المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

احتمالات التراجع: آلية اتفاق الرياض وحسابات توازن القوى الجديد

الأربعاء 30/أبريل/2014 - 10:26 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.محمد السعيد إدريس

منذ أن اجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست في إحدى القواعد العسكرية السعودية بالقرب من الرياض (17/4/2014) للبحث في نتائج الوساطة الكويتية بين قطر والدول الثلاث، التي سحبت سفراءها من الدوحة (السعودية والإمارات والبحرين)، وعقب إعلان ما سُمي بـ "آلية اتفاق الرياض" بعد انتهاء ذلك الاجتماع ومعظم التوقعات متشككة في مضمون ما توصل إليه الوزراء الست، وجدوى التعويل على إمكانية واحتمالات التراجع القطري عن مواصلة ما تقوم به من ممارسات كانت السبب في توتر علاقاتها مع الدول الثلاث واضطرارها لسحب سفرائها من العاصمة القطرية، بعد أن حنثت قطر بما سبق أن وافق عليه أميرها الشيخ تميم بن حمد في اجتماعه بالرياض مع العاهل السعودي، بمشاركة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في 23 نوفمبر الماضي.

الأسباب المرجّحة لضعف فرص نجاح "آلية اتفاق الرياض" كثيرة، منها تعمد إخفاء النص الرسمي لهذه الآلية، والاكتفاء بإعلان ما يمكن اعتباره مجرد "ديباجة" للاتفاق

أولا: أسباب محتملة لفشل الاتفاق

الأسباب المرجّحة لضعف فرص نجاح "آلية اتفاق الرياض" كثيرة، أول هذه الأسباب تعمد إخفاء النص الرسمي لهذه الآلية، والاكتفاء بإعلان ما يمكن اعتباره مجرد "ديباجة" للاتفاق. فما أعلن هو مجرد إيحاء دون إفصاح، حيث جاء النص على النحو التالي: "تم في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية إجراء مراجعة للإجراءات المعمول بها فيما يتعلق بإقرار السياسة الخارجية والأمنية، وتم الاتفاق على تبني الآليات التي تكفل السير في إطار جماعي، ولئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس في مصالح وأمن واستقرار دوله، ومن دون المساس بسيادة أي من دوله".

ثاني هذه الأسباب، أن الوزراء لم يعقدوا مؤتمرًا صحفيًّا ليعلنوا ما توصلوا إليه من اتفاق، بل لم يعقد الأمين العام لمجلس التعاون مؤتمرًا صحفيًّا لهذا الغرض نيابة عن الوزراء، واكتفى بإعلان ذلك البيان الغامض، ما يعني أن التباعد وليس مجرد الخلاف ما زال يفرض نفسه.

ثالث هذه الأسباب، هو التناقض الوارد في مضمون ما تضمنه ذلك الاتفاق أو تلك الآلية غير المعلومة أو غير المعلنة. فالنص يقول الشيء ونقيضه في محاولة لإرضاء الطرفين. فهو من ناحية يستجيب مع مطالب الدول الثلاث: (السعودية والإمارات والبحرين) عندما يتحدث عن أنه "تم الاتفاق على تبني الآليات التي تكفل السياسة في إطار جماعي" وأنه تم الاتفاق على "ألا تؤثر سياسات أي من دول المجلس في مصالح وأمن واستقرار دوله"، لكنه يتحول لإرضاء قطر عندما يكمل النص في الفقرة السابقة بالقول: "دون المساس بسيادة أي من دوله". هذا التناقض ينفي وجود أي اتفاق، فهو يعطي لقطر أن تفعل ما تشاء احترامًا لسيادتها، ولكن دون الإضرار بالدول الأخرى، الأمر الذي يتجاوب مع وجهة النظر القطرية منذ بداية تفجر الخلاف، وهي وجهة النظر التي تقول إن لقطر الحق في أن تنتهج ما تريده من سياسة خارجية وأن تقيم علاقات بمن تريد، ولكن بما لا يتعارض مع التزاماتها المنصوص عليها في "النظام الأساسي لمجلس التعاون".

رابع هذه الأسباب، ما جاء على لسان وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية، عقب لقائه مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في الكويت، بحضور وزير الخارجية الكويتي على هامش اجتماعات اللجنة العليا الكويتية – القطرية في دورتها الثالثة (23/4/2014) حيث حرص في معرض حديثه عن "آلية اتفاق الرياض" على أن يقول أن "الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وصلوا إلى تفاهمات، وهذه التفاهمات لا تعني تنازلات"، بما يؤكد أن قطر لم تتراجع عن مواقفها السابقة التي كانت وراء تأزيم علاقاتها مع الدول الثلاث.

عودة سفراء البحرين والسعودية والإمارات إلى الدوحة مرهون بتنفيذ قطر لاتفاقية الرياض التي وضعت أسسًا جديدة للعلاقات بين دول الخليج

خامس هذه الأسباب، أن آلية اتفاق الرياض لم يترتب عليها قرار بعودة السفراء الثلاثة، وهذا يعني أن الاتفاق لم يكن مقنعًا بما فيه الكفاية لإعادة السفراء، أو أن هناك تشككًا من جانب الدول الثلاث في جدية التزام قطر بما اتفق عليه، لذلك كان إرجاء إرسال السفراء لحين انجلاء جدية الالتزام القطري، وهذا ما كشفه بوضوح الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني، الذي أعلن أن "عودة سفراء البحرين والسعودية والإمارات إلى الدوحة مرهون بتنفيذ قطر لاتفاقية الرياض التي وضعت أسسًا جديدة للعلاقات بين دول الخليج". كما أوضح أن فريقًا من المتخصصين في دول المجلس يجري اجتماعات في العاصمة السعودية من أجل وضع آليات تنفيذ بنود الاتفاقية، وأشار إلى أن "الدوحة مُنحت فترة زمنية من أجل الالتزام بتلك الاتفاقية" وأن هناك "شروطًا يجب على الدوحة أن تنفذها لعودة السفراء".

مجمل هذه الأسباب يكشف أمرين أولهما، أن ما تم التوصل إليه في الرياض بين وزراء خارجية الدول الست هو مجرد "تفاهمات" وليس "تنازلات"، وثانيهما، أن تلك التفاهمات غير مكتملة، وأن هناك لجنة فنية تستكمل الجانب الإجرائي لذلك الاتفاق والذي بموجبه يمكن أن يعود السفراء.

ثانيا- عودة السفراء:

هل سيعود السفراء؟

السؤال في ذاته ليس بالأهمية الكبيرة، لأن عودة السفراء ستحدث عاجلاً أم آجلاً لكن المهم هنا أمران أولهما، هل هناك قناعة لدى الدول الثلاث المعنية إضافة إلى كل من الكويت وسلطنة عمان، بأن قطر يمكن أن تغير سياستها التي تنتهجها منذ سنوات عدة مضت. ثانيهما، إذا لم تكن هناك قناعة بأن قطر يمكن أن تقبل بأن تتراجع عن ذلك النهج وتلك السياسة فلماذا كان القبول باللقاء مع وزير الخارجية القطري في الرياض؟

دراسة تطور مواقف الدول الثلاث من قطر منذ إبرام اتفاق الرياض في 23 نوفمبر الماضي، وما أعقبها من اجتماع عقد في الكويت في 17 فبراير 2014 لوزراء خارجية دول المجلس بحضور كل من أميري الكويت وقطر، والذي وضع آلية لمراقبة اتفاق الرياض، ثم الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية الدول الست يوم 4/3/2013، والذي تم خلاله بذل محاولات كبيرة لإقناع دولة قطر بأهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع اتفاق الرياض موضع التنفيذ، والموافقة على آلية لمراقبة التنفيذ، كلها تؤكد ما تم التوصل إليه من جانب الدول الثلاث عقب انتهاء ذلك الاجتماع، والذي أعقبه مباشرة إعلان سحب سفراء دولهم من الدوحة، وهو أن كل تلك الجهود لم يسفر عنها موافقة قطر على الالتزام بتلك الإجراءات.

هذا الاستنتاج رسخ قناعة بأن قطر باتت أبعد ما تكون عن أن تكون طرفًا فاعلاً في إطار مجلس التعاون وأن طموحها بات أكبر من حجمها ومن حجم دورها الخليجي، كما رسخ قناعات بأن قطر تعمل ضمن مشروع دولي لتفكيك السعودية، وأنها تستخدم كل إمكاناتها لتحقيق هذا الهدف عبر أدوات متعددة أبرزها بالطبع "قناة الجزيرة" التي يراها كتاب خليجيون بمثابة "جيش الدوحة الضارب"، وهناك من يضيف بأن الجزيرة هي "جيش وزارة الخارجية الأمريكية الهدام وتيار المحافظين الجدد"، وأن دورها أخذ يتركز منذ سنوات في مهمة "تهيئة الشعوب العربية لتستقبل إستراتيجية الشرق الأوسط الجديد بكل ما يعنيه ذلك من تدمير للمجتمعات العربية وتركيبتها الوطنية والدينية والسياسية".

قطر بالنسبة للولايات المتحدة ليست مجرد قاعدة عسكرية كبرى فحسب، بل هي أيضًا مخزن لا ينضب للطاقة والمال

تحليل هذه الرؤية يخرج باستنتاج مهم مفاده؛ أن قطر التي تدرك أنها مهددة تاريخيًا من السعودية، وأنه لا أمن واستقرار لها دون الالتزام بسياستين أولاهما: تفكيك المملكة إلى دويلات صغيرة مذهبية وعرقية متناحرة تكون عاجزة عن تهديد قطر، وثانيتهما، الارتباط بحزمة تحالفات دولية وإقليمية تجعلها عصيّة على أي تهديد سعودي، ومن أجل ذلك تحالفت مع كل شياطين الأرض من منطلق الالتزام بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". تحالفت قطر مع إسرائيل ومع إيران، لكن الأهم هو تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقبل هذا كله أنها رفعت شعار العلمانية والليبرالية وتحالفت مع أعتى المنظمات الإسلامية الجهادية والتكفيرية اليمينية ومع الإخوان ومع القاعدة.

قطر بالنسبة للولايات المتحدة ليست مجرد قاعدة عسكرية كبرى فحسب، بل هي أيضًا مخزن لا ينضب للطاقة والمال، فضلاً عن أنها ليست لها عداوة شعبية محتملة وليست لها التزامات عربية كما هي حال السعودية، فإذا أخذنا في الاعتبار هذا كله، وكذلك إدراك قطر لامتلاكها مميزات نسبية مقارنة بالسعودية في علاقتها مع الولايات المتحدة من خلال علاقتها العسكرية معها الموجودة في قاعدتين كبيرتين على الأراضي القطرية (العديد والسيلية) لأدركنا أهمية ما تدرك قطر امتلاكه من موارد القوة. فقد نجحت قطر أن تربط نفسها باتفاق حماية شديد التعقيد مع الولايات المتحدة بفضل هاتين القاعدتين هو "اتفاق السونا الأمريكية – القطرية" (STATUS OF FORCES AGREEMENT ). وهو اتفاق يفرض على الولايات المتحدة التزامات قوية تفوق كل أنواع الحماية والدعم لقطر.

وإذا ما أدركنا مغزى وأهمية ارتباط قطر بأعتى المنظمات الإسلامية تطرفًا وانتشارًا (الإخوان والقاعدة) بتنسيق مع تركيا، فإننا سنصل إلى نتيجة مهمة مزدوجة أولاها، أن قطر باتت تملك مصادر قوة غير تقليدية نسبيًّا مقارنة بكل الدول الخليجية الأخرى أعضاء مجلس التعاون الخليجي. ثانيتها، أن قطر أصبحت على يقين أنها أضحت لاعبًا إقليميًا قويًا له التزاماته وله مشروعه الأوسع من إقليم الخليج بمشاركة قوى دولية وإقليمية، وبدعم وتنسيق مع المنظمات فوق القطرية الإسلامية، ما يعني أنها لم تعد صاحبة مصلحة أن تقلص دورها مرة أخرى ضمن الإطار الخليجي المحدود الذي يريد أن يجردها من كل مصادر قوتها، والذي حتمًا سيعيدها إلى حجمها الطبيعي تحت الرعاية السعودية.

هذا الإدراك أخذ يتسع وأخذ يفرض نفسه خليجيًّا، والأهم أنه بات يفرض قناعة بأنه لا طائل من أي سعي خليجي لاستعادة قطر لالتزاماتها الخليجية السابقة.

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا كانت الوساطة السعودية؟ ولماذا كان اجتماع الرياض والتوصل إلى آلية الاتفاق الفاشلة المذكورة؟

أن قطر أصبحت على يقين أنها أضحت لاعبًا إقليميًا قويًا له التزاماته وله مشروعه الأوسع من إقليم الخليج بمشاركة قوى دولية وإقليمية

ليست هناك إلا إجابة واحدة هي؛ السعي نحو درء المخاطر قدر الإمكان والرهان المعنوي على استعادة قطر في ظل تطورات أخرى مهمة منها القرار الأمريكي برفض التعامل مع جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، على غرار الموقفين المصري والسعودي. فقد نشرت صحيفة "الرأي" الكويتية نقلاً عن مسئول أمريكي قوله: إن "جماعة الإخوان المسلمين لا تشكل خطرًا على واشنطن" مشيرًا إلى أن بلاده لم تتسلم حتى الآن أي إشعار أو طلب لوضع "الإخوان المسلمين" أو غيرها من المنظمات على اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية. ومنها عدم الرضا الأمريكي على الخلاف بين كل من السعودية والإمارات والبحرين وبين قطر، وهو ما تكشف في محاولة الرئيس الأمريكي أوباما عقد قمة بينه وبين قادة الدول الخليجية الست في الرياض على هامش زيارته للعاصمة السعودية في نهاية شهر مارس الفائت لحل ذلك الخلاف لكن الرفض السعودي لهذا الدور الأمريكي أفشل هذه المحاولة. ومنها أيضًا محاولة قطع الطريق على إيران للعبث في الوحدة الخليجية باستغلال الخلافات الراهنة، لجذب قطر نحو استقطاب إقليمي جديد تدبر له إيران، وهو ما تأكد من توجيه الرئيس الإيراني حسن روحاني دعوة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد لزيارة طهران.

تحسبات لها أهميتها، لكنها لن تغير شيئًا في حسابات أكبر بكثير من تلك الأمنيات أو محاولات الإصلاح المعنوية. فقطر باتت لها أجندة أكبر من الخليج، وأن عودتها للخليج ستكون ضمن شروط وحسابات أخرى على حساب الدور السعودي بكل تأكيد.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟