المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

نحو سياسة تشريعية جديدة

الخميس 04/سبتمبر/2014 - 11:27 ص

النظام القانونى المصرى الكلي، وأنساقه الفرعية - على تعددها وتضاربها - مثُقًل بمشكلات بنائية منذ أكثر من ستة عقود مضت وصلت ذروتها

إلى أن أصبحت دولة القانون، فى إدراك ووعى بعض مكونات نخبة الحكم، وكأنها قرين سيطرة السلطة والنخبة الحاكمة عند قمة النظام على المجتمع -، ومعها الأجهزة التى تحتكر العنف المشروع، والتى تجاوزت فى عديد الأحيان حدود المشروعية، ومن ثم باتت تعبيراً عن قانون القمع، لا تنظيم الحريات الفردية والعامة. لم يعُد القانون خلال أكثر من أربعين عاماً مضت تعبيراً عن الإرادة العامة للأمة أو الشعب، وذلك لأن المشرع لم يكن يعبر فى تشكيلات البرلمانات عن المجموع الاجتماعى، من خلال انتخابات حرة ونزيهة وذات ضمانات، وإنما كانت تعبيراً عن إرادة ومصالح نخبة الحكم العليا، وبعض مراكز القوى حولها.

ومن ثم لم نكن إزاء نظام يؤمن بالديمقراطية والتعددية وقواعدها وآلياتها، والأهم القوانين المعبرة عن الإرادة العامة للأمة، ومصالح الأغلبية، وإنما هيمن قانون القوة الغشوم والنخبة العليا المسيطرة على الدولة والسلطة والقانون.

من هنا تآكلت هيبة وفعالية قانون الدولة، ومن ثم احترامه لدى المخاطبين بأحكامه، وشاعت ظاهرة فرض بعض الأفراد والفئات والمهن والحرف قانونهم الخاص بقوة الأمر الواقع، وهو ما تجلى فى ظهور عصب القوة والبلطجة الجانحة التى تستولى على أراضى الدولة، ويتولى بعضها تنفيذ الأحكام فى بعض الأحيان، وانتشار ظواهر العنف الاجتماعى، والسياسى.. الخ. ناهيك عن انتشار واسع لثقافة الفساد الإدارى وجرائم الموظفين العموميين من رشوة واختلاس.. الخ. وعلى مستوى النخبة الحاكمة العليا، انتشر الفساد السياسى ومعه التواطؤات والصفقات مع رجال الأعمال، وغيرها من عقود الدولة مع الشركات الدولية المتعدية للجنسيات، والدول الكبري، أو مع بعض النخب العائلية الحاكمة فى إقليم النفط.

ما سبق شكل ميراثا مضادا لمفهوم دولة القانون العادل، وجاءت العملية الثورية فى 25 يناير 2011 تعبيراً عن أزمة الدولة والقانون والنظام والنخبة والحريات، وكانت المراحل الانتقالية كاشفة عن اختلالات هيكلية مستمرة، وازدادت كثافة وخطورة، وذلك لعديد من الاعتبارات:

1- تسرع فى إصدار السلطة الواقعية للإعلانات الدستورية، دون الاستعانة بكبار الفقهاء الثقاة.

2- إصدار تشريعات - بقرارات بقوانين ذات طبيعة وقتية أو مستمرة دون تأن ودرس عميق لها، وتزايدت الفجوة بينها، وبين القدرة على تطبيقها.

3- ضعف واضطراب أجهزة الدولة، فى ظل غياب للأمن. وتزايدت مصادر تهديد الأمن، وبروز شرعية القوة، وفرض قانون الأمر الواقع من قبل الجماعات الإسلامية السياسية، وفى انتشار ظاهرة البلطجة.

4- فرض القضاء العرفى و«الدينى» لحل المنازعات وتطبيق قواعد قانونية من قضاة عرفيين خارج قضاء الدولة.

5- بعض تشريعات البرلمان المنتخب كانت تعبيراً صريحاً وسافراً عن مصالح القوى الإسلامية المسيطرة على البرلمان، ولم تعكس التوافق الوطنى، أو التوازن بين المصالح المختلفة. ومن ثم تم تسييس الإنتاج التشريعى، ووصلت ذروة ذلك فى الانقلاب الدستورى بإصدار رئيس الجمهورية إعلان 22 نوفمبر 2012.

6- ضعف الخبرة التشريعية للتركيبة البرلمانية لأعضاء مجلسى الشعب والشورى، وهو ما أثر سلباً على الإنتاج التشريعى، والأخطر عدم استيعاب بعض أعضاء البرلمان وظائفه، وتحوله إلى منبر للصراع مع أجهزة الدولة الأخرى / السلطة التنفيذية، وأجهزتها، والقضاء/ الذى تعرض إلى حصار أو التشكيك فى استقلاله ونزاهته! سواء فى حصار مجلس الدولة، والدستورية العليا، وحرق بعض المحاكم.

والسؤال الذى نطرحه فى هذا الصدد ما العمل لتكوين وصياغة سياسة تشريعية إصلاحية جديدة قادرة على بلورة القيم السياسية والاجتماعية الجديدة؟ يمكن اتخاذ الإجراءات التالية:

أ - تحديد الدولة - عبر لجنة قومية مختصة - تحديد القيم التشريعية المبتغاة والتى تحميها القوانين التى يصدرها البرلمان.

ب - رعاية مصالح الأغلبية الشعبية فى الحماية القانونية لمصالحها واعتبارها الأجدر بالرعاية فى التشريعات الاجتماعية وغيرهم ومن القوى المهمشة وذوى الاحتياجات الخاصة.

ج - تعديل القوانين من منظور معايير وقيم وحقوق المواطنة، واستحداث أخرى جديدة.

د - توطين القيم والمعايير الكونية المحددة لمنظومة حقوق الإنسان.

هـ - مراجعة فلسفة النظام القانونى المصرى من التسلطية ومعاييرها إلى الليبرالية القانونية الاجتماعية الجديدة، ومن قيم وقواعد اقتصاد المحاسيب والموالين إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، والديمقراطية الاجتماعية.

و - تشكيل لجان متخصصة لمراجعة التشريعات فى ضوء التطورات الجديدة فى النظم القانونية المقارنة الأنجلو - أمريكية، والهندية، والجرمانية.

ز - إجراء دراسات سوسيو - قانونية واقتصادية وثقافية، حول طبيعة المصالح التى يتعين على المشرع الانحياز لها من عملية تطوير التشريعات الأساسية والفرعية، ومراجعة غابة القوانين الفرعية، وإعادة تنظيمها ودمج بعضها فى الأساسية.

ح - مساعدة أعضاء البرلمان من خلال تعيين مستشارين قانونيين وعلماء اجتماع، للمجموعات الحزبية واللجان المختلفة وذلك لتطوير أدائهم فى إعداد مشروعات القوانين، أو نقاش ما قدم لهم من السلطة التنفيذية.

ط - فى بعض القوانين الخلافية لابد من فتح باب الحوار المجتمعى حول مشروعاتها قبل إصدارها. من هنا نبدأ!.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟