مبادرة حزب النور هل ستوقف العنف؟ مبادرة حزب النور هل ستوقف العنف.. أم أنها مجرد تكتيك مرحلي لتحقيق مكاسب؟
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 12:50 م
وحدة البحوث السياسية بالمركز
أكدنا في تحليلات سياسية سابقة، نشرت في الموقع الإلكتروني للمركز،أن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي (الحرية والعدالة)، والدعوة السلفية وحزبها(النور)، توصف بأنها علاقة متشابكة ومعقدة، تنتقل في بعض الأحيان من حالة الشد والجذب إلى حالة الغموض التام. فتارة يحدث بينهما صراع شرس يحشد فيه كل طرف جميع أسلحته للنيل من الطرف الآخر، كما حدث في الانتخابات البرلمانية 2012. وتارة ثانية يحدث بينهما اختلاف لا يصل إلى درجة الصراع، ويكون لكل طرف في هذه الحالة وجهة نظر مغايرة، وسرعان ما يتدخل مشايخ الدعوة وقيادات الجماعة لتقريب وجهات النظر وإنهاء حالة الصراع الناشئة، وتارة ثالثة يكون هناك تنسيق واتفاق تام في وجهات النظر والمواقف السياسية بينهما، من منطلق: “,”أنا وابن عمي على الغريب العلماني أو الليبرالي“,”!
كما أكدنا على أن الصعود السياسي للتيار السلفي في مصر بعد ثورة 25 يناير جاء مفاجأة للكثيرين، وأحدث صدمة امتزجت بحال من التوجس والخوف. ويتمثل سبب الصدمة في الصورة المخيفة التي ظهر -أو أُريد أن يظهر- بها التيار السلفي، الذي طالما ابتعد عن الانشغال بالسياسة، واتخذ منحىً انعزاليًّا عن قضايا المجتمع السياسية، بل إن بعض فصائل ذلك التيار كانت تنادي بطاعة الحاكم وإن كان فاسقًا. كما أثار حصول السلفيين في الانتخابات البرلمانية المصرية على حوالي25% من أصوات الناخبين مخاوف عدة في الشارع المصري، ليس فقط من جانب الأقباط واليساريين والليبراليين، ولكن أيضًا من جانب مواطنين ينتمون إلى فئات مختلفة. كما أثارت هذه النتيجة مخاوف التيار الإسلامي المعتدل، وبخاصة “,”الإخوان المسلمون“,”، وأحزاب الوسط والتيار الرئيسي. وطرحت تساؤلات عدة عن مصادر قوة هذا التيار وشعبيته، ومن أين اكتسبها، وكيف يمكن أن يوظفها، وإمكان سيطرته على الجمهورية المصرية الثانية، خصوصًا أن هذا الطرف الجديد يطرح نفسه بقوة كرقم في المعادلة السياسية، ويقدِّم نفسه كأحد اللاعبين الرئيسيين.. فإذا كان السلفيون حصلوا على 25% من الأصوات خلال 30 عامًا من العمل داخل المجتمع، بينما حصل الإخوان الذين يزيد تاريخهم عن 83 عامًاعلى 46% من الأصوات، فكيف يكون الوضع السياسي للسلفيين بعد عشر سنوات من الآن؟
وتاريخيًّا، فإن جماعة الإخوان المسلمين نصبت نفسها الحركة الأم لكل القوى الإسلامية، باعتبار أنها الممثل الشرعي لهم، رغم أسبقية هذه القوى -السلفية والصوفية- على نشأتها..يتضح ذلك جليًّا منذ تأسيس الجماعة ومحاولة الإخوان استيعاب -أو في الحقيقة ابتلاع- القوى الإسلامية داخل عباءة الإخوان؛ إذ يصف حسن البنا حركة الإخوان بقوله:
“,” كان من نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفِكَر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته... وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك إن الإخوان المسلمين هم:
1) دعوة سلفية؛ لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.
2) وطريقة سنية؛ لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات، ما وجدوا إلى ذلك سيبلاً.
3) وحقيقة صوفية؛ لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل“,”.
ومن هنا كان حرص حسن البنا على الاتصال المبكر بالسلفيين، وهو ما يلاحظ من علاقة البنا
بمحب الدين الخطيب صاحب المطبعة السلفية، فضلاً عن اتصالات حسن البنا المبكرة مع النظام السعودي.
وفي السبعينيات حدث انقسام كبير في الجماعة الإسلامية، واستطاعت جماعة الإخوان استقطاب بعض شباب الجماعة الإسلامية في القاهرة، وعلى رأسهم عبدالمنعم أبوالفتوح وحلمي الجزار، حيث تم الإحياء الثاني للإخوان، لكن الجماعة الإسلامية في الإسكندرية رفض معظم أبناؤها الانضمام للإخوان، وتم تشكيل “,”الدعوة السلفية“,”،التي انصرفت عن السياسة للدعوة، وكانت هناك خلافات حادة بين الإخوان وبعض الرموز السلفية، وإذا صحت الرواية التي يرويها الشيخ ياسر برهامي عن فترة السبعينيات، وكيف أنه لا ينسي حتى الآن طرد الإخوان له من أحد المساجد؛ فهذا يوضح أن حركة الإخوان المسلمين ترى أنها الحركة الأم للقوى الإسلامية، فضلاً عن تيار الإسلام السياسي، وأن هذا الشعور يضعها أحيانًا في تصادم مع بعض القوى السلفية، التي ترى أنها تمثل النقاء والطهارة في الإسلام السياسي.
مبادرة حزب النور..محاولة قد يكتب لها النجاح
على خلفية الأحداث المتلاحقة منذ ذكرى الثورة الثانية، والأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد، قدم حزب النور في 29 يناير الجاري مبادرة لحل الأزمة، كطريق للخروج من المأزق الحالي وإنهاء حالة الاستقطاب الحادة . وغداة طرحه المبادرة قام حزب النور بلقاء جبهة الإنقاذ الوطني في مقر حزب الوفد يوم الأربعاء 30 يناير؛ للتوافق بينه وبين الجبهة على نقاط جوهرية، متمثلة في: إقالة النائب العام الحالي،طلعت عبدالله، وتعيين بديل عبر ترشيح مجلس القضاء الأعلى لثلاثة يتم الاختيار لواحد من بينهم، إضافة إلى تشكيل لجنة لدراسة المواد الخلافية في الدستور وتعديلها، وإقالة حكومة هشام قنديل وتعيين حكومة ائتلاف وطني حتى إجراء الانتخابات، من دون أن يكون لها صلاحية في القرارات الإستراتيجية، وكذلك تشكيل لجان للحوار في قضايا متعددة كالإعلام وغيره، وفتح ملف للمصالحة الوطنية مع أعضاء الحزب الوطني؛ باعتبار أنهم لم يكونوا جميعًا فاسدين .
وفي نفس اليوم خرج نادر بكار، المتحدث الرسمي باسم حزب النور، في لقاء مع إحدى القنوات الفضائية، وشن هجومًا شديدًا على جماعة الإخوان المسلمين وإدارة الرئيس محمد مرسي للبلاد وحكومة هشام قنديل، واتهم الجماعة بالسعي لأخونة الدولة والتحكم في مفاصلها، وطالبها بتقنين أوضاعها والخضوع للدولة.
عمليًا تعتبر مبادرة حزب النور تحولاً مهمًّا في مواقف الحزب السياسية، الذي كان مؤيّدًا بشكل مطلق ومنقطع النظير لجميع مواقف الإخوان منذ وصول الرئيس مرسي للحكم، ولم يهاجم جماعة الإخوان بهذه الطريقة من ذي قبل. ولكن على الجانب الآخر تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع الموقف بذكاء، فلم تنتقد المبادرة بشكل رسمي، وإن انتقدها شباب الجماعة وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل حاد، وحاولت احتواء حزب النور؛ حيث تم عقد لقاء بين وفد من حزب النور والرئيس مرسي يوم السبت 9 فبراير 2013، وهو اللقاء الذي كانت نتيجته ضم مبادرة حزب النور لجلسة الحوار الوطني.
ومن الأهمية القول إن ا لمبادرة تناولت ثلاث محاور رئيسية؛المحور الأول: مناقشة حالة الطوارئ التي فرضها الرئيس محمد مرسي على مدن القناة الثلاث، فقد دعت المبادرة الرئاسة والحكومة لسرعة حل مشكلات مدن القناة، خاصة مدينة بورسعيد الباسلة التي عانت كثيرًا في العهد السابق، وإنهاء حالة الطوارئ في أقرب وقت ممكن. المحور الثاني: وقد تناولت فيه المصالحة الوطنية، والنائب العام؛ حيث اقترحت لحل هذه الأزمة الالتزام بما جاء في الدستور الحالي، والحوار حول استقالة النائب العام، وتسمية مجلس القضاة الأعلى لثلاثة يختار منهم الرئيس واحدًا خلفًا للنائب العام الحالي.
أما المحور الثالث،فقد ركزت فيه المباردة على إيجاد ميثاق شرف سياسي، لتنقية الأجواء السياسية والإعلامية وتخفيف حالة الاحتقان الحالية.
المبادرة في مرمى النيران
حقيقةً.. لم تسلم المبادرة من الانتقادات، والتي تمثلت أولاً في أن طرحها فكرة تشكيل حكومة ائتلاف وطني -وليس حكومة إنقاذ وطني-يترك مساحة للحديث عن فكرة “,”المحاصصة“,”، والصراع بين الأحزاب على التمثيل في هذه الحكومة الجديدة، وبروز فكرة الصراع على المناصب أكثر من تشكيل ائتلاف واتفاق؛ وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من المشاكل أكثر منه إنقاذ الوطن والخروج من الأزمة التي توجد بالبلاد. ثانيًا، فكرة تشكيل لجنة لتلقي التعديلات الدستورية قد تكون فكرة غير عملية، وتحمل في طياتها تسويف القضية؛ ومن ثم تمييعها حتى انتهاء الأزمة. وثالثًا، كان هناك رفض قانوني للمبادرة؛ بناءً على أن المادة (236) من الدستور -الذي شارك السلفيون في إعداده- تنص على نفاذ كل ما ترتب على الإعلانات الدستورية من آثار في الفترة السابقة. وبما أن تعيين النائب العام من آثار الإعلانات الدستورية؛ فبالتالي تم تحصينه بتلك المادة في الدستور، كما نصت المادة (173) على أن “,”يتولى النيابة العامة نائب عام بقرار من رئيس الجمهورية؛ بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية،حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله“,”؛مما يعني أن النائب العام سيظل -بحكم الدستور- لنهاية فترته (4 سنوات)، والدستور لا يعطي أي جهة القدرة على إقالته، بما في ذلك رئيس الجمهورية أو مجلس القضاء الأعلى.
وإجمالاً، هناك العديد من الملاحظات حول مبادرة حزب النور، تتمثل فيما يلي:
· إن موقف حزب النور الأخير، حيال أخونة البلاد، ليس بالأمر المفاجئ الذي يمكن وصفه بالانقلاب؛ فحزب النور قدّم نفسه منذ البداية على أنه ند للإخوان، بدءًا من الانتخابات البرلمانية السابقة، فغامر بنزوله منفردًا على رأس قائمة ضمت إليه الأحزاب السلفية، وابتعد عن التحالف مع الإخوان، الجماعة الأقوى والأكثر خبرة وتنظيمًا. وفي الانتخابات الرئاسية أيضًا لم يؤيد “,”النور“,” مرشح الجماعة في الجولة الأولى، وأيد القيادي المنشق عن الإخوان المسلمين، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ولكن الجديد هنا هو خروج انتقادات مباشرة من قيادات حزب النور للأداء السياسي للجماعة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها، فلطالما كانت الظروف السياسية، وحالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، عاملاً مهما في إخفاء الكثير من التباينات السياسية أو الفكرية بين الفصيلين الإسلاميين.
· مع سوء الإدارة وانفراد الجماعة بالتأثير في مؤسسة الحكم، وتأزم الشارع السياسي، وازدياد وتيرة الانفلات، والاتجاه نحو العنف الممنهج؛ خرج السلفيون عن صمتهم، خصوصًا مع تحرر الحزب من صراع الحمائم والصقور، وانشقاق رئيس الحزب السابق، عماد عبد الغفور، ومجموعته، وتكوينهم حزبًا جديدًا.. هذه العوامل وغيرها أسهمت في بلورة موقف حزب النور، الذي يسعى لإظهار نفسه في مظهر صاحب الفكر الوسطي والمنفتح سياسيًّا، وهو ما حاول الإخوان احتكاره وتصديره إلى الرأي العام.
· يسعى حزب النور الآن لتقديم رؤية مختلفة عن الإخوان، تساعده في اكتساب مساحة تصويتية أكبر في الانتخابات المقبلة، ويقوم بذلك عبر السعي للظهور بشكل متمايز ومستقل عن جماعة الإخوان ومواقفها السياسية، بعد اتهامه الدائم من قبل القوى السياسية الأخرىبأنه تابع للإخوان، وأنه يتحرك وفق الأجندة الإخوانية .
· إن مبادرة حزب النور، وتقاربها مع مطالب جبهة الإنقاذ الوطني، تعكس أزمة انفراد الإخوان المسلمين بحكم الدولة، و أهمية هذه المبادرة أنها تكسر الاستقطاب الإسلامي–المدني، وتنهي توظيف الإخوان المسلمين للسلفيين حول قضية الشريعة، وأن استخدام الإخوان للشريعة هدفه جذب السلفيين إلى تجمعاتهم، مثلما حدث في الحشد عند جامعة القاهرة، وكان الهدف الأساسي منه تأييد الإعلان الدستوري، الذي أصدره الرئيس محمد مرسي.
· إن توافق مبادرة النور مع مطالب جبهة الإنقاذ الوطني، يمثل تطورًا هامًّا لكسر حالة الاستقطاب، ويفتح الباب للقاء موسع مع الجبهة والأحزاب الإسلامية، فلا تظهر على أنها ترفض الحوار مع الإسلاميين. كما أن هذه المبادرة تعكس درجة من النضج السياسي، وتوضح أن المشكلة في مصر سياسية ولا علاقة لها بالدين، فربما يكون السلفيون قد أدركوا أن الخطر ليس على الشريعة، وإنما في نظام استبدادي يحتكر السلطة.
· هناك طرح آخر ومختلف حول مبادرة النور، وهو غير مستبعد على الإطلاق، وهو أن مبادرة حزب النور لا تعدو كونها مناورة سياسية وتكتيكًا مرحليًّا في مواجهة المعارضة، وأتت كفرصة لإنقاذ الرئيس مرسي والحرية والعدالة من موقفهم الصعب في الأزمة، وما يدعم ذلك هو أن الرئيس مرسي وقيادات الحرية والعدالة لديهم علاقة قوية بحزب النور، إضافة لدور الدعاة والمشايخ من الجانبين، والحديث عن دور لحزب النور في الحكومة القادمة.
· إضافة إلى ذلك، فإن هناك العديد من القضايا المشتركة التي تحكم الإخوان وحزب النور في الفترة الحالية، وهو ما ظهر جليًّا في أكثر من موقع: الدستور، والاتحادية، والشريعة،... إلخ. فهم يدركون أن مصيرهم شبه واحد، وأن تحديات المرحلة تتطلب الوحدة في مواجهة الأحزاب المدنية والمعارضة. فتحرك النور ناحية المعارضة ما هو إلى عملية لكسب الوقت وتهدئة الشارع، مربوطة بمكاسب ومكافآت سياسية في الحكومة القادمة.
المبادرة وحتمية اللاعودة للعنف والاندماج السياسي للتيار السلفي
بعد ثورة 25 يناير حدث انفجار غير متوقع في عدد الأحزاب التي تنتمي للتيارات السلفية، ما يربو على اثني عشر حزبًا، وأصبح العمل السياسي هو السبيل الوحيد لدى الكثيرين من المنتمين لهذا التيار. ومنذ دخول السلفية في ميدان المعترك السياسي وحظوظ الإسلاميين تتفاوت وتتباين من الخبرة والاحتكاك السياسييْن؛ وذلك لعوامل كثيرة، تاريخية وموضوعية واستبدادية وإقصائية. وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأي باحث منصف أن يتحدث عن التيارات السلفية في مصر كوحدة واحدة متجانسة؛ وذلك لأنهم مدارس ومشارب عدة، ولا يوجد تنظيم هرمي واحد يجمع بينهم، على العكس تمامًا من جماعة الإخوان المسلمين، المعروف عنها شدة وقوة تنظيمها؛ فإن الصعود السياسي اللافت للتيارات السلفية بعد ثورة الخامس والعشرين طرح عدة تساؤلات حول طبيعة الأفكار الحاكمة لهذا التيارات وخرائطها الفكرية، وأسباب صعودها بعد ثورة 25 يناير، وهل من الممكن أن يعود بعضها مرة أخرى إلى ممارسة العنف.
المتابع المدقق للتيارات السلفية، يلاحظ حدوث تحول فكري كبير في موقف السلفيين من ممارسة السياسة والانضمام إلى الأحزاب، بعد أن ظلوا بعيدين أشد البعد عنها؛ فالسلفيون، قبل الثورة، لا يمانعون في السمع والطاعة للحاكم حتى ولو كان ظالمًا، ويحرمون الخروج عليه أو الانتفاض ضده؛ من منطلق أن الخروج على الحاكم قد يؤدي إلى فتنة أكبر من فتنة ظلمه؛ لذلك فهم يدعون إلى الصبر على الحاكم، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لم تسع السلفية في سابق عهدها إلى الصدام مع الدولة ونظامها الحاكم، كما فعلت “,”الجماعة الإسلامية“,” و“,”الجهاد“,”، بل اتخذ دعاتها من الحديث النبوي: “,”والله لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها“,”، شعارًا لهم. ولم يشارك السلفيون في أي عمل سياسي من قبل؛ وذلك لعدد من الأسباب، منها: أولاً، رفض “,”الديمقراطية“,” كنظرية غربية حاكمة للمنظومة السياسية في مصر؛ باعتبار ما فيها من مخالفات شرعية، وأيضًا باعتبارها نظرية غربية ظهرت بعيدًا عن قيم الإسلام ومبادئه، وأنها ليست الشورى،البديل الإسلامي الأوْلى والأجدر بأن يكون حاكمًا للمنظومة السياسية. وينظر السلفيون إلى كون الديمقراطية لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، وقد تأتي “,”بكافر“,” أو امرأة لحكم الدولة الإسلامية، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين. ثانيًا، العداء الذي كان ينتهجه النظام الحاكم في مواجهة الإسلاميين، ومن ورائه القوى السياسية والثقافية والإعلامية التي كانت تناصبهم هي الأخرى نفس العداء.
ومع كل هذه الاعتبارات لم يغلق السلفيون كل الأبواب أمام النظام الديمقراطي، بل كانوا يرون أنه يمكن لهم المشاركة في ظل الديمقراطية واستثمارها لتطبيق الشريعة الإسلامية، بشرط عدم إقرار الباطل أو المشاركة في المنكر. والسؤال، هل السلفيون مقتنعون حقًّا بالديمقراطية؟ أم أن ما يفعلونه الآن مجرد تكتيك مرحلي لتدمير وإحراق سلَّم الديمقراطية بعد استخدامه في الصعود؟ وبغض النظر عن آراء بعض رموز السلفية، فإن الواقع العملي يؤكد دخول أغلب التيارات السلفية معترك الحياة السياسية، ورضخوا لقواعد الممارسة الديمقراطية بمعناها الحديث، ويؤكدون جميعًا بأن ممارسة العنف ليس في مصلحة أحد، خاصة بعدما أصبح التيار الإسلامي ليس فقط في قمة السلطة التنفيذية ولكنه استطاع أن يفرض سيطرته على المجالس المنتخبة بعد الثورة مباشرة، وأصبح فاعلاً ومحركًا أساسيًّا في مجريات المشهد السياسي منذ اندلاع الثورة حتى هذه اللحظات.
ولكن الخوف كل الخوف من عودة بعض التيارات السلفية إلى اعتناق الفكر الجهادي مرة أخرى بعد دخولها “,”الحلبة السياسية“,”، التي تعترف فقط بأساليب وقواعد ديمقراطية دولية متعارف عليها، مثل: شرعية صندوق الانتخابات، وإطار قانوني سليم يحكم جميع الفرقاء السياسيين، واحترام حقوق الإنسان، ونبذ استخدام العنف تجاه المعارضين... إلخ.
الجدير بالقول:إن جماعة الإخوان استطاعت -بقيادة المهندس خيرت الشاطر- ببراعة شديدة توحيد التيارات السلفية معها، وسوّقت لها بأن التيارات العلمانية والليبرالية لا تريد من ناحية تطبيق شرع الله، ولا تريد حكمًا إسلاميًّا من ناحية ثانية.. وهذا مجافٍ للحقيقة.
وبعد أن أصبح “,”الشارع“,” هو الذي يقود الساسة والسياسة في مصر؛ فإن قواعد اللعبة أصبحت “,”شارعية“,”، يكون فيها البقاء للأقوى، يستخدم فيها قواعد الشارع وأدواته المتعارف عليها، في أفلام من عينة “,”التوت والنبوت“,” و“,”الفتوه“,”، في مفارقة جديدة تشهدها الثورة المصرية، والتي تمثل انحرافًا واضحًا عن مسارها الطبيعي السلمي والمدني، وهو لجوء النظام الحاكم إلى الشارع لتأييد قراراته ومساندته، حتى ولو كانت خاطئة، وذلك بعد خروج المعارضة عليه. وتكمن خطورة اللجوء إلى الشارع في تحول قواعد وممارسات “,”اللعبة السياسية“,” إلى الاحتكام إلى “,”قواعد الشارع“,”؛ ومن ثم ننتقل من ممارسة السياسية إلى الفوضى غير الخلاقة، والتي سوف تضر الجميع، سواء أكانت السلطة والنظام أم المعارضة. فمن المعروف في كل نظريات العلوم السياسية وفي الدول الديمقراطية، الراسخة والناشئة، خروج مظاهرات مناهضة لقرارات السلطة التنفيذية؛ في محاولات لعدولها عن إصدارا هذه القرارات أو تعديلها على الأقل، أما أن تلجأ السلطة الحاكمة إلى الشارع ومحاولة فرض “,”عضلاتها السياسية“,”، بالاحتكام إلى نظرية “,”الحشود المليونية“,” في وجه المعارضة، فهي نظرية سياسية جديدة سوف تدرس في العلوم السياسية في الدول الاستبدادية فقط!
إن الخطورة الكامنة في مصر الآن تتمثل في أن يتحول الصراع السياسي إلى صراع ديني، ليس بين فرقاء في الدين ولكن بين أبناء الدين الواحد. بمعنىمغاير، أن الصراع الحالييدور بين تيارات الإسلام السياسي والتيارات الليبرالية والعلمانية، ولكنه يغلف تحت راية “,”الدين“,”، ويظهر ذلك جليًّا من خلال الشعارات التي رفعتها المظاهرات المؤيدة للرئيس أمام جامعة القاهرة أو قصر الاتحادية؛ من استخدام شعارات دينية بحتة، كانت تستخدم في الحروب الصليبية، ونكتفي هنا بشعار “,”وإسلاماه“,”، وهو أيضًا مسمى لأهم أفلام السينما المصرية، وشعارات أخرى مثل: “,”إسلامية.. إسلامية“,”، و“,”الشعب يريد تطبيق شرع الله“,” ، و“,”عيش حرية شريعة إسلامية“,”، و“,”الله أكبر“,”.
وفي ظل هذا المشهد “,”الشوارعي“,”، ربما تعود بعض التيارات السلفية إلى استخدام العنف مرة أخرى، كما حدث في التسعينيات من القرن الماضي، ولكن هذه المرة سيكون المستهدف ليس المختلف معي في الدين أو الأجنبي،ولكن المختلف معي في التوجهات السياسية. فمع انهيار النظم السياسية القديمة، وعدم اكتمال بناء النظم السياسية الجديدة؛ فتح الباب للقوى التي تتبنى الفكر السلفي الجهادي؛ لتتخذ لنفسها موطئ قدم، وتمثل تحديًا حقيقيًّا للوافدين الجدد للسلطة، وهنا يجد المصريون أنفسهم أمام استقطاب إسلامي- إسلامي. فالسلفية الجهادية ترفض الديمقراطية وتراها كفرًا؛ ومن ثم، فإن الإخوان الذين يحكمون في مصر، يمثلون خروجًا عن المسار الإسلامي الصحيح في طريقة وصولهمإلى السلطة من منظور السلفية الجهادية.
واللافت للانتباه، أن الرافد الجهادي السلفي لا يزال قويًّا؛ فهناك إسلاميون جهاديون رفضوا المراجعات؛ ومن ثم ظلوا متمسكين بالفكر السلفي الجهادي، وقد خرجوا من السجن، كما أن صلاتهم بروافد “,”القاعدة“,” مفتوحة. وقد تبدّى فائض القوة والعنف لديهم في عمليات عسكرية ضد الدولة، كما يحدث في سيناء؛ حيث تغيب السلطة المركزية، ويتفشى الشعور بالتهميش والتمييز، وحيث تسود الروح القبلية ذات الطابع البدوي المتماهية مع منطق السلفية الجهادية، الأقرب إلى الفكر الخوارجي في التاريخ الإسلامي والفكر الفوضوي في التاريخ الغربي، وهو فكر يرفض السلطة والدولة، ويسعى لحالة أقرب إلى العودة لحالة البداءة الأولى منها إلى دولة حديثة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:هل سيعود السلفيون لممارسة العنف؟ ويمكن القول ردًّا على ذلك بأنه على الرغم من وجود السلفية الجهادية في مصر، فإن من الصعوبة للغاية عودة بعض التيارات السلفية لاستخدام العنف لقمع المعارضة أو في مواجهة السلطة؛ وذلك لعدة أسباب مجتمعية وأسباب داخلية بهذه التنظيمات.
فعلى المستوى المجتمعي، فإن الناظر للخصائص الاجتماعية والدينية والثقافية للمصريين عمومًا يجد أن المجتمع بطبعه يرفض ويدين ممارسة العنف بأشكاله المختلفة، ومن يقوم به يكون منبوذًا، خاصة بعد أن فتح الباب على مصراعيه للمشاركة السياسية للجميع.
أما على مستوى التيارات السلفية؛ فهناك جملة من العوامل التي تجعلهم لا يعودون إلى استخدام العنف مرة أخرى، منها: خروجهم إلى الممارسة السياسة، سواء بتشكيل أحزاب سياسية ودخولهم البرلمان، وأصبحوا طرفًا فاعلاً في المجتمع وجزءًا من النخبة الحاكمة والإعلامية والسلطة، فأعتقد أنه بـ “,”الشو الإعلامي“,” و“,”السلطة“,”، فإنهم سيفكرون ألف مرة قبل العودة إلى الممارسات السابقة، كما أثبت فكر وفقه المراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية، التي أسست حزب البناء والتنمية، الذي حصل على 18 مقعدًا في البرلمان المنحل، هو الأجدى والأنفع من وجه نظر قياداتها، ليس فقط لأعضائها ولكن لأسرهم أيضًا، والذين لقوا قمعًا شديدًا في ظل النظام السابق.
والمتابع لآراء قيادات الجماعة الإسلامية، مثل الأستاذ جمال سمك، الأمين العام المساعد لحزب البناء والتنمية، والذي يؤكد في حواراته التلفزيونية على أهمية الحوار، وضرورة تقديم كل طرف سياسي تنازلات إلى الطرف الآخر، وأهمية التوحد حول ضرورة إعادة بناء مصر اقتصاديًّا وسياسيًّا عن طريق الممارسات الديمقراطية الحقيقية، وأهمية التوافق الفعلي حول المواد التي عليها خلاف في مسودة الدستور، وعدم استئثار طرف بالسلطة دون آخر، وعدم تحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني، وأهمية نيل الأقباط والمرأة حقوقهم كاملة في الدستور.. من تابع ذلك يدرك بالفعل حدوث تحول فعلي وواقعي في منهج وأسلوب هذه الحركات والجماعات.
الجدير بالذكر.. أن الجماعة الإسلامية، التي استخدمت السلاح في بعض فترات العهد السابق، هي التي قامت بمجموعة من المبادرات والتنازلات لرأب الصدع بين “,”شركاء ميدان التحرير“,”، في ظل تولي المجلس العسكري أو جماعة الإخوان. فحزب البناء والتنمية هو الذي قام بالتنازل عن المقعدين المخصصين له في الجمعية التأسيسية لصالح التيارات المدنية، بعد تعنت واضح من قبل جماعة الإخوان وحزبها، هذا من جانب، ومن ناحية أخرى قام بمبادرة سياسية –وإن لم تنجح نظرًا لضيق الوقت- بعد قيام الدكتور محمد مرسي بإصدار إعلانه الدستور في 20 نوفمبر الماضي، بعد أن كادت الأمورتهدأ، وبعد نجاحه في الوصول إلى اتفاق هدنة بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي. ومن ناحية ثالثة، قام عدد من قيادات الجماعة الإسلامية بفتح حوار مع الجماعات الجهادية في سيناء للتخلي عن السلاح؛ من خلال سلسلة من المحاضرات حول ضرورة عمل مراجعات فكرية وعقائدية على غرار ما فعلته هي مع نهاية القرن المنصرم.
والخلاصة.. لابد للمجتمع والقوى المدنية والسياسية مد يدها للتيارات السلفية، والدخول معها في حوار جاد وحقيقي،ليس الهدف منه التنسيق في الأمور السياسية فقط، ولكن للتأكيد على أهمية الانفتاح على الآخر، وضروة الحفاظ على وسطية ومدنية الدولة المصرية، وتحقيق تجربة ديمقراطية فعلية تليق بمصر بعد الثورة، وأن المعارضة للسلطة الحالية الهدف منها التقييم والتقويم وليس القفز على السلطة، كما تسوّق قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وأن جميع المصريين في سفينة واحدة، إذا غرقت سنغرق جميعًا وإذا نجت سننجو جميعًا. وعلى الجانب الآخر، فإن على التيارات السلفية عبء طمأنة عموم المصريين بأنهم لن يعودوا لممارسة العنف مرة أخرى، وبناء خطاب جامع يعبر عن آمال المواطنين المصريين في الكرامة الإنسانية، وفي العدل الاجتماعي، في إطار التنوع والاختلاف في الاتجاهات السياسية.
سيناريوهات مستقبل العلاقة بين السلفيين والإخوان
يبدو أن الفترة القريبة القادمة ستشهد تغيرات جذرية في المشهد السياسي المصري، وسيكون مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان وحزب النور هو المحور الأهم لهذه التغيرات، خاصة بعد بدء فتح حوار مباشر بين حزب الحرية والعدالة وبعض قيادات جبهة الإنقاذ من ناحية، وإقالة مستشار الرئيس لشئون البيئة، عضو حزب النور.
وبداية؛ هناك سيناريوهان رئيسان قد تأخذهما هذه العلاقة، إما مرور الأزمة الأخيرة كسحابة عابرة وعودة التوافق بين الإخوان وحزب النور، ورجوع العلاقة بينهما إلى شكلها المعتادالذي رأيناه منذ الثورة وحتى الآن باستثناء فترات قليلة؛ أو الوصول لصدام ومواجهة سياسية، بما يمثله ذلك من تطور سياسي غير مسبوق ستكون له دلالات كبيرة على عملية التحول الديمقراطي في مصر. ويتفرع من كل سيناريو شكلان مفترضان لكيفية وصول العلاقة لهذه النقطة.
السيناريو الأول:التوافق التام بينهما، وربما يكون ما يحدث الآن هو مجرد تغير تكتيكي، يحاول به حزب النور أن يحصد أكبر مكاسب ممكنة في الانتخابات البرلمانية القادمة، فشعبية جماعة الإخوان والرئيس محمد مرسي في تدهور مستمر، وربما يخشىحزب النور من أن يؤثر هذا التدهور على شعبيته، فبرغم كل شيء ما زالت أغلبية الشعب المصري تتعامل مع التيار الإسلامي بالكامل باعتباره كتلة واحدة، وهذا الشعور ينتاب العديد من قواعد السلفيين؛ فهم يشعرون بأن أخطاء مرسي وجماعته تؤثر عليهم بشكل مباشر في التعامل في الشارع.
ويحاول النور من خلال مبادرته إعادة تقديم نفسه؛ باعتباره فصيلاً إسلاميًّا معارضًا أو بديلاً لجماعة الإخوان المسلمين؛ وهو ما قد يجذب له أصوات العديد من المتراجعين عن انتخاب الإخوان، ولكن بعد أن تمر الانتخابات يعود التحالف القديم والتوافق بين الفصيلين الإسلاميين، خصوصًا بوجود عدد من القضايا المحورية التي لن يستطيع التيار الإسلامي الاختلاف حولها فيما يتعلق بالقوانين المنبثقة عن الدستور الجديد.
وقد يكون حزب النور جادًّا بشأن المبادرة ويعتبرها الحل المناسب للاستقطاب الموجود حاليًّا. ولكن، جماعة الإخوان المسلمين، بما لها من خبرة في المراوغة والخداع، قد تستطيع أن تحتوي غضب حزب النور وتجتذبه مرة أخرى تحت ضغط مستقبل المشروع الإسلامي، كما أن الجماعة تستطيع، بما لها من نفوذ دينية على أغلب مشايخ التيار الإسلامي، ونفوذ سلطوية باعتبارها السلطة الحاكمة الآن، أن تضغط على حزب النور وقياداته للتخلي عن بعض بنود المبادرة، مقابل الخروج بتوافق شكلي وتغييرات يتم الترويج لها إعلاميًّا باعتبارها كافية في هذه المرحلة.
ولكن في حالة حدوث هذا التوافق، الآن أو بعد الانتخابات البرلمانية، فسيكون هذا خصمًا من رصيد حزب النور، وسيكرس للصورة النمطية للحزب كتابع لجماعة الإخوان وغير قادر على اتخاذ مواقف منفردة.
السيناريو الثاني: الصدام والمواجهة السياسية ، فربما تصل المفاوضات حول مبادرة حزب النور إلى طريق مسدود، وفي هذه الحالة إذا كان الحزب جادًّا في طرحه للمبادرة، فقد يدفعه الرفض أو المناورة من قبل مؤسسة الرئاسة للتقارب أكثر مع “,”جبهة الإنقاذ“,” في المواقف والرؤى، وربما يتطور الأمر وصولاً إلى التنسيق في التحركات على الأرض أو خوض العملية الانتخابية، وفي حالة حدوث ذلك ستبدأ الخلافات الفكرية المكتومة بين الطرفين في الظهور على الساحة، وقد نرى السلفيين في مرحلة ما ينضمون لصفوف المعارضة في الشوارع للاعتراض على حكم الإخوان للبلاد.
في حالة المراوغة من الرئاسة للمبادرة، قد يبتلع حزب النور الإهانة، ويكتم غضبه حتى يأتي الوقت المناسب، الذي ربما سيكون بعد دخول البرلمان، خصوصًا في حالة حصول حزب النور على كتلة برلمانية معتبرة؛ ووقتها ستتشكل التحالفات بين القوى، ويمكن تصور سيناريوهين لهذه التحالفات؛ فربما يتحالف حزب النور مباشرة مع القوى المدنية، أو يستمر التحالف بين القوى الإسلامية، ممثلة في حزب النور وحزب الحرية والعدالة لفترة من الوقت. وبعدها قد يحدث خلاف حول طريقة إدارة البلاد في حالة تشكيل حكومة ائتلافية بينهما، خصوصًا إذا استمر الإخوان في محاولة السيطرة على كل مفاصل الدولة والاستئثار بالسلطة كاملة؛ وفي حالة حدوث هذا الخلاف قد يقوم حزب النور بالانسحاب من التحالف مع الإخوان وتكوين تحالف جديد مع القوى الليبرالية أو اليسارية، وربما يؤدي ذلك إلى تغير خريطة الحكم؛ فنجد حكومة ائتلافية بين حزب النور والقوى المدنية، تمتلك أغلبية برلمانية تساندها، وتستطيع إحداث تغيير حقيقي إذا إرادت ذلك.
وأخيرًا، في حالة وصول الأمور بين حزب النور وجماعة الإخوان المسلمين إلى نقطة الصدام، ربما يؤدي ذلك إلى تغيير كبير في أفكار ووحدة التيار الإسلامي، وقد يصبح ذلك أول خطوة نحو تجديد الفكر الإسلامي، وبدء مرحلة جديدة سياسية جديدة يكون الصراع فيها بين القوى المختلفة صراعًا تكتيكيًّا سياسيًّا، بدلاً من شكله الحالي كصراع أيديولوجي.
أكدنا في تحليلات سياسية سابقة، نشرت في الموقع الإلكتروني للمركز،أن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي (الحرية والعدالة)، والدعوة السلفية وحزبها(النور)، توصف بأنها علاقة متشابكة ومعقدة، تنتقل في بعض الأحيان من حالة الشد والجذب إلى حالة الغموض التام. فتارة يحدث بينهما صراع شرس يحشد فيه كل طرف جميع أسلحته للنيل من الطرف الآخر، كما حدث في الانتخابات البرلمانية 2012. وتارة ثانية يحدث بينهما اختلاف لا يصل إلى درجة الصراع، ويكون لكل طرف في هذه الحالة وجهة نظر مغايرة، وسرعان ما يتدخل مشايخ الدعوة وقيادات الجماعة لتقريب وجهات النظر وإنهاء حالة الصراع الناشئة، وتارة ثالثة يكون هناك تنسيق واتفاق تام في وجهات النظر والمواقف السياسية بينهما، من منطلق: “,”أنا وابن عمي على الغريب العلماني أو الليبرالي“,”!
كما أكدنا على أن الصعود السياسي للتيار السلفي في مصر بعد ثورة 25 يناير جاء مفاجأة للكثيرين، وأحدث صدمة امتزجت بحال من التوجس والخوف. ويتمثل سبب الصدمة في الصورة المخيفة التي ظهر -أو أُريد أن يظهر- بها التيار السلفي، الذي طالما ابتعد عن الانشغال بالسياسة، واتخذ منحىً انعزاليًّا عن قضايا المجتمع السياسية، بل إن بعض فصائل ذلك التيار كانت تنادي بطاعة الحاكم وإن كان فاسقًا. كما أثار حصول السلفيين في الانتخابات البرلمانية المصرية على حوالي25% من أصوات الناخبين مخاوف عدة في الشارع المصري، ليس فقط من جانب الأقباط واليساريين والليبراليين، ولكن أيضًا من جانب مواطنين ينتمون إلى فئات مختلفة. كما أثارت هذه النتيجة مخاوف التيار الإسلامي المعتدل، وبخاصة “,”الإخوان المسلمون“,”، وأحزاب الوسط والتيار الرئيسي. وطرحت تساؤلات عدة عن مصادر قوة هذا التيار وشعبيته، ومن أين اكتسبها، وكيف يمكن أن يوظفها، وإمكان سيطرته على الجمهورية المصرية الثانية، خصوصًا أن هذا الطرف الجديد يطرح نفسه بقوة كرقم في المعادلة السياسية، ويقدِّم نفسه كأحد اللاعبين الرئيسيين.. فإذا كان السلفيون حصلوا على 25% من الأصوات خلال 30 عامًا من العمل داخل المجتمع، بينما حصل الإخوان الذين يزيد تاريخهم عن 83 عامًاعلى 46% من الأصوات، فكيف يكون الوضع السياسي للسلفيين بعد عشر سنوات من الآن؟
وتاريخيًّا، فإن جماعة الإخوان المسلمين نصبت نفسها الحركة الأم لكل القوى الإسلامية، باعتبار أنها الممثل الشرعي لهم، رغم أسبقية هذه القوى -السلفية والصوفية- على نشأتها..يتضح ذلك جليًّا منذ تأسيس الجماعة ومحاولة الإخوان استيعاب -أو في الحقيقة ابتلاع- القوى الإسلامية داخل عباءة الإخوان؛ إذ يصف حسن البنا حركة الإخوان بقوله:
“,” كان من نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفِكَر الإصلاحية، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته... وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك إن الإخوان المسلمين هم:
1) دعوة سلفية؛ لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.
2) وطريقة سنية؛ لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات، ما وجدوا إلى ذلك سيبلاً.
3) وحقيقة صوفية؛ لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل“,”.
ومن هنا كان حرص حسن البنا على الاتصال المبكر بالسلفيين، وهو ما يلاحظ من علاقة البنا
بمحب الدين الخطيب صاحب المطبعة السلفية، فضلاً عن اتصالات حسن البنا المبكرة مع النظام السعودي.
وفي السبعينيات حدث انقسام كبير في الجماعة الإسلامية، واستطاعت جماعة الإخوان استقطاب بعض شباب الجماعة الإسلامية في القاهرة، وعلى رأسهم عبدالمنعم أبوالفتوح وحلمي الجزار، حيث تم الإحياء الثاني للإخوان، لكن الجماعة الإسلامية في الإسكندرية رفض معظم أبناؤها الانضمام للإخوان، وتم تشكيل “,”الدعوة السلفية“,”،التي انصرفت عن السياسة للدعوة، وكانت هناك خلافات حادة بين الإخوان وبعض الرموز السلفية، وإذا صحت الرواية التي يرويها الشيخ ياسر برهامي عن فترة السبعينيات، وكيف أنه لا ينسي حتى الآن طرد الإخوان له من أحد المساجد؛ فهذا يوضح أن حركة الإخوان المسلمين ترى أنها الحركة الأم للقوى الإسلامية، فضلاً عن تيار الإسلام السياسي، وأن هذا الشعور يضعها أحيانًا في تصادم مع بعض القوى السلفية، التي ترى أنها تمثل النقاء والطهارة في الإسلام السياسي.
مبادرة حزب النور..محاولة قد يكتب لها النجاح
على خلفية الأحداث المتلاحقة منذ ذكرى الثورة الثانية، والأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد، قدم حزب النور في 29 يناير الجاري مبادرة لحل الأزمة، كطريق للخروج من المأزق الحالي وإنهاء حالة الاستقطاب الحادة . وغداة طرحه المبادرة قام حزب النور بلقاء جبهة الإنقاذ الوطني في مقر حزب الوفد يوم الأربعاء 30 يناير؛ للتوافق بينه وبين الجبهة على نقاط جوهرية، متمثلة في: إقالة النائب العام الحالي،طلعت عبدالله، وتعيين بديل عبر ترشيح مجلس القضاء الأعلى لثلاثة يتم الاختيار لواحد من بينهم، إضافة إلى تشكيل لجنة لدراسة المواد الخلافية في الدستور وتعديلها، وإقالة حكومة هشام قنديل وتعيين حكومة ائتلاف وطني حتى إجراء الانتخابات، من دون أن يكون لها صلاحية في القرارات الإستراتيجية، وكذلك تشكيل لجان للحوار في قضايا متعددة كالإعلام وغيره، وفتح ملف للمصالحة الوطنية مع أعضاء الحزب الوطني؛ باعتبار أنهم لم يكونوا جميعًا فاسدين .
وفي نفس اليوم خرج نادر بكار، المتحدث الرسمي باسم حزب النور، في لقاء مع إحدى القنوات الفضائية، وشن هجومًا شديدًا على جماعة الإخوان المسلمين وإدارة الرئيس محمد مرسي للبلاد وحكومة هشام قنديل، واتهم الجماعة بالسعي لأخونة الدولة والتحكم في مفاصلها، وطالبها بتقنين أوضاعها والخضوع للدولة.
عمليًا تعتبر مبادرة حزب النور تحولاً مهمًّا في مواقف الحزب السياسية، الذي كان مؤيّدًا بشكل مطلق ومنقطع النظير لجميع مواقف الإخوان منذ وصول الرئيس مرسي للحكم، ولم يهاجم جماعة الإخوان بهذه الطريقة من ذي قبل. ولكن على الجانب الآخر تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع الموقف بذكاء، فلم تنتقد المبادرة بشكل رسمي، وإن انتقدها شباب الجماعة وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل حاد، وحاولت احتواء حزب النور؛ حيث تم عقد لقاء بين وفد من حزب النور والرئيس مرسي يوم السبت 9 فبراير 2013، وهو اللقاء الذي كانت نتيجته ضم مبادرة حزب النور لجلسة الحوار الوطني.
ومن الأهمية القول إن ا لمبادرة تناولت ثلاث محاور رئيسية؛المحور الأول: مناقشة حالة الطوارئ التي فرضها الرئيس محمد مرسي على مدن القناة الثلاث، فقد دعت المبادرة الرئاسة والحكومة لسرعة حل مشكلات مدن القناة، خاصة مدينة بورسعيد الباسلة التي عانت كثيرًا في العهد السابق، وإنهاء حالة الطوارئ في أقرب وقت ممكن. المحور الثاني: وقد تناولت فيه المصالحة الوطنية، والنائب العام؛ حيث اقترحت لحل هذه الأزمة الالتزام بما جاء في الدستور الحالي، والحوار حول استقالة النائب العام، وتسمية مجلس القضاة الأعلى لثلاثة يختار منهم الرئيس واحدًا خلفًا للنائب العام الحالي.
أما المحور الثالث،فقد ركزت فيه المباردة على إيجاد ميثاق شرف سياسي، لتنقية الأجواء السياسية والإعلامية وتخفيف حالة الاحتقان الحالية.
المبادرة في مرمى النيران
حقيقةً.. لم تسلم المبادرة من الانتقادات، والتي تمثلت أولاً في أن طرحها فكرة تشكيل حكومة ائتلاف وطني -وليس حكومة إنقاذ وطني-يترك مساحة للحديث عن فكرة “,”المحاصصة“,”، والصراع بين الأحزاب على التمثيل في هذه الحكومة الجديدة، وبروز فكرة الصراع على المناصب أكثر من تشكيل ائتلاف واتفاق؛ وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من المشاكل أكثر منه إنقاذ الوطن والخروج من الأزمة التي توجد بالبلاد. ثانيًا، فكرة تشكيل لجنة لتلقي التعديلات الدستورية قد تكون فكرة غير عملية، وتحمل في طياتها تسويف القضية؛ ومن ثم تمييعها حتى انتهاء الأزمة. وثالثًا، كان هناك رفض قانوني للمبادرة؛ بناءً على أن المادة (236) من الدستور -الذي شارك السلفيون في إعداده- تنص على نفاذ كل ما ترتب على الإعلانات الدستورية من آثار في الفترة السابقة. وبما أن تعيين النائب العام من آثار الإعلانات الدستورية؛ فبالتالي تم تحصينه بتلك المادة في الدستور، كما نصت المادة (173) على أن “,”يتولى النيابة العامة نائب عام بقرار من رئيس الجمهورية؛ بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية،حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله“,”؛مما يعني أن النائب العام سيظل -بحكم الدستور- لنهاية فترته (4 سنوات)، والدستور لا يعطي أي جهة القدرة على إقالته، بما في ذلك رئيس الجمهورية أو مجلس القضاء الأعلى.
وإجمالاً، هناك العديد من الملاحظات حول مبادرة حزب النور، تتمثل فيما يلي:
· إن موقف حزب النور الأخير، حيال أخونة البلاد، ليس بالأمر المفاجئ الذي يمكن وصفه بالانقلاب؛ فحزب النور قدّم نفسه منذ البداية على أنه ند للإخوان، بدءًا من الانتخابات البرلمانية السابقة، فغامر بنزوله منفردًا على رأس قائمة ضمت إليه الأحزاب السلفية، وابتعد عن التحالف مع الإخوان، الجماعة الأقوى والأكثر خبرة وتنظيمًا. وفي الانتخابات الرئاسية أيضًا لم يؤيد “,”النور“,” مرشح الجماعة في الجولة الأولى، وأيد القيادي المنشق عن الإخوان المسلمين، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ولكن الجديد هنا هو خروج انتقادات مباشرة من قيادات حزب النور للأداء السياسي للجماعة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها، فلطالما كانت الظروف السياسية، وحالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، عاملاً مهما في إخفاء الكثير من التباينات السياسية أو الفكرية بين الفصيلين الإسلاميين.
· مع سوء الإدارة وانفراد الجماعة بالتأثير في مؤسسة الحكم، وتأزم الشارع السياسي، وازدياد وتيرة الانفلات، والاتجاه نحو العنف الممنهج؛ خرج السلفيون عن صمتهم، خصوصًا مع تحرر الحزب من صراع الحمائم والصقور، وانشقاق رئيس الحزب السابق، عماد عبد الغفور، ومجموعته، وتكوينهم حزبًا جديدًا.. هذه العوامل وغيرها أسهمت في بلورة موقف حزب النور، الذي يسعى لإظهار نفسه في مظهر صاحب الفكر الوسطي والمنفتح سياسيًّا، وهو ما حاول الإخوان احتكاره وتصديره إلى الرأي العام.
· يسعى حزب النور الآن لتقديم رؤية مختلفة عن الإخوان، تساعده في اكتساب مساحة تصويتية أكبر في الانتخابات المقبلة، ويقوم بذلك عبر السعي للظهور بشكل متمايز ومستقل عن جماعة الإخوان ومواقفها السياسية، بعد اتهامه الدائم من قبل القوى السياسية الأخرىبأنه تابع للإخوان، وأنه يتحرك وفق الأجندة الإخوانية .
· إن مبادرة حزب النور، وتقاربها مع مطالب جبهة الإنقاذ الوطني، تعكس أزمة انفراد الإخوان المسلمين بحكم الدولة، و أهمية هذه المبادرة أنها تكسر الاستقطاب الإسلامي–المدني، وتنهي توظيف الإخوان المسلمين للسلفيين حول قضية الشريعة، وأن استخدام الإخوان للشريعة هدفه جذب السلفيين إلى تجمعاتهم، مثلما حدث في الحشد عند جامعة القاهرة، وكان الهدف الأساسي منه تأييد الإعلان الدستوري، الذي أصدره الرئيس محمد مرسي.
· إن توافق مبادرة النور مع مطالب جبهة الإنقاذ الوطني، يمثل تطورًا هامًّا لكسر حالة الاستقطاب، ويفتح الباب للقاء موسع مع الجبهة والأحزاب الإسلامية، فلا تظهر على أنها ترفض الحوار مع الإسلاميين. كما أن هذه المبادرة تعكس درجة من النضج السياسي، وتوضح أن المشكلة في مصر سياسية ولا علاقة لها بالدين، فربما يكون السلفيون قد أدركوا أن الخطر ليس على الشريعة، وإنما في نظام استبدادي يحتكر السلطة.
· هناك طرح آخر ومختلف حول مبادرة النور، وهو غير مستبعد على الإطلاق، وهو أن مبادرة حزب النور لا تعدو كونها مناورة سياسية وتكتيكًا مرحليًّا في مواجهة المعارضة، وأتت كفرصة لإنقاذ الرئيس مرسي والحرية والعدالة من موقفهم الصعب في الأزمة، وما يدعم ذلك هو أن الرئيس مرسي وقيادات الحرية والعدالة لديهم علاقة قوية بحزب النور، إضافة لدور الدعاة والمشايخ من الجانبين، والحديث عن دور لحزب النور في الحكومة القادمة.
· إضافة إلى ذلك، فإن هناك العديد من القضايا المشتركة التي تحكم الإخوان وحزب النور في الفترة الحالية، وهو ما ظهر جليًّا في أكثر من موقع: الدستور، والاتحادية، والشريعة،... إلخ. فهم يدركون أن مصيرهم شبه واحد، وأن تحديات المرحلة تتطلب الوحدة في مواجهة الأحزاب المدنية والمعارضة. فتحرك النور ناحية المعارضة ما هو إلى عملية لكسب الوقت وتهدئة الشارع، مربوطة بمكاسب ومكافآت سياسية في الحكومة القادمة.
المبادرة وحتمية اللاعودة للعنف والاندماج السياسي للتيار السلفي
بعد ثورة 25 يناير حدث انفجار غير متوقع في عدد الأحزاب التي تنتمي للتيارات السلفية، ما يربو على اثني عشر حزبًا، وأصبح العمل السياسي هو السبيل الوحيد لدى الكثيرين من المنتمين لهذا التيار. ومنذ دخول السلفية في ميدان المعترك السياسي وحظوظ الإسلاميين تتفاوت وتتباين من الخبرة والاحتكاك السياسييْن؛ وذلك لعوامل كثيرة، تاريخية وموضوعية واستبدادية وإقصائية. وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأي باحث منصف أن يتحدث عن التيارات السلفية في مصر كوحدة واحدة متجانسة؛ وذلك لأنهم مدارس ومشارب عدة، ولا يوجد تنظيم هرمي واحد يجمع بينهم، على العكس تمامًا من جماعة الإخوان المسلمين، المعروف عنها شدة وقوة تنظيمها؛ فإن الصعود السياسي اللافت للتيارات السلفية بعد ثورة الخامس والعشرين طرح عدة تساؤلات حول طبيعة الأفكار الحاكمة لهذا التيارات وخرائطها الفكرية، وأسباب صعودها بعد ثورة 25 يناير، وهل من الممكن أن يعود بعضها مرة أخرى إلى ممارسة العنف.
المتابع المدقق للتيارات السلفية، يلاحظ حدوث تحول فكري كبير في موقف السلفيين من ممارسة السياسة والانضمام إلى الأحزاب، بعد أن ظلوا بعيدين أشد البعد عنها؛ فالسلفيون، قبل الثورة، لا يمانعون في السمع والطاعة للحاكم حتى ولو كان ظالمًا، ويحرمون الخروج عليه أو الانتفاض ضده؛ من منطلق أن الخروج على الحاكم قد يؤدي إلى فتنة أكبر من فتنة ظلمه؛ لذلك فهم يدعون إلى الصبر على الحاكم، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية لم تسع السلفية في سابق عهدها إلى الصدام مع الدولة ونظامها الحاكم، كما فعلت “,”الجماعة الإسلامية“,” و“,”الجهاد“,”، بل اتخذ دعاتها من الحديث النبوي: “,”والله لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها“,”، شعارًا لهم. ولم يشارك السلفيون في أي عمل سياسي من قبل؛ وذلك لعدد من الأسباب، منها: أولاً، رفض “,”الديمقراطية“,” كنظرية غربية حاكمة للمنظومة السياسية في مصر؛ باعتبار ما فيها من مخالفات شرعية، وأيضًا باعتبارها نظرية غربية ظهرت بعيدًا عن قيم الإسلام ومبادئه، وأنها ليست الشورى،البديل الإسلامي الأوْلى والأجدر بأن يكون حاكمًا للمنظومة السياسية. وينظر السلفيون إلى كون الديمقراطية لا تراعي الشروط الإسلامية فيمن يحكم أو يشرع القوانين، وقد تأتي “,”بكافر“,” أو امرأة لحكم الدولة الإسلامية، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين. ثانيًا، العداء الذي كان ينتهجه النظام الحاكم في مواجهة الإسلاميين، ومن ورائه القوى السياسية والثقافية والإعلامية التي كانت تناصبهم هي الأخرى نفس العداء.
ومع كل هذه الاعتبارات لم يغلق السلفيون كل الأبواب أمام النظام الديمقراطي، بل كانوا يرون أنه يمكن لهم المشاركة في ظل الديمقراطية واستثمارها لتطبيق الشريعة الإسلامية، بشرط عدم إقرار الباطل أو المشاركة في المنكر. والسؤال، هل السلفيون مقتنعون حقًّا بالديمقراطية؟ أم أن ما يفعلونه الآن مجرد تكتيك مرحلي لتدمير وإحراق سلَّم الديمقراطية بعد استخدامه في الصعود؟ وبغض النظر عن آراء بعض رموز السلفية، فإن الواقع العملي يؤكد دخول أغلب التيارات السلفية معترك الحياة السياسية، ورضخوا لقواعد الممارسة الديمقراطية بمعناها الحديث، ويؤكدون جميعًا بأن ممارسة العنف ليس في مصلحة أحد، خاصة بعدما أصبح التيار الإسلامي ليس فقط في قمة السلطة التنفيذية ولكنه استطاع أن يفرض سيطرته على المجالس المنتخبة بعد الثورة مباشرة، وأصبح فاعلاً ومحركًا أساسيًّا في مجريات المشهد السياسي منذ اندلاع الثورة حتى هذه اللحظات.
ولكن الخوف كل الخوف من عودة بعض التيارات السلفية إلى اعتناق الفكر الجهادي مرة أخرى بعد دخولها “,”الحلبة السياسية“,”، التي تعترف فقط بأساليب وقواعد ديمقراطية دولية متعارف عليها، مثل: شرعية صندوق الانتخابات، وإطار قانوني سليم يحكم جميع الفرقاء السياسيين، واحترام حقوق الإنسان، ونبذ استخدام العنف تجاه المعارضين... إلخ.
الجدير بالقول:إن جماعة الإخوان استطاعت -بقيادة المهندس خيرت الشاطر- ببراعة شديدة توحيد التيارات السلفية معها، وسوّقت لها بأن التيارات العلمانية والليبرالية لا تريد من ناحية تطبيق شرع الله، ولا تريد حكمًا إسلاميًّا من ناحية ثانية.. وهذا مجافٍ للحقيقة.
وبعد أن أصبح “,”الشارع“,” هو الذي يقود الساسة والسياسة في مصر؛ فإن قواعد اللعبة أصبحت “,”شارعية“,”، يكون فيها البقاء للأقوى، يستخدم فيها قواعد الشارع وأدواته المتعارف عليها، في أفلام من عينة “,”التوت والنبوت“,” و“,”الفتوه“,”، في مفارقة جديدة تشهدها الثورة المصرية، والتي تمثل انحرافًا واضحًا عن مسارها الطبيعي السلمي والمدني، وهو لجوء النظام الحاكم إلى الشارع لتأييد قراراته ومساندته، حتى ولو كانت خاطئة، وذلك بعد خروج المعارضة عليه. وتكمن خطورة اللجوء إلى الشارع في تحول قواعد وممارسات “,”اللعبة السياسية“,” إلى الاحتكام إلى “,”قواعد الشارع“,”؛ ومن ثم ننتقل من ممارسة السياسية إلى الفوضى غير الخلاقة، والتي سوف تضر الجميع، سواء أكانت السلطة والنظام أم المعارضة. فمن المعروف في كل نظريات العلوم السياسية وفي الدول الديمقراطية، الراسخة والناشئة، خروج مظاهرات مناهضة لقرارات السلطة التنفيذية؛ في محاولات لعدولها عن إصدارا هذه القرارات أو تعديلها على الأقل، أما أن تلجأ السلطة الحاكمة إلى الشارع ومحاولة فرض “,”عضلاتها السياسية“,”، بالاحتكام إلى نظرية “,”الحشود المليونية“,” في وجه المعارضة، فهي نظرية سياسية جديدة سوف تدرس في العلوم السياسية في الدول الاستبدادية فقط!
إن الخطورة الكامنة في مصر الآن تتمثل في أن يتحول الصراع السياسي إلى صراع ديني، ليس بين فرقاء في الدين ولكن بين أبناء الدين الواحد. بمعنىمغاير، أن الصراع الحالييدور بين تيارات الإسلام السياسي والتيارات الليبرالية والعلمانية، ولكنه يغلف تحت راية “,”الدين“,”، ويظهر ذلك جليًّا من خلال الشعارات التي رفعتها المظاهرات المؤيدة للرئيس أمام جامعة القاهرة أو قصر الاتحادية؛ من استخدام شعارات دينية بحتة، كانت تستخدم في الحروب الصليبية، ونكتفي هنا بشعار “,”وإسلاماه“,”، وهو أيضًا مسمى لأهم أفلام السينما المصرية، وشعارات أخرى مثل: “,”إسلامية.. إسلامية“,”، و“,”الشعب يريد تطبيق شرع الله“,” ، و“,”عيش حرية شريعة إسلامية“,”، و“,”الله أكبر“,”.
وفي ظل هذا المشهد “,”الشوارعي“,”، ربما تعود بعض التيارات السلفية إلى استخدام العنف مرة أخرى، كما حدث في التسعينيات من القرن الماضي، ولكن هذه المرة سيكون المستهدف ليس المختلف معي في الدين أو الأجنبي،ولكن المختلف معي في التوجهات السياسية. فمع انهيار النظم السياسية القديمة، وعدم اكتمال بناء النظم السياسية الجديدة؛ فتح الباب للقوى التي تتبنى الفكر السلفي الجهادي؛ لتتخذ لنفسها موطئ قدم، وتمثل تحديًا حقيقيًّا للوافدين الجدد للسلطة، وهنا يجد المصريون أنفسهم أمام استقطاب إسلامي- إسلامي. فالسلفية الجهادية ترفض الديمقراطية وتراها كفرًا؛ ومن ثم، فإن الإخوان الذين يحكمون في مصر، يمثلون خروجًا عن المسار الإسلامي الصحيح في طريقة وصولهمإلى السلطة من منظور السلفية الجهادية.
واللافت للانتباه، أن الرافد الجهادي السلفي لا يزال قويًّا؛ فهناك إسلاميون جهاديون رفضوا المراجعات؛ ومن ثم ظلوا متمسكين بالفكر السلفي الجهادي، وقد خرجوا من السجن، كما أن صلاتهم بروافد “,”القاعدة“,” مفتوحة. وقد تبدّى فائض القوة والعنف لديهم في عمليات عسكرية ضد الدولة، كما يحدث في سيناء؛ حيث تغيب السلطة المركزية، ويتفشى الشعور بالتهميش والتمييز، وحيث تسود الروح القبلية ذات الطابع البدوي المتماهية مع منطق السلفية الجهادية، الأقرب إلى الفكر الخوارجي في التاريخ الإسلامي والفكر الفوضوي في التاريخ الغربي، وهو فكر يرفض السلطة والدولة، ويسعى لحالة أقرب إلى العودة لحالة البداءة الأولى منها إلى دولة حديثة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:هل سيعود السلفيون لممارسة العنف؟ ويمكن القول ردًّا على ذلك بأنه على الرغم من وجود السلفية الجهادية في مصر، فإن من الصعوبة للغاية عودة بعض التيارات السلفية لاستخدام العنف لقمع المعارضة أو في مواجهة السلطة؛ وذلك لعدة أسباب مجتمعية وأسباب داخلية بهذه التنظيمات.
فعلى المستوى المجتمعي، فإن الناظر للخصائص الاجتماعية والدينية والثقافية للمصريين عمومًا يجد أن المجتمع بطبعه يرفض ويدين ممارسة العنف بأشكاله المختلفة، ومن يقوم به يكون منبوذًا، خاصة بعد أن فتح الباب على مصراعيه للمشاركة السياسية للجميع.
أما على مستوى التيارات السلفية؛ فهناك جملة من العوامل التي تجعلهم لا يعودون إلى استخدام العنف مرة أخرى، منها: خروجهم إلى الممارسة السياسة، سواء بتشكيل أحزاب سياسية ودخولهم البرلمان، وأصبحوا طرفًا فاعلاً في المجتمع وجزءًا من النخبة الحاكمة والإعلامية والسلطة، فأعتقد أنه بـ “,”الشو الإعلامي“,” و“,”السلطة“,”، فإنهم سيفكرون ألف مرة قبل العودة إلى الممارسات السابقة، كما أثبت فكر وفقه المراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية، التي أسست حزب البناء والتنمية، الذي حصل على 18 مقعدًا في البرلمان المنحل، هو الأجدى والأنفع من وجه نظر قياداتها، ليس فقط لأعضائها ولكن لأسرهم أيضًا، والذين لقوا قمعًا شديدًا في ظل النظام السابق.
والمتابع لآراء قيادات الجماعة الإسلامية، مثل الأستاذ جمال سمك، الأمين العام المساعد لحزب البناء والتنمية، والذي يؤكد في حواراته التلفزيونية على أهمية الحوار، وضرورة تقديم كل طرف سياسي تنازلات إلى الطرف الآخر، وأهمية التوحد حول ضرورة إعادة بناء مصر اقتصاديًّا وسياسيًّا عن طريق الممارسات الديمقراطية الحقيقية، وأهمية التوافق الفعلي حول المواد التي عليها خلاف في مسودة الدستور، وعدم استئثار طرف بالسلطة دون آخر، وعدم تحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني، وأهمية نيل الأقباط والمرأة حقوقهم كاملة في الدستور.. من تابع ذلك يدرك بالفعل حدوث تحول فعلي وواقعي في منهج وأسلوب هذه الحركات والجماعات.
الجدير بالذكر.. أن الجماعة الإسلامية، التي استخدمت السلاح في بعض فترات العهد السابق، هي التي قامت بمجموعة من المبادرات والتنازلات لرأب الصدع بين “,”شركاء ميدان التحرير“,”، في ظل تولي المجلس العسكري أو جماعة الإخوان. فحزب البناء والتنمية هو الذي قام بالتنازل عن المقعدين المخصصين له في الجمعية التأسيسية لصالح التيارات المدنية، بعد تعنت واضح من قبل جماعة الإخوان وحزبها، هذا من جانب، ومن ناحية أخرى قام بمبادرة سياسية –وإن لم تنجح نظرًا لضيق الوقت- بعد قيام الدكتور محمد مرسي بإصدار إعلانه الدستور في 20 نوفمبر الماضي، بعد أن كادت الأمورتهدأ، وبعد نجاحه في الوصول إلى اتفاق هدنة بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي. ومن ناحية ثالثة، قام عدد من قيادات الجماعة الإسلامية بفتح حوار مع الجماعات الجهادية في سيناء للتخلي عن السلاح؛ من خلال سلسلة من المحاضرات حول ضرورة عمل مراجعات فكرية وعقائدية على غرار ما فعلته هي مع نهاية القرن المنصرم.
والخلاصة.. لابد للمجتمع والقوى المدنية والسياسية مد يدها للتيارات السلفية، والدخول معها في حوار جاد وحقيقي،ليس الهدف منه التنسيق في الأمور السياسية فقط، ولكن للتأكيد على أهمية الانفتاح على الآخر، وضروة الحفاظ على وسطية ومدنية الدولة المصرية، وتحقيق تجربة ديمقراطية فعلية تليق بمصر بعد الثورة، وأن المعارضة للسلطة الحالية الهدف منها التقييم والتقويم وليس القفز على السلطة، كما تسوّق قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وأن جميع المصريين في سفينة واحدة، إذا غرقت سنغرق جميعًا وإذا نجت سننجو جميعًا. وعلى الجانب الآخر، فإن على التيارات السلفية عبء طمأنة عموم المصريين بأنهم لن يعودوا لممارسة العنف مرة أخرى، وبناء خطاب جامع يعبر عن آمال المواطنين المصريين في الكرامة الإنسانية، وفي العدل الاجتماعي، في إطار التنوع والاختلاف في الاتجاهات السياسية.
سيناريوهات مستقبل العلاقة بين السلفيين والإخوان
يبدو أن الفترة القريبة القادمة ستشهد تغيرات جذرية في المشهد السياسي المصري، وسيكون مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان وحزب النور هو المحور الأهم لهذه التغيرات، خاصة بعد بدء فتح حوار مباشر بين حزب الحرية والعدالة وبعض قيادات جبهة الإنقاذ من ناحية، وإقالة مستشار الرئيس لشئون البيئة، عضو حزب النور.
وبداية؛ هناك سيناريوهان رئيسان قد تأخذهما هذه العلاقة، إما مرور الأزمة الأخيرة كسحابة عابرة وعودة التوافق بين الإخوان وحزب النور، ورجوع العلاقة بينهما إلى شكلها المعتادالذي رأيناه منذ الثورة وحتى الآن باستثناء فترات قليلة؛ أو الوصول لصدام ومواجهة سياسية، بما يمثله ذلك من تطور سياسي غير مسبوق ستكون له دلالات كبيرة على عملية التحول الديمقراطي في مصر. ويتفرع من كل سيناريو شكلان مفترضان لكيفية وصول العلاقة لهذه النقطة.
السيناريو الأول:التوافق التام بينهما، وربما يكون ما يحدث الآن هو مجرد تغير تكتيكي، يحاول به حزب النور أن يحصد أكبر مكاسب ممكنة في الانتخابات البرلمانية القادمة، فشعبية جماعة الإخوان والرئيس محمد مرسي في تدهور مستمر، وربما يخشىحزب النور من أن يؤثر هذا التدهور على شعبيته، فبرغم كل شيء ما زالت أغلبية الشعب المصري تتعامل مع التيار الإسلامي بالكامل باعتباره كتلة واحدة، وهذا الشعور ينتاب العديد من قواعد السلفيين؛ فهم يشعرون بأن أخطاء مرسي وجماعته تؤثر عليهم بشكل مباشر في التعامل في الشارع.
ويحاول النور من خلال مبادرته إعادة تقديم نفسه؛ باعتباره فصيلاً إسلاميًّا معارضًا أو بديلاً لجماعة الإخوان المسلمين؛ وهو ما قد يجذب له أصوات العديد من المتراجعين عن انتخاب الإخوان، ولكن بعد أن تمر الانتخابات يعود التحالف القديم والتوافق بين الفصيلين الإسلاميين، خصوصًا بوجود عدد من القضايا المحورية التي لن يستطيع التيار الإسلامي الاختلاف حولها فيما يتعلق بالقوانين المنبثقة عن الدستور الجديد.
وقد يكون حزب النور جادًّا بشأن المبادرة ويعتبرها الحل المناسب للاستقطاب الموجود حاليًّا. ولكن، جماعة الإخوان المسلمين، بما لها من خبرة في المراوغة والخداع، قد تستطيع أن تحتوي غضب حزب النور وتجتذبه مرة أخرى تحت ضغط مستقبل المشروع الإسلامي، كما أن الجماعة تستطيع، بما لها من نفوذ دينية على أغلب مشايخ التيار الإسلامي، ونفوذ سلطوية باعتبارها السلطة الحاكمة الآن، أن تضغط على حزب النور وقياداته للتخلي عن بعض بنود المبادرة، مقابل الخروج بتوافق شكلي وتغييرات يتم الترويج لها إعلاميًّا باعتبارها كافية في هذه المرحلة.
ولكن في حالة حدوث هذا التوافق، الآن أو بعد الانتخابات البرلمانية، فسيكون هذا خصمًا من رصيد حزب النور، وسيكرس للصورة النمطية للحزب كتابع لجماعة الإخوان وغير قادر على اتخاذ مواقف منفردة.
السيناريو الثاني: الصدام والمواجهة السياسية ، فربما تصل المفاوضات حول مبادرة حزب النور إلى طريق مسدود، وفي هذه الحالة إذا كان الحزب جادًّا في طرحه للمبادرة، فقد يدفعه الرفض أو المناورة من قبل مؤسسة الرئاسة للتقارب أكثر مع “,”جبهة الإنقاذ“,” في المواقف والرؤى، وربما يتطور الأمر وصولاً إلى التنسيق في التحركات على الأرض أو خوض العملية الانتخابية، وفي حالة حدوث ذلك ستبدأ الخلافات الفكرية المكتومة بين الطرفين في الظهور على الساحة، وقد نرى السلفيين في مرحلة ما ينضمون لصفوف المعارضة في الشوارع للاعتراض على حكم الإخوان للبلاد.
في حالة المراوغة من الرئاسة للمبادرة، قد يبتلع حزب النور الإهانة، ويكتم غضبه حتى يأتي الوقت المناسب، الذي ربما سيكون بعد دخول البرلمان، خصوصًا في حالة حصول حزب النور على كتلة برلمانية معتبرة؛ ووقتها ستتشكل التحالفات بين القوى، ويمكن تصور سيناريوهين لهذه التحالفات؛ فربما يتحالف حزب النور مباشرة مع القوى المدنية، أو يستمر التحالف بين القوى الإسلامية، ممثلة في حزب النور وحزب الحرية والعدالة لفترة من الوقت. وبعدها قد يحدث خلاف حول طريقة إدارة البلاد في حالة تشكيل حكومة ائتلافية بينهما، خصوصًا إذا استمر الإخوان في محاولة السيطرة على كل مفاصل الدولة والاستئثار بالسلطة كاملة؛ وفي حالة حدوث هذا الخلاف قد يقوم حزب النور بالانسحاب من التحالف مع الإخوان وتكوين تحالف جديد مع القوى الليبرالية أو اليسارية، وربما يؤدي ذلك إلى تغير خريطة الحكم؛ فنجد حكومة ائتلافية بين حزب النور والقوى المدنية، تمتلك أغلبية برلمانية تساندها، وتستطيع إحداث تغيير حقيقي إذا إرادت ذلك.
وأخيرًا، في حالة وصول الأمور بين حزب النور وجماعة الإخوان المسلمين إلى نقطة الصدام، ربما يؤدي ذلك إلى تغيير كبير في أفكار ووحدة التيار الإسلامي، وقد يصبح ذلك أول خطوة نحو تجديد الفكر الإسلامي، وبدء مرحلة جديدة سياسية جديدة يكون الصراع فيها بين القوى المختلفة صراعًا تكتيكيًّا سياسيًّا، بدلاً من شكله الحالي كصراع أيديولوجي.