المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

العقل الآداتى.. والتسلطية القانونية

الخميس 28/أغسطس/2014 - 12:00 م

أحد أخطر سمات العقل القانونى الآداتى المسيطر منذ ثورة يوليو 1952 إلى مرحلة ما بعد 25 يناير، يتمثل فى النظر إلى القانون كأداة آمرة بأيدى الدولة والنظام لتحقيق أهدافهم ومصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستمرة أو المتغيرة، دونما نظر إلى أن القانون كيان اجتماعى مركب وذو أبعاد متعددة ومن ثم ليس محض أداة وقيد فقط على المخاطبين بأحكامه - أيا كانوا -، وإنما هو أحد الضوابط التى يتعين على النخبة الحاكمة، وأجهزة الدولة المختصة أعمالها والتقيد بها فى تطبيقهم للقواعد القانونية الموضوعية والإجرائية، وألا يتجاوزوها، لأن قانون الدولة الحديث، ينطوى على دور دفاعى وحمائى للحقوق الفردية والعامة، ومن ثم الفرد والمجتمع ليسوا أدوات تشكلها الدولة وسلطاتها وأجهزتها وفق مصالح وأهداف النخبة الحاكمة فقط.

إن العقل القانونى الاداتى يدرك سلطوياً «الفرد» «المواطن» على أنه مستباح، ومن ثم لا يعدو كونه موضوعا لفرض القواعد التشريعية وعليه من ثم الانصياع الأعمى لهذه القوانين وعدم الخروج على قواعدها. لم تعد حياة «الفرد» أو الأحرى الشخص القانونى الطبيعى أو الاعتبارى - المعنوى - أى حرمات لا يجوز انتهاكها على نحو ما كان سائداً فى إطار المجتمع التقليدى - وتركيبات القوة القبلية والعائلية الممتدة - حيث تحترم بعض التقاليد العرفية التى تحمى «الفرد» و«الأسرة» والمقامات الاجتماعية للكبار.. وحرمات معنوية تحمى الشرف والكرامة الفردية والأسرية.. الخ وثمة جزاءات عرفية تفرض فى حال انتهاك هذه القواعد التى هى موضع احترام أفراد الجماعات التقليدية.

والعقل القانونى الآداتى السلطوى كان يضع مصالح الدولة والنظام التسلطى والرئيس باسم الدولة والمجتمع، فوق مصالح الأفراد، ومن ثم كانت هذه المصالح السلطوية تعلو على الحريات العامة والفردية باسم التنمية حيناً، والتغيير والإصلاح الاجتماعى فى عديد الأحيان. كانت القوانين توضع عبر السلطة التشريعية - فى نظام لا ديمقراطى - أو وفق مبادرات السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية - ونظام القرار الجمهورى بقانون -، وذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك دونما مراعاة أن القانون ينظم ويحمى المصالح الاجتماعية والفردية على عديد الصعد، وأن الهندسة القانونية، هى أحد أبرز محركات الهندسة الاجتماعية التى تتغياها الدولة والنظام الحاكم، وتعكس تطلعات المجموع الاجتماعى - بكل مكوناته وشرائحه -، ومن ثم يتعين أن تكون المنظومات القانونية وتطويرها، هى جزء من التوافق الاجتماعى. اتسمت العملية التشريعية بعديد السمات ومنها: الطابع العرضى وبعض العفوية، وغياب الاطلاع على النظم القانونية المقارنة، وعم متابعة الأطر النظرية الجديدة - إلا قليلاً- التى تأسست عليها التشريعات الاجتماعية الجديدة، وفى مجال تمكين المرأة وحقوق المواطنة وأجيالها المتعاقبة، وحماية المهمشين وذوى الاحتياجات الخاصة، وحقوق الطفل. من ناحية أخرى عدم استيعاب المشرع المصرى نمطا من التشريعات الكونية التى تتمثل فى نوعين من المصادر أولهما: الاتفاقيات الكونية التى تنظم عديد المجالات، ويتم الاتفاق والتوقيع والتصديق عليها من غالب دول العالم، وأصبحت تشكل قيداً على المشرع الوطنى، ويتعين من ثم مراجعة التشريعات الوطنية لكى تتوافق مع هذه الاتفاقيات. وترافق مع ذلك تزايد دور التحكيم الدولى على نحو يخرج عديد العقود الدولية والإقليمية من سلطان القضاء الوطنى.

ثانيها: تشريعات تصدرها بعض الدول الأعظم فى عالمنا كالولايات المتحدة، فى مجال احترام حقوق الإنسان، والحريات الدينية، ووضعت آليات وجزاءات على عدم احترام هذه التشريعات، وبات نطاق تطبيقها كونياً ناهيك عن أن عدم احترام بعض هذه التشريعات الأمريكية من بعض الدول - الحكومات، بات يرتب عقوبات عليها، ويؤدى إلى عدم الاستجابة لمطالبها للحصول على بعض القروض والمعونات المالية والمساعدات الفنية التى تحتاجها فى هذا الصدد من الولايات المتحدة ودول شمال العالم الأكثر تطوراً وثراء، ومنظمات التمويل الدولية.

نستطيع القول أيضاً غياب رؤية لفلسفة تشريعية، ومنظومة للقيم السياسية وسواها، التى يتعين على المشرع أن يستهدى بها فى أثناء إنتاج التشريعات لأن فلسفة القانون، وفق ثروت أنيس الأسيوطى هى فلسفة الفلسفة، ومن ثم تحديدها، وتحليلها ووضوحها لدى واضعى مشروعات القوانين، ومعهم المشرعون من أعضاء البرلمان، والسلطة التنفيذية، هى التى تعطى لهذه القوانين الوضوح والتناسق والتكامل، وسلامة التطبيق والحياة. من ناحية أخرى تلعب الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى ترتبط بالتنظيم القانونى للظواهر الاجتماعية، دوراً مهما فى بحث التوازنات بين المصالح الاجتماعية المتنازعة والمتنافسة أو المتصارعة.من ناحية أخرى، هناك ضرورة أن تكون هناك رؤية مستقبلية تستوعب طبيعة عمليات التغير الاجتماعى واحتمالات تطورها حتى تستوعب القواعد القانونية مثل هذا التغير واتجاهاته.انطلاقاً من الملاحظات السابقة، لا يهتم العقل القانونى الشكلانى بالأبعاد السوسيو - قانونية، والسوسيو- ثقافية والاقتصادية لعملية صناعة التشريع، ومن ثم نحن إزاء تشريعات تصدر دونما فلسفة ولا سياسة تشريعية واضحة المعالم، وتنتج التشريعات وتصدر دون بناء توافقات اجتماعية وسياسية حولها، لأن مستويات الأداء التشريعى للتشكيلات البرلمانية تراجعت لصالح الدور المركزى، للسلطة التنفيذية - لاسيما رئيس الجمهورية - كمحرك تشريعى محورى.

 

من ناحية أخرى صدرت تشريعات أساسية فى المرحلة الانتقالية اتسمت بالتسرع وعدم الدراسات الدقيقة، وساهمت فى عدم الاستقرار القانونى والسياسى، وفى ظل غياب رقابة شعبية وهو ما يتطلب مراجعات لها، ولغيرها من المنظومات القانونية التى تحتاج إلى مراجعات إصلاحية شاملة. وللحديث بقية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟