة.. مرتان للاستفتاءات على الدستور.. ومرتان لانتخاب مجلس الشورى والشعب، والأخيرة للانتخابات الرئاسية، ومع ذلك لم يحدث الاستقرار. وعلى الجميع أيضًا العلم بأن الأخذ بإجراءات الديمقراطية غير كافٍ على الإطلاق، ولابد من الأخذ بقيم وروح الديمقراطية التي تتمثل في التوافق الوطني، على الأقل في هذه اللحظة الحرجة، وحالة المخاض العثر الذي تواجهه مصر.
وبناء عليه، فإن الحل الوحيد أمام المصريين الآن، يتمثل في إعادة بناء جسور الثقة مرة أخرى، وتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري وعلماء الاجتماع المستقلين لإعادة النظر في الدستور برمته، بعيدًا عن المحاصصة والحزبية، وعلى السلطة ألا تلجأ إلى فرض قوانين استثنائية لمواجهة مطالب الشارع، وتشكيل الدكتور مرسي حكومة من التكنوقراط برئاسته هو، وأن تقوم جماعة الإخوان المسلمين بتقنين وضعها القانوني، والاتفاق بين السلطة والمعارضة على تطبيق القانون على الجميع بشفافية كاملة.
فعلى الرغم من وجود رئيس منتخب، إلا أن شركاء ميدان التحرير أصبحوا فرقاء الآن، كل منهم له أهدافه ومشاربه الخاصة، دون مراعاة للمصلحة العليا للوطن أو أهداف الثورة العظيمة، التي لم يجنِ منها المواطن البسيط شيئًا يذكر حتى هذه اللحظات، سوى ارتفاع غير مبرر ومتتالٍ في الأسعار، ولا يزال أيضًا في حالة ترقب ووضع اقتصادي سيئ ويزداد سوءًا يومًا تلو الآخر. من ناحية أخرى، لم تستطع الثورة أن توجد لها قيادة محددة، بالرغم من مرور عامين عليها.
ويعتبر البعض أن “,”جبهة الإنقاذ“,” تمثل بديلاً عن القيادة الموحدة، إلا أن الجبهة لا تعتبر مظلة موحدة بين جميع الأحزاب المعارضة تجاه السلطة الجديدة، كما أن النظام الجديد استطاع، وبسرعة فائقة، أن يلصق بها العديد من التهم. ففي أيام النظام السابق كانت المعارضة متهمة دائمًا بمحاولة الاستقواء بالخارج، أما في عهد الدكتور محمد مرسي أضيفت للمعارضة تهمٌ جديدة مثل: “,”الخيانة العظمى، ومحاولة قلب نظام الحكم والانقضاض على السلطة“,”، وهو ما يمثل مفارقة غريبة تضاف إلى المفارقات التي أوجدتها النخبة الجديدة للثورة المصرية.
ومما لا شك فيه أن الذكرى الثانية لثورة 25 يناير مثَّلت انحرافًا عن المسار الطبيعي السلمي للثورة التي جاءت مدنية ملتزمة متزنة في فعلها الثوري منذ لحظاتها الأولى. ويشارك الجميع الآن، بقصد ودون قصد، في تأجيج العنف بدلاً من احتوائه، بممارسة ما يعرف باسم “,”العناد السياسي“,” غير المسبوق في مصر من السلطة والمعارضة، في ظل وضع مأزوم على المستويات المختلفة. وكما قال الرئيس السابق مبارك إنه معه “,”دكتوراه في العند“,”، فإن السلطة والمعارضة الآن في مصر تمنح درجة “,”الأستاذية“,” في العند والغباء السياسي.
أسباب فشل المبادرات
وفي محاولة للخروج من المأزق، وهذه الحالة غير المسبوقة من الانشقاق والتناحر السياسي، خرج علينا العديد من المبادرات للم الشمل الوطني، من الأحزاب السياسية والمؤسسات والشخصيات العامة، للدرجة التي وصل فيها إحساس في المجال العام بأن كل مواطن لديه مبادرة لاحتواء الأزمة. وعلى الرغم من ذلك باءت كل هذه المبادرات بالفشل، ولم تنجح في تحقيق توافق وطني حقيقي، أو على الأقل أن توقف المظاهرات أو بعض أعمال العنف المصاحبة لها.
ومما لا شك فيه أن أسباب فشل هذه المبادرات يعود إلى عدة أسباب، تتمثل فيما يلي:
أولاً: حالة فقدان الثقة غير المسبوقة من جميع الأطراف تجاه جميع الأطراف، وفقدان حالة الثقة هذه صاحبها حالة من حالات “,”التخوين المتبادلة“,”، لم تشهد لها مصر مثيلًا في تاريخها الحديث. بمعنى آخر، هناك حالة فقدان الثقة من المعارضة تجاه السلطة والعكس، كما أن حالة فقدان الثقة هذه امتدت وانتقلت إلى الشارع والشباب على وجه التحديد تجاه النخبة السياسية الجديدة (الحاكمة والمعارضة).
ثانياً: فشل الحوار الوطني الأول الذي جاء تحت رعاية الدكتور مرسي شخصيًا، وكانت أطرافه غير ممثلة للأوزان السياسية الحقيقية على الأرض، وكان الحوار أقل ما يقال عنه إنه حوار “,”العائلة الواحدة“,”، فكانت أغلب أطرافه من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وبعض الشخصيات التي نفد بالفعل رصيدها في الشارع. والأهم من كل ما سبق، أن هذا الحوار المزعوم لم ينجز شيئًا إيجابيًا في المشهد السياسي، بل على العكس زاد الأوضاع تعقيدًا، فعندما أقر هذا الحوار مبادئ عامة لقانون الانتخابات الجديد، لم يؤخذ بها، وأكدت قيادات “,”الحرية والعدالة“,” حينئذ أن نتائج الحوار غير ملزِمة لها.
ثالثًا: قيادة الشارع (الشباب) للسياسية والساسة في مصر حيث لم تستطع قوى المعارضة والسلطة استيعاب الشباب الذي فجَّر الثورة، وتبارت المعارضة ، والسلطة في مليونيات، ومليونيات مضادة، لإظهار القوة واستعراض العضلات السياسية، دون وعي منهما بأن الشارع بات يلفظ الجميع، وهو ما أدركته مؤخرًا “,”جبهة الإنقاذ“,” التي باتت تتخذ قراراتها بناء على رد فعل الشارع. وكان هناك إحساس من السلطة والمعارضة بأنهما أمام “,”مباراة صفرية“,” لا كاسب ولا خاسر فيها، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا، لأن الجميع أمام “,”مباراة صفرية“,” من نوع خاص، ليس فقط الخاسر فيها السلطة والمعارضة، ولكن الشعب نفسه هو الخاسر الأكبر، لأنه يتحمل أعباء وأخطاء النخبة الجديدة.
رابعًا: فشل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في أن تستوعب الفائض الهائل من القدرات الشبابية في مؤسساتها، وأن تفسح أمامهم المجال لتولي زمام المبادرة داخل هذه المؤسسات، وأن يقوموا بتفجير طاقاتهم الإبداعية بداخلها. ولكن ما حدث هو العكس تمامًا، حيث ظلَّ الرعيل الأول من القيادات الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني متحكمًا في كل شيء، بل على العكس مارس أسوأ أنواع الاستبداد تجاه الشباب، وأصبح الشباب الذي فجَّر الثورة هو الطرف المدان من قِبل هؤلاء، لأنه عديم الخبرة والكفاءة، ومازالت هناك فرصة لأن يتعلم من الجيل الأكبر، بالإضافة إلى أنه مازال صغير السن. ولم يتواكب مع هذه الثورة العظيمة تغيّر في البنية الفكرية لأغلب فئات المجتمع، ومازال التفكير بنفس الطريقة القديمة على مستوى إدارة البلاد والعباد في مصر المحروسة، وهذا هو لب المشكلة الحقيقية في مصر الآن.
خامسًا: عدم وجود آلية ملزمة لجميع الأطراف (السلطة والمعارضة) في هذه المبادرات، أو ضمانات حقيقية يلتزم بها الجميع، مما أدى إلى استمرار حالة فقدان الثقة، بالإضافة إلى التخوين والتربص المتبادلين.
سادسًا: محاولات استدعاء المؤسسة العسكرية في الصراع السياسي، وذلك نتيجة عدم وضع حدود فاصلة أو ضوابط بين العلاقات العسكرية والمدنية حتى هذه اللحظات، ويعتقد الكثيرون من البسطاء، وبعض المحللين السياسيين، أن الخلاص من هذا الوضع الحالك، الذي لم يعتده المصريون من ذي قبل، يتمثل في استدعاء المؤسسة العسكرية مرة أخرى، خاصة أنها تمتلك وتتمتع بقدرة كبيرة من النظام والحزم، ولها رصيد كبير في الشارع المصري. ونسي الجميع أن استدعاء المؤسسة العسكرية سلاح ذو حدين، فالحد الأول، هو الخاص بعودة الأمن والاستقرار، وهي بالفعل قادرة على ذلك. أما الحد الثاني، فستقوم هذه المؤسسة بتكبيل بعض الحقوق والحريات العامة لتحقيق الهدف الأول. والسؤال الذي يجب أن يحاول كل مصري أن يجيب عنه: أيهما نُعلي.. الأمن والاستقرار أم تكبيل الحقوق والحريات من أجل قيمة الأمن الغائب بفعل المصريين أيضًا؟
وثيقة الأزهر محاولة جديدة.. ولكن..
جاءت وثيقة الأزهر محاولة لوضع ضوابط وإطار عام لممارسة العملية السياسية من ناحية، ولمواجهة بوادر العنف التي بدأت تطفو على ساحة المشهد السياسي، فلأول مرة في التاريخ الحديث، يُستخدم العنف تجاه استحقاقات سياسية بحتة من قِبل المصريين تجاه بعضهم البعض، من ناحية ثانية.
وفي الوقت الذي قامت فيه مجموعة من الشباب، “,”بلاك بلوك أو الكتلة السوداء“,” وغيرهم من الذين لعبوا دورًا في ثورة 25 يناير كمبادرة فردية منهم، باللجوء إلى استخدام العنف بعدما فشلت كل الطرق السلمية في تحقيق أهداف ومبادئ الثورة. قامت مجموعة أخرى باللجوء إلى الأزهر والكنيسة لوقف هذه الأعمال، تخوفًا منهم بأن تصبح هذه الأعمال هي أساس العمل السياسي مستقبلاً. وعلى الرغم من أن الشباب قد وفق تمامًا باختياره الأزهر والكنيسة لرعاية هذه المبادرة، بما لهما من زعامة دينية وروحية كبيرة لدى عموم المصريين، إلا هذه المبادرة لم تنجح حتى هذه اللحظات.
وبالرغم من حالة الانفلات الأمني والأخلاقي التي صاحبت ثورة 25 يناير نتيجة للهجوم على المراكز الشرطية وتهريب السجناء، إلا أنها كانت أزمة مفتعلة، وكان الجميع يعلم ذلك، وفور تعافي الأجهزة الأمنية بدأت هذه الظاهرة في الانحسار، كما لعب المواطنون دورًا كبيرًا إيجابيًا لمواجهة هذه الظاهرة، من خلال ما عُرف باسم “,”اللجان الشعبية“,”.
ولكن بدأ العنف الآن، ومن هنا الخطورة، حيث اتخذ طابعًا ممنهجًا، بعدما يئس الشباب من تحقيق مطالبه السياسية المشروعة: “,”عيش .. حرية.. عدالة اجتماعية“,”، كما فشلت السلطة السياسية الجديدة في ترجمة مطالب الشباب وأهداف ومبادئ ثورة 25 يناير في قرارات ملموسة تلبي احتياجات الشباب والمواطن.
وحقيقة، لم تحقق مبادرة الأزهر “,”لنبذ العنف“,” المرجو منها، هي الأخرى، وذلك لعدة أسباب، منها:
أولاً، تأخر المبادرة كثيرًا حتى تفاقم الوضع، وبات يترسخ، خطئًا، لدى الشباب أن طريق السلمية لم يحقق أهداف الثورة، ومن ثم هناك ضرورة لاتباع دروب ومسالك أخرى، حتى وإن كانت غير سلمية؛ لتحقيق أهداف الثورة. ومن ثم انتقلت حالة فقدان الإحساس بعنصر الوقت من السلطة والمؤسسات التنفيذية إلى باقي المؤسسات المجتمعية الأخرى. وباتت هناك ضرورة ملحة لأهمية وجود إدارة رسمية تتعامل مع الأزمات المجتمعية بسرعة، ويتم من خلالها، ليس فقط توصيف الأزمة توصيفًا حقيقيًا، ولكن أيضًا وضع الحلول المقترحة واللازمة لهذه الأزمة قبل أن تتفاقم وتزداد تعقيدًا وتشابكًا.
ثانيًا: السلطة والحزب الحاكم، حيث تلهفت السلطة والحزب الحاكم على المبادرة وتعاملا معها على أنها نهاية للمشكلة، وليست بداية طريق الحل، أو على الأقل إحدى الطرق المؤدية للحل، وبدلا من أن يبنيا عليها ويخرجا بمزيد من الحلول، تبنيا سياساتهما السابقة، بأنهما حمّلا المعارضة العنف في الشارع على اعتبار أنها هي التي دعت إلى التظاهر، وليست أحد أطرافها فقط. ومن ثم العودة سريعًا ومجددًا لسياسة “,”إلقاء التهم والتخوين“,”.
ثالثًا: المبادئ التي احتوتها الوثيقة جاءت عامة وفضفاضة ، وتعبر عن تمنيات الأطراف الموقعة عليها فقط لمستقبل العمل السياسي والحزبي والأهلي. ولم تحمل في طياتها أي وسيلة لتحقيق طموح وتوقعات الشارع. كما جاءت العبارات والبنود التي احتوتها الوثيقة في طياتها أقرب إلى خطبة “,”صلاة الجمعة“,”، مثل “,”حق الإنسان في الحياة مقصد من أسمى المقاصد في الشرائع والأديان والقوانين“,”.. إلخ.
رابعًا: حمّلت الوثيقة “,”قوى المعارضة“,” و“,”السلطة“,” مسئولية “,”نبذ العنف“,” بدرجة متساوية في مخالفة صريحة للواقع، حيث تمتلك الدولة، فقط، بمؤسساتها حق استخدام العنف المادي والمعنوي وفقًا لضوابط ومعايير أقرها القانون الدولي. واللافت للنظر أن هناك درجة من عنف الشارع يأتي كرد فعل على عنف السلطة أو عنف بعض مؤسسات الدولة، ولنا في واقعة المواطن “,”حمادة صابر“,” خير نبراس وشاهد.
خامسًا: أكدت الوثيقة ضرورة حماية النسيج الوطني الواحد من الفتنة الطائفية المصنوعة والحقيقية، وبوعي أو بدون وعي، نسي الجميع أننا أمام صراع سياسي وليس فتنة طائفية، فنحن أمام تناحر سياسي، وتنافس سياسي بدأ يحيد عن مساره المشروع، ويتخذ منحى مختلفًا عن المسار الطبيعي الذي رسمته وخططت له الثورة. أما أن يقع الأزهر الشريف وموقعو هذه الوثيقة في هذا الخطأ الفادح بتصوير الأمر بأنه “,”فتنة طائفية“,” فهذا يحتاج إلى إعادة نظر، وذلك لأن استخدام المصطلحات بهذا الشكل، يؤجج الصراع ويصوره للعامة بأنه صراع ديني وليس صراعًا سياسيًا مشروعًا.
وفي الواقع، هناك الكثير من المصطلحات المستخدمة بعد الثورة بحاجة إلى مراجعة حقيقية، لأنها لا تمت للعلوم السياسية بصلة، كما أنها تحاول “,”عسكرة“,”، أو بها إيحاءات عسكرية، مثل: “,”الفلول، جبهة، كتلة، ائتلاف...إلخ“,”، وهو ما يعتبر إسقاطات عسكرية على الممارسة السياسية، والخوف كل الخوف، من أن تترسخ هذه المصطلحات في أذهان الشباب، ثم يحاول ترجمتها إلى فعل ثوري على الواقع، وهو ما نشهده الآن من ظواهر الحركات الشبابية التي تلجأ إلى العنف أو العنف المضاد.
سادسًا: ضعف تأثير المعارضة على الشارع والشباب ، فكل ما يمكن أن تفعله المعارضة هو أن تطلق عبر الفضائيات الدعوة لمليونية أو مظاهرة فقط، ولكن لا تستطيع أن تقودها في الشارع، أو على الأقل ضبطها أو التحكم فيها، حيث بات الشارع - كما ذُكر أعلاه - الفاعل الرئيسي والمحرك للجميع، السلطة والمعارضة، ويبني الجميع مواقفه وسياساته بناء على الفعل الثوري للشارع.
سابعًا: الخبرة الماضية، وفشل وثيقة الأزهر الأولى التي وقّع عليها الكثير من الأحزاب السياسية، خاصة ذات المرجعية الدينية، والتي كان يجب أن تكون الإطار الجامع والمرجعية الأساسية للدستور الجديد، وهو ما لم يحدث، كما كان متفقًا عليه، مما أعطى الجميع انطباعًا سياسيًا بأن هذه الأحزاب تلجأ إلى الأزهر وقتما تكون “,”مأزومة سياسيًا“,” فقط، وسرعان ما تنقض عهدها بعد أن يستتب لها الأمر مؤقتًا.
سيناريوهات متوقعة.. الحوار الوطني
عمليًا، هناك محددان في غاية الأهمية سيتوقف عليهما أي سيناريو للحوار مستقبلا بين المعارضة والسلطة، ومستقبل هذه الثورة العظيمة. يتمثل العامل الأول في تقديم السلطة بعض التنازلات، والتخلي عن حالة العناد السياسي واللجوء إلى مليونيات مضادة، من أجل تهدئة الشارع السياسي من خلال الاستجابة إلى إقالة الحكومة وإعادة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري وعلماء الاجتماع لإعادة النظر في الدستور والمواد التي يوجد عليها عدم اتفاق. أما العامل الثاني فيتمثل في قبول جبهة الإنقاذ في الدخول في حوار مباشر مع السلطة دون شروط إذا استجابت السلطة إلى المطالب سالفة الذكر.
وبناء عليه، تتمثل سيناريوهات الحوار الوطني، بافتراض توافر الشروط السابقة، فيما يلي:
السيناريو الأول: وهو الأكثر تفاؤلاً.. ويتمثل في نجاح الحوار الوطني، ومن ثم هناك ضرورة ملحة لأن تكون جميع ألوان الطيف السياسي ممثلة فيه، مدنية شبابية، دينية، وسيخرج الحوار ببنود واشتراطات محددة ستلتزم بها السلطة والمعارضة معًا.
وسيترتب على هذا السيناريو عدة نتائج على المستوى الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي، سيهدأ الشارع المصري، ومن ثم الحفاظ على سلمية ومدنية الثورة المصرية، وحقن دماء المصريين، ومحاسبة المتورطين في الأحداث الأخيرة، وإحداث التوافق على الدستور بعد إعادة النظر فيه والقوانين المنبثقة عنه، وسيكون بداية الطريق لتقنين جماعة الإخوان المسلمين أوضاعها، والأهم من كل ما سبق – من وجهة نظري المتواضعة - هو الذهاب إلى صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس النواب والأعصاب السياسية “,”أهدأ“,”، ومن ثم قبول الجميع بنتائجها، وتشكيل الحزب صاحب الأغلبية الحكومة الجديدة، وإعادة جسور الثقة بين جميع الأطراف السياسية، وإنهاء حالة التخوين والاستقطاب السياسي الذي يشهده المجتمع.
أما خارجيًّا، سيترتب على هذا السيناريو الحفاظ على نظرة العالم الخارجي إلى الثورة المصرية ذات الطابع السلمي والمدني، وتتدفق السياحة إلى مصر، وربما المزيد من المعونات الاقتصادية والاستثمارات، وربما عودة الدور المصري الإقليمي والخارجي أسرع مما يتوقعه الجميع.
السيناريو الثانى.. فشل الحوار الوطني.. وهو السيناريو الكارثي على الجميع، السلطة والمعارضة.. وسينتج هذا السيناريو من خلال تصلب الشرايين والقنوات السياسية بين السلطة والمعارضة، وعدم تقديم السلطة أي تنازلات للمعارضة أو تحقيق مطالب الثورة.
وسينتج عن هذا السيناريو داخليًّا المزيد من العنف والمليونيات في الشارع، وربما الوصول إلى “,”الطامة الكبرى“,”، عن طريق مواجهات مسلحة بين الثوار وبعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية، التي تعتقد وتتصور بشكل خاطئ أن هناك من يريد إجهاض التجربة الإسلامية في حكم مصر.. ومن ثم سيرتفع سقف المطالب الثورية، التي ربما تصل - وهو ما بدأ الآن – إلى محاكمة الرئيس مرسي من خلال تحميله المسئولية السياسية والجنائية عن الدماء التي أُريقت حتى هذه اللحظات، والتي ربما تزداد أيضًا في المستقبل القريب. ومن نتائج هذا السيناريو، وهو ما يتمناه المواطن البسيط حقيقةً الآن، عودة الجيش للحكم من جديد في مصر، ولكن هذه المرة سيكون مبررًا للجيش في استخدام كل أنواع القوانين الاستثنائية لتحقيق الأمن والسيطرة على الشارع.
وخارجيًّا، سيترتب على هذا السيناريو وقف المساعدات الاقتصادية لمصر، وسيؤثر ذلك على العمالة المصرية الموفدة للخارج، وعلى عبور السفن في قناة السويس، وربما تلجأ بعض الدول إلى إجراءات حظر رحلات السياحة إلى مصر، بالإضافة إلى وقف التفاوض، ليس فقط على قرض صندوق النقد الدولي، ولكن أيضًا على الأمول المصرية المهربة للخارج.
السيناريو الثالث: هو استمرار الوضع كما هو عليه.. بمعنى استمرار حوار شكلي غير معبر عن الأوزان الحقيقية للمعارضة ولمطالب الشارع، أو الاستجابة إلى بعض المطالب السياسية الجزئية لتهدئة الأوضاع لعدة أشهر أو أيام حتى يتم إجراء الانتخابات البرلمانية.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع حتى الآن، إلا أنه ستترتب عليه خارجيًّا آثار سياسية هي الأقل بالنسبة لمصر، من توقف حركة السياحة، وإدانة وشجب بعض الدول والمنظمات الدولية للوضع العام في مصر، وحالة حقوق الإنسان التي تتراجع يومًا تلو الآخر، عكس ما كان متوقعًا بعد الثورة العظيمة.
وعلى المستوى الداخلي، سيترتب على هذا السيناريو توقف أعمال العنف تارة، واستمرارها تارة أخرى، مما سيؤثر، ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن على إحداث تغيير في بنية وطبيعة المجتمع المصري الوسطية، وحدوث ميل للعنف دومًا ليس في السياسي فقط ولكن تجاه أفراد المجتمع وبعضه البعض.
ومجمل القول: إن السيناريوهات الثلاثة السابقة مرتبطة ببعضها البعض، وتقع جميعها على خط مستقيم، تمثل أطرافه النقيض، وإن كنا نتمنى تحقيق السيناريو الأول. وسيكون واهمًا من يتصور أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع هو نهاية المطاف أو سيحقق الاستقرار، حيث ذهب المصريون إلى صناديق الاقتراع خمس مرات بعد الثورة.. مرتان للاستفتاءات على الدستور.. ومرتان لانتخاب مجلس الشورى والشعب، والأخيرة للانتخابات الرئاسية، ومع ذلك لم يحدث الاستقرار. وعلى الجميع أيضًا العلم بأن الأخذ بإجراءات الديمقراطية غير كافٍ على الإطلاق، ولابد من الأخذ بقيم وروح الديمقراطية التي تتمثل في التوافق الوطني، على الأقل في هذه اللحظة الحرجة، وحالة المخاض العثر الذي تواجهه مصر.
وبناء عليه، فإن الحل الوحيد أمام المصريين الآن، يتمثل في إعادة بناء جسور الثقة مرة أخرى، وتشكيل لجنة من فقهاء القانون الدستوري وعلماء الاجتماع المستقلين لإعادة النظر في الدستور برمته، بعيدًا عن المحاصصة والحزبية، وعلى السلطة ألا تلجأ إلى فرض قوانين استثنائية لمواجهة مطالب الشارع، وتشكيل الدكتور مرسي حكومة من التكنوقراط برئاسته هو، وأن تقوم جماعة الإخوان المسلمين بتقنين وضعها القانوني، والاتفاق بين السلطة والمعارضة على تطبيق القانون على الجميع بشفافية كاملة.