في 9 نوفمبر 2021 وصل وفد إماراتي
رفيع المستوى بقيادة وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد، الثلاثاء، إلى سوريا،
في أول زيارة من نوعها منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من 10 سنوات؛ حيث شهدت
الساحة العربية خلال الأيام الأخيرة من التفاؤل بين سوريا ومحيطها العربي بعد هذه
الزيارة خاصة أنها جاءت بعد قرار الإمارات الأخير بإعادة فتح سفارتها في دمشق، 27
ديسمبر 2018، أي بعد 7 أعوام من إغلاق
السفارة، الأمر الذي يعد بمثابة إعادة ضخ المياه إلى شريان العلاقات السورية
العربية، كما كرر وزير خارجية الإمارات في مناسبات مختلفة تصريحاته بشأن أهمية
عودة سوريا لمحيطها العربي.
والجدير ذكره أنه قد سبق إعادة
فتح سفارة الإمارات في دمشق وزيارة وزير الخارجية الإمارتية، زيارة الرئيس
السوداني السابق، عمر البشير، لسوريا، في منتصف شهر ديسمبر أيضًا، ليصبح بذلك أول
رئيس عربي يزور سوريا منذ اندلاع الأزمة في عام 2011، والتي بدأت بالقطيعة السورية
العربية، في أوائل نوفمبر 2011، حينما علّقت جامعة الدول العربية، عضوية سوريا
بسبب الأحداث الدامية، الأمر الذي وصفهُ أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة
الدول العربية، فيما بعد بأنه قرار متسرع.
وقد أعلنت الرئاسة السورية، في
بيان، إن الرئيس بشار الأسد استقبل الشيخ عبدالله بن زايد والوفد المرافق له، وجرى
خلال اللقاء "بحث العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتطوير التعاون
الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق
جديدة لهذا التعاون، وخصوصاً في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات
الاستثمارية في هذه القطاعات".
توقيت متميز
شكلت زيارة وزير الخارجية
والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، على رأس وفد إماراتي،
إلى سوريا، واللقاء الذي جمعه والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، تأكيدًا على دعم
دولة الإمارات لجهود الاستقرار في سوريا، وبما يشكل دفعة للعمل العربي المشترك،
الأمر الذي ينعكس بدوره على الأمن القومي العربي في ظل التحديات التي تهدد
المنطقة.
كما تأتي
الزيارة في وقت دقيق ومهم في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم بشكل عام، في
الوقت نفسه التعويل على الأدوار التي تنتهجها الدول العربية في إطار عودة سوريا للبيت
العربي، في مواجهة التدخلات الخارجية التي تشهدها المنطقة، وبما تشكله سوريا من
ثقل في العمل العربي المشترك، بمعطيات التاريخ والجغرافيا. كما أن هذه الزيارة
جاءت تتويجًا للعديد من المبادرات الإيجابية وفيما يتعلق بالتعاون الدبلوماسي بين
البلدين، وأيضًا كان هناك تبادل للوفود الاقتصادية بين البلدين، بالإضافة إلى
التنسيق حول القضايا والملفات التي تخص المنطقة والإقليم.
وضمن السياق ذاته يكون فإن هذه
الخطوات قد تكون بمثابة القاطرة العربية لعودة العلاقات مجددا، تمهيدًا للوصول إلى
دور عربي يناهض الأدوار غير العربية داخل سوريا خاصة الدورين التركي والإيراني.
ويجب الإشارة هنا إلى أن توجّه الدول العربية الحالي لإعادة العلاقات السورية
العربية، ليس بجديد، الأمر الذي بدأ بشكل واضح مع تصريح سابق للملك سلمان، إذ قال
في كلمة أمام مجلس الشوري السعودي، في نوفمبر 2018، إن المملكة تدعو إلى حل سياسي
يخرج سوريا من أزمتها ويبعد التنظيمات الإرهابية والتأثيرات الخارجية عنها ويتيح
عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. كما أن تلك المساعي، تأتي في سياق موازي مع
الجهود الدولية لحل الأزمة السورية، ووضع دستور جديد للبلاد ومناقشة جهود إعادة
الإعمار وتسوية أزمات اللاجئين.
مسارات العودة للبيت العربي
تمثل سوريا
نقطة ارتكاز أساسية للعمل العربي المشترك وتعد واحدة من أهم ركائز الأمن القومي
العربي تاريخيًا، وهذا الأمر يستند إلى واقع الجغرافيا بشكل خاص، لذلك لابد اليوم
من تصحيح ما شاب من قصور فيما يتعلق بعمل الجامعة العربية عندما قامت بتعليق عضوية
سوريا في أكتوبر 2011 بما يخالف روح الميثاق ومبادئه القائمة على أساس عدم التدخل
في الشؤون الداخلية للدول وتعزيز التعاون وحل الخلافات بالطرق السلمية.
بالإضافة
إلى ذلك فإن المساعي العربية الفردية سوف تدعم أي جهد عربي مشترك وأي تنسيق بيني
مع سوريا في ظل تطلعها وتوجهاتها الاستراتيجية فيما يتعلق بالمشاركة في أولوية حفظ
الأمن القومي العربي خاصة أن هذه الاستراتيجية لا تنبع فقط من مسألة عضوية الجامعة
أو غيرها، بل هذا نابع من حقائق التاريخ والجغرافيا؛ ولذلك لا تجد سوريا أية
إشكالية على المستوى التاريخي في أن يكون هناك تكامل وتعزيز بين أمنها الوطني والأمن
القومي العربي.
ومن قبل كشف
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في 11 سبتمبر 2019، عن مشاروات عربية لإعادة
سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، بالتزامن مع تطبيق المسار السياسي للأزمة
السورية. وقال شكري، في تصريحات خلال اجتماع وزارء الخارجية العرب، وتجددت المطالب
العربية بعودة سوريا إلى الجامعة العربية؛ حيث دعا سفير العراق لدى الجامعة
العربية أحمد نايف الدليمي لإعادة عضوية سوريا بالجامعة، فيما طالب السوريين
واليمنيين والليبيين بتجاوز الخلافات والحوار لإحلال الأمن والاستقرار ببلدهم، جاء
ذلك خلال كلمة افتتاحية للدليمي لأعمال الدورة الـ(152) العادية لمجلس الجامعة
العربية في مقرها بالقاهرة؛ حيث ترأس العراق أعمال هذه الدورة التي عقدت على مستوى
المندوبين الدائمين. ولعل هذه الدعوات تؤشر على أن هناك قناعات لدى العديد من
الدول العربية بأن سوريا الآن باتت أكثر استقرارًا، وأنه لابد من مواجهة التوغل
التركي والإيراني في الشأن السوري، وعلى الرغم من هذه الدعوات إلا أنه هناك
استمرار لحالة انقسام الدول العربية بشأن عودة دمشق إلى المنظمة، وهو ما يمكن أن
يضعف الدور العربي بالمقارنة مع علاقاتها بإيران الحليفة لها.
وتأسيسًا
على ذلك فإن هذه الزيارة تأتي ضمن الجهود المبذولة من قبل دول عربية من أجل عودة
سوريا للعمل العربي، بما تمثله من مركز ثقل للعالم العربي؛ لا سيما أن العالم
العربي بدأ يبحث عن الأمن القومي الذي يفتقده اليوم النظام العربي في ظل تواجد قوى
إقليمية في سوريا والعراق وبلدان أخرى.
وتزايد
أهمية هذه الزيارة كونها تأتي قبل انعقاد القمة العربية في الجزائر في مارس 2021،
وضمن محاولة جادة لانعقاد القمة لكي تكون الصورة مجتمعة بإجماع عربي كامل بشأن
سوريا، في ظل ما تشهده المنطقة العربية من تحديات داخلية، إضافة إلى تحديات كبرى عالمية
لابد للعرب أن يكونوا فيها مؤثرين وليسوا متأثرين، كما أن عقد القمة العربية في
الجزائر آخذ بعين الاعتبار عودة سوريا عبر الباب الرئيسي لجامعة الدول العربية
كأحد الشروط الأساسية لعقد قمة جامعة، وهذا في إطار مسعى الجزائر لإصلاح الجامعة
العربية، وقد سبق أن تحدث وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في هذا الأمر قائلًا
إن جلوس سوريا على مقعدها في الجامعة العربية سيكون خطوة متقدمة في عملية لم الشمل
وتجاوز الصعوبات الداخلية.
في الختام: تتزايد التوجهات العربية نحو إعادة تنظيم العمل العربي المشترك وقد
عبرت عن ذلك الكثير من هذه الدول وإن كانت الخطوات التي تتخذها الدول العربية
متأخرة بعد تطورات الأوضاع الداخلية والإقليمية ذات الصلة بالأزمة السورية، كما
تحمل هذه التوجهات إعادة تقييم للدور العربي من جديد في الأزمة، بالإضافة إلى ذلك فإن
تلك الجهود الرامية لعودة سوريا لمقعدها في مجلس الجامعة وكافة الأجهزة التابعة
لها، جاءت كنتاج للنجاحات الميدانية التي باتت الآن أكثر شاهدًا على قدرة سوريا على
تحقيق السيطرة الميدانية، بعد أن تنامت وسيطرت العديد من التنظيمات المتطرفة هناك
بالصورة التي تهدد الأمن القومي العربي.