المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الحرية والأمن والقانون فى واقع مضطرب

الخميس 15/مايو/2014 - 10:45 ص
هل هناك حوار بين الشباب والكبار لتجسير الفجوة الجيلية بينهم حول رؤاهم، وتطلعاتهم وآمالهم، والمشكلات التى يواجهونها فى حياتهم، فى الأسرة والمدرسة والجامعة والحزب السياسى وفى المجال العام؟

هل هناك حوار بين الأحزاب والجماعات السياسية المختلفة حول المشكلات المعقدة التى تواجه الدولة، والقوى الاجتماعية المختلفة والنظام السياسى المضطرب؟ هل هناك رؤى وأفكار وبرامج وسياسات تواجه قضايا الحرية والأمن والقانون وشبكات الفساد الهيكلى داخل تركيبة الدولة وسلطاتها ومؤسساتها القومية؟ لا يوجد حوار.. تستطيع ان تقول ذلك، وأنت هادئ البال أو غاضب ومتوتر، وتجتاحك انفعالات بلا حدود! ما يجرى هو حالة صخب وضوضاء وعنف لفظى وخطابات سياسية متصادمة، وأحادية البعد وحاملة للعنف ومنتجه له، وبعضها أقرب إلى منولوجات لفظية، ذات طابع عشوائى وتفتقر إلى المنطق السياسى. والعقلى، ومن ثم إلى بنية معلوماتية تستند إليها وتسوغ لها! خطابات مجانية- والاستثناءات محدودة- تفتقر إلى الانضباط اللغوى، والإصطلاحى، حيث تجرى الكلمات وتتقافز أمامك، وتؤذى أذنك وتجرح عينيك من فرط عدم احترامها لذكاء المتلقى وحساسيته، لأنها لم تؤسس على معرفة عميقة بما تحمله هذه الكلمات! إنها ظاهرة عشوائية اللغة وفوضاها! خذ هذه الفوضى الاصطلاحية، حيث تستخدم المفاهيم والمصطلحات، وكأنها «ماكياج» لغوى ومجازى لخطاب هذا السياسى أو ذاك لكى يبرهن لاتباعه، أو للجمهور أنه على درجة من المعرفة والثقافة. انظر لبعض الكتاب والإعلاميين، وكيف يتحدثون ويكتبون مستصحبين معهم المصطلحات الفخيمة والمعقدة، لكى يضفوا قدراً من المهابة على كتاباتهم، أو اقوالهم فى التعليقات والأحاديث التلفازية؟ هل هذه الظاهرة تؤدى إلى إنتاج حالة حوارية، تتسم بالجدية وجدلية الأفكار النسبية، ولا يزعم أى من أطرافها أنه يحمل أفكارا مقدسة أو حقائق مطلقة لا يأتيها الباطل؟! الحالة الحوارية وعملياتها وأطرافها، تتطلب شروطا موضوعية على رأسها نظام اللغة ومعانيه ودلالاته التى يجب أن تكون موضوعاً للمعرفة المتبادلة، والمعانى الواضحة لدى أطراف الحوار الأكاديمى، والسياسى، والثقافى، والإعلامى. بالقطع لا، لأن وضوح اللغة السياسية وانضباطها هو تعبير عن نضج الفكر السياسى، وعمق الخبرات، والأهم عدم الخضوع لمنطق العفوية والتلقائية والحماسية التى تجعل بعض السياسيين لا يسيطرون على لغتهم وأفواههم، ويندفعون وراء خطاب الشعارات الصاخبة ومغازلة الجمهور بما لا يستطيعون القيام به، فى بلد معسور ومجتمع مكبل بالقيود على الملكات والقدرات الفردية، لاعتبارات تتصل بأزمة ميلاد الفرد المتعثرة رغماً عن استثناءات عديدة- والفردانية والخصوصية والحقوق والحريات المرتبطة بالفرد. طيلة أكثر من ثلاث سنوات منذ 25 يناير 2011 ونحن فى حالة ضوضاء وفوضى وسجالات واحتقانات حادة .. صراخ بلا حوار، وحديث «ثوار» بلا «ثورة»، حيث الجميع يتحدثون عنها ملكية ونسباً حتى هؤلاء الذين لعبوا دوراً فى احتواء هذه العملية الثورية وإجهاضها! خذ هذا الخطاب البائس الذى يتعامل مع إشكالية الحرية والقانون والأمن مغلباً أياً منهما على الآخر، وكأن هناك تناقضا بين تنظيم حرية من الحريات، وممارسة هذه الحقوق بما لا يؤدى إلى اغتيال جوهر الحق والحرية! هل هذا نمط من المزايدة السياسية، أم عدم معرفة؟ هل يمكن العودة مجدداً إلى تغليب مفهوم الأمن على الحريات من خلال القانون وسياسة القمع؟ الأمن يأتى على رأس الأولويات نعم، لكن فى ظل أية سياسة تشريعية وأمنية؟ هل من خلال ذات الأساليب القديمة التى أدى تراكمها إلى دفاع بعضهم عن نظام تسلطى وفاسد وآخرين يمارسون الفوضى بدعوى الحرية؟ ان الأمن يتحقق فى ظل الحرية ودولة القانون، ولا تناقض بين مواجهة مصادر تهديد الأمن الداخلى، والقومى، إذا كانت هناك رؤية متكاملة تتسم بالانفتاح، وإزالة القيود الضاغطة على المجال العام السياسى، وحماية الحقوق والحريات العامة والشخصية. لا توجد حريات مطلقة، ولا معنى للحرية إذا لم تعتصم بالتنظيم القانونى وإلا تحولت إلى فوضى واغتيال لجوهر الحرية ذاته، ومعها حقوق الآخرين وحرياتهم العامة والشخصية. الحق فى التظاهر السلمى فى ظل حالة ثورية سائلة وغموض وعدم وضوح لمآلات الأحداث، يكون له بعض الشرعية والمنطق إزاء سعى بعض الأطراف لعودة النظام التسلطى والأساليب القمعية التى يستخدمها تحت شعارات الاستقرار، والأمن، ولكن استمرارها فى فوضى يؤدى إلى التسلط. الوضع الراهن يتطلب إعادة النظر فى السياسة الجنائية والعقابية المرتبطة بتنظيم الحريات العامة، لا فرض قيود عليها تؤدى إلى إجهاضها، على نحو ما كان سائداً فى ظل نظام يوليو. المشرع الدستورى ينص على الحقوق والحريات العامة ويحيل تنظيمها إلى القانون، من ثم الحق فى التظاهر السلمى يتم تنظيمه بما لا يؤدى إلى تعقيد إجراءات الحصول على الترخيص، وتحديد مكان التظاهر وإلى الحيلولة دون تمتع المواطنين به وعدم ممارسته بدعوى المتطلبات الأمنية! من هنا تبدو مشروعية مطلب تنظيم الحق فى التظاهر، وإعادة النظر فى القانون القائم، لاسيما العقوبات المغلظة على من ينتهك بعض قواعده. ان الرئيس المنتخب القادم يتعين عليه إعادة النظر فى هذا القانون بما يؤدى إلى التوفيق بين مطالب الأمن والاستقرار، وبين حرية التظاهر التى تلعب دوراً مهماً، فى التعبير عن الاحتجاج السياسى أو الاجتماعى، وعن مصالح بعض الفئات والجماعات السياسية، وأيضاً فى توزيع فوائض العنف السياسى والاجتماعى التى تتراكم على نحو خطر، وذلك على نحو سلمى ومنظم فى عديد قنوات المشاركة السياسية والمجتمعية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟