الشراكات المستقبلية العربية الدولية(2-3) الخطاب العربي حول المستقبليات
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 12:54 م
نبيل عبد الفتاح
أولًا: الخطاب –والأحرى الخطابات– عن المستقبل ومعانيه ومصائره وإنجازاته:
الخطابات الأكاديمية والبحثية عن المستقبل ومساراته وتحولاته هو خطاب غربي بامتياز، وهو تعبير عن تراكمات في البحث الاجتماعي، والعلوم الطبيعية والرياضيات على وجه التحديد.
نعم هو خطاب بحثي بامتياز، وإن كان ينطوي على طابع “,”نبوءاتي“,” أو رؤيوي“,” إذا جاز هذا التعبير وساغ.
لكن “,”الرؤيوية“,” و“,”النبؤية“,” ليست محض شطحات وأخْيلة أدبية وسردية، ولكنها تعتمد على بُنى معلوماتية، وتوقع لمآلاتها وتطوراتها الرقمية في حقل ما أو قطاع ما أو نسق ما، أو داخل مجموعة من الأنساق داخل دولةٍ ما، أو مجموعة دول أو داخل “,”نظام“,” إقليمي...الخ.
مع تيار العولمة الجارف باتت الدراسات المستقبلية محمولة على طابع وسمْتِ هذا التحول التاريخي والنوعي في تاريخ عصرنا.
منذ انتقال الدرس المستقبلي من مجال الأمنيات والأحلام والرؤى المجنحة والآمال المرتكزة عليها، إلى مجال الدرس الأكاديمي والمنهجي؛ بات الخطاب/ الدرس/ البحث حول المستقبل يتطور في عديد الحقول والمجالات مع تطور فروع المعرفة الأخرى، سواء في العلوم الاجتماعية والطبيعية، وكذلك مع تطور تقنيات الحاسوب وقفزاتها السريعة والنوعية منذ دراسات نادي روما ذائعة الصيت، والدرس/ الخطاب/ البحث المستقبلي، يتطور على المستوى البحثي والأكاديمي في المراكز البحثية الأكثر تطورًا في الولايات المتحدة وأوروبا. استند هذا التطور على تراكم البحوث الكمية والميدانية والإحصائية في العلوم الاجتماعية، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا التطور في المقاربة المنهجية المستقبلية ظلت جزءًا لا يتجزأ من تطورات المعرفة في الغرب، وامتدت بعض آثارها إلى الهند والصين واليابان وبعض الدول الصاعدة في جنوب العالم.
إن الحديث عن درس وبحث مستقبلي في عديد المجالات في الإطار العربي المشترك، أو الثنائي أو الثلاثي... الخ، لا يمكن ممارسته إلا من خلال معرفة تاريخ الدرس/ البحث/ الخطاب المستقبلي في عالمنا العربي، الذي لا تزال المعرفة البحثية عمومًا، والمنهجية خصوصًا، تعاني من مشكلات عسر الترجمة والاستعارة العلمية للنظريات والمناهج والمفاهيم والمصطلحات، وكذلك التمثيل والهضم المعرفي والثقافي. مشكلات معقدة ومتراكمة حول مدى استيعاب وأقلمة البُنى المعرفية، وحول مدى دقة تطبيقاتها على الواقع الموضوعي وتشكيلاته وظواهره وفاعليه، ومدى مجابهة تحدي الأقلمة وتطويع وتطوير المناهج وبُنى المصطلحات، على بيئات علمية تتسم بالتعقيد، وممارسات بحثية تعتورها مشكلات منهجية وتطبيقية.
من ناحية أخرى، البحوث والمعرفة في مجال العلوم الاجتماعية عانت الإهمال من القيود السلطوية المفروضة على الحريات الأكاديمية؛ ومن ثم على البحوث الاجتماعية، حينًا باسم السياسة أو الدين أو الأخلاق، وغيرها من منظومة التابوهات أو المحرمات التي يتخذها بعضهم سندًا لفرض الحظر على عديد من الممارسات البحثية، أو حرية نشرها أكاديميًّا أو على المجال البحثي، أو للجماعة الثقافية، أو السياسية.
بدأ الاهتمام بالدراسات المستقبلية من خلال نشر مؤلف الفن توفلر “,”صدمة المستقبل“,”. ذائع الصيت التي ترجم كجزء من منشورات مؤسسة فرانكلين للنشر، وكتب مقدمته باللغة العربية د. أحمد كمال أبو المجد.
لم يتجاوز الخطاب حول المستقبل العربي إلا بعض المقالات التبشيرية الأقرب إلى الموضة الفكرية، منها إلى الممارسة البحثية، والاستثناءات محدودة في هذا الصدد.
ثانيًا: تطور الخطاب حول المستقبل العربي:
يمكن القول إن البداية الحقيقية للخطاب المستقبلي في التقليد البحثي والثقافي العربي برزت مع بعض معاهد التخطيط في مصر، والكويت، وسواهما، والتي حاولت أن ترفد “,”التخطيط الرسمي“,” ببعض المعطيات البحثية والرقمية، بل وبعض الخيارات المطروحة أمام صانع القرار السياسي والتخطيطي والتنفيذي.
من هنا نستطيع القول إن بدايات الاهتمام بالبعد المستقبلي بدأت من خلال عمليات إعداد الخطط الخمسية والتأشيرية أيام التخطيط المركزي في نظم الاقتصاديات المخططة وأشباهها من النظم التي كان يطلق عليها مجازًا “,”بالاشتراكية العربية“,” أو نظم القطاع العام.
يمكن القول إن بعض الممارسات التبشيرية بالمستقبليات تمت في المغرب، ثم تحولت إلى مرحلة البحث من خلال عديد المشروعات الأساسية الأولية/ الأبتدائية، يمكن رصدهما فيما يلي:
1) مشروع مركز دراسات الوحدة العربية، الذي دار حول مستقبل النظام العالمي، ومستقبل النظام الإقليمي العربي، ثم حول مستقبل الصراع العربي/ الإسرائيلي، وحول الدولة في مصر، وفي المشرق العربي، وفي منطقة الخليج العربي، رغمًا عن أن التوجه المستقبلي كان أحد أبرز مرامي هذه الدراسات، إلا أن ثمة بعض الملاحظات الموضوعية يمكن إيجازها فيما يلي:
(أ) أنها اعتمدت مقاربات سكونية، ومع مادة تنظيرية سائدة في الكتابات العربية في موضوعها، وبعض الدراسات الغربية، الأمريكية/ البريطانية/ الفرنسية؛ من ثم تمثل في بعضها إعادة إنتاج لهذه الدراسات مجددًا.
(ب) الجانب الاستشرافي في هذه الدراسات سعى وراء استجلاء بعض وجوه المستقبل في موضوعاتها، ومن ثم اعتمدت هذه البحوث على منهجية بناء السيناريوهات، وهي ذات نزعة تأملية/ تخيلية إلى حد ما؛ ومن ثم لا يستند بعضها إلى معطيات رقمية وإحصائية ومعلوماتية تسمح ببناء السيناريوهات الموضوعية إلى حد ما وفي حدودها الدنيا.
(ت) من ناحية أخرى بعض هذه الدراسات اعتمدت على فرضيات تجاوزتها وقائع وتطورات النظام الدولي وعمليات العولمة، ومنها سقوط الحرب الباردة، ومن ثم سيناريوهاتها، مع انهيار الإمبراطورية الماركسية والسوفيتية، وكذا سقوط حائط برلين. من ثم انهيار السيناريوهات المحمولة على استمرار القطبية الثنائية عند قمة النظام الدولي.
نضيف إلى هذا المشروع، بعض المقالات التي كتبت على فترات حول الدرس المستقبلي، أو الأحرى الدرس حول المستقبليات التي نشرت بين الحين والآخر في مجلة المستقبل العربي، التي يصدرها مركز الوحدة العربية.
2) المشروع الثاني هو المستقبلات العربية البديلة: وراء هذا المشروع الأستاذ الكبير المرحوم الدكتور إسماعيل صبري عبد الله، وسعى هذا المشروع للبحث حول المستقبلات البديلة للمسارات العربية منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي. تناول هذا المشروع عديد الموضوعات الأساسية، على رأسها:
1. الاقتصاد والتنمية.
2. النظام الاجتماعي.
3. العمالة.
4. الثقافة والدين.
5. السينما.
وموضوعات أخرى.. وشارك في المشروع عديد الباحثين المرموقين، ويمكن إبداء بعض الملاحظات الأولية على مشروع منتدى العالم الثالث للمستقبلات العربية البديلة، وذلك على النحو التالي:
1) الاعتماد على مجموعة اقتراحات نظرية تستند على إمكاينة صناعة مستقبلات بديلة في عديد النظم والقطاعات العربية، لا سيما في مصر والمشرق العربي.
2) سيطرت الرؤى اليساروية والقومية على معالجات الباحثين، ولا تقدح هذه الملاحظة في عملهم البحثي، ولكنه انطوى على مضمرات ومقولات معلنة، أثرت على عملية بناء السيناريوهات أو السنارات المحتملة، وفق تعبير إسماعيل صبري عبد الله؛ ومن ثم أهملت بعض المتغيرات التي شملت النظام الدولي، وتفكك الإمبراطورية السوفيتية، ومن ثم انهيار القطبية الثنائية ونهاية الحرب الباردة، بكل انعكاسات ذلك على تخطيط البرامج البحثية وإستراتيجياتها وإدارتها؛ ومن ثم على السيناريوهات المحتملة.
أيًّا ما كان الأمر؛ إلا أن هذا المشروع، ومنتدى العالم الثالث، تراجع دوره بعد وفاة مؤسسه د. إسماعيل صبري عبد الله، المفكر المصري البارز.
3) مشروع مصر 20/30: هذا المشروع تم إنجاز عديد من جوانبه، ولكنه لم ينشر لاعتبارات سياسية؛ ومن ثم لا يمكن الحكم على المنتج النهائي له.
ثالثًا: الشراكات المستقبلية العربية:
يمكن إبداء عديد الملاحظات على إمكانية بناء هذه الشراكات، وذلك على النحو التالي:
1. غياب الإرادة السياسية العربية الساعية لشراكات مستقبلية مع مجموعات إقليمية ودولية.
2. إن الأطراف الإقليمية الكبرى من دول الجوار العربي (تركيا/ إيران/ إسرائيل) لديها تصورات وإستراتيجيات مستقبلية للتعامل مع العالم العربي؛ ومن ثم الحوار بناءً عليها، وليس بناءً على تصورات عربية لا تزال غائبة في هذا الصدد. من ناحية أخرى غالب هذه التصورات يراعي مصالح هذه الدول لا العالم العربي.
السؤال الذي نطرحه في هذا الإطار هو: لماذا لم تتحقق النتائج المرجوة من الدراسات والشراكات المستقبلية العربية؟
يبدو لي أن عدم تطور وتبلور نتائج متطورة للدراسات والشراكات العربية المستقبلية تعود إلى عدد من الأسباب التي يمكن طرحها فيما يلي:
1) فرع العلوم المستقبلية لا يزال وافدًا جديدًا لم يشتد عوده بعد؛ ومن ثم لم تتبلور وتترجم وتستهلك نظرياته ومفاهيمه وقواعده ومقارباته المنهجية إلى حد ما حتى هذه اللحظة؛ ومن ثم أثر ذلك على الممارسة البحثية في هذا الصدد، خاصة في ظل عديد الفجوات وعلى رأسها:
(أ) فجوة المعلومات والإحصائيات الدقيقة.
(ب) ضعف الطلب السياسي والاجتماعي والأكاديمي “,”العربي“,” على الدراسات المستقبلية.
2) إن الذين يطلبون الاستعانة بالدراسات المستقبلية من السلطات الرسمية غالبًا ما يستخدمونها في توشيج الخطاب السياسي السلطوي ببعض المؤشرات، والحديث عن المستقبل؛ للإيحاء بأن ثمة عمل كبير يجري حول مستقبل البلاد والمواطنين؛ ومن ثم يستخدم الدرس المستقبلي للتغطية على الواقع الفعلي المأزوم.
3) الموقف الأمني المتشدد إزاء حريات البحث الأكاديمي وحول المستقبليات، حيث تخشى السلطات من نشر الإحصائيات وتجلياتها في شكل سيناريوهات في ظل الأوضاع السياسية السائدة، لكن إمكانية اختراق البلاد وفق هذا المنظور الأمني المرعوب من المعرفة والشفافية، هو ما يؤدي إلى تعامل السلطات مع هذه الإحصائيات ونشرها بخوف وحساسية. إن العقبة الأمنية والنزعة السلطوية تشكلان جزءًا من أسباب إعاقة تطور الدراسات المستقبلية في مصر والعالم العربي.
هناك أسئلة أخرى نطرحها في هذا الإطار، وهي:
1) لماذا لا تتطور أو تنجح الدراسات المستقبلية حول العالم العربي وعلاقاته الإقليمية والدولية؟
2) هل تسعى فعلاً الدول العربية إلى عقد شراكات دولية وإقليمية مع دول تتفق مع سياساتها في منطقة تتسم بعدم اليقين والسيولة، وبعض موجات الفوضى؟
3) هل نحن أمام خطاب بحثي حول سيناريوهات المستقبل؟ أم إننا إزاء خطاب ماينبغيات أو أمنيات سياسية أو فكريه؟
4) هل يمكن بناء رؤى مستقبلية، وشراكات، في ظل صراعات سياسية ضارية إقليميًّا بين نخب جديدة صاعدة، ونخب أخرى تتآكل أو تحاول التكيف مع متغيرات جديدة كالانتفاضات الثورية الجديدة، ووصول بعض جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة؟
أسئلة تحتاج إلى إجابات.. قبل الحديث عن بناء شراكات مستقبلية بين الدول العربية ودول الجوار الجغرافي العربي، أو مع المجموعة الأوروبية. من ناحية أخرى هناك تجارب فشلت ولم تحقق أهدافها، سواء على مستوى بناء شراكات عربية - عربية، أو مع حالات أخرى على مستوى الدول العربية أو ما يطلق عليه الدولة القطرية، أو الدولة/ الأمة.
الخطابات الأكاديمية والبحثية عن المستقبل ومساراته وتحولاته هو خطاب غربي بامتياز، وهو تعبير عن تراكمات في البحث الاجتماعي، والعلوم الطبيعية والرياضيات على وجه التحديد.
نعم هو خطاب بحثي بامتياز، وإن كان ينطوي على طابع “,”نبوءاتي“,” أو رؤيوي“,” إذا جاز هذا التعبير وساغ.
لكن “,”الرؤيوية“,” و“,”النبؤية“,” ليست محض شطحات وأخْيلة أدبية وسردية، ولكنها تعتمد على بُنى معلوماتية، وتوقع لمآلاتها وتطوراتها الرقمية في حقل ما أو قطاع ما أو نسق ما، أو داخل مجموعة من الأنساق داخل دولةٍ ما، أو مجموعة دول أو داخل “,”نظام“,” إقليمي...الخ.
مع تيار العولمة الجارف باتت الدراسات المستقبلية محمولة على طابع وسمْتِ هذا التحول التاريخي والنوعي في تاريخ عصرنا.
منذ انتقال الدرس المستقبلي من مجال الأمنيات والأحلام والرؤى المجنحة والآمال المرتكزة عليها، إلى مجال الدرس الأكاديمي والمنهجي؛ بات الخطاب/ الدرس/ البحث حول المستقبل يتطور في عديد الحقول والمجالات مع تطور فروع المعرفة الأخرى، سواء في العلوم الاجتماعية والطبيعية، وكذلك مع تطور تقنيات الحاسوب وقفزاتها السريعة والنوعية منذ دراسات نادي روما ذائعة الصيت، والدرس/ الخطاب/ البحث المستقبلي، يتطور على المستوى البحثي والأكاديمي في المراكز البحثية الأكثر تطورًا في الولايات المتحدة وأوروبا. استند هذا التطور على تراكم البحوث الكمية والميدانية والإحصائية في العلوم الاجتماعية، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا التطور في المقاربة المنهجية المستقبلية ظلت جزءًا لا يتجزأ من تطورات المعرفة في الغرب، وامتدت بعض آثارها إلى الهند والصين واليابان وبعض الدول الصاعدة في جنوب العالم.
إن الحديث عن درس وبحث مستقبلي في عديد المجالات في الإطار العربي المشترك، أو الثنائي أو الثلاثي... الخ، لا يمكن ممارسته إلا من خلال معرفة تاريخ الدرس/ البحث/ الخطاب المستقبلي في عالمنا العربي، الذي لا تزال المعرفة البحثية عمومًا، والمنهجية خصوصًا، تعاني من مشكلات عسر الترجمة والاستعارة العلمية للنظريات والمناهج والمفاهيم والمصطلحات، وكذلك التمثيل والهضم المعرفي والثقافي. مشكلات معقدة ومتراكمة حول مدى استيعاب وأقلمة البُنى المعرفية، وحول مدى دقة تطبيقاتها على الواقع الموضوعي وتشكيلاته وظواهره وفاعليه، ومدى مجابهة تحدي الأقلمة وتطويع وتطوير المناهج وبُنى المصطلحات، على بيئات علمية تتسم بالتعقيد، وممارسات بحثية تعتورها مشكلات منهجية وتطبيقية.
من ناحية أخرى، البحوث والمعرفة في مجال العلوم الاجتماعية عانت الإهمال من القيود السلطوية المفروضة على الحريات الأكاديمية؛ ومن ثم على البحوث الاجتماعية، حينًا باسم السياسة أو الدين أو الأخلاق، وغيرها من منظومة التابوهات أو المحرمات التي يتخذها بعضهم سندًا لفرض الحظر على عديد من الممارسات البحثية، أو حرية نشرها أكاديميًّا أو على المجال البحثي، أو للجماعة الثقافية، أو السياسية.
بدأ الاهتمام بالدراسات المستقبلية من خلال نشر مؤلف الفن توفلر “,”صدمة المستقبل“,”. ذائع الصيت التي ترجم كجزء من منشورات مؤسسة فرانكلين للنشر، وكتب مقدمته باللغة العربية د. أحمد كمال أبو المجد.
لم يتجاوز الخطاب حول المستقبل العربي إلا بعض المقالات التبشيرية الأقرب إلى الموضة الفكرية، منها إلى الممارسة البحثية، والاستثناءات محدودة في هذا الصدد.
ثانيًا: تطور الخطاب حول المستقبل العربي:
يمكن القول إن البداية الحقيقية للخطاب المستقبلي في التقليد البحثي والثقافي العربي برزت مع بعض معاهد التخطيط في مصر، والكويت، وسواهما، والتي حاولت أن ترفد “,”التخطيط الرسمي“,” ببعض المعطيات البحثية والرقمية، بل وبعض الخيارات المطروحة أمام صانع القرار السياسي والتخطيطي والتنفيذي.
من هنا نستطيع القول إن بدايات الاهتمام بالبعد المستقبلي بدأت من خلال عمليات إعداد الخطط الخمسية والتأشيرية أيام التخطيط المركزي في نظم الاقتصاديات المخططة وأشباهها من النظم التي كان يطلق عليها مجازًا “,”بالاشتراكية العربية“,” أو نظم القطاع العام.
يمكن القول إن بعض الممارسات التبشيرية بالمستقبليات تمت في المغرب، ثم تحولت إلى مرحلة البحث من خلال عديد المشروعات الأساسية الأولية/ الأبتدائية، يمكن رصدهما فيما يلي:
1) مشروع مركز دراسات الوحدة العربية، الذي دار حول مستقبل النظام العالمي، ومستقبل النظام الإقليمي العربي، ثم حول مستقبل الصراع العربي/ الإسرائيلي، وحول الدولة في مصر، وفي المشرق العربي، وفي منطقة الخليج العربي، رغمًا عن أن التوجه المستقبلي كان أحد أبرز مرامي هذه الدراسات، إلا أن ثمة بعض الملاحظات الموضوعية يمكن إيجازها فيما يلي:
(أ) أنها اعتمدت مقاربات سكونية، ومع مادة تنظيرية سائدة في الكتابات العربية في موضوعها، وبعض الدراسات الغربية، الأمريكية/ البريطانية/ الفرنسية؛ من ثم تمثل في بعضها إعادة إنتاج لهذه الدراسات مجددًا.
(ب) الجانب الاستشرافي في هذه الدراسات سعى وراء استجلاء بعض وجوه المستقبل في موضوعاتها، ومن ثم اعتمدت هذه البحوث على منهجية بناء السيناريوهات، وهي ذات نزعة تأملية/ تخيلية إلى حد ما؛ ومن ثم لا يستند بعضها إلى معطيات رقمية وإحصائية ومعلوماتية تسمح ببناء السيناريوهات الموضوعية إلى حد ما وفي حدودها الدنيا.
(ت) من ناحية أخرى بعض هذه الدراسات اعتمدت على فرضيات تجاوزتها وقائع وتطورات النظام الدولي وعمليات العولمة، ومنها سقوط الحرب الباردة، ومن ثم سيناريوهاتها، مع انهيار الإمبراطورية الماركسية والسوفيتية، وكذا سقوط حائط برلين. من ثم انهيار السيناريوهات المحمولة على استمرار القطبية الثنائية عند قمة النظام الدولي.
نضيف إلى هذا المشروع، بعض المقالات التي كتبت على فترات حول الدرس المستقبلي، أو الأحرى الدرس حول المستقبليات التي نشرت بين الحين والآخر في مجلة المستقبل العربي، التي يصدرها مركز الوحدة العربية.
2) المشروع الثاني هو المستقبلات العربية البديلة: وراء هذا المشروع الأستاذ الكبير المرحوم الدكتور إسماعيل صبري عبد الله، وسعى هذا المشروع للبحث حول المستقبلات البديلة للمسارات العربية منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي. تناول هذا المشروع عديد الموضوعات الأساسية، على رأسها:
1. الاقتصاد والتنمية.
2. النظام الاجتماعي.
3. العمالة.
4. الثقافة والدين.
5. السينما.
وموضوعات أخرى.. وشارك في المشروع عديد الباحثين المرموقين، ويمكن إبداء بعض الملاحظات الأولية على مشروع منتدى العالم الثالث للمستقبلات العربية البديلة، وذلك على النحو التالي:
1) الاعتماد على مجموعة اقتراحات نظرية تستند على إمكاينة صناعة مستقبلات بديلة في عديد النظم والقطاعات العربية، لا سيما في مصر والمشرق العربي.
2) سيطرت الرؤى اليساروية والقومية على معالجات الباحثين، ولا تقدح هذه الملاحظة في عملهم البحثي، ولكنه انطوى على مضمرات ومقولات معلنة، أثرت على عملية بناء السيناريوهات أو السنارات المحتملة، وفق تعبير إسماعيل صبري عبد الله؛ ومن ثم أهملت بعض المتغيرات التي شملت النظام الدولي، وتفكك الإمبراطورية السوفيتية، ومن ثم انهيار القطبية الثنائية ونهاية الحرب الباردة، بكل انعكاسات ذلك على تخطيط البرامج البحثية وإستراتيجياتها وإدارتها؛ ومن ثم على السيناريوهات المحتملة.
أيًّا ما كان الأمر؛ إلا أن هذا المشروع، ومنتدى العالم الثالث، تراجع دوره بعد وفاة مؤسسه د. إسماعيل صبري عبد الله، المفكر المصري البارز.
3) مشروع مصر 20/30: هذا المشروع تم إنجاز عديد من جوانبه، ولكنه لم ينشر لاعتبارات سياسية؛ ومن ثم لا يمكن الحكم على المنتج النهائي له.
ثالثًا: الشراكات المستقبلية العربية:
يمكن إبداء عديد الملاحظات على إمكانية بناء هذه الشراكات، وذلك على النحو التالي:
1. غياب الإرادة السياسية العربية الساعية لشراكات مستقبلية مع مجموعات إقليمية ودولية.
2. إن الأطراف الإقليمية الكبرى من دول الجوار العربي (تركيا/ إيران/ إسرائيل) لديها تصورات وإستراتيجيات مستقبلية للتعامل مع العالم العربي؛ ومن ثم الحوار بناءً عليها، وليس بناءً على تصورات عربية لا تزال غائبة في هذا الصدد. من ناحية أخرى غالب هذه التصورات يراعي مصالح هذه الدول لا العالم العربي.
السؤال الذي نطرحه في هذا الإطار هو: لماذا لم تتحقق النتائج المرجوة من الدراسات والشراكات المستقبلية العربية؟
يبدو لي أن عدم تطور وتبلور نتائج متطورة للدراسات والشراكات العربية المستقبلية تعود إلى عدد من الأسباب التي يمكن طرحها فيما يلي:
1) فرع العلوم المستقبلية لا يزال وافدًا جديدًا لم يشتد عوده بعد؛ ومن ثم لم تتبلور وتترجم وتستهلك نظرياته ومفاهيمه وقواعده ومقارباته المنهجية إلى حد ما حتى هذه اللحظة؛ ومن ثم أثر ذلك على الممارسة البحثية في هذا الصدد، خاصة في ظل عديد الفجوات وعلى رأسها:
(أ) فجوة المعلومات والإحصائيات الدقيقة.
(ب) ضعف الطلب السياسي والاجتماعي والأكاديمي “,”العربي“,” على الدراسات المستقبلية.
2) إن الذين يطلبون الاستعانة بالدراسات المستقبلية من السلطات الرسمية غالبًا ما يستخدمونها في توشيج الخطاب السياسي السلطوي ببعض المؤشرات، والحديث عن المستقبل؛ للإيحاء بأن ثمة عمل كبير يجري حول مستقبل البلاد والمواطنين؛ ومن ثم يستخدم الدرس المستقبلي للتغطية على الواقع الفعلي المأزوم.
3) الموقف الأمني المتشدد إزاء حريات البحث الأكاديمي وحول المستقبليات، حيث تخشى السلطات من نشر الإحصائيات وتجلياتها في شكل سيناريوهات في ظل الأوضاع السياسية السائدة، لكن إمكانية اختراق البلاد وفق هذا المنظور الأمني المرعوب من المعرفة والشفافية، هو ما يؤدي إلى تعامل السلطات مع هذه الإحصائيات ونشرها بخوف وحساسية. إن العقبة الأمنية والنزعة السلطوية تشكلان جزءًا من أسباب إعاقة تطور الدراسات المستقبلية في مصر والعالم العربي.
هناك أسئلة أخرى نطرحها في هذا الإطار، وهي:
1) لماذا لا تتطور أو تنجح الدراسات المستقبلية حول العالم العربي وعلاقاته الإقليمية والدولية؟
2) هل تسعى فعلاً الدول العربية إلى عقد شراكات دولية وإقليمية مع دول تتفق مع سياساتها في منطقة تتسم بعدم اليقين والسيولة، وبعض موجات الفوضى؟
3) هل نحن أمام خطاب بحثي حول سيناريوهات المستقبل؟ أم إننا إزاء خطاب ماينبغيات أو أمنيات سياسية أو فكريه؟
4) هل يمكن بناء رؤى مستقبلية، وشراكات، في ظل صراعات سياسية ضارية إقليميًّا بين نخب جديدة صاعدة، ونخب أخرى تتآكل أو تحاول التكيف مع متغيرات جديدة كالانتفاضات الثورية الجديدة، ووصول بعض جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة؟
أسئلة تحتاج إلى إجابات.. قبل الحديث عن بناء شراكات مستقبلية بين الدول العربية ودول الجوار الجغرافي العربي، أو مع المجموعة الأوروبية. من ناحية أخرى هناك تجارب فشلت ولم تحقق أهدافها، سواء على مستوى بناء شراكات عربية - عربية، أو مع حالات أخرى على مستوى الدول العربية أو ما يطلق عليه الدولة القطرية، أو الدولة/ الأمة.