السياقات والتداعيات .. النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر
صدر
حديثاً كتاب النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر .. السياقات
والتداعيات للدكتورة نجلاء مرعي، عن دار العربي للنشر والتوزيع بالقاهرة، وهو يعد
واحد من أهم الكتب في الفترة الأخيرة التي تناقش جانب مهم جداً من أدبيات الثورة
الإيرانية متمثلة في بسط النفوذ وتصدير الثورة، وبخاصة في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، بما لها من
أهمية جيواستراتيجية وتحظى بأولوية واهتمام كبير من الجانب الإيراني.
ومن
هذا المنطلق، نجد من المهم استعراض أهم مرتكزات وجوانب هذا الإصدار، في ضوء العديد
من المحاور التالية:
طبيعة ومسار الاهتمام الإيراني بالقرن
الأفريقي والبحر الأحمر
ترى
دكتورة إيمان مرعي أن إيران قد أبدت اهتمامًا كبيرًا بمنطقة شرق إفريقيا، لا سيما
القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وتحديداً بعد وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى سدة الحكم
في عام 2005. وتهدف من ذلك التوجه إلى تحقيق العديد من الأهداف المتداخلة
والمتشابكة، مستخدما في ذلك الآليات المتكاملة لتحقيق هذه الأهداف، وفي مقدمتها ما
يسمى ب "القوة الناعمة"، في محاولة لامتلاك أوراق جديدة لكسب المزيد من
التأييد الدولي لمواقفها، لاسيما أحقيتها في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، وإرسال
رسالة إلى الدوائر الغربية تحديداً، مفادها أن لديها القدرة على الانفتاح لتغيير
الصورة النمطية عنها، والتي تصفها دائما بالتشدد.
وقد
أضحت منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر ساحة كبيرة للتنافس بين إيران والقوى
الإقليمية، لا سيما إسرائيل وتركيا. وهو ما دفع العديد من المراقبين والخبراء إلى
الجزم بأن البحر الأحمر مرشح في المرحلة المقبلة ليكون حلبة جديدة لمواجهات مسلحة
إقليمية دولية، على خلفية الحراك الإيراني غير المسبوق لفتح جبهات جديدة في القرن
الإفريقي، بدعم الجماعات الأصولية المتطرفة في الصومال، وعبر دعمها للحوثين في
اليمن، وشن هجمات باتجاه إسرائيل واستهداف السفن التجارية والعسكرية منذ تشرين
الأول/ أكتوبر 2023 رداً على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وهو ما يشكل تهديدًا
مباشراً للأمن الإقليمي الخليجي خاصة والعربي عامة.
هذا،
ويشكل التنافس بين القوى الإقليمية تهديداً مباشراً لأمن واستقرار منطقة القرن
الإفريقي والبحر الأحمر، وربما تزداد – في تقديري - وتيرتها في المستقبل المنظور.
لذا، يهدف الكتاب ليس فقط لمعالجة مظاهر وحجم النفوذ الإيراني الناعم في دول شرق
إفريقيا والبحر الأحمر، مع استشراف آفاق هذا النفوذ في ظل وصول الرئيس مسعود
بيزشكيان في 6 تموز/ يوليو 2024 بعد رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي في 20 أيار/ مايو
2024، فضلا عن أبراز التوجه العربي والخليجي بقيادة مصر والسعودية بالاهتمام
بمنظومة الأمن في البحر الأحمر، لما تمثله من أهمية استراتيجية للأمن القومي
العربي، بل أيضا لرصد وتحليل تداعيات التهديدات والتنافس الإقليمي على الأمن
الجيوسياسي للقرن الإفريقي والبحر الأحمر.
المصالح والأدوات الإيرانية في القرن الإفريقي
والبحر الأحمر:
ترى الباحثة أن منطقة شرق
إفريقيا والقرن الإفريقي دائرة حركة مهمة للسياسة الخارجية الإيرانية التي تهدف
لاتساع نطاق نفوذها، إذ توصلت إيران إلي أنها تستطيع تحقيق بعض المكاسب في تنافسها
مع الغرب عن طريق الاصطفاف مع مجموعة واسعة من المنطقة، وذلك من أجل عدم عزلتها
والتصويت ضدها في المنظمات الدولية، غدت إيران تتبنى عدداً من الأهداف والأدوار في
سياستها الخارجية، لجهة الحفاظ على سيادتها، وتأمين أمنها في مواجهة التحديات
الخارجية. وذلك من خلال زاويتين رئيستين. أولهما؛ اعتبارها المدخل
الاستراتيجي للدائرة الإفريقية ذات الأهمية الكبرى على الصعيد الدولي على كافة
الأصعدة. لذا، تتبنى إيران ما يسمى بالجهاد البحري، وتعني انتهاج سياسات تمكن
الدولة من السيطرة أو الوجود القوي بالقرب من الممرات الملاحية، تحسباً لأي مواجهة
عسكرية تهدد مصالحها، وتسهل وصول إيران إلى مناطق الأزمات في المنطقة، عبر تأمين وجود
إيراني في منطقة شرق إفريقيا، باعتبارها إحدى المحطات الاستراتيجية المهمة لها في
مواجهتها للقوى الغربية، وخاصة إسرائيل، وهو ما يعطيها نقطة ارتكاز تمكنها من
القيام بمهام جهادية وقتالية ضد القوى الغربية إذا ما قررت الأخيرة تدمير قدرات
إيران النووية.
أما ثانيهما؛
فالمنطقة تعتبر الفناء الخلفي للدائرتين الخليجية والشرق أوسطية اللتين تعدان نطاق
عمل المشروع الإيراني الطموح الرامي إلى "تقطيب" طهران إقليميًا، وتوسيع
سياقات نفوذها في المنطقة، الأمر الذي يعني كليًا أن منطقة القرن الإفريقي هي نقطة
ارتكاز للتمدد الإيراني في إفريقيا من جهة، وتطويق الحزام العربي الخليجي المناوئ
للاستراتيجية الإيرانية من جهة أخرى.
تعددت الأدوات التي تنفذ
من خلالها إيران سياساتها الخارجية تجاه إفريقيا، فكل نمط من الأنماط الفرعية له
أدوات محددة تتناسب معه. وفي مقدمتها ما يسمى ب "القوة الناعمة" وتسويق
"النموذج الإيراني لإفريقيا"، وصولاً إلى عهد الرئيس الحالي إبراهيم
رئيسي منذ 3 آب/ أغسطس 2021، الذي بدأ بالتوجه وفق أسس جديدة. ومن المتوقع، أنه
بعد رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي في 20 أيار/ مايو 2024، وانتخاب الرئيس مسعود
بيزشكيان في 6 تموز/ يوليو 2024 يتم استكمال إقامة التحالفات مع الدول الإفريقية
التي تشهد تراجعًا في النفوذ الأميركي والفرنسي في وسط وغرب القارة، وذلك عبر
المزيد من التنسيق مع روسيا التي يتنامى نفوذها بصورة كبيرة، وذلك من خلال تزويد
هذه النظم بالأسلحة الإيرانية، والمساعدة في مواجهة الجماعات الإرهابية.
ويمكن
القول، أن التقدم الذي أحرزته إيران على الصعيد
الدبلوماسي في إفريقيا، قد واجه عقبات لدى اكتشاف أن طهران ربما تعمل على استغلال
دول هذه القارة كنقاط عبور لصفقات الأسلحة، والتدخل في الشأن الداخلي للدول. حيث
أعلنت جمهورية جيبوتي، عن تضامنها التام مع المغرب وتأييدها الكامل لقرار قطع
علاقاته الدبلوماسية مع إيران، دفاعا عن سلامة أراضيه ووحدة ترابه الوطني.
مظاهر التغلغل
الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر:
تزايدت الأهمية
الاستراتيجية للمنطقة بعد حرب صعدة الأولى ميليشيات حركة "أنصار الله"
المعروفة بجماعة الحوثي ضد الجيش اليمني، والتي تعد الذراع الإيرانية الأولي في
منطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر، وتلعب جماعة الحوثي حاليا دورا مؤثرا في
زعزعة استقرار حركة الملاحة في جنوب البحر الأحمر من خلال استهداف الحاويات
والناقلات النفطية المارة في مضيق باب المندب. لذا، تسعى طهران نحو تكثيف حضورها
العسكري في منطقة باب المندب لمجابهة استراتيجيات قوى دولية وإقليمية أخرى بات
حضورها العسكري متزايدًا في المنطقة، لا سيما تركيا التي دشنت قاعدة عسكرية في
الصومال، والصين التي دشنت قاعدة عسكرية في جيبوتي، هذا بخلاف القوى التقليدية ذات
الحضور العسكري في الإقليم مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
وقد استغلت طهران زخم حروب
القرصنة التي تداعت لها كثير من القوى الدولية والإقليمية تحت ذريعة حماية مصالحها
الاقتصادية والتجارية، لتحقيق وجود بحري دائم ذي صبغة عسكرية، سرعان ما توج بإقامة
قاعدة بحرية متعددة المهام في ميناء "عصب" الإريتري على باب المندب،
والتي تصفها بعض التقديرات بأنها قاعدة لأنشطة إيران العسكرية في دعم الحوثيين في
اليمن وشرق إفريقيا.
وبحلول عام 2020، أعلنت
إيران عن "استراتيجية الذراع الطويلة" للدفاع عن بعد، والتي تسعى إلى
تعزيز نفوذها البحري في البحر الأحمر وبحر العرب نتيجة التوترات المتزايدة مع
الولايات المتحدة في مضيق هرمز والعزلة الدولية في ظل إدارة ترامب. وتهدف
الاستراتيجية إلى توسيع عمليات مكافحة الإرهاب الإيرانية، وضمان أمن إيران في
مواجهة التهديدات الخارجية، وبناء قدرات إيران العسكرية والبحرية للالتفاف على
العقوبات.
مآلات النفوذ
الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر على الأمن الإقليمي:
في إطار سعي طهران لتحقيق
أهدافها بخاصة التمدد وتوسيع النفوذ ومواجهة الخصوم، اعتمدت إيران على مجموعة من
محددات التحرك، في مقدمتها إستراتيجية "القوة الناعمة"، وذلك بالتزامن
مع الاعتماد على عمليات "مجابهة التطويق" لاستراتيجيات لقوى إقليمية
وخاصة سعودية لتطويقها في الدائرة "القرن إفريقية" ذات التماس الأمني
المباشر مع الدائرة الخليجية. فضلا عن التواجد ل "منافسة الخصوم" لا سيما
تركيا وإسرائيل. كما تسعي طهران من خلال ما يطلق عليه "مفاوضة النافذين"
لامتلاك أوراق نفوذ اقتصادية وعسكرية في القرن الإفريقي، بما يمكنها من الحضور
التفاوضي لدى القوى الدولية النافذة في شرق القارة الإفريقية، إضافة إلى تعزيز دور
إيران كقوة إقليمية في أي ترتيبات إقليمية بين الدول الكبرى بالمنطقة، وخاصة في ظل
الأهمية المتزايدة للقرن الإفريقي في الأمن العالمي.
وقد يشكل كثافة النفوذ
الإقليمي وخاصة الإيراني في العمق الإفريقي وخاصة في منطقة البحر الأحمر ومنطقة
شرق إفريقيا، خصماً موضوعياً من تحقيق السلام والاستقرار، حيث تقوم باختراق النظم
الأمنية والإقليمية الخاصة بالقرن الإفريقي بمفهومه الجيوسياسى. وأبرزها، كثافة
الوجود العسكري للقوى الدولية والإقليمية بالقرب من باب المندب، ومع أن هناك تعاون
بين بعض هذه القوى بشأن مكافحة تهديدات الملاحة البحرية في المنطقة فإن قدراً من
التعارض يظل قائماً بما يعني أن ذلك التواجد يعني عسكرة الأمن في تلك المنطقة. وارتفاع مستوى
التهديدات الأمنية في بيئة البحر الأحمر، والتي تبلورت في ثلاث ظواهر، هي: العسكرة، وتصاعد هجمات الحوثيين، والقرصنة
البحرية؛ خاصة في ظل الحرب الإسرائيلية في غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، واستهدفت
نحو 102 من السفن التجارية والعسكرية و344 غارة جوية وبحرية وإطلاق نحو 403 صاروخ
وطائرة مسيرة في 52 هجوماً بنهاية نيسان/ أبريل 2024.
فضلا عن تراجع تدفقات
التجارة البحرية وتأثيرها على اقتصادات دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، خاصة بعد تهديد الحوثيون بتعطيل الكابلات
البحرية العشرين التي توفر شبكات الاتصالات البحرية حول البحر الأحمر، وهو ما
دفع شركات الشحن العالمية إلى تحويل مسارها من البحر الأحمر وانخفاض الملاحة في
قناة السويس، وتراجع عائداتها في كانون الثاني/ يناير 2024 بنسبة 44% مقارنة
بالفترة نفسها من عام 2023، ويتوقع تراجع عاداتها بنسبة 40% خلال عام 2024 إلى 6
مليارات دولار.
ما أدى
إلى زيادة رحلة السفينة لنحو 10 أيام و4000 ميل بحري، وتغيير في تدفقات الشحن بين
الأسواق العالمية الضخمة في آسيا وأوروبا، وارتفاع أقساط التأمين على الشحن، فضلا
عن تغيير أنماط إعادة التزود بالوقود وتعزيز الطلب على وقود السفن، مما شكل ضغطاً
كبيراً على البنية التحتية للموانئ، وأسفر عن ارتفاع تكاليف السلع بالنسبة
للمستهلكين والشركات في الاقتصاديات الهشة والبلدان غير الساحلية في شرق إفريقيا
الأكثر اعتمادا على التدفق الحر للسلع من البحر الأحمر.
وتقليص
النشاط في ميناءين إقليميين حيويين: ميناء جيبوتي وميناء السودان. الذي يعتبر أحد
المراكز التجارية المركزية في منطقة البحر الأحمر، يتدفق عبره ما يقرب من 90% من
صادرات السودان البالغة 4,357 مليار دولار عام 2022 تتألف معظمها من الذهب والنفط
المتجه إلى الأسواق الشرقية الوسطى أو الآسيوية، إذ تصدر الذهب أعلى صادرات
السودان غير البترولية بنسبة 46,3% وذلك بقيمة 2,02 مليار دولار. الأمر الذي يهديد
حركة المساعدات الإنسانية تجاه دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي المتجهة إلى جنوب
السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وكينيا. ومن المُحتمل أن
تشهد دول القرن الإفريقي المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، في ضوء
تفاقم أزمة الجوع وانعدام الأمن الغذائي التي قد تمتد إلى نشوب حرب أهلية، خاصة في
ظل تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية منذ 24 شباط/ فبراير 2022.
فضلا
عن التأثير في الحسابات الاستراتيجية للمصالح الإقليمية والعالمية في منطقة البحر
الأحمر والقرن الإفريقي: حيث تؤدي التأثيرات الاقتصادية والسياسية والإنسانية في
شرق إفريقيا الناجمة عن هجمات الحوثيين في باب المندب إلى التأثير في التغييرات
السياسية الواسعة من قبل وروسيا والصين والولايات المتحدة. إذ امتنعت الصين
عن المشاركة في عمليات مكافحة الحوثيين، ما أدى إلى الفوز بممرٍ آمن عبر المضيق،
حيث لم يستهدف الحوثيين السفن الصينية.
ويمكن
القول، أن اختراق النظم الأمنية والإقليمية الخاصة
بالقرن الإفريقي بمفهومه الجيوسياسى، واستمرار المحفزات الداعمة لعدم الاستقرار،
في ظل ما تعانيه دول المنطقة من أزمات سياسية وصراعات داخلية وخاصة الصومال
والسودان وإثيوبيا، يزيد من الأعباء على كاهل دول الإقليم في ظل تأثيراتها السلبية
على التنمية والمقومات الاقتصادية. كما أن افتقاد دول الساحل الإفريقي لمقومات
التعاون والتكامل مثل البنية التحتية والموانئ التجارية الكبيرة، والذي يتزامن مع
ثروات طبيعية غير مستغلة وتكالب دولي وإقليمي متزايد، يعمل على مضاعفة أعباء
التعاون بين الجانبين، ويزيد من الفجوة بين الشعوب المطلة على هذا الممر المائي
الحيوي.
الإستراتيجية العربية لمواجهة التهديدات
الإيرانية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر:
يؤكد العمق الاستراتيجي
الذي تشكله منطقة القرن الإفريقي للأمن الإقليمي الخليجي، أن ثمة جهوداً إضافية
مطلوبة لوضعها بشكل أكبر ضمن دائرة التفاعل والاهتمام الخليجي، خاصة في ظل بروز
إرادة سياسية خليجية تجاه قضايا الصراع والأمن والتنمية في دول المنطقة، لمواجهة
التحديات التي تترتب على الصراعات والحروب الأهلية، ومنها مشكلات اللاجئين
والنازحين، والمخاطر الناتجة عن ظاهرة القرصنة في البحر الأحمر.
ولم تكن دول الخليج بعيدة
عن قضايا الصراع والسلام في منطقة القرن الإفريقي، بل اهتمت بتلك القضايا من خلال
دعم عملية الاستقرار والأمن والتنمية في دول الإقليم. كما تجلت الإرادة السياسية
الخليجية في التفاعل والاهتمام بقضايا مهددات الأمن والاستقرار الاجتماعي في دول
القرن الإفريقي. برعاية من العاهل السعودي
الملك سلمان بن عبد العزيز، وقع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء
الإثيوبي آبي أحمد علي اتفاق جدة للسلام في أيلول/ سبتمبر 2018، ليطوي البلدان
صفحة أطول نزاع في القارة الإفريقية، ورحبت مصر والإمارات بالاتفاق الذي يمثل
تطورا مهما في منطقة القرن الإفريقي.
قامت الدبلوماسية القطرية
بتوقيع اتفاق الدوحة
للسلام في تشاد،
بين ممثلون عن المجلس
العسكري الانتقالي، ونحو 30 حركة سياسية وعسكرية تشاديه معارضة، وهو
الاتفاق الذي يمهد للحوار الوطني الشامل الذي سيعقد في إنجامينا بتشاد في 20 آب/
أغسطس 2022، وستكون دولة قطر فيه مراقبا، وأحد ضامني الاتفاق. وكان لدول الخليج
حضور لدفع جُهود عملية السلام والأمن والاستقرار في جمهورية السودان، حيث استضافت
الدوحة في 23 كانون الثاني/ يناير 2017 توقيع اتفاق بين حكومة السودان وحركة
"جيش تحرير السودان- الثورة الثانية"، بمناسبة استكمال عملية السلام في
دارفور (غرب).
هذا، وتأتي التحركات
المصرية في إقليم شرق إفريقيا وفقاً لاستراتيجية ضمنية تستهدف تحقيق "الأمن
والتنمية" عبر أربع آليات رئيسية (السياسية والدبلوماسية – الاقتصادية
والتجارية – التنموية – العسكرية والاستخباراتية) ضمن بموجبها القاهرة الارتقاء
بمستوى التعاون والشراكة مع دول الإقليم، وخلق مساحة من التفاهم والتشارك حول عدد
من الشواغل المصرية والإفريقية، وقد خطت مصر خطوات مهمة في صيانة الأمن
القومي المصري في البحر الأحمر وخليج عدن، لاسيما ما اعتبره مراقبون نجاحًا في
استبعاد إثيوبيا من أية ترتيبات أمنية تضم الدول الفاعلة في المنطقة، من خلال مجلس
الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن في كانون الثاني/
يناير 2020، مما عزز تصورات إعادة تغيير الديناميات السياسية في منطقة القرن
الإفريقي بأكملها.
رؤية مستقبلية عربية
لمواجهة النفوذ الإيراني في شرق إفريقيا:
ترى الباحثة أن
النفوذ الإيراني في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي يأتي نتيجة لجهود دبلوماسية
حثيثة ترمي إلي تخفيف الضغوط الناجمة عن العقوبات التي تقودها الدول الغربية، حيث
استطاعت أن تحقق الكثير من الإنجازات على مختلف الأصعدة، وأثبتت قدرتها على منافسة
القوى الإقليمية، ولكن تبقى الأهداف الإيرانية في شرق إفريقيا أكبر من إمكانيات
دولها، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي، فالدعم الإفريقي لم يثنِ القوى الغربية من
فرض العقوبات على طهران ونقل ملفها لمجلس الأمن، وهو ما فشلت فيه قوى دولية
وإقليمية أخرى مثل الصين وروسيا أو تركيا والبرازيل، كما تتحمل إيران نفسها جزءا
من المسؤولية في تدهور علاقاتها مع بعض الدول الإفريقية بسبب تدخلها في شؤونها
الداخلية.
يبدو أن التوازنات الحرجة
وطبيعة التهديدات الأمنية في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر تتطلبان نوعا من
أنواع التنسيق العربي، لاسيما مع ارتفاع مستوى التهديدات إلى حد غير مسبوق. خاصة
في ظل تداعيات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023،
وفي ضوء امتداد مدة الانقطاع التاريخية بين الشعبين العربي والإفريقي والتي تمثل
عائقا أمام دعم جهود التضامن العربي الإفريقي.
وعليه،
فإن تدعيم الأمن القومي العربي، من وجهة نظر المؤلفة، يتطلب الاعتماد على عدد من الركائز الموضوعية في
العلاقات مع منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، من بينها:
تدشين آلية حوار استراتيجي عربي/
خليجي – أفريقي، هدفها تأسيس مرحلة جديدة قائمة على شراكة حقيقية، قوامها المصالح
الاستراتيجية المشتركة والقضايا ذات الحساسية لكل من دول الخليج والقرن الإفريقي،
ومواجهة واقع التهميش والفقر الذي يعانيه الأفارقة، ووضع أساس التنمية المستدامة،
مع التوسع في إقامة الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية المشتركة ليحل محل أسلوب
المنح والهبات المالية ذات الطابع التقليدي، حيث إن أثر هذه المشروعات أكبر في
تعميق الصلة الحقيقية بين العرب والأفارقة.
والاهتمام بمنظومة الأمن
في البحر الأحمر على اعتبار أنه ممر التفاعل الرئيسي بين الدول العربية ودول القرن
الإفريقي. ويقتضي هذا الأمر تعاون الحكومات العربية والخليجية مع الدول المطلة على
البحر الأحمر، وتبادل المعلومات معها، وتنسيق القيام بمهمات مشتركة لتحسين بيئة
الأمن، ومكافحة القرصنة، وضمان سلامة الملاحة في هذا الممر المائي المهم، وبما
يساهم في دعم علاقات الجوار مع القرن الإفريقي.
د. نجلاء مرعي، النفوذ الإيراني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر السياقات والتداعيات، (القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2024)