تسلمت
مصر في 24 نوفمبر 2021 رئاسة قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الإفريقية
"الكوميسا" بعد غياب قرابة 20 عامًا، وذلك في مؤتمر تستضيفه العاصمة
الإدارية بالقاهرة بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعدد من الزعماء وقادة
ووفود الدول الأعضاء. وقد عقدت القمة تحت شعار "تعزيز القدرة على
الصمود من خلال التكامل الرقمي الاقتصادي الاستراتيجي" بهدف تشجيع استخدام
أدوات الاقتصاد الرقمي لتيسير ممارسة الأعمال داخل تجمع "الكوميسا"
وتعزيز قدرة الدول الأعضاء على الصمود لمواجهة التداعيات السلبية لجائحة كورونا
على اقتصاداتها.
وتعتبر الكوميسا
بمثابة اتفاقية السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الأفريقي، ويعد التجمع أحد
الدعامات الرئيسية للجماعة الاقتصادية الأفريقية التي تم إقرارها في قمة أبوجا
لعام 1991، واستهدف إنشاء التجمع إلغاء كافة القيود التجارية فيما بين دول أعضاء
التجمع تمهيدًا لإنشاء وحدة اقتصادية للمنطقة، وهو ما يخدم تحقيق هدف الوحدة
الأفريقية، وتمّ إنشاء الكوميسا في ديسمبر عام 1994 خلفًا لمنطقة التجارة
التفضيلية التي بدأت في عام 1981، وتستضيف العاصمة الزامبية لوساكا مقر سكرتارية
الكوميسا.
كما أن تجمع
الكوميسا يعد أحد تجمعات التكامل الاقتصادي الإقليمية، ويستهدف تحقيق التكامل
الاقتصادي بين دول الشمال والشرق والجنوب الأفريقي، من خلال إقامة منطقة تجارة
حرة، يتبعها إقامة اتحاد جمركي ثم الوصول إلى مرحلة السوق المشتركة بين الدول
الأعضاء،
تعزيز التبادل الاقتصادي
تعد
الكوميسا من أهم التجمعات الاقتصادية في القارة السمراء، إذ تضم 21 دولة من
المنطقة المشار إليها، والتي تتفق على السماح بمرور البضائع فيما بينها دون حواجز
جمركية، الأمر الذي من شأنه تعزيز التبادل التجاري. وضمن هذا السياق فإن التبادل
التجاري المصري مع دول الكوميسا سجل حوالي 3 مليار دولار في العام 2020، وهو ما
يعادل نحو 60 بالمئة من إجمالي قيمة التبادل التجاري المصري مع القارة الأفريقية
خلال العام نفسه، والذي سجل 5 مليارات دولار أميركي. كما تحظى مصر في علاقاتها
التجارية مع دول الكوميسا، التي تضم في عضويتها 21 دولة أفريقية وتعتبر من أهم
الشركاء التجاريين لمصر في أفريقيا، بتحقيق فائض تجارى خلال الفترة من (2015-
2020) بلغت قيمته نحو 1.4 مليار دولار أميركي. وتبلغ قيمة إمكانات التصدير غير المستغلة إلى تلك الدول نحو 1.8 مليار
دولار أميركي بحلول 2025، وهو ما يعادل نحو 1.8 بالمئة من القيمة المستهدفة لتعزيز
الصادرات المصرية. كما سجلت إمكانات التصدير غير المستغلة إلى دول
الكوميسا نسبة 9 بالمئة من إجمالي الفرص التصديرية غير المستغلة لمصر بحلول 2025.
من جانب
آخر، بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي للكوميسا 5.6% خلال عام 2019، إلا أن هذا
المعدل شهد تراجعًا كبيرًا خلال عام 2020 بسبب تبعات جائحة كورونا على معظم
اقتصادات الدول الأعضاء، بحسب ما ذكرته السكرتير العام لتجمع الكوميسا، لكن توقعات
صندوق النقد الدولي تؤكد أن متوسط معدل النمو الاقتصادي في تجمع الكوميسا سينتعش
ليصل إلى 4.3% خلال العام الجاري، وإلى 6% خلال عام 2022، وتعود هذه التوقعات إلى
النظرة الإيجابية للتعافي الاقتصادي العالمي المدفوع بجهود التلقيح ضد فيروس
كورونا وتحسن الطلب العالمي.
وعلى
الرغم من ذلك فإن هناك تحديات تواجه مصر في هذه القمة، على رأسها التحديات
الموجودة في النقل والطرق وتمويل البنية التحتية، ولذا طالبت مصر المجتمع الدولي
والمؤسسات المانحة بالتعاون مع الدول الأفريقية في امتصاص صدمات اقتصادية عنيفة
أحدثتها جائحة كورونا ومحاولة إيجاد حلول لحل تمويل البنية التحتية طويل الأجل حتى
تستطيع مصر ودول القارة استغلال الفرص المتاحة والموارد الطبيعية الموجودة وإحداث
نقلة نوعية في المنتجات الإفريقية.
استراتيجية وطنية شاملة
أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح
السيسي إن الرؤية المصرية لرئاسة "كوميسا" تستهدف طرح عدد من المبادرات
للمساهمة في تعميق التكامل، في عدد من القطاعات الاقتصادية، على المديين القصير
والمتوسط. وأشار إلى أن رؤية مصر في
أن تشجيع الأعمال بمفهومها الشامل للأعمال التجارية والاستثمارية والإنتاجية سيسهم
بشكل كبير في تسريع وتيرة التعافي.
وضمن السياق ذاته أعلنت وزارة التجارة والصناعة المصرية عن
صياغة رؤية وطنية شاملة لرئاسة مصر لتجمع الكوميسا والتي تتضمن عددًا من الأنشطة
التي تستهدف تعميق التكامل الاقتصادي بين مصر ودول التجمع لتعزيز التواجد المصري
في أفريقيا بشكل عام ودول الكوميسا بشكل خاص. وتتضمن هذه الأنشطة تهيئة بيئة
الأعمال لمجتمع الأعمال المصري من خلال دعم تعاونه الاقتصادي مع دول الكوميسا
وتيسير مهام عمله في التجمع لتعزيز الدور الريادي المصري الإقليمي، والعمل على
تشبيك مجتمع الأعمال في إقليم الكوميسا وزيادة الروابط بين تجمعات الأعمال لدعم
التكامل الاقتصادي، بما ينعكس على زيادة حركة التجارة والاستثمارات البينية.
كما تشمل هذه الأنشطة فتح آفاق
للتعاون في القطاعات ذات الأولوية، والتي يمكن التركيز عليها خلال عام الرئاسة
المصرية، إلى جانب مشاركة الخبرات المصرية في القطاعات الاقتصادية ذات الميزة
التنافسية مثل النقل والطاقة والاتصالات والصحة مع الدول الأعضاء لزيادة التعاون
المشترك وتحقيق مزيد من التكامل الاقتصادي، وتعزيز التواجد المصري في أفريقيا.
وحددت الوزارة عددًا من المقترحات
وناقشتها مع الجهات المعنية ليتم تنفيذها خلال رئاسة مصر للكوميسا تتضمن مجال الصناعة
من خلال الترويج لمبادرة التكامل الصناعي التي أعدتها الوزارة، والتي تستهدف تعميق
التكامل الصناعي من خلال ترسيم خريطة الموارد المتاحة بالدول الأعضاء وربط سلاسل
القيمة الإقليمية، كما تتضمن هذه المقترحات مجال التجارة والجمارك من خلال حث
الأعضاء غير المنضمين لمنطقة التجارة الحرة على الانضمام وتطبيق الإعفاء الجمركي
على وارداتهم من السلع ذات منشأ الكوميسا، واقتراح تأسيس آلية لمراجعة السياسات
التجارية لدول الكوميسا، ومشاركة خبرات مصر مع الدول الأعضاء في مجال المشروعات
الصغيرة والمتوسطة وتجارة الخدمات.
وتشمل هذه المقترحات كذلك مجال
البنية التحتية من خلال التعاون مع سكرتارية الكوميسا والدول الأعضاء لتوفير مصادر
تمويلية لممرات ومحاور النقل، وفي مقدمتها مشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط،
كما تشمل مجال الزراعة من خلال تشجيع مبادرات التكامل الزراعي بين دول الكوميسا
ودمج القطاع الخاص في تنفيذ مشروعات التنمية الزراعية.
وتتضمن المقترحات أيضًا مجال
الصحة من خلال إنشاء لجنة للتعاون في مجال الصحة بمشاركة وزراء الصحة في الكوميسا،
وذلك بهدف صياغة خطة عاجلة لمواجهة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا في دول
الكوميسا. كما تتضمن مجالي السياحة،
والثقافة من خلال التأكيد على ضرورة تفعيل لجنة السياحة والحياة البرية بالكوميسا
والعمل على تكثيف برامج التعاون المشترك بين دول الكوميسا.
في الختام: تحتل
الدائرة الإفريقية اهتمامًا كبيرًا فيما يتعلق بتعزيز التبادل الاقتصادي والسياسي
والأمني بين مصر والدول الإفريقية بصورة عامة، وهو ما أوضحته سياسة مصر الخارجية
تجاه التعاون مع دول القارة في مختلف المجالات، كما أن مصر تستطيع تقديم الكثير
للدول الإفريقية خلال رئاستها لقمة "كوميسا"، بالإضافة إلى كونها فرصة
ذهبية للاستفادة من رئاستها لـ"كوميسا"، بما يخدم مصر كثيرًا وبإمكانها
مضاعفة صادراتها للدول الأفريقية وتوفير الخامات ومستلزمات الإنتاج بتكلفة أرخص. من ناحية أخرى فإن هذه القمة مهمة لإفريقيا
ومصر على حد سواء، خاصة أن القاهرة أكثر تقدمًا عن بقية دول المنظمة وتستطيع إمداد
يد العون لهذه الدول بالخبرات، استنادًا على أن الاقتصاد يعتمد على مسألة تبادل
المنافع التي تخدم حركة الاقتصاد المشتركة.