المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
عفاف ممدوح
عفاف ممدوح

حرب السودان المنسية .. التداعيات ومسارات التسوية

الأحد 29/ديسمبر/2024 - 03:41 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

تعد الحرب الأهلية التى اندلعت في السودان قبل أكثر من عام تحديداً في في 15 أبريل 2023 واحدة من أكثر الصراعات التى خلفت وراءها آثار كارثية فقد أسفرت الحرب عن قتلى ودماراً كبيراً وخسائر فادحة وعمليات اغتصاب وقتل تجويع بالإضافة إلي نزوح نحو ثمانية ملايين شخص من العاصمة الخرطوم مما أدى إلى ظهور أسوأ أزمة نزوح في العالم، كما قد فر ما يقرب من مليوني نازح سوداني إلى مناطق غير مستقرة في دول الجوار كتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان هرباً من القتال، هذا بالإضافة إلي أعتماد ما يقارب من نحو 25 مليون شخص آخر على المساعدات الإنسانية لمجرد البقاء على قيد الحياة، فقد أسفر عام كامل من الصراع في السودان إلى إدخال البلاد في أزمة إنسانية كارثية تهدد حياة وسلامة ومستقبل الملايين من الأطفال والأسر، ولكن مع سيطرة الحرب في غزة وغيرها من الأحداث على الأخبار لا تحظى الأزمة الإنسانية في السودان بالتغطية الكافية .

     فالحرب في السودان تعد في المقام الأول صراع على السلطة، ففي السنوات الأخيرة من حكمه حاول الرئيس السابق عمر البشير تحصين نظامه من الانقلابات العسكرية عبر تدعيم قوات الدعم السريع وهي قوة شبه عسكرية قادرة على حماية الرئيس من أقرب منافسيه وقد جاء صعود قوات الدعم السريع المفاجئ إلى السلطة عندما انقلب زعيمها محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي على راعيه السابق وتآمر مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للإطاحة بالبشير وتشكيل المجلس العسكري في عام 2019 وفي نهاية المطاف حطمت قوات الدعم السريع الآمال في حدوث انتقال ديمقراطي منظم وبدلاً من ذلك زرعت بذور حرب أهلية جذبت العديد من الميليشيات والجماعات المتمردة.(1)

تطور الحرب السودانية

     كان اندلاع الصراع في 15 أبريل 2023 بمثابة محاولة انقلاب تقليدية وذلك حينما استولى أعضاء قوات الدعم السريع شبه العسكرية على القصر الرئاسي وغيره من البنية التحتية الرئيسية للنقل والاتصالات في جميع أنحاء الخرطوم فيما دافعت القوات المسلحة السودانية بشراسة عن مقر القيادة العامة واستخدمت تفوقها الجوي لقصف مواقع قوات الدعم السريع مما أجبر عناصرها على استخدام المواقع المدنية كمخابئ وبدء صراع طويل الأمد في شوارع العاصمة الخرطوم، فعندما سقطت قاعدة الفيلق الاستراتيجي للقوات المسلحة السودانية في وسط الخرطوم في أيدي قوات الدعم السريع في 30 مايو، تمكنت قوات حميدتي في نهاية المطاف من خنق طرق إمداد القوات المسلحة السودانية بعد طردها من معظم المواقع العسكرية بما في ذلك مجمع اليرموك العسكري ومقر الشرطة الاحتياطي المركزي ففد وجدت القوات المسلحة السودانية نفسها تعتمد في المقام الأول على الحرب الجوية وتواجه سلسلة من الانتكاسات وعلى النقيض من ذلك، تمكنت قوات الدعم السريع التي نمت في عهد البشير لتعمل كقوات مشاة سودانية من التقدم في مدينتي أم درمان وبحري المجاورتين للخرطوم.

     وبشكل عام أظهرت قوات الدعم السريع قدرة أعلى على الحركة باستخدام شاحناتها الصغيرة والمدافع الرشاشة المضادة للطائرات مما يثبت أن إمدادات القوات المسلحة السودانية من المعدات العسكرية الثقيلة غير فعالة في حرب المدن، وبعد أن أطبقت قوات الدعم السريع على قاعدة المدرعات في جنوب الخرطوم والتي قاد منها الضباط الانقلابات العسكرية في السودان أصدرت القوات المسلحة السودانية دعوة للتعبئة العامة، في البداية، لم يدعم القوات المسلحة السودانية سوى أعضاء من قوات الدفاع الشعبي والميليشيا الإسلامية الموالية للحكومة، فقد كانت الجهات السياسية الفاعلة الأخرى حذرة بشأن التحالف مع القوات المسلحة السودانية حيث أصبحت قوات الدعم السريع هي صاحبة اليد العليا بسبب تلقيها الدعم من قوات درع السودان وجماعة تمازج المسلحة والعديد من الميليشيات الأخري .

     وبحلول نهاية عام 2023 وسعت قوات الدعم السريع سيطرتها على المحليات القريبة من ولاية الجزيرة في الخرطوم والتي سيطرت عليها في منتصف ديسمبر مما أسفر عن حالة من العنف الانتقامي الذي شنته قوات الدعم السريع ضد السكان، وقد أدى ذلك إلى نشر الخوف في الولايات والمجتمعات المحلية المتبقية التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، ورداً على تقدم قوات الدعم السريع جددت القوات المسلحة السودانية الدعوة إلي التعبئة العامة وفي الأخير استطاعت القوات المسلحة السودانية تحقيق مكاسب إقليمية كبيرة في الخرطوم واستولت على أم درمان وقد اجتذبت الانتصارات الأخيرة التي حققتها القوات المسلحة السودانية في أم درمان الدعم من المواطنين والمتطوعين، وخارج الخرطوم وجهت قوات الدعم السريع اهتمامها إلى دارفور مهد قوات الدعم السريع حيث أصبح الصراع بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية متشابكاً ومعقدا، كما شكل موقع منطقة كردفان الاستراتيجي بين دارفور والمنطقة الوسطى بما في ذلك الخرطوم نقطة محورية للأطراف المتحاربة التي تسعى إلى السيطرة على الموارد الحيوية وطرق الإمداد وبذلك فقد اتسعت رقعة الحرب بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة لتشمل اكثر من 70 بالمئة من مساحة البلاد، حيث انتقل القتال من الخرطوم إلى دارفور وكردفان في الغرب والنيل الأبيض في الجنوب وولايتي الجزيرة وسنار في الوسط والجنوب الغربي.(2)

محاولات تسوية الحرب السودانية

     مع استمرار الحرب في السودان لما تجاوز العام يظل احتمال التوصل إلى تسوية سياسية قاتماً حيث فشلت المبادرات الإقليمية والدولية في وقف الحرب فمنذ اندلاع النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بذلت العديد من القوى الإقليمية والدولية جهود وساطة لإقناع الأطراف المتحاربة بالاتفاق على مسار سياسي لإنهاء الصراع، ومع ذلك لم يتم تحقيق أي نجاح يذكر ففي 6 مايو 2023 طرحت السعودية والولايات المتحدة مبادرة سلام في جدة كأول محاولة جادة لإنهاء القتال في السودان والتي عرفت فيما بعد بمنصة جدة للمفاوضات .

     وفي وقت لاحق من مايو من العام 2023 وقع الطرفان المتحاربان على اتفاق السلام وهو إعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان وتوصل إلى وقف إطلاق نار قصير المدى لتسهيل المساعدة الإنسانية الطارئة إلا أن المبادرة فشلت في التوصل إلى اتفاق سلام شامل ولتعزيز الحوار بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تبنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) وهي تكتل يضم دول شرق أفريقيا مبادرة في جيبوتي في يونيو الماضي تتضمن خارطة طريق لحل الصراع السوداني لكن المبادرة فشلت في جمع الطرفين المتحاربين إلى طاولة المفاوضات بسبب مقاطعة وفد الجيش السوداني الذي اتهم بعض دول التكتل بدعم قوات الدعم السريع.

     ووسط ضغوط من عدد من الحكومات الأجنبية وبعض الجماعات المعنية بحقوق الإنسان وافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على استئناف المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة والسعودية في أواخر أكتوبر، ومع ذلك لم يوافق أي من الطرفين على وقف القتال أثناء استمرار المحادثات وكانت المفاوضات السابقة قد فشلت لأن الفصائل المتحاربة لم تؤيد أي محاولة لاتفاقات وقف إطلاق النار، وفي ديسمبر تم تأجيل المفاوضات في جدة للمرة الثانية بعد أن لم يوافق أي من الطرفين على الوفاء بالتزاماته بما في ذلك الكياسة أثناء المفاوضات وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية .

     وفي يناير من العام الجاري كان هناك عدة تطورات على صعيد مبادرات تسوية النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وذلك عندما عُقدت في البحرين جولة تفاوضية وتوسطت فيها أطراف إقليمية ودولية ولكن هذه الجولة لم تفسر عن إنهاء القتال فقد تراجُع الجيش عن التوقيع النهائي على اتفاق مشترك لتسوية الصراع في المنامة، بعدما كان قد أبدا ترحيباً مبدئياً بذلك وبطريقة أو بأخرى يتعين على الدول التي تتمتع بأكبر قدر من النفوذ على الأطراف المتحاربة أن تجتمع معًا لمنع السودان من الأنزلاق إلي حرب لا نهاية لها.(3)

تداعيات الحرب السودانية

     لقـد أسـفر الصـراع فـي السـودان عـن جملـة مـن التـداعيات الداخلية سواء سياسيا أو اقتصاديا أو أنسانيا بالإضافة إلي التداعيات الأقليمية، فداخليا يعد قطاع التعليم أحد أكثر المجالات تضررا مما يلقي بظلال طويلة على مستقبل ملايين الأطفال وتشير التقارير التى أصدرتها منظمة اليونيسكو إلى أن الصراع قد أدى إلى إغلاق أكثر من 10,400 مدرسة معظمها في المناطق التي مزقتها الصراعات مما ترك 19 مليون طفل دون الحصول على التعليم ولا يؤدي هذا الانقطاع إلى وقف تقدمهم الأكاديمي فحسب بل يعرضهم أيضًا لمخاطر مختلفة بما في ذلك التجنيد في الجماعات المسلحة والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ويتفاقم الوضع المزري بسبب نزوح 3.5 مليون طفل مما يجعل السودان الدولة التي بها أكبر عدد من الأطفال النازحين على مستوى العالم، ووفقا لبيانات الأمم المتحدة أُجبر أكثر من 8.6 مليون شخص على ترك منازلهم كما أن هناك 18 مليون شخص يواجهون الجوع الشديد كما يعاني 3.5 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد.

     كما يتأثر قطاع الإعلام بشدة على الرغم من دوره الأساسي في أوقات الصراع لتوصيل المعلومات فمنذ اندلاع الحرب أُغلق ما لا يقل عن 47 دارًا إعلامية من أصل 57 ولم يقم سوى عدد قليل من الصحفيين بتغطية الأحداث كما تعرض التراث الثقافي في جميع أنحاء البلاد لخطر التدمير والنهب بما في ذلك مواقع التراث العالمي والمتاحف والمحفوظات، كما يواجه الآن ما يقرب من 18 مليون سوداني الجوع الحاد، وحتى قبل الحرب، كانت الظروف المعيشية في السودان قاسية وغير عادلة بسبب عدم الاستقرار الاقتصادي وعلى الرغم من توفر الإمدادات الإنسانية فإن إيصالها إلى المحتاجين يظل تحديا هائلا حيث تواجه المنظمات غير الحكومية ومنظمات الإغاثة عمليات النهب والعقبات البيروقراطية .

كما أسفرت الحرب في السودان إلى تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة معدلات التضخم والبطالة وتراجع سعر الصرف هذا بالإضافة إلي النقص الشديد في الغذاء فعلى الرغم من أن السودان بلد زراعي إلا أن قطاع الزراعة قد تأثر بشدة نتيجة الأوضاع الامنية السيئة كما أثر الصراع على الخدمات الطبية فقد انهار القطاع الطبي في السودان بسبب القذف المستمر للأبنية الطبية حيثُ تأثرت جراء الاشتباكات مؤخرا 125 مستشفى في الخرطوم وتضررت أنظمة الكهرباء والماء، حيث أصدرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانيين بياناً عاجلاً دعت فيه إلى حماية المنشآت الصحية في السودان بعد تضرر مستشفيات عدة خلال الاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ودعت منظمة الصحة العالمية ابتعاد الاطراف المتحاربة عن المستشفيات وحذرت من انهيار المنظومة الطبية في السودان .

     والآن بعد مرور أكثر من عام علي الحرب والأعمال العدائية الضارية، أصبح المركز الاقتصادي والسياسي للبلاد في حالة يرثي لها ولحقت أضرار بالغة بالبنية التحتية وأُغلقت المدارس ومرافق الرعاية الصحية وشح الدواء ودُمرت المصانع والمعامل والمنشآت العامة وعلى رأسها القصر الجمهوري والوزارات بالقصف الجوي والمدفعي، وأصبحت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات شبه معدومة ولم يصرف موظفو الدولة رواتبهم لعام كامل، ويبدو أنه وبدون وجود سلطة دولة مركزية لفرض النظام ستنزلق البلاد إلى جولات جديدة من العنف والعنف المضاد.(4)

خاتمة

     لا تزال الحرب التي انفجرت قبل عام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع متأججة ولسوء الحظ يبدو أن الأمور في السودان تسير في الاتجاه الخاطئ مع أستمرار الصراع في التوسع في ظل عدم التوصل إلي تسوية بين الطرفين المتحاربين، كما أن هناك تخوفات من عسكرة المجتمع وتجزئته على أسس سياسية ودينية واثنية مما سيؤدى إلي انقسام البلاد وانهيارها بشكل كلي، هذا بالإضافة إلي أن اتساع رقعة الصراع سيخلق مساحة لتصدير الاضطراب الدائر في السودان إلى دول الجوار، وفي ظل توافر عوامل اشتعال الصراع وعدم التوصل إلي مسارات للتسوية فلا يستطيع أحدٌ أن يحدد موعدًا لنهاية هذه الحرب الضارية .

 

الهوامش

1)     عمرو خان، ماذا لو توقف القتال المسلح فى السودان؟.. السيناريوهات المحتملة، السياسة الدولية، متاح علي الرابط التالي:

https://www.siyassa.org.eg/News/19648.aspx

2)     حمدى عبد الرحمن حسن، المقاربة المصرية: قراءة فى دلالات قمة دول جوار السودان بالقاهرة، مركز الأهرام للدراسات الأستراتيجية ( القاهرة : مؤسسة الأهرام ) متاح علي الرابط التالي:

https://acpss.ahram.org.eg/News/20947.aspx

3)     أحمد عسكر، الجوار القلق.. مخاطر التداعيات الإقليمية للصراع فى السودان، مركز الإهرام للدراسات الاستراتيجية، الملف المصري ( القاهرة : مؤسسة الأهرام، العدد 107، يوليو 2023) ص.ص 31.

4)        Abdi Latif Dahir and Declan Walsh, One Year of War in Sudan: How Two Rival Generals Wrecked Their Country, the new York times, available at:

https://www.nytimes.com/article/sudan-khartoum-military.html   


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟