المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الصراع على الشرعية وروح المصريين

الخميس 08/مايو/2014 - 11:00 ص
عقب اتفاقية كامب ديفيد، ومقاطعة الدول العربية لمصر، وتجميد عضويتها كتب فؤاد عجمى مقاله زائع الصيت «الصراع على روح المصريين»، وذلك فى ضوء الخطاب السياسى الساداتى الذى ركز على مفهوم الأمة المصرية وحاول استعادة بعض من معانى القومية المصرية، والإرث الحضارى والثقافى المصرى التاريخى، وبعض رموزه، وذلك على نحو تفاخرى فى محاولة للتغطية الرمزية على القطيعة العربية، ثم حاول بعد ذلك استخدام مفهوم الأمة الإسلامية للتوازن مع مفهوم القومية العربية. هذا التردد بين مفاهيم المصرية والعروبة والإسلامية شكل أحد مصادر الصراع والتوتر والاحتقان المستمر على روح وهوية المصريين. كل طرف سياسى يحاول تحديدها وفق رؤيته الإيديولوجية المغلقة أو المفتوحة نسبياً، أو المتناقضة أو المتوترة التى تسعى إلى استخدام أحد مصادر التكوين التاريخى والثقافى والقومى والعرقى والدينى والمذهبى، فى عملية بناء شرعيته فى إطار هذا التركيب المتعدد، ويلاحظ أن لدى غالب مدارس الفكر والعمل السياسى نزعة سلطوية فى تحديد، وانتقاء وترتيب مكونات الهوية، وفق تعريف سائل ومحمول على الغموض فى عديد الأحيان.
هذا الصراع الحاد والمحتقن على روح مصر والمصريين ومحاولة سيطرة رؤية على بقية الرؤى الأخرى للهوية المصرية، شكل ولا يزال أحد أخطر استخدامات مفهوم الهوية وسياساتها.

إن أحد أكبر مخاطر هذا النمط من الاستخدامات السلطوية تمثل فى الاستخدام السياسى المكثف للدين من منظور إيديولوجى وضعى- فى عمليات بناء الشرعية والتعبئة والحشد السياسى وراء الزعامة السياسية الحاكمة، وإزاء القوى المعارضة لها، لاسيما القوى والجماعات الإسلامية السياسية، التى استطاعت أن تكسر احتكار السلطة النطق باسم الدين فى السياسة، واستطاعت أن تقدم بعض تصوراتها وتعريفاتها المغلقة نسبياً للهوية، انطلاقاً من نظامها الإيديولوجى التأويلى للإسلام وقيمه وعقائده ومعاييره. وأسهمت بفعالية فى تعميق النزاعات على الهوية المصرية.

هذا الصراع الضارى والمحتدم بات أكثر خطورة على الاندماج الاجتماعى وعلى أنماط التجانس «القومى» المصرى، وأدى إلى انقسامات سياسية، ودينية رأسية وحادة على نحو سرع من عملية تفكك أسس وقواعد الاندماج القومى، وساعد على ذلك عمليات العولمة، وبعض انعكاسات التحول إلى ما بعد الحداثة، وهو ما تجلى فى صحوة الهويات الأولية على حساب الموحدات الجامعة.

من هنا تبدو خطورة صحوة العصبيات المحلية، والمنازعات العائلية والقبلية فى الأرياف، وعودة ثقافة الثأر التقليدية بقوة، حيث يتجلى تفكك الانتماءات القومية لمصلحة الانتماءات الصغرى إلى العائلة والقبيلة، والمنطقة. هذا النمط من الصراعات والحروب العائلية والقبلية الصغرى، يشكل أحد تعبيرات ومخاطر أزمة قانون الدولة وضعفه أو غيابه فى التطبيق، والأخطر ضياع هيبته وروادعه. لا شك أن هذا التفكك الاجتماعى، والقومى، سيزداد، ويشكل بيئة ملائمة لاضطرابات أوسع نطاقاً، ولن تحل عبر القانون والقضاء العرفى الذى تلجأ إليه أجهزة الدولة! الوجه الآخر لعملية التفكيك والصراع على روح مصر والمصريين، يتمثل فى الصراع على الشرعية السياسية بعد 25 يناير 2011، ثم أحداث 30 يونيو 2013، بين من يستخدمون شرعية 25 يناير إزاء أنصار ما يسمى بشرعية 30 يونيو والوجه الآخر لذلك هو الصراع بين بعض طلائع الطبقة الوسطى والعليا المدينية، وآخرين يوظفون هذا الحدث المؤسس (25 يناير 2011) - لشرعية لم تكتمل مقوماتها وتجسيداتها، وأجهضت بمقولة شرعية الصناديق على نحو ما تطرح جماعة الإخوان.

وآخرون كانوا معهم جزءاً من تركيبة نظام مبارك التسلطى، وكانت مشاركتهم رمزية فى يناير. الصراع ضارى بين هؤلاء ومجموعة تحالف 30 يونيو وداخله عناصر من طلائع 25 يناير الذين يحاول بعضهم الاستناد إليه فى بناء شرعية مؤسسة على 30 يونيو فى مقابل شرعية يناير وسياسة الميادين، ومحاولة إزاحة 25 يناير، والطلائع الشابة - رغماً عن عديد أخطائها القاتلة - من الذاكرة والسياسة المصرية!.

الكل يطرح خطاب الشرعية وفق هواه ومصالحه السياسية. فى الانتخابات الرئاسية، تبدو أيضاً شرعية يوليو حاضرة حينا وغائمة أحياناً أخرى، بينما يتناسى الجميع أن اللجوء إلى الآلية الانتخابية سيشكل أحد مصادر شرعية التركيبة السياسية الجديدة/ القديمة، ولكنها وحدها ليست كافية لبناء شرعية ديمقراطية كاملة ذات سند «ثورى»، مادام هناك صراع ضار على الشرعية المؤسسة هل هى يناير أم يونيو أم ظلال يوليو الباهتة.

إن خطورة الصراعات السطحية على هوية مصر، وشرعية دولتها الحديثة، والشرعية المؤسسة والمفترضة لنظامها السياسى المأمول، ستدفع نحو المزيد من الشروخ والجروح العميقة والتفكك فى تركيبة المجتمع والأمة والدولة، ومن ثم ستفاقم من بيئة الاضطراب والفوضى النسبية، من هنا يبدو التركيز على الأمن والاقتصاد على أهميتهما- لدى كلا المرشحين، واللامبالاة بمسألة وحدة الأمة وهويتها، أحد مصادر تهديد التماسك الوطنى، التى يتلاعب بها بعضهم بوعى أو تشوش فى الرؤية أو الإدراك أو ضحالة الفكر السياسى وغياب الحس التاريخى الفعال.

إن الشرعية المؤسسة للنظام الديمقراطى المأمول لابد أن تتأسس على القيم والثقافة السياسية الديمقراطية، وليس فقط على الآليات والإجراءات المرتبطة بصندوق الاقتراع، وأيضاً على شرعية السردية السياسية المؤسسة للنظام.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟