الشراكات المستقبلية العربية الدولية(3-3) نحو شراكات "عربية – دولية" في مجال البحث في المستقبليات
الأحد 29/ديسمبر/2013 - 01:11 م
بقلم: نبيل عبدالفتاح
مقدمات أولية
أولاً: ملاحظات على تعميمات حول تأسيس حقل جديد:
1- إن النظرة التاريخية والرصدية والتحليلية لبعض المقالات والبحوث حول المستقبليات تشير –وبجلاء- إلى أننا إزاء بعض الخطابات الأولية، والأحرى الابتدائية، والغائمة والتعريفية والتبسيطية بعلم المستقبليات، وهو ما يبدو من الإرهاصات الأولى وبعض الإشارات إلى التنبؤ الاجتماعي في بعض الدراسات السوسيولوجية الألمانية.
2- إن الخطاب حول المستقبليات لا يزال غائمًا ومراوغًا، بوصفها علمًا مستقلاًّ يتجاور ويتداخل في المقاربات والممارسة التحليلة مع عديد من فروع العلوم الاجتماعية. إن تكرار تداول بعض المصطلحات، والمقالات، بين الحين والآخر منذ ترجمة كتاب “,”صدمة المستقبل“,” لألفين توفلر ( Alvin Toffler )، الذي نشرته دار نشر فرانكلين بالعربية، تشير إلى أنها لا تزال في المرحلة التعريفية ببعض جوانب هذا العلم، الذي يحاول أن يمارس التنبؤ في ظل أوضاع عربية وعالمية/ معولمة، مترعة بالاضطرابات المالية والاقتصادية والسياسية والحروب، والنزاعات الأهلية، وأشكال من العنف المحمول على السند الديني والمذهبي والعرقي... الخ. مؤشرات وراء أخرى تعبر عن حالة من بعض السيولة، والفوضى المحكومة حينًا والمنفلتة نسبيًّا من حين لآخر، والأخطر عدم اليقين، الساكن فيما وراء الغموض السائد مصريًّا وفي بعض البلدان العربية.
3- إن عديد المقالات، والملفات، وبعض البحوث التطبيقية، اتخذت من المستقبل أيقونة ساحرة، وغامضة تشدُ البعض إلى السعي لاستجلاء بعض من ملامحها الغائمة والغامضة، إلا أنها تعيد إنتاج بعض التعريفات وحدود حقل العلم، وبعض من مفاهيمه ومجالاته، وتاريخ تشكل بداياته... الخ، ولا تتجاوز ذلك إلا قليلًا.
خطاب الأوليات، والبدايات، وبعض التطبيقات لم تتجاوز سوى خمس محاولات بحثية رئيسة يمكن رصدها فيما يلي:
1. ممارسات الباجواش الفكرية ومؤتمراته بالقاهرة.
2. مشروع صور المستقبل العربي الذي قام به مركز دراسات الوحدة العربية.
3. مشروع المستقبلات العربية البديلة، الذي أجراه مركز دراسات العالم الثالث بالقاهرة. بقيادة د. إسماعيل صبري عبد الله ود .إبراهيم سعد الدين.
4. مشروع 2020/ القاهرة/ مصر.
5. مشروع 20/30 مصر.
4- إن المشروعات البحثية السابقة السرد تحتاج إلى تقويمات موضوعية من حيث الأسئلة والفرضيات والإشكاليات البحثية، ومن حيث بنية المفاهيم والمصطلحات والمقارنات أو الآلة الأداتية للاقتراب المنهجي في هذا الصدد.
5- حتى هذه اللحظة لا توجد دراسات تقويمية لمجموعة البحوث السابقة، لا سيما أن بعض السيناريوهات أو الصور المستقبلية، التي قامت على مجموعة من الافتراضات، لم تصمد مع تحولات عصرنا العاصفة؛ ومن ثم تقوضت معالم الهندسة النظرية والتطبيقية والمعلوماتية التي أقيمت عليها هذه الدراسات التطبيقية للمستقبليات، ومنها:
(1) استمرارية النظام الدولي الثنائي القطبية؛ ومن ثم الكتلة الماركسية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية كقوتين أعظم عند قمة النظام.
(2) المشروعات التنموية البديلة ركزت على خيارات مختلفة عن الخصخصة، وسيادة المشروع الحرّ، ثم النيوليبرالية، ومن ثم دارت هذه المشروعات البديلة في مجال بعض الافتراضات الماركسية ودور قائد للدولة في الاقتصاد والأسواق، والتي أدى التطور المعاصر إلى انهيار الإمبراطورية السوفيتية؛ ومن ثم تراجع بعض الاقتصاديات المخططة مركزيًّا، ودور القطاع العام في عديد من البلدان.
6- لا شك أن مشروع المستقبلات العربية البديلة اتخذ مسارًا بحثيًّا لم يحالفه النجاح نظريًّا وتطبيقيًّا، من حيث بناء البدائل والسيناريوهات في بعض جوانبه، في ظل عالم معولم وسقوط الحواجز وبعض مكونات مفاهيم السياسة. من ناحية أخرى لا تزال بعض الغيوم تدور حول ظاهرة استعارة وترجمة المصطلحات وتوطينها بعد تعريبها في بنية العلوم الاجتماعية السائدة في الدرس والبحث الأكاديمي في عالمنا العربي.
7- ترتيبًا على الملاحظات آنفة السرد، نستطيع القول إن ثمة نقص واضح في بنية المناهج والمفاهيم السائدة داخل هذا الحقل العلمي الهام، واحتياج العالم العربي لتأسيس وتأصيل لأصول العلم وتطبيقاته، سواء في مجال التخطيط الإستراتيجي على التمايز بينه وبين المستقبليات، أو في بناء الخطط والسياسات وإستراتيجيات العمل في عديد فروع المعرفة وسياسات الحكم والدولة وأجهزتها على اختلافها.
8- ترتيبًا على ما سبق؛ تبدو ثمة حاجة موضوعية لإعداد إستراتيجية علمية حول الدراسات المستقبلية ترقى إلى توطين أو أقلمة هذه المنظومات العلمية والآلة النظرية والمفاهيمية والإجرائية في قلب الثقافة العربية عمومًا، والممارسة النظرية والبحثية في مجال العلوم الاجتماعية، وكذلك في إطار عملية التخطيط الإستراتيجي لقطاعات الدولة في البلدان العربية، بل ولدعم عملية اتخاذ القرار السياسي.
9- تهدف هذه الإستراتيجية لوصل ما انقطع بيننا وبين مصادر المعرفة في عالمنا،
لا سيما في دائرته الأكثر تطورًا في هذا الصدد، وترمي أيضًا إلى عديد من الأهداف الأخرى التي يمكن رصدها فيما يلي:
1) إعداد قاعدة علمية من الإنتاج البحثي والنظري والتطبيقي والتاريخي حول نشأة وتطورات الدرس والبحث الأكاديمي حول المستقبليات.
2) دراسات نقدية حول الدراسات والنظريات والمفاهيم والمقاربات السابقة، على المستوى المقارن والمستوى العربي، على قلّتها الكمية والتطبيقية.
3) وضع خريطة بمراكز البحث المعنية بالدراسات والتخطيط والإستراتيجيات المستقبلية وتخصصاتها.
4) خريطة بالهيئات والمراكز المعنية بدراسات المستقبل، بل والتخطيط الإستراتيجي والمستقبلي، وأهم مجالات عملها، وأهم إنجازاتها ومساهماتها المتميزة، وفي أي الحقول والقضايا والظواهر والموضوعات... الخ. بالإضافة إلى درس ظاهرة خلايا إدارة الأزمات، لا سيما في مجال الكوارث الإنسانية، والأزمات الأمنية والإرهابية، وفي مواجهة الأزمات الاقتصادية الكبرى.
5) إعداد برنامج علمي لإعداد وتكوين كوادر علمية في مجال البحث حول المستقبليات، وبناء إستراتيجيات حول عديد المجالات المحورية، ومنها -تمثيلاً لا حصرًا- ما يلي:
(أ) البحوث الخاصة بسياسات الأمن الداخلي المتغيرة في ضوء تحولات النظام الدولي المعولم.
(ب) مصادر تهديد الأمن في إطار تطور تكنولوجيات الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة.
(ج) قضايا الطاقة واقتصادياتها وتحولاتها المستقبلية وبدائلها، وإعداد برنامج للحصول على الماجستير والدكتوراه.
(د) مستقبل أزمة المياه في المنطقة العربية.
السؤال الذي نطرحه في هذا الصدد هو: هل الخطوات السابقة أساسية؟
الإجابة: نعم.. جهيرة في عملية تأسيس شراكات “,”عربية – عربية“,”، سواء على المستوى العربي كله، أو على المستوى البيني والثنائي. يمكن أيضًا أن تكون هذه المبادرة من قبل جامعة/ كلية/ مركز بحث، أو حتى بعض الجمعيات الأهلية في هذا الصدد.
لكن السؤال الذي يثار هنا: هل يمكن أن يكون إنشاء المركز العربي، أو كلية للمستقبليات، مدخلاً لشراكات مستقبلية مع بعض مراكز إنتاج المعرفة حول المستقبل؟ والسؤال لا يزال معلقًا، لكنني سوف أطرح بعض المقترحات في هذا الصدد، وذلك على النحو التالي في “,”ثانيًا“,”، في هذا المقال.
ثانيًا: تشبيكات عربية:
1. لا بد في المراحل الأولى صياغة وإنتاج تشبيكات بين مراكز البحث الأكاديمي حول المستقبليات، وفي هذا الإطار يمكن البدء بمبادرة من داخل بعض الكليات في جامعاتنا، أو المراكز التي بها؛ لعمل وحدة بحوث حول المستقبليات، ثم تتطور إلى مركز، ثم إلى كلية لدراسة المستقبليات، بكل مصادر التكوين العلمية الرئيسية المعروفة عالميًّا في هذا الصدد.
2. أن البدء من داخل بلد من بلدان العالم العربي من الأهمية بمكان، سواء أكان من داخل الأطر الرسمية، أو من خلال بعض الجمعيات، أو المنظمات الطوعية؛ كي تكون محفزات لصناع القرار السياسي أو التعليمي، بل والأمني، في إيلاء أهمية خاصة للدراسات المستقبلية في عديد المجالات؛ حتى يمكن دعم القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بها، وقرارات السياسة الخارجية؛ وذلك من خلال الدراسات العميقة حول المستقبل وسيناريوهاته المحتملة للعلاقات مع الدول والمجموعات الإقليمية ومنظماتها، بل والنظام الدولي وتحولاته.
ثالثًا: السعي لبناء شراكات دولية في مجال تأسيس ومأسسة البحث في المستقبليات:
يقوم هذا البحث المقترح على أن إمكانية بناء شراكات عربية جماعية من خلال مؤسسة الجامعة العربية، أو على نحو ثنائي أو ثلاثي... الخ –مجموعات عربية– مع بعض الكتل الدولية الكبرى، أو المجموعات الإقليمية لدول الجوار الجغرافي/ السياسي العربي.
يعتمد هذا المقترح على ما يلي:
1) إمكانية أن تتبنى جامعة الدول العربية لخطة لبناء شراكات مع منظمات إقليمية أو دولية، في نطاق التأسيس والتكوين والبحث والدرس المستقبلي، ومعرفة الخرائط الدولية لمراكز البحوث المستقبلية.
2) بناء روابط وتشبيكات عربية/أوروبية، ثم عربية/لاتينية، وعربية/آسيوية، وعربية/إفريقية مع المجموعة الإفريقية، أو بين المراكز بعضها بعضًا.
3) أن مداخل التعاون وبناء الشراكات الدولية في المجال العلمي والثقافي تبدو يسيرة إلى حد ما، في مجال بناء المؤسسات وتقديم الخبرات والمساعدات، أكثر من طلب المعونات وأشكال الدعم المالي. من ناحية أخرى لا يقتصر ذلك على المنظمات الدولية والإقليمية، وإنما المنظمات الطوعية العاملة في مجال البحث، خاصة تلك المعنية بنشر المعرفة داخل بعض الدول الميسورة في جنوب العالم. إن هدر الموارد، والفساد السياسي والأكاديمي أدى إلى صياغة صور نمطية غربية حول ضعف اهتمام النخبة السياسية الحاكمة في غالب البلدان العربية بالتعاون في مجال المعرفة والبحث، ولو في مراحل التأسيس، وتركيز اهتمامها ومصالحها بالدعم المالي، والمساعدات المالية أكثر من المساعدات الفنية والعلمية والتعاون الثقافي.
4) أن خبرة مبادرة «الشراكة الأورو-متوسطية»، ومبادرة «الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية»، رغم اهتمامهما بالبُعد الثقافي والتعليمي والتكويني؛ فإنهما لم تحققا الكثير في هذا المجال الهام. بل الأخطر الطابع الاستعراضي من بعض الحكومات الغربية في التعامل مع كلتا المبادرتين، حتى تلك التي تمت مع الدول العربية جنوب المتوسط.
5) ثمة إمكانية للفكر والحركة؛ للعمل على عديد المستويات في هذا الإطار، والانفتاح على مراكز بحث ومجمعات للتجارب والخبرات في مجال الدراسات المستقبلية، والتخطيط المستقبلي، لا سيما مع تركيا، وإيران وسنغافورة وماليزيا والصين واليابان والأرجنتين والبرازيل.
في هذا الإطار يمكن اقتراح مبادرة لبناء شراكات دولية في هذا الصدد؛ وهو ما سوف نتناوله في «رابعًا» من هذا المقال الوجيز.
رابعًا: شراكات.. شراكات
1- يمكن للجهات المهتمة بالدراسات المستقبلية أن تقدم مقترحًا للقمة العربية القادمة؛ بتخصيص بعض الدعم لإنشاء مركز عربي للدراسات المستقبلية، يمكن أن يتطور إلى مؤسسة عربية للمستقبليات. أو تتبنى بعض الدول العربية الميسورة هذا المقترح ودعمه ماليًّا لكي يتأسس ويشتد عوده.
2- يمكن أن تتخصص بعض المراكز العربية في دراسة وتحليل السيناريوهات المستقبلية في كل منطقة أو دائرة، ومنها مثلًا السودان/ إفريقيا وحوض النيل، وتونس والجزائر والمغرب مع المجموعة الأوروبية شمال المتوسط، وهكذا..
3- الحوار؛ لبناء شراكة مع تركيا وماليزيا وسنغافوره والصين واليابان في مجال بحوث المستقبل.
4- البدء بمشروعات بحثية مستقبلية مشتركة حول دراسات مواجهة الإرهاب، والجريمة المنظمة.
5- إنشاء بنك معلومات حول الدراسات المستقبلية في مجالات الخرائط الجديدة لأنماط الجريمة والمجرمين، وتكنولوجيا الإرهاب وسياساته وإستراتيجياته.
6- التشبيكات العولمية، في مجال حركات العنف أيًّا كانت أيديولوجياته ومجالات نشاطها.
7- عمل قاموس عربي/ أجنبي عن المستقبليات والعلوم الإستراتيجية.
ترتيبًا على ذلك يمكن البدء، من خلال مبادرة من الجامعة العربية أو أية جامعة عربية، في البدء بإنشاء الشبكة العربية للعلوم المستقبلية.
إن الشراكة العلمية في التأسيس، وبناء بنك معلومات، وتكوين كادرات عربية حول المستقبليات، تمثل مقدمة أساسية في هذا الإطار؛ للدخول في قلب هذا العلم، والممارسة المنهجية والإبداعية الخلاقة في إطاره.
أولاً: ملاحظات على تعميمات حول تأسيس حقل جديد:
1- إن النظرة التاريخية والرصدية والتحليلية لبعض المقالات والبحوث حول المستقبليات تشير –وبجلاء- إلى أننا إزاء بعض الخطابات الأولية، والأحرى الابتدائية، والغائمة والتعريفية والتبسيطية بعلم المستقبليات، وهو ما يبدو من الإرهاصات الأولى وبعض الإشارات إلى التنبؤ الاجتماعي في بعض الدراسات السوسيولوجية الألمانية.
2- إن الخطاب حول المستقبليات لا يزال غائمًا ومراوغًا، بوصفها علمًا مستقلاًّ يتجاور ويتداخل في المقاربات والممارسة التحليلة مع عديد من فروع العلوم الاجتماعية. إن تكرار تداول بعض المصطلحات، والمقالات، بين الحين والآخر منذ ترجمة كتاب “,”صدمة المستقبل“,” لألفين توفلر ( Alvin Toffler )، الذي نشرته دار نشر فرانكلين بالعربية، تشير إلى أنها لا تزال في المرحلة التعريفية ببعض جوانب هذا العلم، الذي يحاول أن يمارس التنبؤ في ظل أوضاع عربية وعالمية/ معولمة، مترعة بالاضطرابات المالية والاقتصادية والسياسية والحروب، والنزاعات الأهلية، وأشكال من العنف المحمول على السند الديني والمذهبي والعرقي... الخ. مؤشرات وراء أخرى تعبر عن حالة من بعض السيولة، والفوضى المحكومة حينًا والمنفلتة نسبيًّا من حين لآخر، والأخطر عدم اليقين، الساكن فيما وراء الغموض السائد مصريًّا وفي بعض البلدان العربية.
3- إن عديد المقالات، والملفات، وبعض البحوث التطبيقية، اتخذت من المستقبل أيقونة ساحرة، وغامضة تشدُ البعض إلى السعي لاستجلاء بعض من ملامحها الغائمة والغامضة، إلا أنها تعيد إنتاج بعض التعريفات وحدود حقل العلم، وبعض من مفاهيمه ومجالاته، وتاريخ تشكل بداياته... الخ، ولا تتجاوز ذلك إلا قليلًا.
خطاب الأوليات، والبدايات، وبعض التطبيقات لم تتجاوز سوى خمس محاولات بحثية رئيسة يمكن رصدها فيما يلي:
1. ممارسات الباجواش الفكرية ومؤتمراته بالقاهرة.
2. مشروع صور المستقبل العربي الذي قام به مركز دراسات الوحدة العربية.
3. مشروع المستقبلات العربية البديلة، الذي أجراه مركز دراسات العالم الثالث بالقاهرة. بقيادة د. إسماعيل صبري عبد الله ود .إبراهيم سعد الدين.
4. مشروع 2020/ القاهرة/ مصر.
5. مشروع 20/30 مصر.
4- إن المشروعات البحثية السابقة السرد تحتاج إلى تقويمات موضوعية من حيث الأسئلة والفرضيات والإشكاليات البحثية، ومن حيث بنية المفاهيم والمصطلحات والمقارنات أو الآلة الأداتية للاقتراب المنهجي في هذا الصدد.
5- حتى هذه اللحظة لا توجد دراسات تقويمية لمجموعة البحوث السابقة، لا سيما أن بعض السيناريوهات أو الصور المستقبلية، التي قامت على مجموعة من الافتراضات، لم تصمد مع تحولات عصرنا العاصفة؛ ومن ثم تقوضت معالم الهندسة النظرية والتطبيقية والمعلوماتية التي أقيمت عليها هذه الدراسات التطبيقية للمستقبليات، ومنها:
(1) استمرارية النظام الدولي الثنائي القطبية؛ ومن ثم الكتلة الماركسية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية كقوتين أعظم عند قمة النظام.
(2) المشروعات التنموية البديلة ركزت على خيارات مختلفة عن الخصخصة، وسيادة المشروع الحرّ، ثم النيوليبرالية، ومن ثم دارت هذه المشروعات البديلة في مجال بعض الافتراضات الماركسية ودور قائد للدولة في الاقتصاد والأسواق، والتي أدى التطور المعاصر إلى انهيار الإمبراطورية السوفيتية؛ ومن ثم تراجع بعض الاقتصاديات المخططة مركزيًّا، ودور القطاع العام في عديد من البلدان.
6- لا شك أن مشروع المستقبلات العربية البديلة اتخذ مسارًا بحثيًّا لم يحالفه النجاح نظريًّا وتطبيقيًّا، من حيث بناء البدائل والسيناريوهات في بعض جوانبه، في ظل عالم معولم وسقوط الحواجز وبعض مكونات مفاهيم السياسة. من ناحية أخرى لا تزال بعض الغيوم تدور حول ظاهرة استعارة وترجمة المصطلحات وتوطينها بعد تعريبها في بنية العلوم الاجتماعية السائدة في الدرس والبحث الأكاديمي في عالمنا العربي.
7- ترتيبًا على الملاحظات آنفة السرد، نستطيع القول إن ثمة نقص واضح في بنية المناهج والمفاهيم السائدة داخل هذا الحقل العلمي الهام، واحتياج العالم العربي لتأسيس وتأصيل لأصول العلم وتطبيقاته، سواء في مجال التخطيط الإستراتيجي على التمايز بينه وبين المستقبليات، أو في بناء الخطط والسياسات وإستراتيجيات العمل في عديد فروع المعرفة وسياسات الحكم والدولة وأجهزتها على اختلافها.
8- ترتيبًا على ما سبق؛ تبدو ثمة حاجة موضوعية لإعداد إستراتيجية علمية حول الدراسات المستقبلية ترقى إلى توطين أو أقلمة هذه المنظومات العلمية والآلة النظرية والمفاهيمية والإجرائية في قلب الثقافة العربية عمومًا، والممارسة النظرية والبحثية في مجال العلوم الاجتماعية، وكذلك في إطار عملية التخطيط الإستراتيجي لقطاعات الدولة في البلدان العربية، بل ولدعم عملية اتخاذ القرار السياسي.
9- تهدف هذه الإستراتيجية لوصل ما انقطع بيننا وبين مصادر المعرفة في عالمنا،
لا سيما في دائرته الأكثر تطورًا في هذا الصدد، وترمي أيضًا إلى عديد من الأهداف الأخرى التي يمكن رصدها فيما يلي:
1) إعداد قاعدة علمية من الإنتاج البحثي والنظري والتطبيقي والتاريخي حول نشأة وتطورات الدرس والبحث الأكاديمي حول المستقبليات.
2) دراسات نقدية حول الدراسات والنظريات والمفاهيم والمقاربات السابقة، على المستوى المقارن والمستوى العربي، على قلّتها الكمية والتطبيقية.
3) وضع خريطة بمراكز البحث المعنية بالدراسات والتخطيط والإستراتيجيات المستقبلية وتخصصاتها.
4) خريطة بالهيئات والمراكز المعنية بدراسات المستقبل، بل والتخطيط الإستراتيجي والمستقبلي، وأهم مجالات عملها، وأهم إنجازاتها ومساهماتها المتميزة، وفي أي الحقول والقضايا والظواهر والموضوعات... الخ. بالإضافة إلى درس ظاهرة خلايا إدارة الأزمات، لا سيما في مجال الكوارث الإنسانية، والأزمات الأمنية والإرهابية، وفي مواجهة الأزمات الاقتصادية الكبرى.
5) إعداد برنامج علمي لإعداد وتكوين كوادر علمية في مجال البحث حول المستقبليات، وبناء إستراتيجيات حول عديد المجالات المحورية، ومنها -تمثيلاً لا حصرًا- ما يلي:
(أ) البحوث الخاصة بسياسات الأمن الداخلي المتغيرة في ضوء تحولات النظام الدولي المعولم.
(ب) مصادر تهديد الأمن في إطار تطور تكنولوجيات الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة.
(ج) قضايا الطاقة واقتصادياتها وتحولاتها المستقبلية وبدائلها، وإعداد برنامج للحصول على الماجستير والدكتوراه.
(د) مستقبل أزمة المياه في المنطقة العربية.
السؤال الذي نطرحه في هذا الصدد هو: هل الخطوات السابقة أساسية؟
الإجابة: نعم.. جهيرة في عملية تأسيس شراكات “,”عربية – عربية“,”، سواء على المستوى العربي كله، أو على المستوى البيني والثنائي. يمكن أيضًا أن تكون هذه المبادرة من قبل جامعة/ كلية/ مركز بحث، أو حتى بعض الجمعيات الأهلية في هذا الصدد.
لكن السؤال الذي يثار هنا: هل يمكن أن يكون إنشاء المركز العربي، أو كلية للمستقبليات، مدخلاً لشراكات مستقبلية مع بعض مراكز إنتاج المعرفة حول المستقبل؟ والسؤال لا يزال معلقًا، لكنني سوف أطرح بعض المقترحات في هذا الصدد، وذلك على النحو التالي في “,”ثانيًا“,”، في هذا المقال.
ثانيًا: تشبيكات عربية:
1. لا بد في المراحل الأولى صياغة وإنتاج تشبيكات بين مراكز البحث الأكاديمي حول المستقبليات، وفي هذا الإطار يمكن البدء بمبادرة من داخل بعض الكليات في جامعاتنا، أو المراكز التي بها؛ لعمل وحدة بحوث حول المستقبليات، ثم تتطور إلى مركز، ثم إلى كلية لدراسة المستقبليات، بكل مصادر التكوين العلمية الرئيسية المعروفة عالميًّا في هذا الصدد.
2. أن البدء من داخل بلد من بلدان العالم العربي من الأهمية بمكان، سواء أكان من داخل الأطر الرسمية، أو من خلال بعض الجمعيات، أو المنظمات الطوعية؛ كي تكون محفزات لصناع القرار السياسي أو التعليمي، بل والأمني، في إيلاء أهمية خاصة للدراسات المستقبلية في عديد المجالات؛ حتى يمكن دعم القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بها، وقرارات السياسة الخارجية؛ وذلك من خلال الدراسات العميقة حول المستقبل وسيناريوهاته المحتملة للعلاقات مع الدول والمجموعات الإقليمية ومنظماتها، بل والنظام الدولي وتحولاته.
ثالثًا: السعي لبناء شراكات دولية في مجال تأسيس ومأسسة البحث في المستقبليات:
يقوم هذا البحث المقترح على أن إمكانية بناء شراكات عربية جماعية من خلال مؤسسة الجامعة العربية، أو على نحو ثنائي أو ثلاثي... الخ –مجموعات عربية– مع بعض الكتل الدولية الكبرى، أو المجموعات الإقليمية لدول الجوار الجغرافي/ السياسي العربي.
يعتمد هذا المقترح على ما يلي:
1) إمكانية أن تتبنى جامعة الدول العربية لخطة لبناء شراكات مع منظمات إقليمية أو دولية، في نطاق التأسيس والتكوين والبحث والدرس المستقبلي، ومعرفة الخرائط الدولية لمراكز البحوث المستقبلية.
2) بناء روابط وتشبيكات عربية/أوروبية، ثم عربية/لاتينية، وعربية/آسيوية، وعربية/إفريقية مع المجموعة الإفريقية، أو بين المراكز بعضها بعضًا.
3) أن مداخل التعاون وبناء الشراكات الدولية في المجال العلمي والثقافي تبدو يسيرة إلى حد ما، في مجال بناء المؤسسات وتقديم الخبرات والمساعدات، أكثر من طلب المعونات وأشكال الدعم المالي. من ناحية أخرى لا يقتصر ذلك على المنظمات الدولية والإقليمية، وإنما المنظمات الطوعية العاملة في مجال البحث، خاصة تلك المعنية بنشر المعرفة داخل بعض الدول الميسورة في جنوب العالم. إن هدر الموارد، والفساد السياسي والأكاديمي أدى إلى صياغة صور نمطية غربية حول ضعف اهتمام النخبة السياسية الحاكمة في غالب البلدان العربية بالتعاون في مجال المعرفة والبحث، ولو في مراحل التأسيس، وتركيز اهتمامها ومصالحها بالدعم المالي، والمساعدات المالية أكثر من المساعدات الفنية والعلمية والتعاون الثقافي.
4) أن خبرة مبادرة «الشراكة الأورو-متوسطية»، ومبادرة «الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية»، رغم اهتمامهما بالبُعد الثقافي والتعليمي والتكويني؛ فإنهما لم تحققا الكثير في هذا المجال الهام. بل الأخطر الطابع الاستعراضي من بعض الحكومات الغربية في التعامل مع كلتا المبادرتين، حتى تلك التي تمت مع الدول العربية جنوب المتوسط.
5) ثمة إمكانية للفكر والحركة؛ للعمل على عديد المستويات في هذا الإطار، والانفتاح على مراكز بحث ومجمعات للتجارب والخبرات في مجال الدراسات المستقبلية، والتخطيط المستقبلي، لا سيما مع تركيا، وإيران وسنغافورة وماليزيا والصين واليابان والأرجنتين والبرازيل.
في هذا الإطار يمكن اقتراح مبادرة لبناء شراكات دولية في هذا الصدد؛ وهو ما سوف نتناوله في «رابعًا» من هذا المقال الوجيز.
رابعًا: شراكات.. شراكات
1- يمكن للجهات المهتمة بالدراسات المستقبلية أن تقدم مقترحًا للقمة العربية القادمة؛ بتخصيص بعض الدعم لإنشاء مركز عربي للدراسات المستقبلية، يمكن أن يتطور إلى مؤسسة عربية للمستقبليات. أو تتبنى بعض الدول العربية الميسورة هذا المقترح ودعمه ماليًّا لكي يتأسس ويشتد عوده.
2- يمكن أن تتخصص بعض المراكز العربية في دراسة وتحليل السيناريوهات المستقبلية في كل منطقة أو دائرة، ومنها مثلًا السودان/ إفريقيا وحوض النيل، وتونس والجزائر والمغرب مع المجموعة الأوروبية شمال المتوسط، وهكذا..
3- الحوار؛ لبناء شراكة مع تركيا وماليزيا وسنغافوره والصين واليابان في مجال بحوث المستقبل.
4- البدء بمشروعات بحثية مستقبلية مشتركة حول دراسات مواجهة الإرهاب، والجريمة المنظمة.
5- إنشاء بنك معلومات حول الدراسات المستقبلية في مجالات الخرائط الجديدة لأنماط الجريمة والمجرمين، وتكنولوجيا الإرهاب وسياساته وإستراتيجياته.
6- التشبيكات العولمية، في مجال حركات العنف أيًّا كانت أيديولوجياته ومجالات نشاطها.
7- عمل قاموس عربي/ أجنبي عن المستقبليات والعلوم الإستراتيجية.
ترتيبًا على ذلك يمكن البدء، من خلال مبادرة من الجامعة العربية أو أية جامعة عربية، في البدء بإنشاء الشبكة العربية للعلوم المستقبلية.
إن الشراكة العلمية في التأسيس، وبناء بنك معلومات، وتكوين كادرات عربية حول المستقبليات، تمثل مقدمة أساسية في هذا الإطار؛ للدخول في قلب هذا العلم، والممارسة المنهجية والإبداعية الخلاقة في إطاره.