ثلاثية التكيف والرؤية والمصلحة: "إشكاليات" السياسة الخارجية المصرية
تظل توجهات السياسة الخارجية المصرية في الفترة
التالية على ثورة 30 يونيو 2013 وأولوياتها، مرتبطة بالسياق المصاحب للثورة، على
نحو فرض على الدولة المصرية أن تنشط في ظل عدم استقرار أوضاعها الداخلية في محيطها
الخارجي، على نحو يخالف خبرات الدول التي تمر بثورات، والتي تميل عادة إلى
الانكماش في سياستها الخارجية خلال المرحلة الانتقالية، حتى تستقر الأوضاع الداخلية.
هذا التغيير ناتج عن ثورة، أو مرتبط بأزمة حيث
عادة ما يتراجع مستوى الاهتمام بالسياسة الخارجية في
الفترات التالية للتغيير، سواء كان حادة تمر بها الدولة.
ويمكن تحديد ثلاثة عوامل شكَّلت
ضغوطا على الحكومة الانتقالية في مصر، على نحو يستدعي اهتمامها بالتفاعل مع
الإقليم ومع العالم. يتمثل العامل الأول: في الموقع الاستراتيجي لمصر في منطقة الشرق
الأوسط، والذي يفرض عليها الانخراط في تفاعلات مع الإقليم والعالم حتى في وقت
الأزمات، وهو ما جعل القاعدة "إذا لم تهتم مصر بالخارج، فإن الخارج سيهتم بها"،
وهذا يفسر اهتمام قيادات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا
بالتعليق على ثورة 30 يونيو، والتطورات التالية عليها، بما في ذلك الاستفتاء على
الدستور، والانتخابات الرئاسية، سواء بإظهار دعمهم لها أو انتقادهم لها، خاصة وأنه
لدى هذه الدول تصور مفاده أن إسقاط حكم الإخوان في مصر، يفتح المجال للسلفيين
ليكونوا بديلاً عن الإخوان، أو لسيطرة المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية، وهو
ما يمثل مصدر تهديد لأمن هذه الدول.
وينصرف العامل الثاني: إلى
أن المرحلة الحالية التي تمر بها مصر، تمس بمصالح العديد من القوى الإقليمية
والدولية، والتي تبنت خطاباً ينتقص من شرعية الحكومة الجديدة في مصر، سواء من قبل
المؤسسات الرسمية فيها، كما في حالة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أو المنظمات
الحقوقية الإقليمية والدولية الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، مثل منظمة كرامة،
أو بعض الدوائر الأكاديمية والإعلامية التي تتعاطف مع جماعة الإخوان في مصر، وهذا
الخطاب يتطلب احتواء تأثيره تبنِّي الحكومة المصرية خطاباً موازياً، يقدم حجج
مضادة counter arguments، وتكشف
تعقيدات المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر، والتي عادة ما يتم تجاهلها من قبل
الدوائر الغربية.
ويتعلق العامل الثالث: بأن
الأزمة التي تمر بها مصر حالياً، خاصة ما يتعلق منها بالعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين،
هي أزمة ممتدة بطبيعتها، وستولد أزمات أخرى، ستستدعي بدورها ردود فعل من المجتمع
الدولي، حتى يتم التوصل لمصالحة ما مع هذه الجماعة، وهذا يتطلب وجود استراتيجية
طويلة المدى للتعامل مع هذه الأزمة وما يتولد عنها من أزمات.
وقد فرض النشاط الخارجي
للحكومة المصرية في ظل وضع الأزمة، على الدولة، ثلاثة "إشكاليات" خاصة
بكيفية إدارة علاقاتها الخارجية خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد اكتمال هيكل السلطة
الجديد في مصر، بانتخاب الرئيس وتشكيل البرلمان الجديد، والتي ترتبط بصورة رئيسية
بأسس السياسة الخارجية للدولة ومرتكزاتها.
أولا-إشكالية الرؤية:
تحتاج
مصر خلال الفترة المقبلة، إلى "رؤية" تحكم توجهات السياسة الخارجية للدولة،
ليس تجاه الدول العربية، والإفريقية فقط، وإنما تجاه العالم أيضاً. ورغم أهمية حديث
وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، في أول مؤتمر صحفي عقده بعد توليه حقيبة
الخارجية، عن اهتمام السياسة المصرية بثلاث دوائر، هي دائرة دول الجوار
والهوية، ودائرة الدول الفاعلة، ودائرة باقي دول العالم، وذلك من حيث استناد هذا
التصنيف إلى اعتبارات المصلحة الوطنية والأمن القومي، ومحاولته الاستفادة من الفرص
التي طرحها التغيير الثوري في مصر منذ 25 يناير 2011، إلا أن الإشكالية مرتبطة
بكيفية مأسسة هذه الرؤية، وربطها بمؤسسات الدولة، وبالمجتمع المصري الذي يمر
بتحولات معقدة.
كما
تفيد خبرات الدول الأخرى بأن صياغة الرؤية، ترتبط بوجود قنوات اتصال مؤسسة مع
مراكز الفكر، تتسم بالديمومة، وتقوم على فكرة التبادل العادل للأفكار والرؤى، وليس
العمل من منطق المتلقي لأفكار وزارة الخارجية، ولعل هذه الممارسة، لا توجد فقط على
مستوى وزارات الخارجية، وإنما موجودة أيضاً في معظم السفارات الأجنبية العاملة في مصر،
والتي تعمل على خلق شبكة من العلاقات مع مجتمع الأكاديميين المصريين، بهدف تقديم
توصيات محددة حول كيفية إدارة دولهم علاقاتهم مع مصر.
ومثل
هذه العلاقة المؤسسية، لم تتبلور بعد، رغم إدراك الفريق الحالي الذي يدير وزارة
الخارجية، أهمية الدور الذي تقوم به مراكز الفكر في دعم القرار، وتطوير البدائل
والخيارات السياسية، إذ لا تزال العلاقة
مع الأكاديميين توظَف في إطار العلاقات العامة، وهي علاقة من المهم أن تتغير.
إلى
جانب ذلك، فإن تحديد الرؤية، يفترض قدرة مصر على تحريك سياستها الخارجية في قضايا
ليست بالضرورة مشتعلة حالياً، ولكن لا تزال السمة المميزة للسياسة المصرية أنها
تتعامل بمنطق "رجل الإطفاء"، الذي يكون سلوكه رد على اشتعال الحريق في
مكان ما، وقد انعكس ذلك بصورة واضحة في حديث وزير الخارجية نبيل فهمي في لقائه مع
الأكاديميين المصريين في 22 يناير 2014، عن أولوية القضايا التي تهتم بها مصر خلال
المرحلة الحالية، وهي الصراع في سوريا، والأوضاع في الخليج وما يرتبط بها من تقارب
إيراني-أمريكي، وقضية مياه النيل، وقضية السلام، في حين أن قائمة القضايا التي
تؤثر تأثيراً مباشراً حالياً على مصر وعلى أمنها، طويلة، ولا يمكن للمتابع أن يعرف
سياسة مصر تجاهها، مثل حالة الاضطراب التي
تشهدها ليبيا، وحالة عدم الاستقرار التي تمر بها لبنان والعراق، فضلاً عن مستقبل
الوضع في أفغانستان.
ثانيا-إشكالية المصالح:
تٌعد
مصالح مصر، شأنها شأن أي دولة في العالم، مرتبطة بأمنها القومي المصري، والذي يخضع
لإعادة تعريف مستمرة منذ ثورة 25 يناير 2011، فما كان يعد مصدر تهديد للأمن المصري
خلال الفترة السابقة، مثل تزايد نفوذ الجماعات الإسلامية، أصبح في الفترة التالية
على الثورة، مخالفاً للواقع الذي خلقته ثورة 2011، خاصة بعد تشكيل الجماعات
الإسلامية أحزاباً سياسية نجحت في الحصول على تمثيل جيد في البرلمان والحكومة. وبعد
ثورة 30 يونيو 2013 أُعيد تعريف الأمن القومي المصري، ليتضمن الجماعات الإسلامية
العنيفة، كمصدر رئيسي للتهديد، بما في ذلك أجنحة جماعة الإخوان المسلمين التي نجحت
في تطبيع أوضاعها بعد ثورة 2011، وفي وصول مرشحها إلى الرئاسة أثناء انتخابات
يونيو 2012، والتي انتهجت العنف منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013،
لاسيما بعد تصنيف الحكومة المصرية في 25 ديسمبر 2013، جماعة الإخوان كجماعة
إرهابية.
حيث
تحتاج الدولة المصرية، لصياغة أسس واضحة لسياستها
الخارجية، سواء تجاه إقليم الشرق الأوسط، أو تجاه العالم، خلال الفترة المقبلة،
بحيث تستند إلى "المصلحة الوطنية" و"الأمن القومي" لمصر، على
نحو يسمح باستقرار التحول في سياسة مصر الخارجية، والذي شهدته منذ ثورة 30 يونيو، وذلك
مقارنة بالسياسة الخارجية طوال عهد الرئيس المعزول محمد مرسي. فعلى سبيل المثال،
لم تشر وثيقة "السياسة الخارجية المصرية.. رؤية جديدة" والتي صدرت عن إدارة
العلاقات الخارجية في الرئاسة المصرية، في 14 أبريل 2013 ، أي في عهد الرئيس مرسي،
والتي تٌعد أول وثيقة حول توجهات السياسة
المصرية، من قريب أو بعيد لفكرة المصلحة الوطنية، وفي المقابل تحدثت الوثيقة عن أن
"تكون مصر دولة صاحبة نموذج حضاري متميز، وهو ما يعني أن تبرز مصر المشروع الحضاري
الإسلامي الوسطي الذى تطرحه في علاقاتها الخارجية و تبني عليه".
إلى جانب ذلك، لم تكن هناك رؤية واضحة للسياسة الخارجية
المصرية، من حيث طبيعة المصالح التي تسعى لتحقيقها، حيث كان من الواضح أن السياسة
المصرية تجاه دول الخليج وسوريا وايران وتركيا يتم توظيفها لخدمة مصالح جماعة الإخوان
وارتباطاتها الإقليمية والدولية أكثر من خدمتها لمصالح الدولة المصرية، على نحو
أدخل مصر في نمط تحالفات "هش" مع تركيا وقطر، على حساب علاقاتها مع
حلفاء استراتيجيين لها مثل دول الخليج.
ورغم
أن تصورات النخبة الحاكمة الحالية، ترى أن وزارة الخارجية هي المسئول الأول عن طرح
بدائل السياسة الخارجية المصرية وتنفيذها، إلا أن ذلك لا يعني أنها تلعب دوراً
محورياً في تقرير محتوى هذه السياسة، أو تعريف المصالح المصرية، وإذا كانت وزارة
الخارجية المصرية، أكثر انفتاحاً على تأثير قوى الشارع التي قادت الثورتين، سواءً
من حيث الدعم الذي تقدمه للدبلوماسية الشعبية، أو من حيث اهتمامها بالجالية
المصرية في الخارج، فإن ذلك يعكس دورها في تحديد آليات تنفيذ المصالح، حيث لا تزال
مصفوفة المصالح التي تعمل عليها الدولة المصرية ترتبط بمعطيات المرحلة التي تمر
بها مصر، ولا يزال هناك غياب لوثيقة محددة تعرف ما هي مصالح الدولة المصرية أو
الجهة التي تقوم بتعريفها.
ومنذ تولي وزير الخارجية الحالي، نبيل فهمي حقيبة
الوزارة، حرص في أول مؤتمر صحفي عقده، على اعتبار المصلحة الوطنية والأمن القومي، مرتكزا لعلاقات مصر مع العالم، وقام بتشكيل مجموعات عمل، تتولي
وضع تعريف محدد للمصلحة الوطنية والأمن القومي، في محاولة، للتوصل لمفهوم يتسق
والمرحلة الحالية التي تمر بها مصر.
إلى جانب ذلك، تبنى نبيل فهمي سياسة تفعيل دور الوزارة
في إدارة "الملفات الأزمة" في السياسة المصرية، ممثلة في ملف مياه
النيل، وملف صورة مصر في الخارج بعد 30 يونيو ، وهو ما يؤشر إلى عودة الدور النشط
للخارجية المصرية، وهذا على خلاف ما كان سائد في عهد مرسي، حيث كان من الواضح
حينها أن من يدير الملفات الخارجية الرئيسية هو عصام الحداد، الذي شغل منصب مساعد
الرئيس للعلاقات الخارجية، والمهندس خالد القزاز مستشار الرئيس للشؤون الخارجية،
وذلك إلى جانب دور لعبه السفير محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية،
في بعض القضايا، على نحو جعل وزارة الخارجية تلعب دوراً "بروتوكوليا" في
معظم الملفات.
ويكمن
التحدي الرئيسي الذي تواجهه مصر خلال هذه المرحلة، ليس في تحديد ماهية المصالح
فقط، وإنما في إكسابها طابع مؤسسي، ليس فقط من حيث تنفيذها ، وإنما أيضاً من حيث
صياغتها، واستقرار ذلك طوال الفترة المقبلة، بصرف النظر عن الانتماء السياسي
للنخبة الحاكمة.
ثالثا-إشكالية "التكيف الذكي" مع
تغير ميزان القوى في الإقليم:
شهد
إقليم الشرق الأوسط، تحولات استراتيجية أثرت على مصفوفة الأدوار الإقليمية فيه
بصورة واضحة، فمن ناحية، تزايد الدور الإقليمي
الذي تلعبه دول الخليج الست بدرجات متفاوتة، فبينما كانت قطر الدولة الأكثر نشاطاً
في المنطقة، حيث كانت الدوحة عاصمة القرار السياسي طوال الفترة السابقة على ثورة
30 يونيو 2013، اتجهت السعودية لتكثيف نشاطها في منطقة الخليج على نحو يسمح لها بتجنب
تداعيات الثورات العربية، من خلال الأطر التي يوفرها مجلس التعاون الخليجي، وفي
هذا الإطار طرحت فكرة توسيع المجلس ليضم الأردن والمغرب، والتدخل في البحرين على إثر
احتجاجات فبراير 2011، ثم توفير المساعدات المالية للبحرين وعمان، وأخيراً الدعوة
لانتقال المجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.
ومنذ سقوط حكم الإخوان في مصر بعد ثورة 30 يونيو، اكتملت
أبعاد هذا الدور لدول الخليج، على نحو أصبحت تمثل معه مركز الثقل السياسي في منطقة
الشرق الأوسط، خاصة الرباعي الخليجي: السعودية والإمارات والبحرين والكويت، بينما
تمر سياسات قطر بتغييرات بطيئة بعد تولي الأمير تميم السلطة، وبعد خسارتها الرهان
على إخوان مصر، في حين تفضل عمان اتباع سياسة نشطة فيما يمثل مصلحة مباشرة لها،
حيث أصبح هذا الرباعي يتبنى منهج الاعتدال ودعم الاستقرار في المنطقة، ومواجهة
أخونة المنطقة، لاسيما بعد الدعم الذي قدمه لمصر بعد ثورة 30 يونيو.
وفي المقابل، تراجع النشاط المستقل للسياسة الخارجية
المصرية، خاصة مع انشغال مصر بتعقيدات المرحلة الانتقالية، حيث أصبح واضحاً أن
التطورات التي مرت بها مصر في الفترة التالية على ثورة 30 يونيو لم تسقط هلال الإخوان
بالكامل في منطقة الشرق الأوسط، بذات الدرجة التي ساهمت في تشكله بعد ثورة يناير
2011، حيث لا يزال إخوان تونس قادرين على الحفاظ على نصيبهم من السلطة، وكذلك
الوضع بالنسبة لإخوان ليبيا وإخوان اليمن، والإخوان في الكويت والبحرين.
ولا يرتبط تحول
الرباعي الخليجي إلى مركز ثقل، بامتلاك دوله المال فقط، وإنما أيضا التفكير
الاستراتيجي، وشبكة العلاقات والتحالفات التي تتخطى حدود منطقة الشرق الأوسط، لتؤثر على دوائر صنع القرار في واشنطن، وموسكو،
فضلاً عن الدول الأوروبية.
ويمكن تحديد بعدين لكون هذه الدول مركز ثقل سياسي في
المنطقة؛ يتمثل البعد الأول في أنها أصبحت المركز الذي يصنع فيه القرار السياسي
فيما يتعلق بقضايا التغيير السياسي في المنطقة، حتى أصبحت المقولة الشهيرة، من
يريد أن يحدث تغيير في دولته عليه أن يزور الإمارات والسعودية. وينصرف البعد
الثاني، إلى أنها أصبحت مصدر تمويل لا يمكن التغافل عنه لعمليات التنمية في معظم
دول الشرق الأوسط، وليس الدول العربية فقط، من خلال الصناديق السيادية.
ومن ناحية ثانية، تمر إيران بمرحلة إعادة تموضع Re-positioning في إقليم الشرق الأوسط، بعد أن تم توقيع اتفاق جنيف النووي بينها
ومجموعة 5+1، في 27 نوفمبر 2013، وهو ما سيكون له تداعيات سياسية على دور إيران في
الإقليم. وهذا الوضع، يطرح على مصر تحد خاص بإعادة تعريف دورها الإقليمي، على نحو
لا يتصادم مع دور هذه الدول.
وبصفة عامة، يمكن القول، إن البيئة
الاستراتيجية في الإقليم، أصبحت أقل تحبيذاً لدور سياسي نشط لمصر، وفق المبادئ
التقليدية التي حكمت السياسة المصرية، سواء ما يتعلق منها بتجنب الحلول العسكرية
للصراعات، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا يتعارض فيها موقف مصر مع موقف دول
الخليج، التي أصبحت داعما رئيسيا للمرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر بعد 30
يونيو 2013، مثل قضية الصراع في سوريا. وتدرك القوى الكبرى المؤثرة في المنطقة،
هذا التحول، سواء الولايات المتحدة أو روسيا.
حيث
أصبح هناك قيود سياسية حقيقية حول نطاق هذا الدور المصري، أو مداه، أو درجة
فاعلتيه، أو حتى استقلاليته، خاصة مع حديث وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في
لقائه بالأكاديميين المصريين في 22 يناير 2014، عن أن مصالح أصدقاء مصر في المرحلة
الحالية هي جزء من مصالح الدولة المصرية،
وهو منطق، لم يعد سائداً في العلاقات الدولية، وهذا الوضع يثير تساؤلات حول واقعية الحديث عن ريادة مصر
في المرحلة الحالية.
ويفرض
هذا الوضع على مصر، تبني سياسة خارجية تسمح لها بالتكيف الذكيsmart
adaptation مع هذه التحولات خلال
المرحلة المقبلة، على نحو يسمح لها بالتأثير
فيها بما يخدم المصالح الاستراتيجية للدولة المصرية، وتحويل مسارها، بعد استقرار
الأوضاع الداخلية فيها، وعلى نحو يسمح لها باستعادة قدر من النشاط في سياساتها
الخارجية، على الأقل في القضايا التي تهمها، مثل مكافحة الإرهاب.
ويمكن
القول، أن معالجة مصر لهذه الإشكاليات الثلاث، خلال الفترة المقبلة، لاسيما بعد
اكتمال تشكل النظام الجديد استناداً لدستور 2014، يتطلب تشكيل فريق من التكنوقراط،
يتولى مهمة وضع الخطوط العامة الحاكمة للسياسة الخارجية لمصر، ويتولى مهمة إصدار
وثيقة مرجعية لتوجهات الخارجية المصرية، ملزمة لكافة المؤسسات المعنية بتنفيذ
السياسة الخارجية المصرية، ويتولى أيضا مهمة "مأسسة" العلاقة مع مراكز
الفكر، وذلك بهدف تجنب ارتباط مثل هذه الجهود "الإصلاحية" بشخصية وزير
الخارجية، أو رئيس الحكومة، دون ما يوجد ما يضمن استمرارها في حال تغير الأشخاص،
ولتجنب أيضاً التأثر بطبيعة وزارة الخارجية، باعتبارها الأداة الدبلوماسية لتنفيذ
السياسة الخارجية المصرية.
هذا جزء من مقال نشر فى العدد الثالث من مجلة أفاق سياسية