نفذت إيران هجومًا بمسيرات وصواريخ مجنحة
في 14 أبريل 2024 في أول عملية مباشرة من هذا النوع تشنها إيران ضد إسرائيل أطلقت
عليها عملية الوعد الصادق وذلك بعد حوالي أسبوعين على قصف القنصليّة الإيرانية في
دمشق الذي أدى إلى مقتل ثمانية قادة عسكريين إيرانيين من بينهم القيادي في فيلق
القدس التابع للحرس الثوري الإيراني محمد رضا زاهدي. ويثير الهجوم مخاوف من
استمرار التصعيد في المنطقة باعتباره في أول هجوم مباشر ينطلق من الأراضي
الإيرانية نحو أهداف واسعة النطاق في إسرائيل، بعد عقود من الصراع بالوكالة والحرب
الاستخباراتية بين الدولتين.
على الجانب الآخر، أعلن الجيش
الإسرائيلي اعتراض معظم الصواريخ خارج الحدود الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن بعض
الطائرات ألحقت أضرارًا طفيفة بمنشأة عسكرية إسرائيلية. في حين أكد رئيس هيئة
الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري أن الهجوم حقق كل
أهدافه. وتعني الضربات الإيرانية ضد إسرائيل دخول الصراع مرحلة دولة ضد دولة ويمثل
تصعيدًا خطيرًا في المنطقة، وهو السيناريو الذي كانت الولايات المتحدة تأمل في
تجنبه منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر 2023.
كما شكل الهجوم الإيراني واسع النطاق
ضد إسرائيل، نهاية لمسارات الحرب المتغيرة بين الدولتين، من الحروب الاستخباراتية
إلى الهجمات والرسائل العلنية خارج حدودهما، وصولًا إلى المواجهة العلنية
والمباشرة؛ حيث شكل ذلك الهجوم علامة فارقة في العلاقة المعقدة بين الدولتين،
ويعتبر خروجًا عن مألوف الاتفاقات الضمنية التي صمدت لعقود بعدم مهاجمة أراضي
الآخر، بالإضافة إلى الاستخدام الواسع للترسانة الصاروخية والطائرات دون طيار
الموجودة لدى إيران.
استهداف منضبط
أفاد الجيش الإسرائيلي في بيان، بأن
إيران أطلقت أكثر من 300 مسيرة وصاروخ باتجاه إسرائيل، فضلاً عن إطلاق أكثر من 55
صاروخًا من لبنان خلال الساعات الماضية، معلنًا اعتراض 99% منها بواسطة نظام
الدفاع الجوي وبمساعدة حلفاء تتقدمهم الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، أعلنت البعثة
الإيرانية لدى الأمم المتحدة عبر منصة "إكس" إن "المسألة يمكن
اعتبارها منتهية. لكن إذا ارتكب النظام الإسرائيلي خطأ آخر، فإن رد إيران سيكون
أشد خطورة بكثير". كما طلبت طهران من واشنطن عدم التدخل في هذا
التصعيد. وأكدت البعثة الإيرانية "هذا نزاع بين إيران والنظام الإسرائيلي
المارق، ويجب على الولايات المتحدة البقاء في منأى عنه".
ورغم عدم وجود أي بيانات عن وقوع خسائر
أو أضرار جراء الهجوم الإيراني على إسرائيل، قال الحرس الثوري الإيراني، في بيان،
إن الهجوم أسفر عن تدمير أهداف عسكرية مهمة للجيش الإسرائيلي، في حين أعلن الرئيس
الأميركي جو بايدن أن قوات بلاده ساعدت في إسقاط كل المسيرات والصواريخ التي
أطلقتها إيران على إسرائيل تقريبًا، مضيفًا أنه أكد مجددًا لرئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل. وقال مسئولون أميركيون لشبكة CNN الإخبارية إن القوات
الأميركية اعترضت أكثر من 70 طائرة مسيرة هجومية أحادية الاتجاه، و3 صواريخ
باليستية على الأقل خلال الهجوم الإيراني على إسرائيل، كما شاركت السفن الحربية
الأميركية المتواجدة بالبحر الأبيض المتوسط في عملية اعتراض الصواريخ والمسيرات
الإيرانية. وأشارت الشبكة الأميركية إلى تواجد مدمرتين تابعتين للبحرية الأميركي
في المنطقة، مشيرةً إلى أنهما قادرتان على تدمير الصواريخ الموجهة واعتراض
الصواريخ والطائرات المسيرة.
إن هجوم إيران على إسرائيل لا يعدو
كونه تصعيدًا محسوبًا وحذرًا يحقق أهداف كل طرف. فرد إيران رمزي لا يهدف لإيقاع
خسائر قد تدفع إسرائيل للتصعيد خاصة في ظل غياب عنصر المفاجأة؛ حيث إن الاستخبارات
الأمريكية حذرت قبل 48 ساعة من مسيرات وصواريخ إيرانية، وهو ما سمح لإسرائيل
بالاستعداد. ومن ثم فإن هدف الهجوم يتمثل في إظهار أنها قادرة على الردع ولحفظ ماء
الوجه بعد ضرب قنصليتها في دمشق.
سيناريوهات محتملة
بالرغم من أن الضربات الإيرانية
المباشرة شكلت حدثًا غير مسبوق، إلا أنها لا تُشير بالضرورة إلى استغناء الدولتين
عن الحروب الاستخباراتية أو بالوكالة، واستبداله بالاشتباك المباشر لخطورة ذلك على
كليهما، لكن ذلك لا يُقلل من خطورة الهجمات باعتبارها مستوى جديد في سبيل استعادة
الردع. خاصة في ظل التغيرات الاستراتيجية في العقيدة القتالية لدى طرفي الصراع؛
حيث تنتقل طهران من الدفاع إلى الهجوم، فيما يركز الفكر الإسرائيلي على مهاجمة
إيران بدلًا من الاستنزاف في حروب هجينة مع وكلائها، وذلك يُشير أن الدولتين وصلتا
إلى نقطة انعطاف؛ سيصبح معها مهاجمة أراضي الآخر أمرًا واردًا، وفيما يلي أبرز هذه
السيناريوهات:
1. سيناريو المواجهة العسكرية المباشرة Total war
هناك العديد من المؤشرات التي تبرهن
على تعاظم التهديد المتبادل بين الجانبين، الجدير بالذكر أنه في حال اندلاع الحرب
بينهما فإن قواعد الاشتباك ستتغير بصورة كاملة، بل ستؤسس لبداية نوع جديد من
الحروب العابر لأكثر من دولة، على العكس من نمط الاشتباكات التي خاضتها الدولتان
في الماضي، فقد تهاجم إسرائيل المطارات اللبنانية والسورية والعراقية لمنع تحرك
القوات العسكرية الإيرانية، على الجانب الإيراني فإنه من المحتمل في حال حدوث ذلك
أن تهاجم إيران إسرائيل بشكل مباشر وليس من خلال بعض الجماعات التابعة لها في سوريا
أو لبنان أو في فلسطين، وبرغم ذلك ستبقى الجماعات التابعة لإيران في الداخل السوري
أو اللبناني أو فلسطين تمارس دورًا كبيرًا إذا ما اقتصرت الحرب بينهما على الهجمات
الجوية خاصة وأن إيران لا تمتلك سلاح جوي متطور مقارنة بإسرائيل.
الجدير بالذكر أن المواجهة المباشرة
بينهما تتزايد احتماليتها بصورة كبيرة بعدما نجحت طهران في الوصول إلى مواقع
عسكرية داخل الأراضي المحتلة واستهداف المواقع الإسرائيلية العسكرية، ومن ثم أضحت
إسرائيل في مرمى الاستهداف الإيراني المباشر، وهو ما يتطلب وفق الرؤية الإسرائيلية
الاستعداد لكافة السيناريوهات خاصة وأن عمليات الاستهداف الإيرانية للمواقع
الإسرائيلية يمثل نوعًا جديدًا من أنواع التوتر المتصاعد بينهما ما يمهد لمواجهة
عسكرية مباشرة.
2. سيناريو الاحتواء بآلية الردع containment of Doctrine
تتجه الرؤية الإسرائيلية إلى إيران
باعتبارها تهديدًا لأمنها واستقرارها خاصة بعدما تحولت سوريا إلى ساحة للنفوذ
الإيراني المتنامي الأمر الذي تسبب في تحول دمشق إلى مسار للمقايضة الدائمة في
الضغط على إسرائيل، وتأسيسًا على ذلك من المحتمل أن تحاول إسرائيل المحافظة على
مسار الاحتواء للخطر الإيراني من خلال الحد من زيادة هذه النشاطات الهادفة إلى
توسيع جدار المقاومة الإيراني، ولعل هذا الأمر يستلزم العديد من الإجراءات
والسياسات على مستوى التدابير الإقليمية والعالمية أبرزها مواجهة الجماعات التابعة
لها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، إضافة إلى منعها من امتلاك الأسلحة النووية
والتكنولوجيا الخاصة بها وعزلها إقليميًا ودوليًا وكذلك منعها من خطوط التواصل
والامداد بينها وبين الجماعات التابعة لها، ومن ثم يرتكز هذا السيناريو على
فرضيتين أساسيتين يتمثلان في إبقاء إيران بعيدة عن امتلاك الأسلحة النووية وفي
الوقت ذاته بعيدة قدر الإمكان من الحدود الإسرائيلية وذلك وفق اعتبارات استراتيجية
أهمها أن الحرب المباشرة بينهما لن تكون فقط مدمرة للجانبين بل ستؤدي إلى إلحاق
الضرر الكبير بالدول المجاورة لهما متجنبة بذلك سيناريو الحرب الشاملة.
3. سيناريو الحرب الخاطفة أو الحرب
الاستباقية Preemptive
war
تمثل الحرب الاستباقية أو الوقائية في
قيام أحد الأطراف بشن حرب مدبرة ومفاجئة على الطرف الآخر استباقًا أو منعًا لأية
حرب قد يشنها الأخير على الأول أو وقاية منها، ويمثل ذلك الهجوم الأحادي الجانب
الذي يقضي على تأثير إمكانية هجوم الخصم المحتمل في المستقبل، واعتبرها صمويل
هنتجتون بأنها عمل عسكري تقوم به دولة واحدة ضد دولة أخرى، وهذا بهدف منع حدوث
تغير في ميزان القوى بين الدولتين، مما يؤدي إلى التقليل من الأمن العسكري للدولة
الأولى، وهي حرب يتم شنها لأجل الحفاظ على ميزان القوى القائم، وإيقاف ما يعتقد
أنه يشكل تحولًا من حالة التوازن إلى علاقة السيطرة والخضوع.
وتستند إسرائيل في تخطيط استراتيجيتها
على عدة معطيات تعتبرها وقائع أولية خاصة بها، وأهم هذه المعطيات: الوضع الجغرافي
العسكري، وقلة سكانها، وعدم القدرة على تحمل حرب طويلة الأمد، وخطر الهزيمة على
كيانها، وضرورة ربح معركة بعد معركة، وانعدام حرية المناورة لديها، فضلًا عن
الاعتماد على الولايات المتحدة في تحقيق أمنها، وتثبت العديد من الحروب السابقة
التي شنتها إسرائيل إلى تكرار هذه النوعية من الحروب، فكلما اختل توازن القوى
بينها وبين الدول المحيطة بها كما هو الحال في عملية "أوبرا" وهي عملية
عسكرية مفاجئة من الطيران الحربي الإسرائيلي استهدفت المفاعل النووي العراقي في
عام 1981م، وكذلك حرب الأيام الستة على مصر عام 1967م وكذلك حرب عام 2006م على
لبنان، والهجمات العسكرية على قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين، وبذلك فهي
تعتبرها ردًا على حرب لم تقع بل محتملة الوقوع، وتعتبرها هجومًا مضادًا لهجوم لم
يقع بل محتمل الوقوع، وتأسيسًا على ذلك فمن المحتمل أن تتخذ إسرائيل هذه
الاستراتيجية كآلية في مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة لمواجهة
التهديدات التي تتعرض لها سواء من الأراضي السورية أو اللبنانية أو الفلسطينية أو
اليمنية.
على الجانب الآخر، فإن إيران أصبحت في
وضع يُتيح لها الانتقال من العقيدة الدفاعية إلى عقيدة هجومية، بعد أن استعرضت
مجموعة واسعة من ترسانتها الاستراتيجية والتي اختبرت إسرائيل قدرتها على اختراق
عمقها وأجوائها، وهي رد على تغير الفكر الإسرائيلي القائم على ضرورة مهاجمة إيران
بدلًا من استنزاف قدراتها في مواجهة مع وكلائها.