المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ساعة الحقيقة

الخميس 12/يونيو/2014 - 11:36 ص
لم تعد الأقنعة والمكياج السياسى واللغة الفارغة وإيقاعات الطبول حول مصر وتاريخها وإنجازاتها وريادتها مقبولة فى المرحلة المقبلة، وإنما المطلوب هو سياسة مواجهة الشخصية القومية، والانسان المصرى بالحقائق الصادمة حول سلبياتنا المختلفة، من شيوع ثقافة المداراة والكذب والخداع وضعف وازع المسئولية، وتمثيل العمل وليس النهوض به كما وكيفاً، وبعض من الفهلوة والادعاء.. 
لم يعد مقبولاً سماع خطاب المديح الذاعق، واعتبار أن مصر أم الدنيا، وتاريخها الطويل، والحديث حول الحضارة المصرية وبعض الأوهام التى تشاع حولها، والمغالطات والأكاذيب والشعارات التى تكشف عن مرض مصرى عضال هو التيه بالذات والافتخار بها، بينما تبدو حياتنا اليومية نقيضة لشعارات الفخار، حيث تغيب عنها الصناعات والإنتاج المصرى فى السلع، ويسيطر علينا الإنتاج الصينى من الهواتف النقالة، إلى نظام الزى للرجال والنساء والأطفال، وتغييرات الألوان والتصميمات طيلة فصول السنة. الحياة المصرية باتت صناعة صينية.
والذى تعكسه ظواهر «صيننة» مصر، وكثير من وجوه عالمنا، أن قدراتنا على الإبداع والإنتاج التقني، وفى حياتنا تراجعت بعد صحوة الستينيات ومشروع التنمية الذى تحطم مع هزيمة يونيو وسياسات الباب المفتوح، التى كسرت مفاهيم الإرادة الوطنية المستقلة، والتوق المصرى التاريخى للحضور فى قلب تفاعلات العالم وإبداعاته، فى العلم والتكنولوجيا وإنتاج المعرفة، ومواجهة التحديات العلمية، وفى مواجهة تطور الدولة الإسرائيلية على الصعيدين العلمى والعسكري.. الخ.
إنها لحظة الحقيقة.. الاعتراف بتراجعنا وبكسلنا التاريخى والركود الاجتماعي، والتحطيم الذاتى للمواهب والكفاءات الصاعدة فى غالب قطاعات ومستويات الحياة.
هل تكره الدولة والنظام التسلطى المواهب؟ هل الإبداع يؤدى إلى الخوف والقلق والذعر من إمبراطورية التفاهة والأذى المسيطرة على مقاليد الدولة وأجهزتها، والتى تعتبر المواهب خصمها الرئيسى، وعدوها اللدود والتى تعبئ قدراتها فى إنتاج الإعاقات البيروقراطية، لكسر إرادة التغيير التى يرفع لواءها الموهوبون؟.
لابد أن نواجه لغة وخطاب الانشاء المفرط فى عموميته وضبابية وغموضه فى المدرسة، والجامعة، والصحف وأجهزة الإعلام والسياسة والأحزاب الفارغة! إنها اللغة العمياء التى لا تؤدى إلا لإنتاج فراغها المقيم، وتشيع إحساسا عارما بالإنجاز الكاذب، أو لغة التبرير التى تحاول الهروب من المسئولية عن العجز وعدم الإنجاز.
هل تستمر ظاهرة الأبوية السياسية تسيطر على النخبة الهرمة، وسعيها الأنانى للحجر على الأجيال الشابة الجديدة واحتوائها وقمعها واستبعاد الأذكياء والأكفاء بينهم لمصلحة سياسة تجنيد الموالين والمحاسيب وأبناء النخب والعائلات الحاكمة؟ هل يستمر نظام التجنيد للنخبة ومعاييره المتهالكة؟ هل تستمر سياسة توريث المهن والوظائف؟ هل مستوى الرأسمال الثقافى والخبراتى للنخب الطافحة على سطح حياتنا الإعلامية والسياسية يؤهلنا للخروج من النفق المظلم لجمهورية التفاهة السياسية، وهتافاتها وجهل أعضائها بما يحدث فى عالمنا المعولم من تطور فى الأفكار والمعارف والسياسات والتقنيات، بل وبما يحدث من تحولات فى تركيبة مجتمعنا؟ هل نستمر وبصراحة عالة على الإعانات العربية من الدول الشقيقة؟ هل يؤدى ذلك إلى امتلاكنا لإرادتنا السياسية المستقلة التى يجب أن تعتمد على قدراتنا الذاتية، وإبداعاتنا، وعودتنا إلى العمل الجاد والكفء فى جميع المجالات؟
هل يمكن أن تتطور حياتنا فى ظل إهمال دور المرأة المصرية المتنامى فى المجال العام؟ هل تستمر الذكورية السياسية والدينية فى الدولة والنظام والنخبة ورجال الدين عائقاً فى إصلاح أوضاع المرأة الاجتماعية والسياسية والقانونية؟ هل يمكن أن نتطور إلى الأمام ونبدع ونكتشف وننتج ونتحرك لمواجهة تحديات عصرنا العاتية، دون حريات للفكر والإبداع والنقد، وحرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية؟ كيف نتقدم ولا نزال نحمل فى جوانحنا ثقافة الكراهية وازدراء الآخر الدينى أو المذهبي؟ هل يمكن أن يحدث تصالح مع أنفسنا دون أن نتحرر من الصور الذهنية المغلوطة عن أنفسنا وعن الآخرين؟ هل نستطيع التحرك نحو الديمقراطية ودولة القانون والحق والحريات العامة والخاصة، ونحن لا نزال مهجوسين إلى درجة الجنون بنظرية وفكر المؤامرة الدائمة على مصر والمصريين؟ هل خروج بعض الجماعات أو الأفكار أو احتجاجها أو رفضها لبعض الأفكار والسياسات، يعنى أننا إزاء مؤامرة ومتآمرين علينا ومن داخلنا؟.
قد توجد مؤامرة فى الحياة، لكن ليست الحياة عالماً من المؤامرات بلا حدود، وتجاهنا نحن من دون عباد الله.. خلق الله..هل نظمنا التعليمية وسياساتها ومناهجها الحالية بكل تخلفها ورداءتها ومخرجاتها من الجهلاء الجدد، يمكن أن تساعد على حركتنا نحو كسر معتقلات التخلف السياسى والعلمى والاجتماعي؟ أم أن التعليم الردئ هو الحارس الأكبر لمعتقلات العقل والروح والضمير؟.
تفصيلات حياتنا، ولغتنا، وتصوراتنا عن أنفسنا وعن الآخرين وادعاءاتنا وأكاذيبنا عقبات أمام تحررنا من الذات «الفردية»، إلى تحرر ذاتنا الجماعية من الأوهام، وها هى ساعة الحقيقة نواجهها، لأننا لن نتقدم دونما خروج من فضاءات الأوهام إلى فضاءات الحقيقة الصادمة والشفافة والحارقة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟